لم تكن للكثير من الجزائريين القدرة على ضمان رغيفهم اليومي قبل 50 سنة من اليوم، فقد دمر الاستعمار كل شيء، وكرس الفقر والجهل والمرض في البلد.. كان البلد محطّما، بلا قاعدة، ولا بيانات اقتصادية، بعد نصف قرن قفز الثراء الفردي لدى طبقة معينة دون غالبية المواطنين، وظهر أننا استبدلنا الكولون الأجنبي بآخر محلي، وأن الكثير من القواعد التي كرسها الاستعمار تغيرت في واجهتها، فلا يزال النهب الذي كان يقوم له “الكولون” القادم مع الاستعمار الفرنسي قائما في جوانب خطرة من الفساد الذي استشرى في البلد. بعملية حسابية.. أعني عن توسعنا في فن الحساب من جمع وطرح وضرب وقسمة، يمكن أن نصاب بصدمة، كيف ارتقى البعض في خمسين سنة بثروات خيالية بينما البلد الذي تدرّ أرضه ثروات لا تعد و تحصى، لا تزال أسيرة إضرابات الزيادة في أجور مختلف الطبقات العاملة، وتحسين المستوى الاجتماعي؟ كيف لبلد مثل الجزائر أن يموت فيه الناس من ندرة الأدوية ومن انعدام آليات أكثر قدرة على الضمان الاجتماعي؟! كيف لبلد مثل الجزائر بثرواته البطانية والبشرية في الساحل والصحراء والشمال والتل والجنوب.. بلد مثل الجزائر أن تعجز مؤسسته عن تكوين إطارات وتقنيين يديرون محطات الغاز والنفط؟ إذا كان أشاوس قوات الجيش نجحوا في وضع حد لجنون إرهابي قادم من خارج الوطن، فإننا ندق ناقوس لخطر، ونقول هنالك أكثر من قاعدة فيها بلعور، وهنالك أكثر من محطة يحتجز ثرواتها وعمالها الموقعون بالفساد. ليس الإرهاب وحده من يقلقنا، لأن الجزائريين اتفقوا على إدانته واستنكار أفعاله وفلسفته وسياسته، هنالك إرهاب الفساد.. النهب .. الغش “الصابوطاج”، كما يقال في الشارع.. هنالك من يفكك البلد واقتصاده، وفي مواقع عدة كبيرة أو صغيرة، لم نستوعب بعد أهمية دور كل واحد منا.. لا زلنا نجهل قيمة العمل ..وما يناط بنا القيام به.. الجزائريون بعد 50 سنة من الاستقلال.. مازال واقفين ينتظرون دورهم، هنالك أجيال تتركم آمالها وطموحاتها دون أن تجد الفرصة للتعبير عن إبداعاتها وعما تريد القيام به… فقط تنتظر، وتتطلع لعقارب الساعة التي تدور.. تجري.. تطارد بعضها البعض، في صورة تشبه تلك اللعبة الصغيرة البسيطة غير المكلفة التي كان يلعبها الصغار منذ أمد بعيد، حيث كانت البراءة هي الواجهة التي ترتسم على وجوه الجميع .. اليوم الدنيا تغيرت .. كل المفاهيم انقلبت، وتحولت إلى عمليات حسابية معقدة، لكن الجميع يقبل على محاولة حلها. أيها الكبار.. الكبار .. الزعماء.. الذين لم تنجب الجزائر مثلكم أبدا.. امنحوا لنا بعضا من سخائكم، وإيثاركم، حتى نتمكن من الاقتداء بحكمتكم.. متى تسمحون لنا بالمرور في هذا الرواق…؟؟ نحن لن نزاحمكم، ولن نرفع لافتات الغضب ومطالب الرحيل، فقد علّمنا تاريخنا، مثلما علمتنا سنوات الاستعمار والدمار، كيف نجلس لمائدة الحوار.. كيف نتحلى بالصبر الجميل، مثلما علمتنا الأيام أن التاريخ قاسي في أحكامه وفي نهاياته.. نحن لن نسرق أحلامكم، ولن نحطم تماثيلكم، فقط لا تخشوا على الوطن، ولا تخشوا منا على الوطن.. لست أدري كيف يصف سدنة السرايا في بلادنا الناس من طيب وشرير، وسادة وعبيد … هنالك خلل يضرب تفكيرنا ويشوش على أفكارنا، هنالك رغبة حادة في التسيّد، في العودة إلى زمن الاقطاعيات، هنالك مقاومة شر للتغيير نحو الأفضل.. البلد يعيش اليوم وضعا خطيرا.. نحن بين نارين واحدة من الداخل والثانية من الخارج.. فهل نتدارك الأمر قبل فوات الآوان؟ أم أن سادة القوم لهم رأي آخر؟؟