لم يتحامل العاهل المغربي، في خطابه إلى “شعبه العزيز” أول أمس على جون كيري ولا على أمريكا. ولم يخرج المغاربة “عن بكرة أبيهم” في اتجاه السفارة الأمريكية لاقتحامها والتنكيل برايتها، كما فعلوا في الدار البيضاء من الراية الجزائرية في عيد ثورة شعبها. ولم يتعد محمد السادس حدود اللباقة في اللوم الذي وجهه لشركاء مملكته من الدول العظمى، التي قال إنها “ضحية” تغليط أشخاص يستغلون مواقعهم في المنظمات الحكومية وغير الحكومية الدولية، لحمل بلدانهم على اتخاذ مواقف لا تليق بالصداقة التي تربطها بالمملكة المغربية. ولم يجرؤ الملك المغربي على تسمية الدولة ولا الشخص الذي يقصده، وترك لقنوات “غير رسمية” مهمة تذكير الناس أن هذا الذي يسبّب لها متاعب يداه ملطختان بدماء الشعب الفيتنامي، عندما كان طيارا في جيش بلاده خلال الحرب على الفيتنام وغيرها من الاكتشافات. وعلى خلاف ذلك، كان الملك المغربي، منذ أن مشى الرئيس الجزائري في جنازة والده، حريصا كلما تناول الكلمة على تحميل الجزائر كل الويلات التي تقع على رأسه وعلى المجتمع المغربي الشقيق. وحمّل الجزائر حتى مسؤولية “جوع وتخلّف” الإقليم الشرقي المنسي من مملكته، لأنها ترفض فتح الحدود البرية بين البلدين. واعتبر مغاربة متحدثون باسم نظام بلدهم أن هذا الوضع جريمة في حق البشرية، وهم يعلمون أن نوعية “الترحاب” التي كانوا يخصون بها ضيوف مملكتهم، من وجهاء الشرق والغرب خلال عطلهم عندهم، لم تعد كافية لتغطية ما يحدث في المملكة، ولا كفاح ذلك الشعب في سبيل تقرير مصيره، وهو آخر شعب يعيش مستعمَرا في هذا العالم. ويجب الاعتراف أنه من الصعب على “المخزن” أن يتراجع عن مسعى تمسّك به طيلة 38 سنة، رغم كل ما خسره وسيخسره لاحقا. وبالتالي، فإنه من المنطقي أن يرفض التسليم بفشله في إقناع العالم بأن ما يقوم به في الصحراء الغربية ليس استعمارا، ولا شك أنه مقتنع أن دبلوماسيته الموازية المبنية على “التكبّر” على الدول والشعوب الإفريقية عادت عليه بالوبال في هذا المجال بالذات. ولقد ازدادت حمى المخزن ارتفاعا، عندما أيقن أنه لم يقع عليه الاختيار ليقود المبادرة التي يريد جون كيري اقتراحها على دول الساحل لمواجهة خطر تنظيم القاعدة، وهو الذي كان يعتقد أنه الأكثر تأهيلا للتكليف من قِبل أمريكا لقيادة “الجيش الإفريقي” الذي تريد تأسيسه لينوب عنها في الحرب على “القاعدة”. هذا هو السبب الرئيسي والوحيد الذي جعل “المخزن” يوجّه فوهات مدافعه “الكلامية” نحو الجزائر، لأنه يعرف أن النظام الذي يحكم فيها لن يردّ عليه بالمثل، خاصة أنه جرّب مثل ذلك من قبل. ولا يستطيع أن “يشدد اللهجة” مع من أسماهم “أمير المؤمنين” أصدقاء المغرب وحلفاءه، رغم أنه يعرف أنهم تخلّوا عنه كما تخلّوا عن الكثيرين قبله.