عجال يُشدّد على احترام الآجال    الجزائر تُعزّز المنظومة القانونية    تسجيل 80 شراكة تنفيذية خلال 2025    شهيد الأمّة    نرفض بشكل قاطع أيّ إجراءات أحادية الجانب    حماس: لن تُكسر إرادتنا    الحماية المدنية تدعو إلى الحذر    تنصيب فوج عمل متعدّد القطاعات    شرطة الطارف تفكك شبكات إجرامية وتوقف 11 شخصًا بالذرعان    فحص 18 ملفا, تقرر إحالة 15 ملفا منها إلى السادة النواب العامين    فرصة للتلاميذ لإبراز مواهبهم وشغفهم باللغة العربية وفنونها    المشروع يؤسس لتجربة غير مسبوقة في الممارسة الديمقراطية    الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يدق ناقوس الخطر    مستوطنون صهاينة يستبيحون المسجد الأقصى المبارك    التأكيد على أهمية تعزيز فعالية الرقابة القبلية و البعدية    إعلان تخفيضات على تذاكر الرحلات لشهر رمضان    التوقيع على عقود لإنجاز ثلاثة مصانع جديدة لتحلية مياه البحر    الذهب يتراجع والفضة تسجل مستوى قياسي    الإعلان عن الشروع في إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد    الدستور يجب أن يكون مرآة عاكسة لطموحات الشعب    الجزائر ستظل ثابتة في التزامها بدعم حلّ إفريقي    الشتاء القاسي يفاقم المعاناة المستمرة لسكان غزّة    منظمات إسبانية تستنكر تغليب المصالح على القانون    نجوم "الخضر" يريدون الذهاب بعيدا في "الكان"    اندمجت بشكل جيد وأنا سعيد بالتأهل    بيتكوفيتش يريد بلوغ آخر محطة في كأس إفريقيا    البنك الوطني الجزائري يطلق منصة رقمية لتداول الأوراق المالية    إطلاق منصة رقمية لمتابعة الممتلكات المسترجعة    انجاز مصنع للعجلات المطاطية للمركبات في توقرت    دعوة لاكتشاف الميول الرياضية والتوجيه مبكرًا نحو التفوّق    خط الدفاع الأول لتعزيز جهاز المناعة في الشتاء    مظاهر احتفالات غريبة تغزو المجتمع!    اكتشاف قراء جدد ومواهب متميزة    11 عرضا من 10 دول في المنافسة    القيم الكشفية تدخل المسرح    دورة تكوينية للنواب حول الذكاء الاصطناعي في العمل البرلماني    "القسام" تعلن استشهاد أبو عبيدة    سوناطراك توقّع عقود إنجاز ثلاثة مصانع كبرى لتحلية مياه البحر وتعزّز الأمن المائي الوطني    انطلاق إنتاج أقلام الأنسولين من الجيل الجديد ببوفاريك في خطوة نوعية لتعزيز الأمن الصحي الوطني    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    هدر غير مبرر للكهرباء والغاز في فصل الشتاء    ملتقى وطني للأدب الشعبي الجزائري بالجلفة    مجلس المحاسبة ينشر تقريره السنوي    الاستعمال العقلاني للمضادات الحيوية أولوية وطنية في إطار الأمن الصحي    "الخضر" بالعلامة الكاملة في الدو الثمن النهائي    بلومي يُصاب مجدّدا    تيميمون تحتفي بالطبعة 17 للمهرجان الوطني للأهليل وترسخ تراث الواحة الحمراء    سنفعل ما بوسعنا للفوز والإقناع    الاتحاد يقتنص نقطة    دار الثقافة ابن رشد بالجلفة تحتضن الملتقى الوطني الثاني للأدب الشعبي الجزائري    البليدة : افتتاح المهرجان الثامن لموسيقى وأغنية العروبي    تمديد مدة المرحلة الثانية للتلقيح ضد شلل الأطفال    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"المستعمر الوطني".. كيف نقاومه؟
نشر في الشروق اليومي يوم 19 - 08 - 2009

يهزّنا الحنين إلى الماضي، فيغدو الشوق إلى ذكريات مرت من أعمارنا سبيلا إلى نسيان الواقع ولو للحظات.
*
*
غير أن ذلك النسيان قد يتحول إلى حالة مرضية -قد نعتقد أنها صحية- يصعب الخروج منها، يمكن قبولها إذا تعلقت بأمجاد الأمة أو ببعض المحطات المنيرة في تاريخنا، وعلينا رفضها بكل ما أوتينا من وعي إذا تعلق الأمر بعودة الجهالة والجاهلية والقهر والعبودية والبطش والاحتلال، لأنها تصل بنا في النهاية، إن تغاضينا عنها، إلى التأثير السلبي على الأجيال.
*
أقول هذا لأنني أرى أن هناك عودة لثقافة "القابلية للاستعمار" أبشع من تلك التي فصّلها المفكر مالك بن نبي في معظم كتاباته، وكانت قضيته المركزية، وبشاعتها تظهر في استيرادنا للمستعمر -سلطة وتجارب وثقافة وقيما- إلى أقطارنا المسلمة، ويستثنى من ذلك فلسطين والعراق، لأنهما احتلتا بالقوة العسكرية، أو لجوؤنا إليه هروبا من التخلف والمعاناة وبطش بعض الحكام، أو بحثا عن حياة أفضل، سواء من شباب أصبحوا وليمة لأسماك البحر أو انتهوا في حال نجاتهم إلى خدم في الدّرك الأسفل من حياة المجتمعات الغربية، أو من آخرين سعوا للعدالة والحق والحرية، بما في ذلك الذين حملوا شعار الدفاع عن مشروع الدولة الإسلامية، التي اعتقدوا أنها لا تقوم إلا بهم دون باقي المسلمين، لكونهم النخبة، الصفوة، الفرقة الناجية.
*
الخلافات القائمة بيننا -تؤدي أحيانا إلى حروب أهلية وإرهاب ودماء- لا تخرج عن نطاق حالات الاستعمار الثلاث، التي تمثّل ميراثا غير شرعي لحقبة الاستعمار الخارجي، ومن المحزن حقا أن نشعر اليوم أننا ندخل مرحلة أشد سوءا من تلك التي كانت في حقب الأعداء، لأن المواجهة أو الرفض تؤدي إلى حروب أهلية.. صحيح أن أنظمة الحكم في كل دول العالم -قديما وحديثا- من حقها استعمال العنف واحتكاره أيضا، شرط أن يكون الهدف منه حماية النظام العام والدولة والقانون، وليس تكريس جور الحكام.
*
من فينا اليوم لا يشعر أنه أسير مواطن مثله يتحدث لغته ويدين بدينه ويستولي على خيرات بلاده ويفرض عليه قيم الفساد جهارا؟، ومن فينا لا يحس أنه اليوم مقيد تحت جبروت حاكم مدعم بسلطة القوة، وشرعية القوانين ومدجج بأسلحة مختلف القوى الأمنية لما يمكن أن نطلق عليه "المستعمر الوطني"؟.
*
أدرك أنها كلمة ثقيلة على القلب والمشاعر وعلى العقل، وأدرك أيضا أن الاستعمار لا يجتمع مع الوطن، ولكن حين تباح حرمات الأوطان وسيادتها ويكثر فيها الفساد، وتتوتر فيها العلاقات الاجتماعية، ولا تدرك الغالبية ما لها وما عليها، ويعتقد كل مسؤول أن مهمته استغلال السلطة، لأن الفرصة لن تأتيه مرة أخرى، خصوصا ونحن نلاحظ تحكم الفاشلين في الناجحين، وليس هنالك ما يبرّر الجرائم التي تقع يوميا، حتى لو كانت خوف المسؤولين من البطالة، حين نرى هذا كله لا نملك إلا أن نعلن أننا نعيش في مرحلة المستعمر الوطني.
*
لقد حاول بعض عناصر النخبة الداعين إلى الحق رفض ما يحدث فأبعدوا أو سجنوا أو قتلوا أو نفوا من البلاد، وكرههم لفعلهم العباد، وأصبح حلم الأكثرية منا أن يقولوا للحكام أتيناكم طائعين، فما قدروهم حقّ قدرهم، ومنذ متى كان الأسياد يقدّرون العبيد؟، خصوصا وأنهم ابتغوا العزة عندهم، وذلك منتهى المذلة.. إنه لعيب أن يكون هذا مصير شعوب حررّها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، وعيب أكبر على الذين رزقوا بمهنة الكتابة، التي هي جزء من رسالة النبوة أن يتحولوا إلى مزينين لأفعال أهل السوء منّا، حتى لو كانوا بعيدين عن الحكم.
*
ترى ما الحل، ونحن نرى وصفات الغرب لحكوماتنا تركز على مزيد من قتل الشعوب، على تخريب البيوت، على تدمير المدن وحرق القرى، وتشريد السكان؟.. أليس هذا هو أسلوب الاستعمار القديم؟.. ما يعني أن دعوات حقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة مجرد مدخل لإحداث الفوضى، بدليل أنه لم يتم طرح مثل هذه القضايا على مستوى المشاريع الاقتصادية؟
*
ماذا عسانا أن نفعل، ونحن نرى ثوار الأمس القريب يعثون فسادا في أوطانهم، وينصّبون أنفسهم حكاما بمنطق الخلود، ويطبّقون أساليب المستعمر الخارجي القديمة لتأديب الشعوب؟.
*
ترى ما الذي جعلهم على هذا المستوى من البشاعة والسخف.. إننا لا نشك أبدا في جهادهم في الماضي، لكن أيضا غير خاف عن أحد اليوم إجرامهم في الحاضر؟، أتكون السلطة هي السبب، أم أنها أنفس جبلت على المعصية، فما أدركت نعمة ربها وما حدّثت بما أعطيت أوطانها من خيرات؟
*
الطريق إلى الحكم كلّفنا الكثير من مختلف القوى السياسية، بما في ذلك القوى الإسلامية، لدرجة أنها لم ترقب فينا إلّاً ولا ذمة، فغدت ثقافة المستعمر عامة، والشعوب ليست طرفا حياديا وإنما تتمحّل أوزار هذه الثقافة ولو بدرجة أقل، ذلك لأنها تقاتل ببسالة من أجل زخرف الدنيا وحاجاتها اليومية، لكن حين يتعلق الأمر باختيارات الأخيرة نراها تغض الطّرف عما يحول دونها.
*
المستعمر الوطني أصبح حقيقة مرة في حياتنا، والقضاء عليه لا يكمن أن يتم عبر تكريس من مزيد من الفوضى، وإنما بوعي النخب بدورها ومسؤوليتها، والبداية من محاربة الفساد ضمن سياسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلك هي البداية التي لا بد منها، وإن اختلفنا حول الأحق بتنفيذها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.