مراد يشرف على تنصيب لجنة التحقيق في حادث ملعب 5 جويلية    رئيس الجمهورية يصل إلى قصر المعارض للإشراف على افتتاح الطبعة ال 56 لمعرض الجزائر الدولي    تحسين سير المرافق العمومية: التوقيع على اتفاقية تعاون بين وزارة التعليم العالي وهيئة وسيط الجمهورية    رئيس الجمهورية يجدد التزام الجزائر بتقوية التعاون الطاقوي الإفريقي    رئيس الجمهورية يشرف بقصر المعارض على افتتاح الطبعة ال 56 لمعرض الجزائر الدولي    قسنطينة: تنظيم الطبعة ال3 للصالون الدولي "ويب إكسبو الجزائر" من 25 إلى 28 يونيو    قانون الاستغلال السياحي للشواطئ سيجعل من السياحة الداخلية محركا حقيقيا للتنمية    الدورة ال16 للجنة التنمية الاجتماعية: الحماية الاجتماعية وسيلة لتعزيز المساواة    وزير الثقافة والفنون يتباحث مع نظيره الموريتاني سبل توسيع آفاق التعاون الثقافي بين البلدين    الجزائر-موريتانيا: فرق طبية من البلدين تجري عمليات لزرع الكلى بالجزائر العاصمة    غالي يشدد على أهمية الاستمرار في الكفاح وبذل كل الجهود من أجل حشد مزيد من المكاسب والانتصارات    أطول أزمة لجوء في العالم    مولودية الجزائر بطلا للمرة التاسعة    دورة دولية بالصابلات    الجزائر تُعرب عن بالغ قلقها وشديد أسفها    خارطة طريق لتحسين تسيير النفايات    مولوجي تستقبل وزيرة عُمانية    عطاف يلتقي نظيره اليمني    انطلاق عملية فتح الأظرفة الخاصة بالمزايدة    نتمنى تحقيق سلام عالمي ينصف المظلوم    مزيان يستقبل وزير الثقافة والاتصال الموريتاني    استشهاد 53 فلسطينيا في غارات صهيونية على قطاع غزة    الضربات الأمريكية على المنشآت الإيرانية "منعطف خطير في المنطقة"    استراتيجية وطنية لتطوير تصنيف الجامعات الجزائرية    حادث ملعب 5 جويلية: لجنة تابعة لوزارة الرياضة تتنقل إلى الملعب    دعم الوساطة المالية غير المصرفية بتطوير كفاءات التمويل    الارتقاء بالتعاون الثنائي ودعم الشراكة المنتجة    "الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية" لعام 2025: مخطوطات تاريخية ثمينة وكتب تبرز أصالة وثقافة الشعب الصحراوي    لا حل للملف النّووي الإيراني إلا النّهج السياسي والمفاوضات    الرئيس إبراهيمي يريد جمعية عامة هادئة ودون عتاب    الزمالك يصر على ضم عبد الرحمن دغموم    خزان مائي بألفي متر مكعب هذا الصيف    عنابة قطب سياحي واقتصادي بمعايير عصرية    أولمبيك مرسيليا يقدم عرضا لدورتموند من أجل بن سبعيني    استزراع 3 آلاف من صغار سمك "التيلابيا"    بداية مشجعة لموسم جني الطماطم الصناعية    علامات ثقافية جزائرية ضمن قوائم الأفضل عربيّاً    فتح باب المشاركة إلى 20 أوت المقبل    قصة عابرة للصحراء تحمل قيم التعايش    سلطة الضبط تدين تصاعد الخطاب الإعلامي المضلّل ضد الجزائر    مناورات ميدانية لمكافحة الحرائق بسكيكدة وجيجل    الجزائر - روسيا.. بحث سبل التعاون في الشأن الديني    وزير الثقافة والفنون يشرف من الجزائر العاصمة على اطلاق "ليلة المتاحف"    العاب القوى: انطلاق البطولة الوطنية للمسابقات المركبة بالمضمار الخاص (ساتو) بالمركب الاولمبي    افتتاح أشغال الملتقى الدولي حول التعارف الإنساني وأثره في إرساء العلاقات وتحقيق التعايش    حادث ملعب 5 جويلية: وفد وزاري يقف على الوضعية الصحية للمصابين    استعراض رؤية الجزائر وتجربتها الرائدة    احذروا الغفلة عن محاسبة النفس والتسويف في التوبة    بلايلي يكتب التاريخ    اتحاد العاصمة يغرق    إيران تواصل الرد الحازم على العدوان الصهيوني    شكاوى المرضى في صلب عمل لجنة أخلاقيات الصحة    التعبئة العامّة.. خطوة لا بد منها    تحضيرات مسبقة لموسم حج 2026    انطلاق الحملة الوطنية لتدعيم تلقيح الأطفال    فتاوى : الهبة لبعض الأولاد دون البعض    فعل الخيرات .. زكريا عليه السلام نموذجا    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تذهب السكرة وتغيب الفكرة
في الصميم :
نشر في الخبر يوم 03 - 03 - 2013

على إيقاع شهقة زمنية رقمية، وفي أجواء حالمة من النشوة والسكر، سقطت رؤوس الأنظمة في دول الحراك، وعلى عكس المثل العربي القائل، ''إذا ذهبت السكرة حضرت الفكرة'' غابت الفكرة والرؤية عن المشهد السياسي في دول الحراك، ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، سارعت القوى التقليدية وعلى رأسها حركات الإسلام السياسي إلى ملء الفراغ عبر التعبئة والتنظيم والتجييش، غافلة أن مفهوم القوة قد تغيّر، وأنه قد تجاوز خلفيته المادية النيوتونية الملموسة إلى مضمون معرفي رمزي، ومن ثم أخضع فراغ الأفكار الأحزاب الإسلامية في دول الحراك لسلسلة من التنازلات هوت بها من عالم مثالية الأصول العشرين والمأثورات عبر منطق المساومة إلى المدرسة الواقعية، حيث المصلحة هي القوة والقوة هي المصلحة، وللقوة لغة ومؤشرات طالما غفلت عنها كتيبات الوعظ والإرشاد، الأمر الذي اضطر الأممية الإخوانية لتوظيف كل آليات استرضاء القوى الدولية التي عتقت خمور تلك السكرة.
إنها لحظة الانكشاف، التي بدت خلالها تلك الحركات عاجزة عن ضبط فوضى تفاعلات الأحداث وقد تجلى ذلك أكثر ما تجلى في مجموعة القرارات والتصريحات المتضاربة الصادرة عن الأحزاب الإسلامية التي باتت في مواقع القرار، الأمر الذي يدل على أن الدول في الجمهوريات الثواني تعيش حالة ارتباك شديدة كشفت على أنه لم يكن ثمة من سياسة لدى الإسلام السياسي غير الوصول إلى السلطة، مما يفرض التساؤل عن عوامل الانسداد التي جعلت رصيد تلك الحركات التي يعد عمرها بعشرات العقود خال من أي تراكم يكسبها القدرة على التسيير في المجالات المرتبطة بالمنظومة العمرانية المؤسسة لدولة الرفاه، مما جعلها تتخبط في دوامة مغلقة من مشاكل الأمن والاقتصاد والبطالة، رغم تلك المحاولات المستميتة في معالجتها عبر مجموعة من المسكنات.
إنها حالة تأزم تعود ابتداء لعوامل سيكولوجية ومنهجية معرفية بالدرجة الأولى ترتبط بنشأة وتأسيس تلك الحركات على خلفية من آليات الصراع التي غالبا ما تلعب دورا فاعلا في تضييق مجال النظر وتحول دون انطلاق الفكر وإخصاب الخيال وفتح المجال للتأملات العميقة وكل ما من شأنه أن يثري روافد الفكر والمعرفة، ومن ثم انجر رواد الإصلاح الرجوع للشريعة رجوع استظهار وليس افتقار، فالرجوع الاستظهاري رجوع استعراضي لا يزيد عن كونه تنويها مسطحا بالسبق الذاتي للإسلام، في حين أن رجوع الافتقار هو رجوع استكشاف وتجديد واجتهاد، الأمر الذي استلزم ظهور ذلك النوع من المقاومة الفكرية الإسلاموية التي سجنت العقل في إطار مصفوفة من الثنائيات المتضاربة من (دين /ودولة)و(مدني/ديني) و(أصالة/معاصرة) و(تقليد/حداثة) و(حاكمية/جاهلية)، فضلا عن تلك السجالات التي تقوم على جدل يفرض تقديم البرهان الذي يعتبره كثير من المفكرين احتجاجا مموها، والانتصار له ليس بالضرورة انتصارا للحقيقة، لأن الحقيقة لا تبنى، إنما تكتشف من خلال الشغف بالبحث العلمي ومدارسة تجري على إيقاع سيكولوجي قلق، وليس من خلال الدفاع عن أفكار مسبقة ومواقف جامدة في عهد اللاحتمية واللاخطية واللايقين والاستعجالية.
إن الالتزام الحرفي بتعاليم المدرسة القائمة على الدليل أغلق باب الاجتهاد فعليا وإن فتح شكلا، فكانت النتيجة انحسار الأدبيات الإسلاموية في مجموعة من الكراسات السجالية الدفاعية التي تعتمد الوصف والسرد أسلوبا والمفاضلة والمقارنة منهجا، لتنتهي إلى مقولات غاية في الاختزال والتبسيط لأكثر الإشكاليات تعقيدا غافلة أن المأثورات والأصول وكتب الوعظ العامة لا يمكن أن تبني دولة. أما العامل الثاني الذي يقف وراء العمل المعرفي لدى الحركات الإسلامية، فإنه يتمثل في فرض الوصاية على العقل، من خلال بيعة المرشد وفرض الولاء والسمع والطاعة، الأمر الذي أضفى هالة من التقديس على المرشدين وشيوخ الدين ومنحهم سلطات معنوية، كانت أشد على التفكير الحر من أي استبداد سياسي، مما تسبب في العجز عن قراءة التفاعلات غير المرئية، والاكتفاء بالقراءة السكونية للتاريخ، والتي جعلت أحد المسؤولين في دول الحراك يعلن في أولى أيام استلامه للسلطة أن الخلافة السادسة ستقوم في بلده. وفي هذا السياق نحرص على التأكيد على أن ختم النبوة كان مؤذنا بالرفع الكامل للوصاية على العقل، ولا سيما ذلك الجزء من الدين الذي كان الاعتماد فيه على الوحي، وإذا كان صاحب روح القوانين مونتيسكيو قد أقر بأن السلطة بطبيعتها مفسدة، فإن السلطة المعنوية المكتسبة بطبيعتها أكثر إفسادا بسبب خلفيتها المقدسة من السلطة السياسية.
أما العامل الثالث، فيتمثل في آثار الهاجس الأمني المرافق للإسلاميين ممن دخلوا المعتقلات على نظام التفكير، بسبب ذلك الاستشعار المستمر للرقابة وإن كان وهميا، الأمر الذي يقيد التفكير ويجعله قائما على الأحوط، كما يجعل روح الانتقام تطغى على ردود الأفعال وتبقي على منطق المغالبة في التفاعل مع القوى الأخرى. وفي جانب آخر يمكن القول بأن حقيقة كون أغلبية ممن تسلموا مسؤوليات في دول الحراك، ممن قضوا فترات طويلة في المعتقلات، طرح إشكالية مدى قدرة هؤلاء على التكيف مع الواقع الجديد وخطورة عدم التفكير في ضرورة تأهيلهم للتعامل مع الحياة قبل مباشرة أي عمل سياسي.
وفي سياق مختلف، يمكن القول أن التطلع إلى النموذجين التركي والماليزي من طرف الإسلام السياسي العربي، ما هو إلا دليل إضافي على فراغ الأفكار، حيث بدا الموقف الإسلاموي بذلك التطلع طوباويا عبر تلك السياسات التلفيقية والتوفيقية كما ظهرت في البرامج الحكومية لدول الحراك، وكما جاءت مواقف العلماء التقليديين في كل مراحل الحراك دعائية وتبسيطية ومفارقة لمعطيات وإشكاليات واقع شديد التعقيد، مما يؤكد بأن اجتهاداتهم التي استغرقت عقودا طويلة لم تزد عن كونها عملية محو للأمية الدينية لا أكثر وفي بعض الدول التي كان لها استباق حل إشكالية توظيف الدين في السياسة بموجب الدستور مثل الجزائر، اضطرت بعض الأحزاب إلى تغيير أسمائها دون تغيير نظام تفكيرها، الأمر الذي جعلها تعيش مجموعة من المغالطات في استحقاقات التشريعيات، عندما أغفلت عوامل الاختلاف بين واقع وآخر، لقد ظلت تلك الأحزاب تعيش خلال نصف قرن في صيرورة واقع مختلف تماما في المشرق، عندما كان بعض شيوخ الجزائر من الإخوان يتوافدون على مرشدي الجماعة في القاهرة لتقديم البيعة، التي كانت تثبتها وتكرس آثارها، تلك الكتيبات والأشرطة تعبر عن واقعهم هناك في المشرق، وكان يجري إسقاطها تعسفا على واقعنا في الجزائر من أجل نسخ التجربة، وإذ نحمد الله على أن الشعب الجزائري ينفر من التكرار والاجترار، نتساءل تعجبا واستنكارا عن علاقة الشباب الجزائري باغتيال النقراشي والبنا، أو عن علاقته بتداعيات أحداث حماة عام 1982 لكي يقحم في آثارها. وفي ظل هذه المعطيات يمكن القول بأن تجربة الجزائر قد أعادت إلى الدين بعده الرسالي، فأصبح يمثل آلية التناغم بين ضمير المسلم وواقعه، ومن ثم تكون قد أعادت للدين وظيفته الاجتماعية، كما تكون قد وضعت حدا لسطوة المتعملقين، وحالت دون تجفيف منابع إعمال العقل، بحيث ينجذب شبابنا إلى مدرسة القلق والتدبر والسؤال والمساءلة، بعيدا عن مدرسة التوفيق والتلفيق والتقليد والانقياد، القائمة على الجهل المقدس والتي بفعلها تتوالد وتتكاثر المغالطات والالتباسات والحيل الفقهية، ويغيب المقصد الأساسي من مقاصد الشريعة وهو المحافظة على العقل بسبب فرض الوصاية على العقل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.