المجاعة في غزة: تقاعس المجتمع الدولي تحول إلى "حالة من اللامبالاة التي لا تطاق"    الرابطة الأولى المحترفة لكرة القدم : معاقبة فريق اتحاد الجزائر بمباراة بدون جمهور    زيارة الدولة إلى سلوفينيا: الرئيس تبون يعزز الشراكة الاستراتيجية ويؤكد تطابق الرؤى بين الجزائر وسلوفينيا    رئيس المجلس الشعبي الوطني يتحادث بجاكرتا مع نظيره الإيراني    الكرة الطائرة : الاتحادية الجزائرية توقع على عقد شراكة مع نظيرتها البولونية    لا تشارك معلوماتك الشخصية عبر الأنترنت    وفد كونغولي يزور المديرية العامة للأمن الوطني    الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على جنين ومخيمها لليوم ال 115 على التوالي    العدوان الصهيوني: شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    التكوين العسكري إبّان الثورة محور ندوة تاريخية    إجراءات جديدة لاقتناء الأملاك العقارية    ارتفاع إجمالي ودائع الصيرفة الإسلامية    صادي يشارك في كونغرس الفيفا    دراجات على المضمار/البطولة الافريقية: ثلاث ميداليات للجزائر في اليوم ال3 من المنافسة    وهران..وصول باخرة قادمة من إسبانيا محملة ب20 ألف رأس من الغنم    الجلفة..وفاة ثلاثة أشخاص واصابة آخر في حادث انقلاب حافلة لنقل المسافرين    تفكيك شبكة إجرامية بالجلفة    إعادة فتح عيادة العربي العربي    وهران: سايحي يدشن المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الإستعجالات الطبية والجراحية بوادي تليلات    بلمهدي يستقبل مفتي تونس    شهر التراث: تأهيل المعلم الأثري "مصلى الشيخ إبراهيم بن مناد الزناتي" محور ملتقى بغرداية    وزير الصحة يدشّن مؤسسات صحية جديدة بوهران لتعزيز التكفل بالحالات الاستعجالية وتخفيف الضغط على المستشفيات    قسنطينة: مغادرة أول فوج من الحجاج نحو البقاع المقدسة    70 عارضا منتظرا في الطبعة ال8 لوجيستيكال 2025    فلسطين: 525 حالة اعتقال بين صفوف النساء    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي، ترأس اجتماعا للحكومة    إرهابي يسلم نفسه مع توقيف 9 عناصر دعم    تسجل اضطرابات في الرحلات من وإلى فرنسا    إبراز أهمية التنسيق الوظيفي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية    لن نرضى للحاج الجزائري خدمة أقل من باقي البعثات    زيارات تفتيشية.. ووقف نشاط الوكالات المتلاعبة بالحجاج    أطباق جزائرية للحجّاج ووجبات صحية للمرضى    رئيس الجمهورية يزور مركزا للاختراعات والذّكاء الاصطناعي    إجراءات جديدة لدعم الثّقة في القطاع المصرفي    عنصرية روتايو تدخل فرنسا في نفق مسدود    انتخاب لجنة الخدمات الاجتماعية قبل نهاية الشهر    هذه شروط إقامة التجزئات الاجتماعية بالجنوب والهضاب العليا    "كوصوب" تلتزم بتطوير الإطار التنظيمي للتمويل    تطوير الآليات الإلكترونية والتحفيز لتقليص مخاطر الدفع ب"الكاش"    حملات تحسيسية لفائدة تلاميذ مدارس البليدة    ساحة "كيتاني".. الواجهة البحرية للعاصمة بحلة جديدة    تسليم مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 20    المجلس الوطني الصحراوي يدعو إلى التحرك العاجل    اختتام ورشة المسرح الارتجالي وسط تفاعل جماهيري كبير    شبيبة القبائل تلتحق بمولودية الجزائر    السيد بلمهدي يستقبل مفتي الجمهورية التونسية    انطلاق فعاليات الطبعة 11 للمهرجان الثقافي الدولي للسماع الصوفي بالأغواط    تنظيم ندوة حول الذكاء الاصطناعي والتراث الثقافي البحري    الحجاج الجزائريون في مزارات المدينة المنورة    عطال: بيتكوفيتش قدَّم الإضافة ل"الخضر" وهدفنا التأهل للمونديال    ريان آيت نوري يغيّر وكيل أعماله    بيت الذكريات والجراح الصامتة    افتتاح قاعة ما قبل التاريخ وفق قراءة زمنية علمية حديثة    نادي الشمال القطري يرفض التخلي عن بونجاح    هذه رسالة الرئيس للحجّاج    هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟    يوم تصرخ الحجارة كالنساء    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا بين ومضة السياسة وميليشيات السلاح
نشر في الحياة العربية يوم 29 - 08 - 2020

عبد الرحمن شلقم** وزير خارجية ليبيا ومندوبها الأسبق لدى الأمم المتحدة
في بلادنا ليبيا هناك دوَّامات من الأمزجة العنيفة. تتماهى الطبيعة والناس في التعبير عن الحال. بها رياح القبلي الحارقة التي كثيراً ما ترافقها الرمال التي تحمل ذرات رقيقة من التراب، تندفع من الجنوب إلى الشمال، وتعبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا حاملة ترابها الأسمر. يطلق عليها الإيطاليون رياح «الليبكو» و«الشيروكو»، أي الليبية والشرقية.
ريح آخر من نوع خاص يستدير حول نفسه في حلقة لولبية قوية ضيقة ترتفع إلى السماء، رافعة ترابها بعنف إلى أعلى. هل تتماهى الطبيعة فوق الأرض مع ما بداخل رؤوس البشر؟
قرأت البيانيين اللذين صدرا في الأيام الماضية عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وما لحقهما من بيان أكثر طولاً واتساعاً من المجلس الأعلى للدولة. ولم يغب الناطق باسم خليفة حفتر الذي بادر برش ثقوب متعددة في صفحات البيانات السابقة لما قاله. الكل يتحدَّث عن وقف إطلاق النار الصامتة منذ فترة قصيرة، ويدبّجون عبارات السلام، وتسطير مثالب الحرب ومعاناة الليبيين، وما سبَّبه إيقاف ضخ النفط من هزال للميزانية الليبية. نيات براقة راقصة، ولكنها لا تلد ولا تبيض، لا تمشي ولا تطير.
اللواء أحمد المسماري الناطق باسم قوات خليفة حفتر، قال إنَّ ما صدر عن السراج هو مجرد ذر للرماد في العيون، وإنَّ استطلاعات الجيش تؤكد وجود حشود لقوات «الوفاق» تستهدف سرت والجفرة. إذن نحن اليوم أمام مواقف أربعة: موقف السراج الذي نطق به بيانه، وجاء فيه أنه «أمر» بوقف إطلاق النار، وموقف عقيلة الذي «طلب» وقف إطلاق النار. السراج ذهب نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية وحدَّد لها تاريخاً هو شهر مارس (آذار) القادم، ولم يغب عن بيانه موضوع النفط. عقيلة رئيس مجلس النواب حطَّ بمدينة سرت، وهي حلقة النار والسلام والوحدة الوطنية، وطلب أن تكون هي مقر الأجسام السيادية القادمة، أما خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، فقد وضع في قلب بيانه الذي اندفع بين البيانين الرئاسيين الآخرين، اسم خليفة حفتر الذي أضاف له رتبة أخرى إلى ما يحمله، معلناً أنْ لا تفاوض ولا لقاء معه. النقطة التي تزيل الرماد الذي تحدث عنه اللواء المسماري الناطق باسم خليفة حفتر، هي ما جاء في بيان رئيس المجلس الأعلى للدولة، من أنَّ الحوار السياسي لا بدَّ من أن يكون بين الأجسام المنتخبة من الشعب الليبي، وذلك يعني استبعاد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وأنَّ الأطراف الأساسية هما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذان انتخبهما الشعب الليبي.
مشهد جديد داخل مربع البيانات، وهو المظاهرات التي خرجت في طرابلس وبعض المدن الليبية الأخرى. في حالة الوضع الليبي اليوم، من الصعب قراءة دوافع تلك المظاهرات ودافعيها، من الشعارات والهتافات التي رُفعت مكتوبة، أو انطلقت من الحناجر وسط الشوارع والميادين. الغضب هو نتاج معمل مركب في نسيج البشر، مواده من صنع تفاعل الحياة الدنيا التي يقودها أناس بيدهم القرار في مفاصل الحياة المختلفة. الغاضبون المندفعون في الشوارع لا تحركهم لافتة واحدة، هناك عبارات وتعبيرات متعددة لذلك. معاناة الناس من غياب الكهرباء، ونقص السيولة، والفساد الذي يسير على الأرض في رابعة النهار، وغياب الأمن، وأزمة النازحين. كل ذلك يتفاعل، ويكون نتاجه غضباً متعدد الأصوات والتحركات.
فايز السراج وجَّه حديثاً إلى الليبيين، اعترف فيه بالمختنقات التي تواجه حكومته، وقدم وعوداً عالية السقف لمواجهتها، من بينها تعديل وزاري يطال وزارات الخدمات، وبناء آلاف الوحدات السكنية. لم يكن أمامه غير الاعتراف بما تظاهر الناس ضده، ولا سبيل إلى إنكاره بأي صوت يصدر من مكتب مسؤول ما. وكما قال أبو الطيب المتنبي:
وليس يصحُّ في الأفهامِ شيءٌ … إذا احتاج النهارُ إلى دليلِ
فهل تُسكت الوعود الحناجر، وتوقف تفاعل الغضب في الأفواه واندفاع الناس رافعة لافتات كُتبتْ عليها حروف بحبر ما في الصدور؟!
ليبيا اليوم مشرعة أبواب مستقبلها على كل مجهول. أخطره تحرك آلة السلاح من حدب داخلي وخارجي قريب وبعيد. التصعيد العسكري في شرق المتوسط بين تركيا واليونان يتحرك نحو مواجهة عسكرية بدأ عدها التنازلي، والمؤشر الساخن هو المناورات التي يقوم بها الطرفان في منطقة النار بشرق البحر الأبيض المتوسط. مما يزيد البحر المشتعل بلةَ نار، هو انضمام كل من قبرص الجنوبية وإيطاليا وفرنسا إلى مناورات اليونان. ليبيا المشتعلة ونارها لا يطفئها الرماد الكامن تحتها، ستكون الامتداد الأقرب للهب الثقيل. السلاح متأهب فوق أكتاف الميليشيات في كل أنحاء البلاد، وإن تعددت العناوين والأسماء والأماكن، والمواقف الدولية تغشاها السيولة والغموض والتغير الذي لا يتوقف. ألمانيا تحاول استخدام قوتها الناعمة عبر دبلوماسية متحركة بين كل الأطراف في البر والبحر؛ لكن النتيجة هي أيضاً في كومة الرماد. إذن هل باب اليأس والتشاؤم هو الوحيد المفتوح على الأزمة الليبية؟ أقول لا.
البيانان الصادران عن كل من فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، يمثلان كوَّة يمكن أن تتسع لتتحول إلى باب سياسي واعد، وحجر بناء في طريق ليس بالقصير. اجتراح آليات لتحريك المبادرتين وتطويرها إلى نقاط عاملة سيخلق حول المبادرتين حزاماً سياسياً وطنياً فاعلاً يخفف من تسيد ميليشيات السلاح للمشهد، ويؤسس ميليشيا كلام مسلحة بصوت الوطن، تسند آلة المبادرات السياسية.
هناك قوة صامتة تعاني من ضنك الحياة، كانت متلهفة إلى ومضة ترى فيها بقعة تفاؤل تنبعث من شرق ليبيا وغربها، ويجب أن لا تنطفئ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.