أئمة يعتلون المنابر بعزة، فينزلهم منها المصلون بذلة، ذلك ما يحدث في بعض المساجد الجزائرية، حيث لا تلاقي دروس الإمام وخطبه هوى في قلوب المصلين الذين يتهمونه بالغلو في الدين تارة، وبالتوغل في "الشطحات الطرقية والصوفية " تارة أخرى، وبين هذا الفريق وذاك تبرز فئة أخرى من المصلين تحسب كل صيحة عليهم، وكل درس يتضمن الإشارة إلى بعض الظواهر والآفات التي تنخر المجتمع، إنما يستهدفهم الإمامُ بها، فيمسكون بمجامع ثيابه ويخرجونه من المسجد وكأنهم يقولون له: "أخرج منه مذموما مدحورا"، أو بالعامية الجزائرية: "أرفد صباطك واخرج ". هذه الصورة الأخيرة التقطناها لكم من أحد المساجد ب "الحميز" بالعاصمة، حيث أحاط مصلون بالإمام وبدؤوا يعاتبونه بشدّة على الدروس التي يلقيها قبل صلاة التراويح، مبدين امتعاضهم منها، وعدم رضاهم عليها، مشدّدين عليه بعدم إلقاء الدروس في مسجدهم، ورغم أن الإمام طويل القامة وعريض المنكبين، إلاّ أنه بدا خائفا من تلك الجموع التي أحاطت به وكشّرت عن أنيابها، ويبدو أنه قرّر أن يتحاشى مثل هذا الموقف المحرج مرة أخرى، فترك لهم المسجد بما جمع، لأنه في الليلة الموالية من صلاة التراويح، جيء بإمام آخر لتقديم الدروس. لا مكان ل "الشطحات الطرقية " أشار الداعية أبو صالح الجزائري في حديثه إلينا، إلى المساجد التي تعرف نزاعا بين رواد المساجد والمصلين، حيث قال إنها "تتزايد في المدن الكبرى، خاصة في الأحياء التي يكثر فيها المثقفون والمحافظون، وتقلّ في الأحياء الغنية أصحابها، وتنعدم في غيرها كالقرى والمداشر". ويُرجع الشيخ أبو صالح هذه النزاعات إلى "التركيبة العلمية والخلقية للإمام نفسه وطريقة تلقينه وغالبا ما نجد هذه الخلفية لدى الأئمة الذين تلقوا علومهم من الزوايا المنحرفة عن النهج الوسط والاعتدال أو البعيدة عن الشرع كالشحطات الطرقية، أو الذين تلقوا علوما تدعو أصحابها إلى الشعوذة والشرك كالتعلق بالمقبورين والأضرحة". ويضيف: "وتظهر هذه البضاعة في رمضان خاصة وهذا بسبب جلوس هؤلاء للتدريس سواء بعد العصر أو قبيل صلاة التراويح فتظهر هذه العيوب وتتجلى هذه الطامات، وللعلم فإنَّ كثيراً من الناس قد تفطّن واستيقظ من الخرافات والبدع التي كان مجتمعنا يحاكيها قبل الصحوة الإسلامية وانتشار الفضائيات والقنوات الدعوية". ويشير أبو صالح الجزائري إلى نوعية أخرى من الأئمة الذين يضيق بهم المصلون ذرعاً ويطردونهم من المسجد وهم "الذين ختم الله على قلوبهم وأزلّهم"، حيث يستحوذون على الأموال التي يتبرع بها المحسنون للمسجد أو للفقراء والمحتاجين بعد أن استأمنوهم عليها، فلا يكون لهم مكانٌ في المسجد بعد أن يكتشف المتبرِّعون أن صدقاتهم دخلت جيوب هؤلاء الأئمّة بدل أن تدخل جيوب المحتاجين أو يستفيد منها المسجد.
تهديداتٌ ومضايقات ويرى الشيخ زهير، وهو إمام بأحد المساجد بولاية تبسة، أن الإمام بحكم طبيعة عمله، يحاول كل فكر أن يجرّه إليه لتبنيه، ولأن معظم الأئمة يرفضون هذا الاستقطاب، يصبحون محلّ استهداف وتهديد من طرف أصحاب هذه المناهج والأفكار كالمتشددين وبعض السلفيين الذين يضايقون بعض الأئمة ويهدّدونهم، حيث يتراوح هذا التهديد بين قول وفعل، ناهيك عن بعض المتورّطين في عمليات رشوة وربا، حيث يعتقدون أن الإمام يستهدفهم بدروسه. ويذكر الشيخ زهير في هذا السياق حادثة وقعت لأحد الأئمة بتبسة، حيث ذكر خلال درسه الذي تناول فيه موضوع الربا أن رجلا يقرض الناس مليون سنتيم ويستردّ مليونين وخمسمائة ألف سنتيم، فهاجمه أحدُ المقاولين بعد الدرس وهدّده. أمّا عن حالات سوء التفاهم بين بعض الإطارات وأصحاب رؤوس الأموال، فيقول محدّثنا إنها كثيرة جدا، إلى درجة أن خطبة الجمعة أصبحت تشكل عائقا أمام العديد من الأئمة والخطباء الذين عليهم أن يحافظوا على المرجعية الدينية، وعلى السير الحسن للمسجد. يرى الأستاذ محمد ميساوي، طالب دكتوراه، أن المساجد التي يسيطر عليها أصحاب بعض المناهج والأفكار لا تعرف هذه الظاهرة، حيث أن كل مسجد يختار ما يناسبه من الأئمة، وهو الحال مع المسجد الذي يصلي فيه في الأغواط، حيث يسيطر عليه السلفيون الذين يحرصون على أن يصلي بهم في صلاة التراويح الملتحون فقط.