ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 68643 شهيدا و170655 مصابا    حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير "غير قابل للمساومة"    مجموعة "أ3+" تؤكد أن الانتخابات المقبلة في جمهورية إفريقيا الوسطى فرصة أساسية لتعزيز السلام في البلاد    النعامة..منطقة النشاطات لمكمن بن عمار تدخل الخدمة    سعيود يشرف على تنصيب الوالي الجديد لوهران..رئيس الجمهورية حريص على ترسيخ ثقافة النجاعة في التسيير العمومي    مشاركون في ندوة حول حربي 1967 – 1973..الجزائر لم تتخلف يوما عن نصرة أشقائها العرب    البليدة..غرس أكثر من 30 ألف شجيرة    بومرداس: إطلاق قافلة تجوال للذاكرة الوطنية تجوب أربع ولايات    الجزائر لم تتخلف يوما عن نصرة أشقائها العرب    الانتقال من العدالة التقليدية إلى عدالة عصرية رقمية    بحث قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية    محطة تاريخية حقّقت الاستقلال الإعلامي    تجديد العهد مع النّضال ضد نظام المخزن    جمعيات صحراوية وإسبانية وبرازيلية تدين بشدة    دعم مكانة الجزائر وتحفيز النمو الشامل في القارة    الحوار بين الإدارة والعمال وسيلة لحماية الأمة    "صباحيات الوقاية" تشرّح واقع السلامة والصحة المهنية    مشاريع استراتيجية لتخزين الحبوب    المستفيدون يطالبون بإنصافهم    ناصرية بجاية يواجه نادي سلوى الكويتي اليوم    الفروع الرياضية على موعد مع منافسات محلية ودولية    "القاتل الصامت"يجدد الموعد مع انخفاض درجات الحرارة    الكشف المبكر حل أمثل للوقاية والعلاج    بيتكوفيتش مرتاح لعودة بعض الركائز    دعوة لتأسيس قاعدة بيانات الأدب الجزائري المهاجر    تجذير الروابط الثقافية بين الجزائر وبلاد    إبراز الدور الريادي للإعلام الوطني    القمع الاستعماري محور ندوة تاريخية    انطلاق تسجيلات الطلبة الجزائريين    سايحي يبرز أهمية التكوين وعصرنة التسيير    تسهيلات لفائدة المستثمرين والمنتجين    56 ألف إصابة بالسرطان في سنة واحدة بالجزائر    صالون الجزائر الدولي للكتاب يفتح أبوابه في طبعته ال28 تحت شعار "الكتاب ملتقى الثقافات"    تساهم في "توجيه السياسات الصحية بصورة أكثر دقة وفعالية"    غيليزان : 31 جريحا في حادث مرور    جامعة سوق أهراس تنجح في ترسيخ ثقافة المقاولاتية والابتكار    حددنا مدة شهر بغرض منح وقت كاف للراغبين في التسجيل"    الجزائر تؤكد التزامها الراسخ بتعزيز وحدة إفريقيا وخدمة قضاياها    عسلاوي تشارك في أشغال المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية    المسار الإعلامي الجزائري طويل ومتجذر في التاريخ    يربطان الجزائر بغوانزو الصينية وروتردام بهولندا    النفط يتراجع إلى (65.68 دولارا)    ميسي يتطلّع لمونديال 2026    63 عاماً من السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون    الدكتور مصطفى بورزامة: الإعلام الجزائري منبر وطني حرّ وامتداد لمسار النضال    التلقيح ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    مباشرة حملات تلقيح موسعة ضد الدفتيريا بالمدارس    ميزانُ الحقِّ لا يُرجَّحُ    الشبيبة تتأهل    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    معيار الصلاة المقبولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما ينقلب المعلّم من مربي الأجيال إلى جلاّد للأطفال
نشر في البلاد أون لاين يوم 10 - 10 - 2011

* أستاذة جامعية قبل ربع قرن تعرضت للضرب...”معركتي القادمة هي التعليم “
* “دمار المستقبل” على يد معلم تفنن في تعذيب البنات و الذكور
* أوراق البراءة تتساقط بألفاظ مهينة
“التأنيب والشتم والضرب في الصغر كالنقش على الحجر”، هي مقولة مقتبسة من خصوصية مرحلة الطفولة التي يمكنها تخزين الكثير من الأشياء تنبني عليها شخصية الفرد في الكبر، ولأن 70 بالمائة من وقت أبنائنا يقضونه في المدارس بين معلميهم وأساتذتهم، فإن ما نصيب الذكريات من عالم المدرسة سيكون له الحظ الأوفر في شخصية أي طفل، بما قد تحويه تلك الذكريات للأسف من تجاوزات مأساوية تعرض لها طفل في يوم من الأيام على مقاعد الدراسة من شخص كاد أن يكون رسولا ؟
لا يمكن التطرق إلى وصف ما ينجم عن العنف اللفظي والنفسي والجسدي الممارس على التلميذ في سن صغير مهما قلنا أو كتبنا خصوصا و أن كثيرا من الفاعلين في قطاع التربية ينددون بذلك خصوصا و أن العنف له تأثيرات سلبية على التحصيل العلمي للتلميذ و على حياته في المستقبل سيما إذا علمنا أن تأثيره النفسي لا يمكن فكه على مدار عمره الطويل.
هذه النتيجة هي وضعية العشرات من الرجال والنساء اللذين تحدثت إليهم ” البلاد ” ، أو سمعت قصصهم من أقاربهم ممن عايشوا معهم المحنة في الصغر و تألموا لهم في الكبر .
عندما تنطق الحالات عن تلك المعانات اليومية حالة يمكن التعليق عليها بكلمة واحدة ” مأساوية ” ، فما يعلق في الذهن هو تلك الكلمات التي تشوه السمعة و تخدش الحياء و ترسخ في الذاكرة التي ربما لا تنسى ما إن تحدنا معهم عن موضوع ” العنف اللفظي والعنف الجسدي ” الذي يتلقاه التلاميذ في المدارس ، لتجدهم يروون بكل ألم وهم في سن الكهولة عن مآسيهم في المدرسة ، سميناها ب” المآسي ” لأن هناك من لا ينسى تلك اللحظات السيئة في دفتر ذكريات الطفولة وأي طفولة ؟ .
دوخة فتقيئ فصداع دائم
في سن 34 سنة لا تزال “أمينة . ز ” أستاذة جامعية ، تتذكر بالتفصيل مجريات حادثة وقعت لها وهي في سن الثامنة ، بمدرسة ابتدائية بولاية ميلة ، حادثة بقيت محفورة في ذاكرتها ، ففي ذلك السن الصغير عانت كثيرا من آلام حادة في الرأس أقعدتها المستشفى لمدة تزيد عن شهرين ونصف ، لسبب واحد أنها تعرضت للضرب على الرأس حيث مسكتها معلمتها من شعرها الطويل الأملس الأسود من جهة العنق من وراء الرأس .
وقتها بكت أمينة كثيرا بل وبعد بكاءها الطويل داخل و خارج القسم أغمي عليها في البيت ووصلت إلى درجة أنها دخلت المستشفى بعدما لاحظ الوالدان أنها تتقيأ من فرط الألم .
لحد دخولها المستشفى لم يفهم الوالدان سبب بكاءها و مرضها ، و بعد تلك الدوخة تلقت علاجا في المستشفى و تحاليل طبية و بعدها قصت البنت على والدتها أن معلمتها كانت تعاملها معاملة سيئة و تضربها ضربا شديدا و خصوصا عن طريق مسكها من شعرها الطويل المتدلي وتقلعها أيضا وهو ما سبب لها آلام الرأس الحادة .
للأسف هذه البنت الصغيرة الجميلة التي كانت تجلب الغيرة و الحسد من زميلاتها في القسم تركت مقاعد الدراسة سنة كاملة و بعدها رجعت و لكن رجعت بعقدة اسمها ” الخوف من المعلمة ” ج . ل ” التي كانت تعلمهم أن الفقراء ليسوا مثل الأغنياء وكيف كان الأغنياء يتوددون لها بالهدايا ليحصلوا على نقاط عالية وكيف للفقراء أن يبقوا في آخر الصف لأنهم لا يملكون شيئا يقدمونه لها ، وبالأحرى تعزلهم أيضا في القسم و تفرق بينهم حتى في المعاملة حتى و إن كانت بوادر النجاح و الذكاء ظاهرة عليهم من خلال نتائجهم .
تردد الأستاذة أمينة التي تحدثت ل” البلاد ” بقلب مفتوح أن معركتها القادمة هي “التعليم “، خصوصا وأنها ذاقت قبل ربع قرن من الزمن من طعم الذل والمهانة ومن طعم التفرقة بين الغني والفقير ومن طعم أن يولد الطفل من أبوين فقيرين وكيف تكون التفرقة الاجتماعية والفارق الاجتماعي بين التلاميذ في القسم الواحد .
ربما هذه الأستاذة الجامعية كان نصيبها أن تواصل دراساتها العليا و أن تتبوأ المكانة التي بإمكانها أن تصنع من جيل قادم أحسن جيل و لكن ” تلك الصورة لم تمح من ذهنها ” ، ولكنها رددت قائلة أن من حظها أن واصلت الدراسة و لكن بقيت تفكر لحد اللحظات التي كانت تسرد علينا حالتها تتذكر زملائها في القسم ، أولئك التلاميذ الذين كان قدرهم قد ساقهم إلى التعليم وساقهم لمعلمة كانت تنعتهم بأقذر الكلمات ، وتشتمهم بأشد الكلمات التي تخدش الحياء مثل كلمات لازالت تحفظها محدثتنا ” يا المشمعين ” و كلمة “المشمع ” تقال في منطقة الشرق الجزائري هي معناه البلاستيك الذي تضعه الوالدة لأبنائها بسبب التبول في الليل ” ، وخصوصا عند الأسر الفقيرة جدا في تلك المنطقة من مناطق الجزائر العميقة ، أين الفقراء يأتون إلى الدراسة بألبسة رثة غالبا ما تكون نفسها التي ينامون بها ، وبأحذية بلاستيكية حتى وفي عز الشتاء البارد ، فلا تجد تلك المعلمة سوى أن تنعتهم وتهينهم بفقرهم وبفاقتهم وحاجتهم ، لتواصل بالقول ” من منا اختار والديه ؟ ” .
فقد السمع في أذنه اليسرى
يبلغ الآن 52 سنة متزوج و له أربعة أولاد ، عندما يجلس في مجموعة رغم سنه تجده يسهو و يتيه في كلامها ، أو لا ينتبه إطلاقا لما يقولونه لسبب واحد أنه فقد السمع من أذن واحدة فماذا يفعل سوى الانطواء على نفسه و ربما الكلام يكون بالنسبة له عبارة عن كلمات قليلا ما يتفوه بها .
يقول السيد” محمد. ز ” أنه لا يتذكر من الدراسة والمدرسة سوى ذلك اليوم من أيام فضل ديسمبر قبيل عطلة الشتاء أين كانت الأمطار تسقط بغزارة ، كان يجلس في الصف الثاني من القسم فيه 31 تلميذا إناثا و ذكورا ، كان يومها الجو بارد و مع البرودة و انعدام التدفئة في القسم وضع يديه بين فمه ليدفئهما كطفل صغير في السنة الثالثة ، ليسمع أستاذه يوبخهم بالسكوت و التزام الصمت ، لحد تلك الدقائق كل شيء عادي ، لكن الأستاذ من فرط وجود تشويش في القسم توجه إلى طاولته ليصرخ بأعلى صوته ” أسكتوا وهو يحمل مسطرة من الخشب الخشن ، ليوجه ضربة واحدة إلى وجه الطفل الصغير بتلك المسطرة و لكن الضربة جاءت مباشرة موجهة نحو أذنه اليسرى ، لحظتها لم يحس بالألم في الثواني الأولى من فرط قوة الضربة ، و بعدها بدأت الآلام تحاصره يوميا ليل نهار و منذ وقتها فقد السمع من تلك الأذن ، و أهمل الدراسة .
بالنسبة لهذا الرجل فإن الذكرى الوحيدة التي بقيت عالقة في ذهنه من أيام الدراسة هو ذلك اليوم من أيام الشتاء الذي قاسى كثيرا من الآلام بسبب تلك الضربة القوية التي لا يمكن نسيانها، سوى بفقدان الذاكرة.
ورغم أن القدر مكنه من النجاح في حياته و أصبح أبا و لديه أولاد ناجحين بل و أكثر من ذلك فأنه يرى أن “مهمة التدريس يجب أن تكون مدروسة وأن تجرى لهم فحوصات طبية و عقلية قبل إعطائهم إجازة التعليم ، خصوصا و أنهم يتعاملون مع أطفال صغار ، تبقى المدرسة بيتهم الثاني بعد الأسرة “.
عقدة الصغر ، هروب من المدرسة وتحطيم مستقبل
الكثير من الحالات تظهر العذاب النفسي للأطفال الصغار، تلاميذ في سن الزهور فهناك أحد المعلمين يدعى” ع. س ” من منطقة ” قصر البخاري ” من ولاية ” المدية ، تخرجت على يده أجيال من الإطارات المعروفة حاليا في المنطقة و لكن هذا المعلم ترك بصمة سيئة في أذهان المئات ممن تتلمذوا على يده لأنه كان يعاقب التلاميذ بطريقة مشينة جدا و مقرفة و تتقزز لها الأنفس و تقشعر لها الأبدان ، بل أكثر من ذلك كان يستعمل الكثير من الوسائل لقمع تلاميذ و أهانتهم و تخويفهم من الجنس الآخر .
ففي إحدى المدارس الابتدائية كان هذا المعلم يسلط أنواعا من العقوبات النفسية و الجسدية على تلاميذه، تهين كرامة التلميذ رغم صغر سنه و تنتهك براءته.
و يروي لنا أحد تلامذته و هو الآن يدرس سنة أولى ماجستير في العلوم القانونية أن من بين تلك العقوبات التي يعاقبهم بها إعطاء الأوامر لفتاتين بشد يدي التلميذ وإنزال سرواله والفتاة الثالثة تقوم برفع العصا و تضربه على دبره العاري ، و العكس بالنسبة للفتيات .
كما كان يقوم بإجبار التلميذة أو التلميذ على إخراج لوحته وكتابة جمل متعددة من الإهانة على شاكلة “أنا حمار أو أنا بقرة” ومن ثم يأمر هذا التلميذ أو ذاك بالمرور بين كل صفوف أقسام المدرسة وهو يرفع هذه اللوحة على رأسه و زملاءه يضحكون و يتهكمون عليه .
وبالإضافة إلى ألم الضرب المبرح ألم السخرية من الأقران التي تدوم شهورا وتتسبب في كوابيس تلازم الطفل طوال السنة إضافة إلى تسببها في ظهور حالات مرضية من التبول اللاإرادي ومشاكل في النطق والتأتأة وأشياء أخرى يندى لها الجبين .
وأضاف المتحدث ل” البلاد ” أن الكثيرون من زملاءه تركوا مقاعد الدراسة باكرا هروبا من العذاب اليومي الذي كان يتفنن في القيام به فيما انجر عن ذلك أن الكثير منهم أسرى للمهدئات العصبية ومنهم من أكد بعد بلوغه الرشد أنه يتحين الفرصة لتصفية حسابه معه ومنهم من أقسم على قتله لأنه تسبب في تدمير مستقبله .
شرب ” الجافيل ” الانتحار هو الحل
فتاة أخرى من منطقة ” الحمري ” بوهران ، تعرضت لتحرش جنسي من طرف معلمها في البداية كانت تذهب للمدرسة ولكن لا تدخل الفصل لأنها تخاف معلمها الذي وصل به الأمر إلى حد أن نزع ملابسها و أوقعها في الفاحشة ، عمرها لم يتجاوز 12 سنة ، ولكن النهاية كانت مأساوية .
الفتاة لم تتذكر من معلمها سوى أنه كان يمارس عليها عذابا نفسيا قتلا ، أصبحت تراه يوميا ليل نهار و في منامها ترى الكوابيس وأصبحت فاقدة للهشية لأنه أرهبها بالضرب أو بأنه لعب على عقلها ببعض الهدايا ، ولمدة ثلاثة أشهر أصبحت البنت الصغرى لوالديها لا ترى سوى أن تترك مقاعد الدراسة وتهرب عند أحد أقاربها وبعد فترة من ذلك الهروب اكتشفت الوالدة أن ابنتها لم تذهب للدراسة بعدما وصلتهم ورقة عدم الحضور للبنت ومن هنا بدأ خيط القصة السيئة يظهر للوالدين .
وبعد أخذ ورد اكتشفت الوالدة أن معلم ابنتها يتحرش بها في القسم وحتى في مرحاض المدرسة وهو ما جعلها تخاف من الذهاب إلى المدرسة بل وأكثر من ذلك أصبحت تخاف أي رجل تراه حتى إخوتها الذكور الكبار والجيران و أقاربها.
هذه البنت أصبحت لا تخرج من البيت و عرضتها والدتها على طبيب نفساني ، و لكن للأسف حاولت مرتين الانتحار عن طريق شرب كمية كبرى من ماء الجافيل المركز ، ولحسن الحظ تلقت الإسعافات الأولية و لم يصبها أي مكروه و لكنها لحد اللحظة لا تزال تتلقى علاجا نفسانيا مكثفا لأنها ترفض أن تعود للمدرسة بل و كرهت كل ما اسمه دراسة و تعليم رغم أنها مازالت في ريعان الطفولة الطرية .
الأمين العام للنقابة الوطنية لعمال التربية، عبد الكريم بوجناح ل”البلاد”
ظاهرة “غير صحية” و لكن من الخطأ إلقاء اللوم على المعلم فقط
اعترف أمين عام النقابة الوطنية لعمال التربية، عبد الكريم بوجناح، بأن هناك حالات كثيرة تكشف فيها تعرض التلاميذ للعنف الجسدي و اللفظي و النفسي ، و قال أن الظاهرة غير صحية لقطاع التربية و التعليم ، و ألح المتحدث في تصريح هاتفي ل” البلاد ” أن ينعت هذا القطاع بأنه قطاعا للتعليم و التربية في نفس الوقت و عليه فلا يمكن أن يتصور أي عاقل أن يتعرض التلميذ للضرب أو التجريح النفسي و العنف الجسدي لأنه في النهاية انسان سيبقى يتذكر تلك المعاملة طوال حياته .
و في المقابل و رفض بوجناح أن يلقي اللائمة على الأساتذة و في نفس الوقت لا ينزع عنهم مسؤوليتهم في الكثير من الأحيان في مثل تلك الحالات التي تطالعنا عليها الجرائد على حد تعبيره .
و حول سؤال يتعلق بسبب بروز هذه الظاهرة استطرد المتحدث قائلا لقد سبق و أن تحدثنا عن خطورة وضع الأساتذة في قطاع التربية و سبق ل” البلاد ” أن نشرتها خوصا و أن 70 بالمائة من عمال التربية يعانون من حالات انهيار عصبي، وأن أكثر من 50 بالمائة مصابون بأمراض مهنية مثل دوالي الساقين و آلام الحنجرة مما ينعكس سلبا على مستوى الأداء التربوي وينتج عنه في النهاية تدهور المستوى التعليمي للتلاميذ·
و انتهز بوجناح الفرصة لمطالبة الحكومة أن تتخذ إجراءات صارمة في القانون الخاص بالأساتذة و خوصا فيما يتعلق بسن التقاعد الذي يرى أنه من الضروري أن يصبح 25 سنة مهنة و ليس 32 سنة لأن في مثل ذلك السن يكون الأستاذ قد أصيب بالعديد من الأمراض الذي تفلت أعصابه و يستنفد جميع طاقته .
وقال بوجناح في الأخير أن طبيعة عمل الأستاذ شاقة جدا ، فالفرد في الأسرة لا يتحمل أربعة من أولاده فمبالكم والأستاذ يقابل يوميا أزيد من 40 تلميذ و يتعامل مع أطفال مختلفي النشأة و التربية .
الفحص العقلي للأساتذة ضروري قبل التوظيف
من جانبه كشف رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ أحمد خالد، ، أن هيئته شكلت خلية خاصة لمتابعة ظاهرة تصاعد عنف المربين ضد التلاميذ في الآونة الأخيرة”.
و تعتبر وظيفة هذه الهيئة هي رفع تقارير دورية عن هذا النوع من الحوادث داخل المؤسسات التربوية إلى مديريات التربية الولائية، وعن أسماء الأشخاص الذين أقدموا على مثل هذه الحوادث .
و طالب خالد في تصريح ل” البلاد ” أن يتم فحص الأساتذة عقليا قبل توظيفهم ، فيما ذكر أن الكثير من الأساتذة يتعرضون أيضا للضرب من تلاميذهم و هي بالتالي ظاهرة ذات حدين .
المختصة في علم النفس التربوي الأستاذة بن عمار نفيسة
“ التلميذ كالورقة البيضاء تتلطخ بنقطة سوداء اسمها الإهانة “
قالت الأستاذة بن عمار نفيسة و هي مختصة في علم النفس التربوي أن أن التلاميذ الذين تعرضوا للتعذيب النفسي و الضرب المبرح و العنف اللفظي سيعيشون بعقدة طوال حياتهم خصوصا و أن عقل التلميذ صغير ومساحة مخه يمكنها أن تخزن كل ما يعيشه في المدرسة بوجه خاص ، فضلا عن أنها مرحلة الطفولة و المراهقة هي أصعب المراحل التي فيها يتكون رجل المستقبل و تتكون فيها امرأة المستقبل .
وأضافت بن عمار في تصريح ل” البلاد ” أن التلميذ عندما يتعرض لمثل تلك الاهانات و العنف الجسدي ينجم عنها التبول اللارادي ، و الفوبيا من المدرسة و كره الدراسة طول الحياة بل و أيضا يصبح عدواني و هناك من الحالات من أصبحوا مجرمين لأنهم تعرضوا للاهانة من طرف أستاذ أو معلم دفعهم الى ارتكاب جرائم ، لأن التلميذ مثل الورقة البيضاء يتأثر بخدش أسود و تتلطخ ذاكرته باهانات و ضرب و تعنيف .
كما تطرقت في هذا السياق تغير الخريطة الاجتماعية للمدرسة الجزائرية و هي التي تعد احد ابرز الأسباب الرئيسة في بروز جملة من الظواهر المستجدة، أبرزها ظاهرة العنف في المدارس ، سواء بين التلاميذ أنفسهم، أو بين التلاميذ والأساتذة والمعلمين ،
وهذا نتيجة التصادم الحاصل بين القيم التربوية الثابتة التي يفترض أن تسيج الإطار التربوي والبيداغوجي للمدرسة، وبين القيم المجتمعية المتغيرة بشكل مستمر ، والتي كان لها أبرز الأثر في ولادة جيل جديد من التلاميذ تتحكم فيه قيم بديلة عن القيم التي كانت تحكم تلاميذ السبعينات .
كما تناولت تغير المناهج والبرامج والطرق التربوية، بصورة أعطت مساحة حرية اكبر للتلميذ في مقابل تقييد مساحة الأستاذ الذي صار مضبوطا بقوانين تمنع أي حرية للمبادرة التربوية في أي اتجاه كان .
و شددت المتحدثة على أن هذه العوامل أدت إلى ظهور جيل جديد من التلاميذ ، ولا يأخذ بعين الاعتبار قيم مساحة الاحترام والتبجيل التي كان يتمتع بها الأساتذة ، له استقلالية في الشخصية ، لا يخاف الأستاذة ، ومنفصل عن الأسرة التي تقلص دورها الاجتماعي والتربوي نتيجة العوامل التي أتاحت استقلالية اكبر لشخصه في الوسط العائلي كالانترنت والهاتف النقال وغيرها ، ومعها تقلص دور العديد من المؤسسات الاجتماعية التي كانت تؤثر في تربية التلاميذ .
مطالب بإلغاء مادة تجرم الأستاذ لإصابة أي تلميذ في القسم ؟
الكثير من الأساتذة من مختلف الأطوار التعليمية طالبوا في حديثهم مع ” البلاد ” أن يتم إعادة النظر في المادة 22 من الفقرة الرابعة من القانون 04/08 للقانون التوجيهي والتي تحمل الأساتذة مسؤولية أي ضرر يلحق بالتلاميذ”.
وهنا قال أحد أساتذة ثانوية ” علي لابوانت ” في القبة بالعاصمة ل” البلاد ” هذا المطلب نابع من وجود العديد من القضايا في العدالة وجهت تهما باطلة في حق الأستاذ ، و هنا تطرق المتحدث إلى قضية المعلم
“ع. عبد القادر”، في 18 فيفري سنة 2009 و الذي يدرس بابتدائية “الأزهر”، بدائرة حسين داي، بالعاصمة ، الذي سجن 15 يوما في سجن الحراش بعد أن قضى قرابة الأسبوعين في سجن الحراش بتهمة الضرب والجرح العمدي المؤدي إلى عجز لمدة أربعة أيام ضد تلميذة في الطور التحضيري .
و كان قرار المحكمة أن صدر حكم بالإفراج عن المعلم وستة أشهر حبسا غير نافذ وغرامة مالية بمليوني سنتيم ، رغم أن والد الضحية طالب أبو الضحية بتعويضات مالية تتراوح ما بين 30 و40 مليون سنتيم عن الضرر الذي لحق بالتلميذة.
كما أن هذا المعلم لقي تضامنا كبيرا من الأسرة التربوية من معلمين و نقاببات قطاع التربية و هددوا بتصعيد الاحتجاج في حالة سجن المعلم ، خصوصا و أنه اعترف أن التلميذة وقعت في القسم و تسبب لها تعثرها في أحد الكراسي بكسر في الأسنان الأمامية و ليس له دخل في ذلك ، فيما اعرف الكثيرون بسلوكه المثالي .
وحسب الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين فإن هناك العشرات من الحالات للمعلمين و الأساتذة متابعين قضائيا في قضايا لم يكونا أطرافا فيها كتلك القضية التي رفعتها عائلة تلميذة على معلمها بعد أن كانت تلعب مع زميلها و ضربته صعقة كهربائية فاتهم المعلم بإذاية التلميذ .
كما أن سقوط التلاميذ الصغار من الكراسي كان مادة دسمة في أروقة المحاكم أين ترفع العائلات قضايا على المعلمين و الأساتذة و تجريمهم بضرب التلاميذ و هي قضايا حبس فيها العديد من المعلمين بأزيد من ستة أشهر حبس فضلا عن تلطيخ سمعتهم .
و هناك حالة تلميذ قالم بتكسير زجاج نافذة مدرسة في بلدية فوكة بولاية تيبازة ليجد المعلم نفسه هو المتهم الرئيسي .
وتعتبر هذه القصص و ما أكثرها حسب الاتحاد كثيرة و هي الدافع الذي جعل الهيئة و العديد من النقابات بإلغاء المادة 22 من القانون التوجيهي والتي تحمل المعلم والأستاذ مسؤولية أي ضرر يقع للتلميذ داخل المؤسسات التربوية .
وأشار الاتحاد إلى أن قبل صدور هذا النص القانوني كان نص المادة القديم يشدد على تحمل الدولة مسؤولية أي ضرر يقع للتلاميذ داخل المدارس و المتوسطات والثانويات وبدورها تعتبر مديريات التربية طرفا في القضية و تتحمل مسؤولية تلك الحوادث .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.