تطل علينا ذكرى مجازر 17 أكتوبر 1961 الأليمة لتذكرنا بصنيع فرنسا الإستعمارية، وما فعلته في حق الشعب الجزائري ومواطنين عزل من جاليتنا بالمهجر، خرجوا للتظاهر تعبيرا عن رفضهم لإستمرار الهيمنة الكولونيالية على بلادهم، فقابلتهم بلد الحرية والمساواة والأخوة بالقمع الوحشي، الذي لايزال نهر السين بالعاصمة باريس شاهدا على فظاعته. ويأتي إحياء الذكرى هذا العام، في ظل ظروف خاصة يميزها توتر العلاقات بين الجزائروفرنسا، وهذا بعد التصريحات الإستفزازية التي يتمادى الرئيس إيمانويل ماكرون في إطلاقها، ضد بلادنا في كل مناسبة تتاح له فيها الفرصة للقيام بذلك، متخذا منها مطية لمغازلة اليمين المتطرف المعروف بعدائه الشديد لكل ما له علاقة بالذاكرة الوطنية، والتاريخ الأسود لفرنسا تجاه مستعمراتها القديمة وعلى الأخص الجزائر. وفي الوقت الذي تنتظر فيه بعض الطبقات السياسية المتفائلة أن يقوم الرئيس الفرنسي بالإعتراف بجريمة فرنسا هذه وإدانتها، تنفي جهات أخرى هذه الصفة عن القائم على قصر الإليزي الذي يتعمد التجريح في الجزائر، لمغازلة وعاء إنتخابي مهم متمثل في ثلاثة أجيال من الحركى وهم الأحفاد والأبناء والحركى في حد ذاتهم، بالإضافة إلى أصوات الفرنسيين اليمينيين المتطرفين، الذين يكنون كرها شديدا للجزائر، خاصة الأقدام السوداء وأبنائهم، مؤكدين أن موقف ماكرون سيكون فيه الكثير من التحفظ إزاء المناسبة. فيما يذهب البعض إلى الإعلان عن تخوفه من التصعيد الذي قد ينجر عن التصريحات الإستفزازية لرئيس دولة ضد دولة أخرى تتمتع بكامل سيادتها على ترابها، الأمر الذي قد يجعل مجزرة نهر السين تتكرر ضد جاليتنا بالمهجر، بعد إصرار ماكرون على إستخدام الجزائر كورقة سياسية في الانتخابات الفرنسية، على حد تعبير المؤرخ الفرنسي اليهودي الأصل بنجامين ستورا، الذي حذّر من مغبة مواصلة بلاده لهذه اللعبة الخطيرة التي من شأنها أن تعمل على تأجيج الوضع ليكون هناك الكثير من التشويش والكراهية تجاه الجالية الجزائريةبفرنسا، داعيا في التقرير الذي رفعه لرئيس بلاده إلى جعل المجتمع الفرنسي أكثر وعيًا بالتاريخ الاستعماري لبلادهم. وفي الوقت الذي يترقب فيه المجتمع الدولي بكثير من الحذر ما يقع للجزائر من إنتهاكات دولية سافرة، سواء بالنسبة لتاريخها كدولة كانت قائمة بذاتها قبل سقوط أسطولها في معركة نافارين، ما سمح للإستعمار الإستيطاني الفرنسي بإحتلالها مدة 132 سنة، فإن قوى وطنية أخرى تهمها الذاكرة الوطنية تتحرك من أجل تجريم فرنسا، وجعلها تدفع ثمن ما إرتكبته في هذه الحادثة بالذات، حيث تحدثت بعض المصادر الإعلامية عن أنّ هناك دعوى قضائية، من المزمع تحريكها من قبل عائلات ضحايا مجازر 17 أكتوبر 1961 ضد الدولة الفرنسية، وفقا لما يقتضيه القانون الدولي، وهذا من أجل تجريم هذا الفعل الشنيع المثبت تاريخيا، حتى لا تمر الجريمة دون عقاب من جهة، ولتكريم ذاكرة شهداء المجزرة والدفاع عن ذاكرة الجزائريين الذين لقوا تعذيبا شديدا من فرنسا الإستعمارية من جهة أخرى.