يعتبر قطاع الموارد المائية من القطاعات الحسّاسة للغاية، التي تتطلّب تكاثف الجهود بين مختلف الفواعل الرسمية المركزية واللامركزية من جهة، ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين من جهة أخرى، سعيا للوصول إلى الهدف الإستراتيجي، المتمثل في الأمن المائي. أعطت السلطات العمومية أهمية بالغة لعاصمة الغرب الجزائري، وهران، وذلك نظرًا لما تكتسيه من مكانة كبيرة سياحيا واقتصاديا، وخير دليل، هو الإنجازات المحقّقة في مجال المنشآت الكبرى والتعبئة والنقل والتخزين والتوزيع، لكن وبالمقابل تشير التقديرات إلى ضياع زهاء 228 ألف م³ من المياه الشروب يوميا، جراء التسربات والسرقة، إضافة إلى 6000م³ من منابع الأودية، تهدر هباءً في البحر والمحيط. في ضوء ذلك، كشف رئيس مصلحة تزويد المياه الصالحة للشرب بمديرية الموارد المائية لوهران، بختيار رابح، عن «ضياع 40 بالمائة من المياه المنتجة بالولاية يوميا، بسبب التسربات، وكذا ظاهرة السرقة والربط العشوائي». وأبرز بختيار في تصريح ل»الشعب»، أن «نسبة الضياع بسبب التسربات، نتيجة قدم شبكات التوزيع، تمثل 15 بالمائة، فيما تكبّد ظاهرة سرقة الماء، والربط غير القانوني، خسارة 25 بالمائة من الإنتاج الإجمالي. وهنا أشار إلى ظاهرة الربط غير الشرعي بالتجمعات الفوضوية، موضحا أنها «لا تدخل في الإحصائيات، بكونها تستهلك كميات معتبرة من الإنتاج بدون عداد، ولا تؤدي فقط إلى استنزاف المياه الشروب، وخلق تذبذبات في التوزيع، ولكن تتسبب في الإضرار بالشبكة». كما لفت إلى أن الكمية الضائعة بالأرقام التفصيلية، تفوق 228 ألف م يوميا³، باحتساب الحجم الموزع والمفوتر، وهي الكمية التي علّق عليها ذات المسؤول بالقول: «هو حجم كبير جدا، بإمكانه تغطية العجز المسجل في المياه الشروب، والمقدر بأكثر من 100 ألف م³».
600 ألف م³ لتغطية الاحتياجات المحلية وأضاف مسترسلا: «ولتكون وهران في أريحية، يفترض متوسّط إنتاج يومي لا يقل عن 620 ألف م³ في الأيام العادية، ويزيد ب100 ألف م³ في الصيف، فيما يتراوح الإنتاج الحالي بين 570 و580 ألف م³، منها 80 ألف م³ توجّه للمجال الاقتصادي».
المواد البديلة.. الممون الرئيسي وتجلب الإحتياجات المحلية اليومية من أربع محطات لتحلية مياه البحر، وهي، محطة المقطع، المقدرة طاقة إنتاجها الحالية ب300ألف م³، ومحطة كهرماء أرزيو، بطاقة 80 ألف م³؛ يوجه منها 50 ألف م³ للإستعمال المنزلي، والباقي للمنطقة الصناعية، بالإضافة إلى محطة شط الهلال بإقليم عين تموشنت، والتي تعتبر الممون الرئيسي للجهة الغربية بالولاية ب100 ألف م³ يوميا، وكذا المحطتين الصغيرتين، المتواجدتين بعيون الترك الساحلية على مستوى «إيدين» بسعة 540م3، وبوسفر بطاقة 450م³. ومن نقاط التعبئة غير التقليدية، نجد أيضا محطة نزع الملوحة «بريدية» بمعدل 15 ألف م3 يوميا، وكذا حوض التخزين بمنطقة «دزيوية، الذي تراجعت قدرة إنتاجه من 13 مليون م³ إلى 1مليون، بسبب الجفاف؛ وهو بمثابة محطة تخزين طبيعية بفوهة بركان، تمون ولايتي عين تموشنت ووهران. كما تجلب الاحتياجات المحلية من مصادر التعبئة التقليدية، المتمثلة أساسا في: المياه السطحية عن طريق (تحويل الماء)، والمقدّرة ب100.000م³، إضافة إلى المياه الجوفية الآبار،الأنقاب، وفقا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن المديرية.
6 منابع باطنية تصبّ في البحر واستنادا إلى المعلومات المتاحة، فإن وهران، تتربّع على خمس أودية باطنية، تجري تحت الأرض بوسط المدينة، بمجموع 1000م يوميا³، تصبّ في البحر والبالوعات والمحيط، إضافة إلى منبع رأس العين الذي يقدّر حجمة ب5000م³. وكانت هذه الأودية ظاهرة للعيان، قبل التطوّر العمراني الحديث، والمباني المرتفعة التي تستلزم حفرا عميقا لإنجاز طوابق تحت الأرض، والتي أحدث خللا في تضاريس المنطقة، وغيّرت مجاري المياه الجوفية، رغم أن جميع الدراسات التي أنجزت عبر تاريخ وهران، حذّرت من البناء فيها. وتمّ سابقا التطرّق إلى موضوع الروينة يهدّد قلب وهران، جراء ارتفاع منسوب هذا الوادي، الذي يعتبر الأخطر بهذه المنطقة، لاسيما بعد تغيير مساره. ودقّ وقتها ناقوس الخطر، سيما بعدما غمرت المياه الجوفية أقبية العمارات بوسط المدينة، وخاصّة تلك المتواجدة بساحة روكس ونهج زبانة ونهج بن زرجب وشارلمان، وكذلك شوارع الحرية والعربي بن مهيدي وحمو بوتليليس والأخوات بن سليمان، وغيرها من المواقع الأخرى بمنطقة نشاط وادي الروينة، الذي اتخذ عدة منافذ مسلكا له بما فيها الأرصفة والطرقات. يرجع السبب الرئيسي حسب الدراسات التي أجرتها مصالح الري إلى انسداد القنوات العملاقة القديمة لصرف المياه الباطنية نحو الميناء، مع وضع منافذ صرف تمنع صعودها إلى السطح. وقد أجمع خبراء المياه على أهمية هذه الوديان، التي تعتبر من أكبر المنابع التي يمكن استعمالها في عدة مجالات، مثل الري والصناعة وتنظيف الشوارع ومجال الإطفاء، وأغراض أخرى، في ظلّ تفاقم ظاهرة الجفاف، وزيادة الضغوط على الموارد البديلة التي تكبد الدولة ملايير الدولارات. وبالمقابل، تواصل السلطات العمومية جهودها الحثيثة للرفع من العرض الوطني للمياه عن طريق الموارد غير التقليدية، الموجهة للاستعمال المنزلي والاقتصاد، وعلى رأسها محطات تحلية مياه البحر، وكذا نزع الملوحة، واستعمال المياه المعالجة للسقي، وسط مسعى ترشيد الاستهلاك، وإدارته على نحو مستدام.