على أنغام أغنية التراث القسنطيني "فاح الزهر فاح" صنع مهرجان ربيع قسنطينة الثقافي لتقطير الزهر والورد ديكورا مميّزا، عشية الأربعاء الفارط، بقلب المدينة القديمة بحضور عدد من الفنّانين والحرفيين الذين شاركوا في استعراض ثقافي جاب شوارع وسط المدينة وكسر هدوء وقت القيلولة، معلنا عن انطلاق عيد المدينة السنوي. أعطى والي قسنطينة، السيّد عبد الخالق صيودة، إشارة انطلاق مهرجان ربيع قسنطينة الثقافي لتقطير الزهر والورد، وهي الحرفة التي لا تزال عدد من الأسر القسنطينية، تحافظ عليها كما تحافظ على حلي الذهب والفضّة، حيث انطلقت القوافل المشاركة في هذه الفعالية الثقافية من ملعب الشهيد بن عبد المالك رمضان، نحو دار الثقافة محمد العيد آل خليفة، مرورا بشارع جورج كنيدي، ساحة الهرم (البيراميد) وشارع عبان رمضان. وضمت القافلة في مقدمتها براعم الكشافة الإسلامية الذين حملوا الراية الوطنية مرفقين بفرقتهم النّحاسية، كما ضمت العديد من الجمعيات الثقافية والفنّية التي صنعت صورا جميلة اصطف الجمهور العريض لمشاهدتها وأرشفتها عبر هواتفهم النقالة خاصة ما تعلق بالزّي التقليدي القسنطيني من قندورة القطيفة وقفطان القاضي والبرنوس وكذا الملايا السوداء التي باتت تعد من تاريخ المدينة العريقة ورمزا من رموز المرأة القسنطينية. كما صنع الخيالة ألواحا فنّية رائعة من خلال رقصات الأحصنة التي جلبت عددا كبيرا من الفضوليين، وامتزجت فيها صورة جد معبّرة من خلال اللقاء بين وسائل النّقل الحديثة ممثلة في الترامواي ووسائل النّقل القديمة المتمثلة في الأحصنة، ودوّى صوت البارود أزقّة قسنطينة الهادئة وشوارعها، كما شارك في هذا الحفل عدد من هواة جمع السيارات القديمة تتقدمهم شاحنة تقطير الورد وهي مكسوة بالورود وتحمل "القطار النّحاسي" وهو الآلة المستعملة في التقطير. المهرجان عرف أيضا مشاركة عدد من الفرق الفلكلورية المختصة في التراث الغنائي المحلي، وكانت أخر لوحة تم رسمها في هذا الكرنفال صورة الشاحنة التي حملت برعمات قسنطينة وهنّ يرتدين اللّباس التقليدي القسنطيني وسط ديكور صينية قهوة العاصر، حيث لاق هذا المشهد تجاوبا كبيرا من طرف الجمهور الذي أبى بعضه إلا المشاركة من خلال "الرشق" وهي عادة قسنطينة تشتهر في الأفراح، حيث يقوم الأهل والأصدقاء بتقديم مبالغ مالية للمطرب أو العريس أو العروس. من جهتها أكدت السيّدة أميرة دليو، مديرة دار الثقافة مالك حداد والمكلّفة بتسيير دار الثقافة محمد العيد آل خليفة ومن بين المنظمين للمهرجان، أن قسنطينة باتت تفتخر كونها الولاية الوحيدة عبر التراب الوطني التي لا تزال تحافظ على حرفة تقطير الزهر والورد من خلال مهرجان رسمي، مضيفة أن هذه التظاهرة تعد اعترافا بالجميل لعدد من الحرفيات وعدد من الأسر القسنطينية التي أبت إلا الحفاظ على هذا الموروث الثقافي المحلي اللامادي، الذي تركه الأجداد وحافظ عليه الأحفاد. السيّدة أميرة دليو، أكدت أن حرفة تقطير الزهر والورد هي عادة متأصّلة ومتجذّرة بعاصمة الشرق منذ حوالي 12 قرنا، مضيفة أن الاحتفال هذه السنة عرف تجنيد مختلف فواعل المجتمع المدني من فنّانين وأسرة ثقافية وكذا جمعيات فنّية وثقافية، في شكل تعبئة ثقافية تم من خلالها التأكيد على الانتصار لهوية الوطن والتاريخ والحضارة، وقالت إن المعرض الذي نظم على هامش التظاهرة بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة على مدار 15 يوما، والذي ضم ورشات الزهر والورد وكيفية التقطير مع بيع للزهر والورد، عرف تنظيم معرض للفن التشكيلي ولوحات خلّدت جمال مدينة قسنطينة ومعالمها.