افتتاح دورة تكوينية لفائدة الأعضاء    بوعمامة يلتقي النقابات    هذه توجيهات ناصري    تجسيد الصيرفة الإسلامية يعكس إرادة الرئيس    مشروع قانون المالية يدعم الطاقة الخضراء    دراسة طلب إدراج مجموعة إنساغ    مبادرات جزائرية لإغاثة غزّة    الرأس الأخضر.. لأول مرّة    الجزائر تحتفل بالعودة إلى المونديال    منتخب المحليين ينهزم وديا أمام فلسطين    اتفاقية للتكفّل بعمليات زراعة الكبد    افتتاح 3 مراكز للتكفل النفسي واليبداغوجي بالعاصمة    توقع أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي للعام المقبل 4،1 بالمائة    هلاك 34 شخصا وإصابة 1729 آخرين    حجز أزيد من 8 أطنان من منتوج الكسكس غير صالح للاستهلاك    سعيدة : وفاة امرأة في حادث مرور مأساوي    بن دودة تقف على وضعية المنصّات الرقمية التابعة للقطاع:ضرورة تعزيز التحول الرقمي في تسيير المرفق الثقافي    الأغواط : ترسيخ الهوية الوطنية عبر الفنون التشكيلية والمرئية    المهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية السوفية : انتقاء 12 فنانا هاويا للمشاركة في الطبعة ال12    "الخضر" ينهون تصفيات المونديال بفوز مثير    القطاع المصرفي الجزائري الخامس إفريقيا    الجزائريون يحتفون برجال المونديال قبل الالتحاق ببلاد "الأمريكان"    انطلاق مشروع إنجاز القطب المالي قريبا    الشروع في المعالجة البيداغوجية لنتائج تقييم المكتسبات    فلسطين قضية الجزائر والرئيس تبون بامتياز    الأمم المتحدة والصليب الأحمر يطالبان بالفتح الفوري للمعابر    احتجاجات مرتقبة السبت المقبل في مختلف المدن    المطالبة بوضع حد لعصابات الأحياء والسوق الفوضوي    الغراب "الظافر" يشارك في تمرينين بحريين بالمياه البريطانية    الحفاظ على الذاكرة الوطنية وغرس مبادئ الثورة في الشباب    إدماج الشريحة الإلكترونية "eSIM"ضمن باقات الخدمات    التزام بمواصلة العمل لتحسين أوضاع مستخدمي الصحة    لم أفكّر في بلجيكا وحلمي كان دائما اللعب مع الجزائرأبدى سعادته    اجتماع تنسيقي لمعالجة إشكال خطوط النقل بين الطارف وعنابة    إحباط إدخال 1200 هاتف نقال    جيلالي تعرض مشروعي قانونين يتعلقان بالأوسمة العسكرية    فلسطين : الاحتلال الصهيوني يفرج عن 83 معتقلا فلسطينيا    بلجيكا تلغي حفلاً ل"ديستربد":    وزير الداخلية يشارك بكيب تاون في جلسة وزارية حول الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث    وزير الصحة يباشر سلسلة لقاءات تشاورية مع الشركاء الاجتماعيين    الصَلب الفلسطيني: جرحى نازفون... ولكن غير مهزومين    نجاح المرحلة الأولى من وقف الحرب    تنظيم مسابقة لالتحاق بالتكوين شبه الطبي    رئيس الجمهورية يولي أهمية قصوى لهذه المنطقة    ورشات في السيناريو وسينما الموبايل    جوفنتوس في قلبي وسأعود للتدريب قريبا    إشادة بتضحيات فئة شاهدة على مرحلة خالدة من تاريخ الجزائر    غلاف أوّلي ب122 مليار سنتيم لمشروع إعادة التأهيل    "صيدال" و"نوفو نورديسك" لتطوير أدوية    شباب يعتنقون خرافات من ثقافة الجاهلية الإسرائيلية والهندوسية    وزير الصحة يلتقي نقابة الأسلاك المشتركة    بلمهدي يزور جامع سفير    المجتمع الرقمي له تأثيره وحضورُ الآباء ضروري    الفريق أول السعيد شنقريحة يهنئ المنتخب الوطني بمناسبة تأهله إلى كأس العالم 2026    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    فتاوى : إنشاء صور لذوات الأرواح بالذكاء الاصطناعي    هذه مخاطر داء الغيبة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة.. قل لي...متى أراك..؟
نشر في الحوار يوم 21 - 05 - 2010


''ولدي الذي ذهب ضحية لسائق شاحنة أرعن فجر يوم الأربعاء 25-04-2007 ..لتكن القصة على لسان أمّ عبرة وسلوى للفؤاد وإلى سكان أو ولمان بدائرة سيدي عيسى الصبر السلوان...'' 01 - ودعته بابتسامة شاحبة، فأجاب بضحكات خجولة تملأ المكان بهجة، داعبت ظهره مربتة وهمست: متى تعود؟ يفتح ذراعيه على وسعها، يحتضنني متنهدا ويقبلني مازحا، غدا الصبح إن شاء الله، يرتشف بعض الكلمات وما تبقى في الفنجان من قهوة الصباح، يخرج يقطع الطريق مهرولا، كأنه ينشد العشب الندي قبل حلول الصيف، ناديته من ثقب الباب، رويدك ولدي اعبر الطريق بحذر لا تجازف، يلتفت مبتسما، يلوح بيمناه وفي اليسرى حقيبة سفره، يتوارى خلف الجدار، سويعات ويهتف.. رناتك أيها الهاتف ما يزال طنينها في أذني، صوت يحمل البشرى والأمل، وشيء يسكن مشاعري، مشيت في البهو متمتمة، ابتلع ريقي بمرارة، في الليل توسدت الهاتف وما فعلت ذالك من قبل، فجر هذا الأربعاء ارتعد الجهاز وصمت، والصمت رديف الألم، لم تعد في الهاتف حرارة، لحظتها ويا كبداه..كان ولدي يئن..كانت ترتعش من جنباته الآهات، يلتهم عقارب الساعة، يفزع لهول الدوي الرهيب، وقد أرعبه وأفزعه.. رباه ماذا يحدث؟ وقعت الواقعة، ونزلت الصاعقة، لسعات في قفاه تهزمه فيئط لها أطيطا، يقوم متعثرا ليرمي بجسده في خندق، نأت الخنادق وترنح الفارس، مأسورة سلاحه تنحني خاشعة، تعانق نبض خافقيه وتسرع بضخ ما يسكن شريانه شلالا يسقي تربة حاسي بحبح العطشى، ويروي يابس شجيراتها، عيناه الجاحظتان تسعيان عبثا لاكتشاف ملامح ذاك العربيد، سائق متهور مخبول، الشاحنة تنحرف فمن يقودها؟ أليس هذا وغد من سراطين الطرقات الآثمين؟ تبا للأوغاد الجبناء، وتبا للظالمين.. يا الهي ماذا يحدث؟ يتضبّب بصره، تخذله ركبتاه، فيلتفّ الساق بالساق، وتمتد نحوه الأعناق، ويفزع إليه الرفاق، والأمر صار لا يطاق.. رباه ..أماه..ولا منقذ..ولا ساعفة، وقضي أمر كان. 02 - هاهو ذا يقترب من الأرض بهدوء يتوسد تربتها، وزعيق أبواب الموت مفزعة..الرعدة الممقوتة تهزه فيقف يعانق رعبها، ويتهاوى كالطود الأشم..يتنفس شهقة الفجر ويتوضأ بسيول الدمع.. مركب الفراشات يرحل على عجل .. يتعطر بعبق الشهادة ويلثم رحيقها، تتمرد على السرب فراشته العذراء، السرب يفزع ويذهله ما يسمع ويرى، ترجفه الراجفة، تتبعها رادفة، يبصر البرق لمحا، تتجاهر روحه بصيحة رهيبة مزقت صخب المكان، أرعبت الرفاق، الجبال استوت منحنية، ولم تعد تستوعب صدى الصيحة، ولا عرفت مداها، وداعا يا أمي.. وداعا أيها النبض العطوف، وداعا أيها الأب الشفوق، وداعا إخوتي وأخواتي أهلي وعيالي زوجتي وجيراني أصحابي وأطفال الحي كلهم.. ويا وطني وداعا، إني رفعت الراية وحميت الحمى، وداعا فأنا أرحل على عجل، هل تعلمين يا أماه.. بأني اللحظة أرحل، أبي ماذا أقول؟ أنا أرحل وعلى عجل، في غبش الفجر أرتشف غبارا مرا من نقع الحادثة، اليدان كلتا واللسان يتعثر في أطراف الكلمات، أمي وأبي وداعا فأكفكم تشملني، رضاكما هو الحياة الأزلية هو الزاد الذي لا ينفد، إني أرشف عذب كلمات التوحيد معطرة من كأس كان مزاجاها زنجبيلا، إني أرحل.. وفي موكب الشهداء أمشي.. 03 - والصبح تهاطلت هواتفه وعوت ذئابها، نزل الخبر الصاعقة صادما، ها هو ذا والدك مقوس الظهر يجر ساقيه المتعبتين، يلج الباب منكس الرأس مذهولا، يجر أوجاعا ويكابد هول الفاجعة، يتوقف مرتاعا، يسلم همه للجماعة، يتهدّج صوت أمك، فتقرأ في العيون الدامعة وقد أتاها النبأ، تصرخ: ياويلتاه.. أفي البيت مأتم؟ سرت قشعريرة باردة في النفوس فتفصح بهول الفاجعة، الخبر باغت قلبا هشا فأدماه، اعتصر أيمنه وأيسره وتمزقت شغافه أشلاء، امتدت يد مهزومة تلطم خدين شاحبتين وما فعلت..قاسمناها الدموع أقداحا من الأحزان مترعة، سكبناها بسخاء على أجساد متهالكة وعلامات الفزع على الوجوه،علا صوتها متفجعا.. ولدي جرحي أملي كبريائي حبي وأحلامي، كنت في ثغري ابتسامة، كنت في عيني إشراقة، كنت حديثا أزين به مجالسي، ضاع الأمل في التفاتة عابرة، في لمح من البصر، لم يعد أفريل يوم علم وأفراح وهدايا، لم يعد إلا حفرة بين أضلعي في جوفها ردم ابتلع كل أحلامي، آه..أيها الضابط المغوار أنت شهيد، ولشهداء الوطن حياة أخرى، كنت تذب عن الأوطان، زغرودة على حماة الوطن، في جسدي صورتك محفورة، عيناك صارتا مغمضتين، ذاك يؤلمني، كيف لي أن اقتفي خطاك؟ كيف لي أن أراك؟ لم أراك بعد اليوم إلا طيفا يا ولدي، تركتني وسواد ثوب الأحزان يدثرني، ولبست بياض الثياب والقلب منكسر، أنت البلبل الذي كان يغرد بزوغ فجري، ومساءات شوقي، غبت يا زهير عن دوحة أملي، همساتك لا تزال ترن ودفئ أحضاني يلثم عطر صباك، تناثر أريج عطر سيرتك كذبالة تصاعد نورها وانذوى الحلم كصخب الرعب ترتل الشفاه آهاته، وتتلو آيات من متن الحكاية، وطويت في الأسفار أوراق كنت أقرؤها، هي ذي الجموع ترسل دمعها هطالا تحت ذوائب شجيرات المقبرة خشعة أبصارها،وفي مربع الشهداء انسحقت الأنفاس وانكفأ الأب يلملم أحزانه الغامضة والألسن أكف إلى بارئها، تهاطلت التعازي سيل يغمرنا، فتوضأنا بقبلات المعزين وجع يرهقنا وامتطينا صهوة الأحزان وبالصبر نلجمها. 04 - وينصرف الفارس في صمت مهيب، وينصرفون في سكون أمسية مجندلة بالأحزان، ويلتف الهمس حولنا هواجس تلتهم القلوب، ويختفي الأمل..آه .. قرص الشمس يتوارى يا ولدي، ولم أر إلا أطيافك تحضر وتغيب، سمعت الصبح العصافير تجهش في ذرى الليمون وعلى أغصان الرند والرمان تتقافز مغردة، قبالة نافذتك قد هزهزت رؤوسها تبكيك منتفضة، ترتل ترانيم همسها، وداعا يا زهير، يا نجم أفل، في الصبح أراك وردا، في الليل أشمك عطرا، في كل وقت أراك مبتسما، في المساء أزيح البكاء، الدموع أبدا في عيني، ارسم ملامحك في خيالي، في قلبي نبض قلبك خفاقا في سويدائي تسكن صورتك، محياك يملأ كل شيء من حولي، وعندما أكون وحدي أضمك طفلا إلى صدري، أمسح على رأسك مدندنة، اهمس في أذنيك منشدة، أسمع سرك وحدي مرتجفة، أتفرد بطيفك القزحي راحلا ولا أراك إلا وحدي، أتأرق متألمة، اختنق محترقة، وعضات الفاجعة تفزعني، والسهد ينزف جراحي ملابسك أشياؤك ذكرياتك، ولكن آه.. يا ولدي الدموع أبدا في عيني كخنساء بكتك صخرا، ولست إلا أم ذاهلة تترجى ريب المنون، فنار الوجد لواعج، من أي نار هي ناري، لهيبها صار يشوي فؤادي وصبري جميل، ولدي.. رفيقي.. أوهامي.. لا تسألني عن وحشتي.. عن اغترابي.. عن لوعتي..عن أحزاني.. عن خواطر تلاشت في براري القحط تؤلمني وتقض مضجعي، قل لي متى أراك يا ولدي؟ أبعد غد أراك؟ أفي الصبح الباكر أراك؟ أفي المساء أسعد برؤياك.. قل لي متى؟ أزهير إن جدتك رحلت في موكب الأحزان تقتفي أثرك فهل إلى سرب أحلامها إليك من سبيل؟ إنها تبحث وتبحث عن عناقيد شوقها الراعش وتحت رخام القبور ترقد، فهل رأتك؟ أبدا.. لا أحد غيري يراك.. يا كبدي متى أراك؟ إني انتظر وستائر الدمع تحجب عني طيوفك، وإلى متى أنتظر؟ هل أراك غدا؟ أم بعد غد؟ هل أسعد في الأحلام برِؤيتك؟ قل لي متى؟ متى يا زهير أراك؟ قل لي متى يا ولدي أراك...؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.