البليدة.. تحويل ثلاث مفارغ عمومية إلى حدائق    باتنة.. وضع حيز الخدمة لمقطع من الطريق الوطني رقم 86    قسنطينة..أزيد من 1300 طالب جديد مؤمن اجتماعيا    مشروع قانون المالية 2026:تكريس الطابع الاجتماعي للدولة ودعم النمو الاقتصادي    لجنة المالية والميزانية للمجلس الشعبي الوطني:إدراج عدة تعديلات على مشروع قانون المالية 2026    المجلس الشعبي الوطني يشارك في اجتماع برلماني بروما    وهران..مناقشة آخر المستجدات في مجال الطب الداخلي    تحصين الجزائر ضد خطاب الكراهية وزرع اليأس    قوجيل يدعو إلى التمسك بقيم نوفمبر    ستّة ملايين زائر لصالون الجزائر للكتاب    من يخلف عوداش على رأس نقابة القضاة؟    الجزائر ستظلّ قويّة وآمنة    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    إدوارد سعيد عمدةً لنيويورك    نحو سياسة عربية مختلفة    بسكرة : حجز 5600 مؤثر عقلي نوع بريقابالين    توقيف 6 أشخاص و حجز 176 ألف كبسولة "بريغابالين"    أمطار رعدية غزيرة اليوم على ولايات الشرق    مشاريع قيد الانجاز تعكس صورة الجزائر    الولاية ستستفيد من مشاريع منها مصنع للسيارات لعلامة مهمة    سعداوي يشارك في انتخاب مدير اليونسكو    مازا في التشكيلة المثالية    جلاوي يستقبل سيناتورين    استفتاء تقرير المصير حق قانوني للصحراويين    بوقرّة يستدعي سليماني وبودبّوز    لحيلح وبوجدرة في صورة واحدة!    شروط صارمة لاستخدام "الدرون" المستأجر بأطقم أجنبية    حذار من الذكاء الاصطناعي في المراجعة    تشديد على احترام آجال إنجاز المشاريع التنموية    لا نمانع وجود قوات دولية على حدود غزة    المفوّض الأممي لحقوق الإنسان يدعو إلى اتخاذ تدابير عاجلة    استلام كلي لبرنامج 350 مخزن للحبوب نهاية 2025    6 ملايين قنطار بذورا وأسمدة لإنجاح حملة الحرث والبذر    شروط جديدة لتجارب تكافؤ الأدوية    لا وصف للمضادات الحيوية إلا للضرورة القصوى    ضعت مع الشعر وأنا شاعر حتى في حياتي اليومية    منصب جديد لمازة يقدم حلولا فنية لبيتكوفيتش    مدرب مرسيليا الفرنسي يتأسف لغياب غويري    عبدلي يرفض التجديد مع أونجي والوجهة ألمانية    وفاة طفل في حادث مرور    ضبط كيف معالج و2460 قرص مهلوس    إقبال كبير على جناح الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية    حين تتحدث الدُّور عن فكر يتجدّد وإبداع لا يشيخ    الرسومات تخفّف من شدّة الكلمات    الشرطة تستقبل 1795 مكالمة خلال شهر    السودان : "الدعم السريع" تنكل بالمحاصرين بالفاشر وتسبب كارثة    ارتفاع محسوس لإنتاج القطاع العمومي    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    وزير الفلاحة يشرف على افتتاح الطبعة العاشرة    صيدال يعتزم إنجاز وحدات انتاجية    مختصون يدعون الى إعادة النظر في أساليب الكتابة الموجهة للطفل    معرض فوتوغرافي في برلين يسلط الضوء على الثقافة والمقاومة الصحراوية    تيطراوي بن قارة لأوّل مرّة.. وبن ناصر يعود    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    استفسر عن حالته الصحية وجاهزيته للعودة إلى الملاعب.. بيتكوفيتش يطلب مشورة سويسرية حول قندوسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من العصامية إلى الأكاديمية
العلامة عبد الرحمن بن محمد الجيلالي :
نشر في الجمهورية يوم 15 - 08 - 2021

أما الميزة الثانية لكتاب تاريخ الجزائر العام هي سهولة الأسلوب و التعبير الحر حتى يفهم القارئ مقاصد الكتاب الذي راع فيه الفقيد الروح العلمية و الأمانة التاريخية و الموضوعية في تحرير و استقراء الأحداث و سيرة الأبطال. - بينما تتمثل الملاحظة الثالثة حول الكتاب أنه تكملة للكتابة التاريخية عند الشيخ مبارك الميلي و أحمد توفيق المدني و مولود قاسم نايت بلقاسم. - أما الملاحظة الرابعة فقد تمثلت في ميلاد هذا الكتاب تزامنا مع الثورة التحريرية المظفرة. و من المفارقات أن الشيخ مبارك الميلي أصدر كتابه " تاريخ الجزائر القديم و الحديث "و هو أول مرجع تاريخي تصدى لمؤرخي المدرسة الإستدمارية مع نهاية العشرينيات من القرن الماضي و شكل بداية لميلاد المدرسة التاريخية الجزائرية. و كان بإيعاز من الأصدقاء الذين شجعوه على وضع كتاب للتاريخ الجزائري كما حدث لاحقا لشيخنا عبد الرحمن الجيلالي، و يتقاسم المؤلفان نفس المنهج المستخدم في جمع المادة التاريخية و تدوينها من حيث الأسلوب العصري و التبويب و طريقة الترجمة نظرا لعدم تمكنهما من اللغة الفرنسية، فاستعانا كلاهما بمترجمين، عدا اعتماد المخطوطات و الآثار كشواهد تاريخية لدى الشيخ عبد الرحمن الجيلالي.
اتبع عبد الرحمن الجيلالي في تأليف كتابه المنهج التاريخي معتمدا على المخطوطات و المراجع التي تعرضت لجغرافية و تاريخ الجزائر و أحداثه في محاولة لإعادة بناء الماضي بدقة و موضوعية، و مطابقة الوثائق ذلك أن كتابة التاريخ تخضع لعدة مستويات: - المستوى الرسمي – المستوى الشعبي – و المستوى الأكاديمي الذي يتسم بالموضوعية خاصة الأحداث التاريخية التي تلعب فيها الذاكرة دورا تأثيريا، لذلك يعتبر التاريخ تفكير و غوص في الذاكرة، يضع في اعتباره المنسي و المخيال و الرمزي و الدلالات و السياق في مسار منهجي صارم.
إن دور البحث التاريخي هو التشكيك في كل ما هو مصدر من مصادر الذاكرة. فعندما نتساءل عن علمية التاريخ نرى بأن الإتجاه الكلاسيكي ينفي صفات الموضوعية و العلمية عن الظواهر التاريخية نظرا لطبيعة حوادثها – الإنسان هو الباحث و موضوع البحث في نفس الوقت- لأن المؤرخ جزء من الحوادث التي يدرسها، تؤثر فيه الضغوط النفسية و الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية، و يصعب تطبيق الحتمية و التنبؤ لأن التاريخ يسير وفق غائية يصعب على العالم تحديدها، و منهجيا تبقى الملاحظة المباشرة مستحيلة لأن التاريخ ماضي و أي افتراض يبقى مجرد فلسفة، إذ لا يمكن التحقق منه تجريبيا.
لذلك بدا المؤلف موضوعيا و حاسما في تحرير مادة كتاب تاريخ الجزائر العام و الذي كتبه في ظروف غير عادية و غير مستقرة تحت ضغوط الاحتلال الفرنسي و يقول عن نفسه : " لقد رضخت لمطالب الرفقة و استعنت بالله في رصد العصور التاريخية التي مرت بها الجزائر، متجردا من الانفعالات و الذاتية و ذكر المهم و الأهم قاصدا بذلك توعية الجزائري بقيمة تاريخه المجيد و انتشاله من تغليط و تشويه المدرسة الكولونيالية التي تكتب تاريخ فرنسا في الجزائر..." مراعيا الحذر من الوقوع في المطبات و الملاحظات المذكورة آنفا باعتبار المؤلف فقيها و أديبا و مفكرا و مؤرخا، بمعنى أنه موسوعة معرفية ثقافية متعددة المشارب و ليس مؤرخا بالتخصص. ذلك أن نشاطه العلمي تجاوز التاريخ إلى الفقه و الفنون الأدبية و الثقافية التي أهلته لإفتكاك الأوسمة و التشريفات عن جدارة واستحقاق. و لم يكن التأليف وحده من اهتمامات الرجل بل له إسهامات في تأسيس مجلة الأصالة الناطقة باسم المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان عضوا فيه، و كان رحمه الله من منشطي و مزاولي النوادي كنادي الترقي بالجزائر العاصمة الذي تعرف فيه على المثقفين الذين عاصرهم و أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
من القلم إلى الميكرفون
تحولت الجهود الفكرية للعلامة عبد الرحمن الجيلالي من القلم إلى الميكرفون بعد التحاقه بالإذاعة الوطنية عبر برنامجي " رأي الدين و لكل سؤال جواب " و هي برامج جماهيرية تناولت في تيماتها التاريخ الإسلامي عموما و إجابات شرعية على أسئلة جمهور الإذاعة، و يفترض على القائمين بالإتصال في القناة الوطنية " الإذاعة " أو الباحثين أن يجمعوا و يصنفوا هذه البرامج المسموعة على شكل كتاب " مجلدات " على منوال كتاب : " يسألونك في الدين و الحياة " للدكتور أحمد الشرياصي، و بذلك تصبح تلك البرامج المدونة مرجعا ثنائي الأبعاد، البعد التاريخي و الديني.
ترك الشيخ عبد الرحمن الجيلالي مؤلفات في أصناف و فنون الأدب و التاريخ و المقالات العلمية المحكمة، و قبلها ساهم بمقالات رفيعة المستوى في جريدة الإقدام و الشهاب و البلاغ الجزائري، و من كتبه على سبيل المثال لا الحصر: ابن خلدون في الجزائر- تاريخ المدن الثلاث: الجزائر المدية و مليانة، و كتاب آخر حول السيرة الذاتية لمعلمه الدكتور بن أبي شنب...و غيرها من المراجع التي يعتمد عليها الباحث الجامعي في إعداد الرسائل و الأطروحات الأكاديمية كيف لا و قد كان شيخنا أستاذا محاضرا بالجامعة المركزية غداة الإستقلال و باحثا بالمتحف الوطني للتنقيب في التراث و الآثار.
ما يربو عن القرن من العطاء العلمي و المعرفي الغزير يرحل عنا شيخنا العلامة عبد الرحمن الجيلالي سنة 2010 و هو من مواليد 1908 ببلوغين -الجزائر العاصمة – من عائلة متواضعة ذات أصول شريفة، نهل العلوم الدينية و الدنيوية من أعرق مساجد العاصمة الجزائرية كالجامع الكبير و مسجد سيدي رمضان و مسجد ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي. ذلك أن للمسجد في الإسلام وظائف شمولية جامعة بين الدنيا و الآخرة كالتربية و التوجيه المجتمعي و العبادة. فالمسجد هو أول المؤسسات الاجتماعية التي انطلق منها الإشعاع العلمي و المعرفي في النظام الإسلامي، و قد ظل على امتداد التاريخ الإسلامي مؤسسة تعليمية لا يستغني عنها كبير أو صغير. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " و كانت المساجد مجامع الأمة و مواضع الأئمة، و قد أسس صلى الله عليه و سلم مسجده المبارك على التقوى، فكانت فيه الصلاة و القراءة و الذكر و تعليم العلم و الخطب، و فيه السياسة و عقد الألوية و مناقشة قضايا المسلمين". هكذا كان علماء الجزائر ينهلون من الكتاتيب و الزوايا عبر الحركة الإصلاحية بعدما حرموا من التعليم بالمدارس الفرنسية الرسمية، و لعل العلامة عبد الرحمن الجيلالي رحمه الله نموذجا لذلك، منحته جامعة الجزائر دكتوراه فخرية نظير جهوده و إنتاجه المعرفي الذي حققه عصاميا، معتمدا على نفسه و قد اعتبر الفقيد هذا التكريم أهم محطة في مسار عمره المديد.
قالت العرب قديما:
لعمرُك ما الرزية فقْدُ مال – و لا شاة تموتُ و لا بعيرُ
و لكن الرزية فقد عالم- يموت لموته خلْقٌ كثيرُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.