محاكم تجارية متخصصة: اصدار توصيات لتحسين سير عمل هذه المحاكم    عطاف يجري بنيويورك محادثات مع الأمين العام للأمم المتحدة    فلاحة: القطاع على أهبة الاستعداد لإطلاق عملية الإحصاء العام    "مشروع تحويل المياه من سدود الطارف سيحقق الأمن المائي لولايتي تبسة و سوق أهراس"    اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للندوة العربية الدولية للتضامن مع الشعب الصحراوي    الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش يحضر جانبا من تدريبات النادي الرياضي القسنطيني    عطاف يشدد على ضرورة منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين    إحالة 14 ملف متعلق بقضايا فساد للعدالة منذ أكتوبر الماضي    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    كاس الجزائر أكابر (الدور نصف النهائي): مولودية الجزائر - شباب قسنطينة بدون حضور الجمهور    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 33 ألفا و 970 شهيدا    زيتوني يشدد على ضرورة إستكمال التحول الرقمي للقطاع في الآجال المحددة    فايد يشارك في أشغال الإجتماعات الربيعية بواشنطن    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار وتوقيف 10 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    الجهوي الأول لرابطة باتنة: شباب بوجلبانة يعمق الفارق    سدراتة و«الأهراس» بنفس الإيقاع    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يؤكد: تشجيع الإشراف التشاركي في العملية الانتخابية المقبلة    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية (وهران-2024): الأندية الجزائرية تعول على مشوار مشرف أمام أقوى فرق القارة    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    عطّاف يؤكّد ضرورة اعتماد مقاربة جماعية    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    لم لا تؤلّف الكتب أيها الشيخ؟    توزيع الجوائز على الفائزين    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    الجزائر تضع باللون الأزرق مشروع قرار طلب عضوية فلسطين بالأمم المتحدة    دعوة لضرورة استئناف عملية السلام دون تأخير    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    هذا موعد عيد الأضحى    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نحضر لعقد الجمعية الانتخابية والموسم ينتهي بداية جوان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    نسب متقدمة في الربط بالكهرباء    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زرعُ فرنسا القاتل على الحدود
مهرّبون مغاربة تاجروا في بيع الألغام للجماعات الإرهابية
نشر في الخبر يوم 05 - 12 - 2014

حين كان الجزائريون يحتفلون بالذكرى الستين لثورة الفاتح من نوفمبر 1954 مسترجعين بطولة شعب رفض هيمنة استعمار فرنسي ظالم، في الثاني من نوفمبر 2014، وفي بادية بلدية العريشة الحدودية بولاية تلمسان أقصى غرب الجزائر، انفجر لغم من مخلّفات خطي شارل وموريس، داخل خيمة تأوي عائلة جزائرية فقيرة تمتهن رعي الأغنام، فقتلت الأم والأب وجرح وصدم الأطفال، فكان الانفجار "هدية فرنسا للجزائر" في ستينية الثورة.. "الخبر" عادت إلى مسرح الجريمة واستمعت إلى معاناة ضحايا الزرع الفرنسي القاتل على الحدود.
دفع اللهيب المتصاعد لثورة التحرير المباركة ما بين 1954 و1956 الاستعمار الفرنسي بالجزائر إلى الجنون والتمادي في الغطرسة والقمع، فكانت خطّة فرنسا في إقامة خطي “شال” و”موريس” على الحدود الغربية والشرقية للبلاد، من أجل خنق ثوار جيش التحرير الوطني. وحسب إحصائيات وتقديرات رسمية، فإن الأراضي التي أنجز عليها الخطّان المكهربان قد زرعت بأكثر من ثلاثة ملايين لغم من مختلف الأنواع والأحجام، إضافة إلى ثمانية ملايين لغم زرعتها فرنسا في مختلف أرجاء البلاد، في الفترة الممتدة مابين نهاية 1954 و19 مارس 1962، تاريخ وقف إطلاق النار.
وقد تمكنت الجزائر بعد الاستقلال، من خلال وحدات الجيش الوطني الشعبي، من نزع ثمانية ملايين لغم في إطار مسار اتفاقية “أوتاوا” لنزع الألغام التي وقّعت عليها الجزائر. ورغم كل هذه الجهود، لازالت الألغام الفرنسية وبعد 52 سنة من الاستقلال تسيل دماء الجزائريين، فتقتل من تقتل، وتعيق من تعيق، تذهب بأيديهم وأرجلهم أحيانا، وتذهب بأبصارهم وأسماعهم أحيانا أخرى.. شيوخ وكهول وأطفال، رجال ونساء، ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في رحلة البحث عن الرزق للكبار، وفي رحلة البحث عن اللهو واللعب للصّغار.
“الخبر” التقت بعيّنة من ضحايا الألغام من سكان الشريط الحدودي الغربي للبلاد، وسجّلت مدى البؤس والضرر الذي لحق بهم وبعائلاتهم طيلة سنوات الإعاقة.
خط “موريس”
سمي باسم آندري موريس، وزير الدفاع في حكومة بورجيس مونروي، وعرض المشروع على البرلمان الفرنسي، وصادق عليه. ويهدف الخط المكهرب إلى عزل الثورة عن تونس شرقا وعن المغرب غربا. انطلقت به الأشغال في أوت 1956، ويمتد الخط شرقا على مسافة 750 كلم من عنابة شمالا إلى نقرين جنوبا، وعرضه من 30 مترا إلى 60 مترا، وغربا على المسافة نفسها (750 كلم) ويمتد من الغزوات شمالا إلى بشار جنوبا.
سلّم 350 لغم لمصالح الجيش ويحتفظ ب100 لغم قرب بيته
يحيى بن شيخ: “على فرنسا أن تعترف بجريمتها في حقّنا”
كان في السابعة من عمره سنة 1968 حين غادر القسم الدراسي بمدرسة العابد الحدودية في بلدية البويهي. وفي طريقه إلى البيت، أو بالأحرى إلى الخيمة التي تأوي إليها عائلته ببادية مسيون على بعد كيلومترين من المدرسة، وبفضوله الطفولي التقط كتلة حديدية غريبة، قرّبها من أذنه فسمع شيئا يتحرّك بداخلها، أصرّ على استخراجه بواسطة حجر، ولسوء حظه فقد كان لغما يدويا، انفجر عليه فتقطّعت أصابع يده اليسرى، وذهب بصره بعينه اليمنى، إضافة إلى جروح في كل مواضع الجسد. وبشجاعة الكبار، يقول يحيى، واصلت السير نحو خيام العائلة والدماء تنزف من ذراعي. ولأنّ دوي الانفجار كان قويا، سمعه والده، وهرع مسرعا نحوه، فالتقيا في منتصف الطريق ونقله والده إلى مستشفى تلمسان، حيث مكث خمسة وأربعين يوما، فقد فيها يده وبصره، وهو، اليوم، يستفيد من منحة لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار.
وقال لنا يحيى بكل ثقة “فرنسا هي المسؤولة وعليها الاعتراف بجرائمها في حق ضحايا الألغام. لقد توفي أمامي ستة ضحايا للألغام التي زرعتها فرنسا بالحدود. وإضافة إلى واقعة الانفجار الذي ذهب بيدي أصبحت مهتما بموضوع الألغام، ولقد جمعت لوحدي 350 لغم من منطقة العابد وسلّمتها للجيش الوطني، ووعدوني بالمساعدة، ولكن إلى غاية اليوم لم يتحقق شيء من هذه الوعود، ولم يمنعني هذا من جمع قرابة المائة لغم موجودة الآن بمنطقة العايدي، وسأسلّمها لمصالح الأمن في الوقت المناسب”.
وعند حديثنا عن “هواية” جمع الألغام عند يحيى، راح يكشف لنا أنه رصد في نهاية التسعينيات نشاطا مشبوها لمهرّبين مغاربة كانوا يقصدون المنطقة لجمع الألغام، وزادت شكوكه في نواياهم حين كانوا يقولون له إن هدفهم من نزع الألغام وجمعها هو حفر الآبار المائية من أجل نشاط الفلاحة والرعي، في حين كانوا يقومون ببيع هذه الألغام للجماعات الإرهابية المسلّحة، التي كانت تتخذ من الأراضي المغربية ملجأ للفرار من ملاحقة مصالح الأمن الجزائرية مثلما يعتقد.. هكذا هو حال عمي يحيى، لا مهنة ولا تقاعد، منحة بثلاثة آلاف دينار، ومشروع صغير موّلته به جمعية “الحياة” للمعاقين بمدينة سبدو لتربية عشرة رؤوس من الماشية.
جيلا بعد جيل.. ألغام المستعمر تصيب شباب الجزائر المستقلة
سيول الوادي تدفع بذخيرة متفجّرة نحو ميلود
بقدور ميلود من مواليد سنة 1981، أعزب دون مهنة، مقيم بقرية تي غزة، ببلدية عين غرابة دائرة منصورة. في أواخر سنة 1995 كان في عمره خمسة عشر سنة.. لا مكان للعب الأطفال بالمنطقة سوى المروج والوديان. ولأنه كان وقت الشتاء وفيضان الوادي، التقط ميلود شيئا غريبا حملته سيول الوادي، وظلّ يلعب به ويضربه على عمود كهربائي، حيث كانت تستهويه تلك الموسيقى المنبعثة من نقر المعدن الحديدي الذي التقطه بالعمود الحديدي الناقل للكهرباء، وفجأة تحوّلت الموسيقى إلى انفجار ذهب بيده اليمنى، لأن المعدن الذي التقطه لم يكن سوى لغم من مخلّفات الاستعمار الفرنسي. وبعد مدّة من العلاج استفاد من عجز بنسبة سبعين بالمائة، ويتلقى منحة باثنتي عشرة ألف دينار شهريا، منحة لا تغني شيئا بالنسبة لشاب فقد يده. قال لنا ميلود: “نحن لا نتسوّل من فرنسا نقودا، ولكن عليها الاعتراف بجرائمها في حق ضحايا الألغام..”. ضحايا وجدناهم في أمسّ الحاجة للتكفل بهم من قِبل سلطات بلادهم أولا من الناحية الاجتماعية والنفسية خاصة.
فاطمة ومريم.. أو حين يتحوّل حلم العرس إلى كابوس اللغم
قدراوي فاطمة تبلغ من العمر ستين سنة، وقدراوي مريم ذات ال64 سنة، بنات عمومة، لم تكونا تفترقان في الصبا، تلعبان معا وترعيان “شويهات” العائلة معا. تقول مريم التي التقيناها بمقر جمعية “الحياة” للمعاقين بمدينة سبدو: “لقد رأيت ليلتها حلما غريبا، لم يكن عمري يتجاوز ثلاث عشرة سنة. رأيت في المنام أن فاطمة ستزّف عروسا، وفي الصباح أخبرتها بالحلم. لقد كنا فرحين بالعودة إلى أرضنا بعد خروج الاستعمار. عائلتنا كانت مهاجرة في المغرب. كنا يومها نرعى الأغنام بالقرب من قرية خليل؛ أسرعت فاطمة لمنع القطيع من التوجه نحو الأسلاك الشائكة من بقايا خط “شال” و”موريس”، وفجأة انفجر لغم أرضي فسقطت فاطمة أرضا وقطعت رجلها اليسرى. ولأنني كنت قريبة منها أصبت في يدي بجروح خطيرة، واستفدت من عجز مادي ومن منحة أربعة آلاف دينار مؤخرا، في حين ظلت الدولة تدفع لي مبلغ ألف دينار لسنوات طويلة”. في حين تقول فاطمة إن منحة سبعة آلاف دينار لا تكفيها لمصاريف رجلها الاصطناعية، ومصاريف النقل والأمراض المزمنة التي أصيبت بها مثل السكري.. حالة صحية مزرية تتطلب كشوفات ومتابعات بمدن وهران وتلمسان، لسيدتين وضحيتين من ضحايا الألغام الفرنسية.. فاطمة ومريم قالتا بصوت واحد “نطالب بمراعاة حالتنا الاجتماعية من قِبل المسؤولين في بلادنا.. عانينا الأمرّين.. الفقر والمرض بعد الانفجار. واليوم يعاني أبناؤنا.. لا سكن ولا عمل”، ختمت السيدتان المكلومتان حديثهما ل”الخبر”.
حمليلي ميلود (67 سنة)
“وزارة المجاهدين تصرف لنا منحة ب5 آلاف دينار فقط”
يعتبر من أوائل ضحايا انفجار الألغام التي خلّفتها فرنسا بالحدود الغربية، كان عمره أربع عشرة سنة حين انفجر أسفل قدمه لغم أرضي بمراعي منطقة البويهي السهبية، فبترت ساقه اليسرى وثلاثة أصابع من يده اليسرى. عاش طفولة صعبة، وظل لسنوات طويلة يعيش بمنحة خمسة آلاف دينار، كانت تصرف له من وزارة المجاهدين، كمعاش للعطب. وقال لنا الشيخ حمليلي ميلود: “أنا أعيل خمسة أفراد من العائلة، ولو بقيت لي رجلي لما طلبت من أحد الصدقة والعون”. ويضيف متسائلا: “كيف تعترف بنا وزارة المجاهدين ك”معطوبي حرب”، مستظهرا وثيقة أخرجها من جيبه.. ولكن لا تعاملنا بالتساوي في الحقوق مع المجاهدين.. ألسنا مثلهم ضحايا الاستعمار الفرنسي؟”.
حسين بلبشير ناشط حقوقي مهتم بالملف
“الجزائر ملزمة بتطهير أراضيها من الألغام آفاق 2017”
حسين بلبشير، إعلامي سابق وناطق رسمي لجمعية “الحياة” للمعاقين حركيا بمدينة سبدو في ولاية تلمسان، على اطّلاع واسع بالمعاناة الاجتماعية لضحايا الألغام، بحكم عضويتهم في الجمعية. شارك سنة 2012 في سويسرا بالمؤتمر الدولي لمركز جنيف الدولي لإزالة الألغام لأغراض إنسانية، كان دليلنا ومرشدنا في رحلة الحديث إلى ضحايا الألغام من مخلّفات الحقبة الاستعمارية، حيث قال ل”الخبر”: “نحن في جمعية “الحياة” للمعاقين حركيا مهتمون بملف الألغام في جانبه التحسيسي والتوعوي والتضامني التكافلي، لكون الضحايا هم في الأوّل والأخير معاقين حركيا، وبالضرورة هم من المنتسبين للجمعية”، مضيفا “وكانت جمعية “الحياة” قد استضافت اللقاء التحسيسي الأول حول مخاطر الألغام سنة 2011، وشمل اللقاء مدارس ومتوسطات المنطقة وحتى من جامعة تلمسان، وكانت للمشاركين خرجات ميدانية إلى البادية الآهلة بالبدو الرّحل، وهي الأماكن الخطيرة القريبة من خطي “شال” و”موريس”، بكل من قرية العابد ببلدية البويهي وبلدية العريشة في المنطقة السهبية الجنوبية لولاية تلمسان”. القول إن اللغم قديم.. خطأ قاتل ويقول حسين بلبشير: “لقد وجدنا من خلال المعاينة الميدانية أن النّاس لا يهتمون باللغم لكونه قديما ومرّ على زرعه من قِبل عسكر فرنسا قرابة الستين سنة، وهذا خطأ قاتل. وهناك رصدنا بقايا لذخائر غير متفجّرة وألغام تعرّف عليها البدو، فقمنا بإبلاغ مصالح الدرك الوطني لنزعها وتطهير أراضي الرعي منها”.
وعن أهم الانشغالات والمعاناة التي يطرحها ضحايا الألغام، وهم من كل الفئات العمرية، أجاب محدّثنا “من خلال جلسات الاستماع التي تنظمها الجمعية توصلنا إلى فهم المعاناة الاجتماعية لضحايا الألغام، وهم في غالبيتهم أرباب أسر، وأحسنهم يستفيد من صرف معاش العطب من وزارة المجاهدين بمنحة لا تتجاوز 12 ألف دينار، وهم يقولون نحن “ضحايا استعمار”، ولكن الدولة تميّز بيننا وبين المجاهدين، ولهذا تحاول الجمعية من خلال مصادرها في التمويل بعث مشاريع اقتصادية اندماجية لصالح ضحايا الألغام، مثل مشروع تربية المواشي دون فوائد ربوية، حيث يستلم ضحية الألغام عشرة من رؤوس الأغنام وبعد سنة يعيد رأس المال والناتج والربح السنوي يسلّم لضحية أخرى، ويجد المشروع إقبالا ونجاحا كبيرين”.
ولأن جمعية “الحياة” عضو في المنظمة الدولية للإعاقة، وتعتبر ممثلا للمجتمع المدني في اللجنة الجزائرية الوزارية المشتركة لمتابعة تنفيذ اتفاقية “أوتاوا” لحظر الألغام، والتي أمضت عليها الجزائر سنة 2007، سألت “الخبر” المتحدث عن قدرة الجزائر في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها أمام المجتمع الدولي لتطهير كل الأراضي المزروعة بالألغام الفرنسية قبل نهاية سنة 2017، فكان ردّه “أن الحكومة الجزائرية ومنذ سنة 2004، حيث أعطى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 24 نوفمبر 2004 بحاسي بحبح ولاية الجلفة إشارة انطلاق عملية تدمير ونزع كل المخزون من الألغام المضادة للأفراد من مخلّفات الحقبة الاستعمارية؛ من يومها والجيش الجزائري يطهّر سنويا آلاف الهكتارات من الأراضي بالشريط الحدودي، والعملية مستمرة رغم الصعوبات والمخاطر. وأعتقد أن الجزائر ستكون في الموعد قبل نهاية 2017، وسيكون موعدا للقضاء النهائي على كابوس قاتل اسمه “الألغام الفرنسية المزروعة في الحدود الجزائرية”.
المعاهدات والاتفاقيات
هناك عدد من الاتفاقات الدولية التي تنظّم، أو تحظر، استخدام الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار. وهذه الصكوك هي جزء من كيان القانون الإنساني الدولي الذي يهدف إلى الحدّ من آثار النزاع المسلح لأسباب إنسانية. ومجموعة مدونات قانون حقوق الإنسان الدولي تبيِّن الخطوط العريضة لحقوق الأشخاص المتأثرين بهذه الأسلحة.
وقيام الأمم المتحدة بأعمال تتعلق بالألغام يُستَرشَد فيه بالقانون الدولي ذي الصلة، وهو يشجِّع بنشاط التمسك الكامل والالتزام من جانب الدول وأطراف النزاع المسلح، حيثما يكون منطبقاً بالمعاهدات والصكوك الدولية ذات الصلة، وخاصة معاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد، والاتفاقية المتعلقة بالأسلحة التقليدية والصكوك الدولية لحقوق الإنسان. وسياسة الأمم المتحدة بالنسبة للقيام بأعمال تتعلق بالألغام تتمثل في الإسهام في الجهود الأكبر التي تبذلها الأمم المتحدة للمساعدة في ضمان الالتزام بالقرارات ذات الصلة وبالأعراف والمعايير القانونية الدولية.
إن اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد “اتفاقية أوتاوا” تقرر تبنّيها في عام 1997، وهي أكثر الاتفاقيات شهرة. ونتجت الاتفاقية، التي تفرض حظراً كاملاً على الألغام المضادة للأفراد، عن مفاوضات قادها تحالف قوي وغير عادي اشتركت فيه حكومات والأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وما يزيد عن 1400 منظمة غير حكومية، من خلال شبكة معروفة باسم “الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية”. وهذا التحالف الذي لم يسبق له مثيل استخدَم المناصرة لزيادة الوعي العام بأثر الألغام الأرضية المضادة للأفراد على المدنيين ولحشد الدعم العالمي من أجل فرض حظر كامل.
وفي ديسمبر 1997، مُنِحَت للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية ولمنسّقها، جودي ويليامز، جائزة نوبل للسلام. ومعاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد دخلت حيِّز التنفيذ في 1 مارس 1999. وفي 1 مارس 2007 كان عدد البلدان التي صدَّقت على الاتفاقية أو انضمت إليها 153 بلد.
وعندما يصبح أحد البلدان “دولة طرفاً” في الاتفاقية، فإنه يكون قد وافق على ألاّ يقوم في أي وقت باستخدام أو تطوير أو إنتاج أو تخزين أو نقل ألغام أرضية مضادة للأفراد، أو مساعدة أي طرف آخر على القيام بهذه الأنشطة؛ وعلى أن يدمِّر خلال فترة أربع سنوات جميع مخزونات الألغام الأرضية المضادة للأفراد؛ وعلى أن يزيل خلال فترة 10 سنوات جميع الألغام الأرضية المضادة للأفراد التي تم زرعها؛ وعلى أن يقدِّم المساعدة، في حدود إمكاناته، لأنشطة إزالة الألغام والتوعية بالألغام وتدمير المخزونات ومساعدة الضحايا في جميع أنحاء العالم. بموجب المادة 7، يتعيّن على كل دولة طرف أن تبلِّغ الأمين العام للأمم المتحدة بالتدابير الملائمة التي اتُخذت للوفاء بما عليها من التزامات بموجب الاتفاقية.
خط “شال”
سمي باسم قائد القوات الفرنسية آنذاك شال موريس، وأقيم بالجبهة الشرقية من الوطن خلف خط موريس لتدعيمه ومساعدته في منع مرور المجاهدين، وبني بتقنيات الخط الأول نفسها، وأخذ مساره بالتوازي معه أيضا من الشمال إلى الجنوب، وكانت بداية الأشغال به مع نهاية سنة 1958.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.