جامعة بجاية، نموذج للنجاح    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    ملابس جاهزة: اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    قسنطينة: افتتاح الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني "سيرتا شو"    الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : انطلاق منافسة الفيلم القصير    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المافيا والإرهاب..تحالف قذر لنهب الرمال
فرقتهم التوجهات وجمعتهم المصالح الدنيئة..
نشر في الأيام الجزائرية يوم 06 - 01 - 2011

أثرياء يزدادون ثراء يوما بعد يوم بعد أن أسسوا لأنفسهم عالما مبهما كل شيء فيه مباح، وقليلون جدا من يعرفون خباياه التي يقف وراءها بارونات الرمال، الذين يعملون في الخفاء بعيدا عن أعين الرقابة والردع، غير أن العارفين بهذا العالم لا يستطيعون البوح بأسراره خشية تعرضهم لسخط مافيا الرمال التي زرعت الرعب في أوساط المواطنين، حيث شكلت «سلطة» أخرى لا تقل خطورة عن بطش بعض المجرمين، لاسيما إذا علمنا أن هناك علاقات كبيرة تربط بينهما، محولة بذلك مجرد محاولة الاقتراب من مافيا الرمال إلى اقتراب من الجحيم.
بمجرد أن تغرب الشمس وتمتد خيوط الليل بظلامه الدامس، تدب حركة غير عادية تتجمع فيها أعداد كثيرة من الشباب البطال في انتظار ساعة العمل، وبعد لحظات تتحول الشواطئ والوديان إلى ورشة كبيرة لاستخراج الرمل ونقله، حيث تبدأ كل المسالك في النشاط من شاحنات وجرارات وحتى الدواب لها نصيبها في العمل، وتستمر العملية حتى بزوغ فجر اليوم التالي لتتوقف الحركة مخلفة وراءها مئات الأكوام من الرمال التي لم يتسن لهم حملها، وكذا مئات الخنادق التي ترتبت عن استعمال الجرارات، وكأن الأمر مشروع ولا يغدو أن يكون عملا عاديا يدفع عن هؤلاء شبح البطالة، ولكن ذلك في واقعه يحتمل أكثر من حقيقة، وهو ما اكتشفناه ونحن نغوص في هذا العالم المليء بالخبايا والتي تختفي وراءها رؤوس كثيرة تأبى إلا أن تشتغل في الظل، يطلق عليها اسم "بارونات الرمال" التي حولت الشواطئ والوديان إلى مصدر يومي يدر عليهم الثروة ووسيلة لفرض النفوذ يستغلون فيها شبابا فر من البطالة وإغرائه بالمال، ليشتغل عندها في ظروف تغيب عنها أدنى شروط العمل المطلوبة، مشتركا معها بهذا في تشويه الطبيعة مقابل مبالغ زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع.
يقول أحدهم وهو يشير إلى أنحاء كثيرة من جسمه "لقد أصبنا بعدة تورمات بسبب هذا العمل الشاق في "واد سيباو" الممتد من ولاية تيزي وزو، إلى "دلس" بولاية بومرداس، أما أصحاب الشاحنات فهم يملكون كل الوسائل لنقل الرمال دون عناء يذكر، ولا يقدمون لنا مقابل قيامنا طوال الليل بتحميل الرمل فوق الشاحنات إلا 1500 دينار، ويضيف أنه يعمل الليل بطوله لتوفير بعض المال الذي قد يمكنه من تحسين ظروفه المعيشية وبناء مستقبله، في حين أشار صديقه الذي أبى في البداية التطرق إلى هذا الموضوع، أن البطالة دفعت شبابا كثر للتوجه إلى الوديان ومقاسمة العمل مع "مافيا الرمال" الذين فرضوا عليهم قواعدهم وأجبروهم على اتباعها والنتيجة كانت كارثية بالنسبة للسواحل، إذ يكفي أن تقوم بزيارة خفيفة إلى شاطئ "حاج أحمد" ببلدية "زموري" أو "واد سيباو" على مستوى بلدية "بغلية" ببومرداس، حيث يتبين مدى درجة الجشع التي يتسم بها "بارونات الرمال" وكيف يغتالون الطبيعة دون أدنى تفكير بمخلفات ذلك على الأجيال القادمة، كما أنهم لا يضعون في حسبانهم إلا ما تدره شاحناتهم من أموال والتي تصل إلى 5 ملايين سنتيم، يوميا إذا كان مصدر رمالهم الوديان، في حين تتجاوز 8 ملايين سنتيم إذا تعلق الأمر برمال البحر المتميزة بصغر حبيباتها، ما جعل هذا النوع مطلوبا بكثرة في السوق، وتتكرر العملية طوال الليل ولا يتوقف هؤلاء في نهب الرمال إلا بطلوع شمس الصباح أو توقيفهم من طرف مصالح الأمن.
لكن نادرا ما تكلل مطاردات مصالح الأمن بتوقيف أصحاب هذه الشاحنات، لأنه غالبا ما يقع في يدي الأمن عناصر لا تعدو أن تكون من ناقلي الرمال، وفي مرات قليلة الأشخاص المكلفون بالحراسة لأن مافيا الرمال تستعمل عتادا وشاحنات دون وثائق، ولا يكتشف أمرها إلا عند مديرية النقل من خلال رقمها التسلسلي غير المسجل أو غير المصرح به، وهو الأمر الذي يصعب من مهمة مصالح الدرك في مقابل تمكين الناهبين من الإفلات، إذ بمجرد أن يلمحوا دورياتهم حتى يتخلوا عن شاحناتهم ويلوذوا بالفرار، وفي النهاية لا تجد مصالح الدرك إلا حجز شاحنات دون وثائق.
7 سنوات لتعويض متر مكعب واحد من الرمال المنهوبة
إن استمرار عمليات استنزاف رمال الشواطئ والوديان أضحى يهدد بأزمة بيئية قد تعصف بالولايات المعرضة لنهبها، لاسيما وأن ملامحها ما فتئت تظهر في الأفق معلنة عن كارثة ستمتد إلى ميادين أخرى أكثر ارتباطا بالإنسان على غرار المياه الصالحة للشرب والتي تتعرض يوميا للتلوث وتزداد ملوحتها بازدياد عمليات النهب، والتي أثرت بشكل مباشر على المساحات الزراعية التي تسير نحو التقلص، حيث تشهد أغلب الشواطئ والوديان الساحلية وضعية كارثية بسبب اختلال توازنها البيئي بفعل عمليات التعرية التي مست رمالها، أين تقلصت المساحات الزراعية الواقعة بمحاذاتها، وتعرضت بعض الحقول الخاصة بإنتاج الخضر والفواكه للتلف مباشرة بعد انجراف تربتها، خصوصا على مستوى الوديان التي تعرضت للتعرية من رمالها، وهو الأمر الذي أفقد الطبقة السطحية للمياه صفاءها متأثرة بغياب الطبقة الرملية التي تعمل كمصفاة طبيعية.
وما زاد الطين بلة هو زحف مياه البحر بعد نهب الرمال تجاه الأراضي الزراعية، مؤدية إلى زيادة ملوحة المياه الجوفية وإضعاف خصوبة الأراضي المجاورة للشواطئ، حتى أصبح تعويض الرمال التي تنهب يوميا يتطلب آلاف السنين، حيث يلزم سبع سنوات على الأقل لتعويض متر مكعب واحد من هذه الرمال التي يتم نهبها بالأطنان، وذلك حسب ما أكده لنا مصدر من المجلس الولائي لولاية بومرداس.
كما تواصل مياه البحر امتدادها نحو المجمعات السكنية على غرار ما حدث بمدينة "دلس" التي عملت المياه على طمس الكثير من معالمنا التاريخية، في حين أن تعرية "واد سيباو" من الرمال أدى إلى تصدع الجسر الرئيس لبلدية "بغلية" الذي تم إنشاؤه حديثا بعد معاناة كبيرة للمواطنين الذين ذاقوا الأمرين في فترة انهيار الجسر القديم الرابط بين البلدية والبلديات المجاورة، وأكثر الأمور خطورة هو إمكانية سقوط الثكنة العسكرية المتواجدة بمحاذاة الوادي بعد ان امتدت إليها أيادي الناهبين الذين لم يتوانوا في القيام بعمليات الحفر تحت مقر الثكنة مباشرة، مما استوجب معه بناء جدارا واقيا قد يقف حائلا أمام احتمالية انهيارها، ناهيك عن التأثيرات السلبية التي يسببها نهب الرمال والذي يفقد الشواطئ جمالها الطبيعي، كما تطالها أيادي التخريب بشكل يبعد عنها السياح، وهو ما حدث لشاطئ "ليصالين" ب"دلس" والذي كان إلى وقت قريب قبلة للمصطافين لما كان يتمتع به من إمكانيات جذب باعتباره كان أحد أنظف الشواطئ التي تتزاوج فيها الطبيعة مع مخلفات الحضارات السابقة التي تركت آثارها التاريخية لتعانق زرقة البحر، إلا أن زائره حاليا لم يلاحظ إلا شاطئا صخريا بالكاد يستقطب السكان المحليين.
يتعاطون كل أنواع المخدرات لمواجهة عناصر الدرك
يتخذ ناهبي الرمال طرقا عديدة لاستنزاف رمال الوديان والبحار، ويعمدون على تغييرها كلما كشفتها مصالح الأمن، فهم لا يعدمون الوسيلة لتحقيق مآربهم والتي تصل في أحيان كثيرة إلى وضع حد لحياة كل من يقف في وجه نشاطاتهم، حيث يركزون في نقلهم للرمال على إطفاء الأضواء عند السير ليلا وإشعال ضوء واحد فقط لإيهام مصالح الدرك الوطني أن الأمر يتعلق بدراجة نارية، وإن كان ذلك غالبا ما يؤدي إلى حوادث مرور خطيرة يذهب ضحيتها أصحاب العربات المقابلة والذين لا يتمكنون من رؤية الشاحنات، كما يتخذ هؤلاء مسالك ترابية وسط الغابة دون خشية فهم يمدون إلى كراء طرق وسط أراضي زراعية تابعة للفلاحين مقابل مبالغ مالية معتبرة يكممون بها أفواههم.
هذا وقد يمتد جشع هؤلاء إلى اقتحام الحواجز الأمنية الثابتة والاصطدام بعناصر الدرك الوطني، وهي الظاهرة التي تكررت كثيرا وراح ضحيتها عددا منهم، والتي أرجعتها مصادر أمنية إلى اضطرار هؤلاء لتناول الكحول وكل أنواع المخدرات للتمكن من مواجهة عناصر الدرك، وكذا التحكم في أنفسهم وعدم الإصابة بالضعف أو الخوف طيلة أداءهم لمهمتهم، وقد سبق وأن اغتالوا دركيا دهس على مستوى منطقة "تيجلابين"، وآخر على مستوى "قورصو" بالطريق الوطني رقم "5"، بعد محاولتهما توقيف الشاحنات المحملة بالرمال، حيث لا يجدون حرجا في ارتكاب العديد من المخالفات في سبيل ضمان وصول شاحناتهم إلى بر الأمان كزرع المسامير لإعاقة سير دوريات الدرك، كما حدث في "بودواو" البحري وتفريغ كمية من الرمال في الطريق لإعاقة حركة مطارديهم والتمكن من الهرب أو التخلي النهائي عن شاحناتهم، كما يعمدون إلى تكثيف نشاطاتهم في الأيام التي تكون فيها الأحوال الجوية سيئة، مستفيدين من نقص الحراسة وقلة الحركة، ويركزون على الأعياد والمناسبات لمضاعفة ثروتهم، إضافة إلى أنهم لا يتوانون في استغلال الحيوانات كالأحمرة والبغال لنقل الرمال في المناطق الوعرة والتي يصعب فيها استعمال الشاحنات، وكذا تضليل مصالح الأمن التي تعجز عن إلقاء القبض على أصحابها باعتبارهم لا يظهرون في الصورة، إذ يكفي تدريب الأحمرة على العملية حتى تدرج عليها دون الحاجة إلى دليل يقودها.
جواسيس يراقبون تحركات مصالح الأمن
أكدت مصادر مسؤولة بالدرك الوطني أن ظاهرة نهب الرمال أخذت حيزا كبيرا من اهتمام مصالح الأمن التي وضعت المشكلة في مقدمة أولوياتها بعد المجرمين، وقد امتد بها ذلك إلى تعيين قاضي تحقيق خاص يقوم بتولي النظر في هذه الجنحة لما فيها من تشعبات وكثرة الأطراف المتورطين فيها، إضافة إلى صعوبة إسناد تهمة سرقة رمال البحر أو الوديان إلى صاحبها في حالة الافتقار إلى الدلائل التي هي أساسا شاحنة محملة بالرمال، ويتم ضبط صاحبها في حالة تلبس، كما يتعين إخضاع الرمال للتحاليل المخبرية لمعرفة نوعيتها وكذا مصدرها، وكلها إجراءات طويلة قد لا تصل إلى مقصودها، لكنه بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي تواجه مصالح الدرك في مهامهم بملاحقة ناهبي الرمال، والتي تحول دون التمكن من القضاء على الظاهرة، إلا أن ذات المصالح عملت على تضييق الخناق عليهم ومطاردتهم وغلق أكثر المنافذ المستعملة لديهم، حيث تم غلق طريق "عين الحمراء" الذي كان طريق عبور استحالت السيطرة عليه، وكذا إقامة حواجز ثابتة في الطرق الأخرى كأولاد "غليم" ب"كاب جنات" و"تاقدامت" ب"دلس"، وتم اتباع عدة طرق لمحاربة الظاهرة، أهمها العمل على التعرف على المتعاونين مع الناهبين وتوقيفهم، وهو ما كلل بالنجاح فيما مضى بضبط أربع شاحنات محملة بالرمال وتوقيف عدد من الأشخاص الذين كانوا على علاقة مع أصحاب الشاحنات، والذين يعملون كجواسيس مهمتهم مراقبة مصالح الأمن وإخطار الناهبين بقدومها، بل ومن الناهبين من يتنقل لتامين الطريق للشاحنات بعد أن يحرص على إبعاد أية شبهة عنه، إذ لا يستعمل إلا السيارات الفاخرة لإيهام مصالح الأمن أنه مواطن عادي لا غير، في حين أن هذا الأخير غالبا ما يكون أحد البارونات الذي يكون أبعد من أن يشك فيه أحد.
وبين هذا ذاك ترى مصالح الدرك أنه يستحيل القضاء على ظاهرة نهب الرمال في حال استمرار المواطنين في تسهيل مهمة البارونات من جهة، ومساعدتهم على الهرب من مطاردات مصالح الأمن من جهة أخرى، والأكثر من ذلك التغاضي عن كثير من الأمور التي سمحت لهؤلاء بممارسة نشاطهم غير القانوني بكل حرية، وذلك من خلال مشاركتهم في عملهم ولو بصفة غير مباشرة، لاسيما منها السماح لهم بالمرور وسط حقولهم عند نقل الرمال، وهو الأمر الذي حذرت منه مصالح الدرك خاصة وأن عددا من المواطنين لا يرفعون شكاوي ضد هؤلاء في حالة المرور عبر أراضيهم بالقوة خشية تعرضهم للأذى، وقد سبق لأحد الفلاحين أن تلقى تهديدات من بارونات الرمال الذين اقتحموا منزله، وهم محملون بشتى أنواع الأسلحة البيضاء، لأنه احتج عليهم كونهم أتلفوا نصف حقله الذي تعرض للانجراف بعد أن أجرى هؤلاء حفريات تحته فهوت التربة إلى واد "بغلية".
من جهة أخرى وبهدف الضغط على ناهبي الرمال والعمل على الحد من الظاهرة، صدرت أوامر بغلق 11 مرملة ببومرداس، اثنتين منها ملك للدولة، في حين أن 9 أخرى تابعة للخواص وذلك تطبيقا للقرار الصادر في عام 1999 والقاضي بغلق جميع المرامل التابعة لواد "سيباو"، إلا أن ثلاثا منها بقيت تشتغل رغم القرارات الإدارية أحداها في "بغلية" والأخرى في "بن شود" والأخيرة في "سيدي داوود" وذلك طيلة هذه السنوات، كما تم توقيف منح رخص استغلال رمال الوادي لشركة "كوسيدار" إلى غاية تقنين العملية بحيث تمنع استغلالها من طرف مافيا الرمال لاسيما بعد سلسلة الاتهامات التي وجهت إليها والتي شككت في طريقة استغلالها للرمال.
لكل بارون قطعته من الوادي
قد يعتقد كثيرون أن نفوذ ناهبي الرمال وسيطرتهم شبه المطلقة على الوطن في السواحل قد استمدوها من خبرتهم الواسعة في هذا المجال، وقدرتهم الفائقة في التنصل من مطاردات مصالح الدرك التي عجزت بالقضاء على الظاهرة، إلا أن الحقيقة تتعدى ذلك، ولا يمكن أن تقف مدهوشا حيالها، لاسيما إذا عرفت أن السواحل التي طولها منقسمة إلى عدد من بارونات الرمال ولا يجوز بأي حال من الأحوال الاقتراب منها إلا بإذن منهم، والويل ثم الويل لمن يتجرأ على لمس جزء هو ملك لأحدهم، إذ تسلط عليه عدد من الأشخاص الذين تستأجرهم لغرض الاعتداء عليه وإجباره على مغادرة المكان بالقوة، فلا يستطيع العودة إلا بعد أن يتمكن من مواجهتهم وقد جلب معه عددا يفوق عددهم وهنا تقع مشادات عنيفة على السواحل تستعمل فيها كل أنواع الأسلحة البيضاء، يقول بعض السكان القاطنين بمحاذاة واد "سيباو" أنهم يجبرون على تحمل شجارات يومية بين "الرمالة" الذين يعيشون صراعات متواصلة لفرض النفوذ والسيطرة، وبمجرد أن يلمحوا دوريات الدرك حتى يتفرقوا مؤجلين شجاراتهم إلى ليلة أخرى، أما صغر البارونات الذين بالكاد استحوذوا على أجزاء من الوادي أو الشاطئ فيعمدون إلى تكليف الشباب بغربلة الرمال وتحميلها في الشاحنات عكس كبار البارونات الذين تتوفر لديهم كل المعدات ويؤدون عملهم بكل حرية، لاسيما وأن الأمر الناهي في هذه الحالة لا يظهر أبدا في أي صورة بل يكلف أشخاصا بتأدية المهمة بعد أن يحرصوا عل عدم إعلام سائقي الشاحنات والجرارات بإسم البارون، الذي يقف وراءها وذلك على طريقة الجريمة المنظمة فإذا ما تم توقيفهم لا يمكن لأحد أن يعرف لحساب من يعمل.
أما الشباب الذين حاولوا أخذ نصيبهم من هذه الرمال، التي تذر عليهم بالذهب فلا يسمح لهم غلا بالأعمال الشاقة، بعد أن شكلوا قوة أخرى داخل هذا العالم الذي يأكل فيه القوي الضعيف بعيدا عن أعين الرقابة.
بقايا الإرهابيين يفتحون كل الطرق للناهبين
أثبتت التحريات الأمنية من خلال شهادات تائبين وموقوفين، أن مافيا الرمال في بومرداس قد بنت إمبراطوريتها على حساب الطبيعة لا تتوانى في ربط علاقات عديدة مع الجماعات الإرهابية في سبيل تسهيل نشاطها غير المشروع، في استنزاف رمال الوادي والبحر، حيث تعمد إلى استغلال الوضع الأمني المتردي لمضاعفة عملها متوغلة في أخطر المناطق وأصعبها في الساحل البومرداسي، باعتبارها لا تتعرض لأي آذى من طرف العناصر الإرهابية التي عقدت معها اتفاق يقضي بدفع ضريبة معينة نظير مرورها من منطقتهم، إذ تتواجد في بومرداس عدة نقاط سوداء لا يمكن اقتحامها إلا بتعزيز أمني مشدد على غرار شواطئ "شويشة" و"حاج أحمد" ب"زموري"، شاطئ "مندورة" ب"لقاطة" وكذا "ميزرانة" ب"دلس"، والتي يستغلها الإرهابيون لاستهداف عناصر الدرك باستعمال القنابل بنوعيها، وتعود أسباب خطورة هذه المناطق بالذات إلى وجود كازمات تحت الرمال يصعب قصفها بالقنابل باعتبارها لا تستطيع اختراق الرمل، وبالتالي لا تصل إلى عمقه، كما أن الإرهابيين بحكم معرفتهم الواسعة بالمنطقة لا يعدمون الوسيلة في التواري عن الأنظار بسرعة فائقة، لاسيما وأنهم يعرفون كل شبر فيها ويستفيدون من نتائج بقائهم لمدة طويلة في الغابات، بحيث أضحوا يستخدمون حواسهم للتنبؤ باقتراب الخطر مقابل صعوبات جمة لمصالح الدرك التي قد تواجه قنابل مزروعة في أية محاولة اختراق منها، الأمر الذي جعلها تتوخى الكثير من الحذر أثناء توغلهم فيها، ورغم عمليات التمشيط المتواصلة على مستواها إلا أن التواجد الإرهابي بها بقي مستمرا، لاسيما على مستوى منطقة "شويشة" التي بقيت كاللغز، بحيث يلجأ إليها الإرهابيون في حالات التضييق الأمني على المناطق المحاذية لها أو في حالات الاجتماع.
لكن رغم كل ذلك ورغم صعوبة المنطقة إلا أن ناهبي الرمال يتحركون فيها بكل حرية، وتجدهم يفضلون هذه المناطق أكثر من أخرى باعتبارهم لن يتعرضوا فيها إلى المطاردات الأمنية إلا في حالات نادرة، وكانت مصادر أمنية قد أشارت سابقا إلى أن تاجر محمد المدعو "موحا جاك" المسؤول عن عمليات الاختطاف في المنطقة الثانية، كان يعمل في نهب الرمال في كل من شاطئ "زموري" و"لقاطة"، وكان معه عدد من الأشخاص الذين تحولوا إلى إرهابيين بعدما جندهم، أما الذين أبوا الانضمام إلى ما يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال فقد فرضت عليهم مبالغ مالية يضطرون إلى دفعها كلما مروا على المنطقة.
وعلى العموم فإن الجماعات الإرهابية تستفيد كثيرا من تواجد ناهبي الرمال وتحركاتهم، بحيث يمنح الناهبون للإرهابيين فرصة التحرك دون لفت انتباه مصالح الأمن التي تعتقد أن الأمر يقتصر على ناقلي الرمال، في حين أن أكثرهم لا يكونون إلا إرهابيين يتحينون الفرصة المناسبة لتنفيذ اعتدائهم، شأنها في ذلك شأن المواطنين الذين لا يستطيعون التبليغ عن المشبوهين، باعتبار أن عدد المترددين على المناطق المشبوهة كثيرين وليس بإمكانهم التفريق بينهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.