حنان حملاوي كانت تلمسان منذ تأسيسها قبلة للدارسين وملتحدا لطلاب العلم والفن، وما من أحد يستطيع الآن أن يحصي تاريخها أو يعد علماءها الذين وطئت أقدامهم الطاهرة ثراها وتنقلوا بين ربوعها ورباها وأبوابها ورياضها، وأقاموا حقبا بين أهلها أو مروا عليها في طريقهم إلى حواضر العلم مشرقا ومغربا، فمنهم من درس بمدارسها ومنهم من خطب أو حاضر بمساجدها.
ضلت تلمسان على مر العصور قلعة للثقافة العربية الأصيلة وحقلا خصبا للإبداع بعامة والأدب بخاصة، وحين نذكر هذه المدينة يتبادر إلى الذهن أسماء أعلام سجلوا أنفسهم في قراطيس التاريخ الأدبي من أمثال ابن أبي حجلة، ابن الخميس، الشيخ السنوسي، سيدي بومدين، يحيى ابن خلدون، ابن يخلف المصمودي. وتلمسان منبت العظماء ومرقد العلماء في العربية الفصحى والشعبية، التي انتحى بها الكثير منهم في مختلف الأغراض والفنون. نفض الغبار عن تاريخ تلمسان الأدبي وإعادة حياتها وبعث مجدها التليد بالعودة إلى أيامها الطافحة بالعطاء، فقد عرفت فنونا أدبية في مختلف التخصصات ونبغ من علمائها من نظّروا في حقول النقد المختلفة، فالأسماء كثيرة والنماذج عديدة والكتابة عنهم كثيرة، وفي موضوعنا هذا نسلط الضوء على بعض الأسماء التي دخلت التاريخ الأدبي العربي والإسلامي من بابها الواسع. ابن أبي حجلة التلمساني.. من كبار كتاب عصره ابن أبي حجلة التلمساني، هو محمد بن يحيى بن أبي بكر محمد بن عبد الواحد شهاب الدين أو العباس التلمساني المعروف بابن أبي حجلة المالكي الأديب، ولد سنة 725 وتوفي سنة 776، كان ابن أبي حجلة من كبار الكتاب في عصره، وتشهد بذلك كثرة تصانيفه التي مست جوانب عدة تتصل بالأدب والتاريخ والطب والاجتماع، من هذه المصنفات نذكر: ديوان الصبابة الذي يعد عملا تأليفيا إبداعيا ضمن منظومة تأليفية تختص بموضوع الحب، وقيل فيه من المنظوم والمنثور بدءا بكتاب زهرة لابن داود الظاهرى مرورا بطوق الحمامة لابن حزم الظاهري ومسار العشاق لابن ابي محمد السراج وتزيين أسواق الانطاكي، إلى غير ذلك من المؤلفات التي عرفها الأدب العربي قديما وحديثا. عفيف التلمساني.. قال بوحدة الوجود فاتهم بالزندقة هو سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الكومي التلمساني عفيف الدين (1213- 1291م)، شاعر صوفي، كومي الأصل تنقل في بلاد الروم، ولد بالجزائر، ومات بدمشق، اتبع طريق محيى الدين بن عربي، وقال بوحدة الوجود، فاتهم بالزندقة، اتهمه فريق برقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. طبيعة الفترة من التاريخ الفكري التي عاش فيه، فهذه الفترة تلت التأليف بين التصوف والكلام والأشعري مع القشيري من ناحية والتأليف بين علم الكلام والفلسفة من ناحية ثانية، والتأليف بين التصوف وفلسفة ابن سينا من ناحية ثالثة، وأفضى هذا التأليف ثلاثي الأبعاد إلى التصوف الفلسفي، والقول بما يعرف بمذهب وحدة الوجود. ويعد عفيف الدين التلمساني من الشعراء الذين ارتقوا بالشعر الصوفي المغاربي وحققوا له الكثير من النضج.
ابن خميس التلمساني.. شاعر كبير ملم بالأدب واللغة وأصول الفقه هو الشاعر أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر الحميري الحجري المعروف بابن خميس التلمساني، أصله من اليمن، ولد بتلمسان سنة 645ه وقيل سنة 650ه. نشأ بتلمسان ودرس على علمائها، وعرف عنه حبه للعزلة، التقى في تلمسان الرحالة المغاربي العبدري عام 688ه فأخرجه من عزلته وولاه السلطان أبو سعيد يغمراسن ديوان الإنشاء وأمانة سره. لم يبق طويلاً في هذا المنصب بسبب ما لقيه من سوء معاملة في البلاط، فذهب غاضباً إلى سبتة ومدح حاكمها وتفرغ للتدريس فيها، بعدها انتقل إلى غرناطة، وتصدر للإقراء، فقربه الوزير ابن الحكيم إلى مجلسه وكانت له فيه مدائح شعرية. يعتبر ابن خميس التلمساني شاعراً كبيراً، ملماً بالأدب واللغة وأصول الفقه والمذاهب والحكمة والمنطق والطب، اشتهر ابن خميس بشعره الذي يحتوي على دعابة ونزعة دينية تصوفية، قال عنه ابن الخطيب بأنه "كان نسيج وحده زهداً وانقباضاً وأدباً وهمة عارفاً بالمعارف القديمة مطلعاً بتفاريق النحل، قائماً على العربية والأصليين…". قتل ابن خميس مع ابن الحكيم، عندما هوجم قصر هذا الأخير عام 708ه. كان حب ابن خميس لوطنه تلمسان كبيرا جدا وبرز كثيرا في شعره حتى أنه خصص قصيدة في مدحها ووصفها ووصف معالمها. أبو موسى يغمراسن.. جدلية الأدب والسياسة أبو موسى بن أبي يعقوب بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن، ولد سنة 639 هجري، عينه أبوه حاكما على سجلماسة وأصبح واليا على تلمسان، إلا أن حلفاء أبو تاشفين عرفوا مقره وباغتوه وقتلوه بعد أن اشتد الصراع بين الجيشين سنة 791 ه، وله ديوان شعر جمع فيه أغراضاً عديدة، وله كتاب معروف جدا "واسطة السلوك في سياسة الملوك"، الذي يعتبر أول كتاب كتب من قبل الملك نفسه لولي عهده، يتناول الجدلية القائمة بين الأدب والسياسة من حيث المضامين المتعلقة بالملك وكيفية التحكم فيه، وما يقتضيه التسيير من حسن التصرف والتدبير. شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني.. من مشاهير السادة الصوفية هو الشيخ شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني من مشاهير السادة الصوفية أصله من الأندلس وأقام بفاس وسكن بجاية في الجزائر، وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور، وتوفي بتلمسان سنة 594ه عن عمر ناهز الثمانين. يعد الشيخ شعيب الرجل الثاني بعد عبد القادر الجيلاني في تسلسل أخذ الطريقة الشاذلية لأبي الحسن الشاذلي الذي أخذ عن الشيخ عبد السلام بن مشيش عن أبي مدين شعيب عن سيدي عبد القادر الجيلاني رضوان الله عليهم، والتي آلت لسيدي أبو العباس المرسي رحمه الله. كما يعد الجد الأكبر لآل مدين الأسرة الصوفية العريقة بمصر ولقبه أبو مدين التلمساني نسبة إلى ابنه مدين الأول وتلمسانالمدينة التي فاضت روحه بها، وكان آخر قوله الله الحي، والشيخ شعيب كما كان يعرف في بلاد المغرب من أعيان مشايخها في القرن السادس الهجرى، وكان جميل الخلقة متواضعا زاهدا ورعا محققا ظريفا متحليا بكل مكارم الأخلاق، فأجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله وتأدبوا بأدبه وكثر تلاميذه ومريدوه وذاعت شهرته في كل شمال إفريقيا، وسمع به أمير المؤمنين أحد أحفاد الأدارسة، وخليفة المغرب الأقصى في ذلك الوقت وكان موجودا بمدينة تلمسان فأرسل في طلبه. ويقص علينا عبد الوهاب الشعراني وغيره من مؤرخى الطبقات قصة ذهابه إلى تلمسان، فيقول: وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من (بجاية) ليتبرك به، فلما وصل الشيخ شعيب إلى تلمسان، قال: مالنا للسلطان، الليلة نزور الإخوان، ثم نزل وذهب إلى المسجد الجامع هناك، واستقبل القبلة وتشهد وقال: ها قد جئت ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى، ثم قال: الله الحي، ثم فاضت روحه إلى بارئها قبل أن يرى السلطان".