رئيس الجمهورية يُكرم المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط 2025    الرئيس تبون: الجزائر ماضية نحو تحقيق أمن غذائي مستدام    مجلس الأمة يشارك بسويسرا في المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة وفيات المجاعة إلى 147 فلسطينيا من بينهم 88 طفلا    شان-2024 (المؤجلة إلى 2025) – تحضيرات : المنتخب المحلي يواجه موريتانيا وديا    كأس العالم للكرة الطائرة 2025: انهزام المنتخب الجزائري امام نظيره الصيني 3-0    حوادث مرور وحرائق وغرقى… حصيلة ثقيلة للحماية المدنية خلال 24 ساعة    العدوان الصهيوني على غزة: واحد من كل ثلاث فلسطينيين لم يأكل منذ أيام    ضبط أزيد من قنطار من الكيف المعالج بالبليدة وبشار مصدره المغرب    كاراتي دو/بطولة إفريقيا-2025: الجزائر تنهي المنافسة برصيد 12 ميدالية، منها ذهبيتان    مكافحة التقليد والقرصنة: توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والديوان الوطني لحقوق المؤلف    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: تألق منتخبات مصر، تونس، السودان ومدغشقر في كرة الطاولة فردي (ذكور وإناث)    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات من جنوب البلاد    اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    السيد حيداوي يستقبل مديرة قسم المرأة والجندر والشباب بمفوضية الاتحاد الإفريقي    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    هذا موعد صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    يوميات القهر العادي    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    إقامة شراكة اقتصادية جزائرية سعودية متينة    تدابير جديدة لتسوية نهائية لملف العقار الفلاحي    رئيس الجمهورية يعزي نظيره الروسي    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    الاتحاد البرلماني العربي : قرار ضم الضفة والأغوار الفلسطينية انتهاك صارخ للقانون الدولي    رغم الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار.. استمرار القتال بين كمبوديا وتايلاند    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    خاصة بالموسم الدراسي المقبل..الشروع في صب المنحة المدرسية    نيجيريا : الجيش يصد هجوماً شنته «بوكو حرام» و«داعش»    إستشهاد 12 فلسطينيا في قصف على خانيونس ودير البلح    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    تحقيق صافي أرباح بقيمة مليار دج    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    عندما تجتمع السياحة بألوان الطبيعة    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    بداري يهنئ الطالبة البطلة دحلب نريمان    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    تزويد 247 مدرسة ابتدائية بالألواح الرقمية    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    حملة لمكافحة الاستغلال غير القانوني لمواقف السيارات    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    إنجاز مشاريع تنموية هامة ببلديات بومرداس    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    ورشة الأصالة والنوعية تختتم الفعاليات    جثمان المخرج سيد علي فطار يوارى الثرى بالجزائر العاصمة    دعوة مفتوحة للمساهمة في مؤلّف جماعي حول يوسف مراحي    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جزائريو تونس بين نسائم السبسي ورياح المرزوقي
يعيشون في قلب التحولات السياسية بعد ثورة الياسمين
نشر في الخبر يوم 19 - 12 - 2014

تتأرجح الجالية الجزائرية في تونس في خضم التجاذبات السياسية والتحولات العميقة التي تشهدها البلاد، فتحملهم نسائم الباجي قايد السبسي إلى أحلام "الحياة الحلوة" وتعدهم بمستقبل زاهر تارة، وتأتي رياح المرزوقي الغاضبة لتحذرهم من عودة التعسف الإداري والمعاناة التي لازمتهم طيلة حقبة الرئيس السابق زين العابدين بن علي تارة أخرى.
لكن هل يعود جزائريو تونس إلى علاقة كل مرشح مع وطنهم الأم واعتبارها كبوصلة يسترشدون بها قرارهم؟ فيتبعون المرزوقي ذا العلاقة التاريخية الدافئة مع الجزائر، فهو الذي سلّمه الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، مثلما أشرنا إليه في عدد سابق، جائزة مقابل جهوده في خدمة الطب، وكان على صلة وثيقة بالناشطين الحقوقيين في الجزائر، من أمثال الراحل يوسف فتح اللّه وعلي يحيى عبد النور وغيرهما، قبل أن يشتد عليه خناق نظام زين العابدين بن علي حين طالب بفتح ملفات التعذيب في السجون، واعتقل 1994، وأودع زنزانة انفرادية، لكن الزعيم مانديلا أطلق حملة دولية للمطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما تم فعلا.
أم أن جاليتنا في تونس تضحي بالمنصف، لأن واقعهم لم يتغير في فترة حكمه، ويناصرون السبسي الذي أغضب بومدين باستقباله الطاهر الزبيري بعدما طارده بومدين، لكنه نقل توضيحات من بورڤيبة إلى بومدين بشأن ذلك، ولايزال يشيد بعلاقته الخاصة بالجزائر واعتبارها الشقيقة الكبرى لتونس.
قصص في “الكا. جي. بي”
ال”كا. جي. بي”.. ليست التسمية المختصرة لجهاز المخابرات السوفياتية، سابقا، هي الحروف الأولى لولايات تونسية، وهي: الكاف، جندوبة، باجة، وتعرف أيضا بمنطقة “08”، والرقم مرتبط بالرقم الأول في الاتصالات الهاتفية الأرضية الخاص بهذه الولايات، الواقعة غرب تونس.. وبهذه المنطقة في الجمهورية تقبع عشرات العائلات الجزائرية، تجذّرت هنا، واستوطنت، لاسيما أيام الاستعمار الفرنسي..
جزائريو تونس، ورغم أنهم لا يحسون أنهم في “الغربة” بعيدا عن وطنهم الأم، غير أنهم يقولون إنّ حياتهم هنا “فيها وعليها”. عائلات تعاني من التعسف في الإدارات العمومية، ومن بعض “التمييز”، وكان ذلك في عهد النظام السابق برئاسة زين العابدين بن علي.. “الخبر” كانت في تونس قبل أيام، ووقفت على بعض معاناة هؤلاء “المواطنين”، وانتهزت الفرصة للحديث إليهم حول الانتخابات الرئاسية، وحتى إن انقسم هؤلاء بين مؤيد للباجي قايد السبسي والرئيس المؤقت المنتهية ولايته المنصف المرزوقي، إلا أنهم اشتركوا في نقطة واحدة، وهي “الأمل في غد أفضل”، مع الرئيس التونسي الجديد الذي ستفرزه صناديق الانتخابات هذا الأحد بعد “ثورة الياسمين”.
الجالية الجزائرية بصوت واحد.. لسنا بخير
ليس على الباحث عن الجالية الجزائرية في تونس أن يقصد المنتجعات السياحية والبالاصات والمقاهي الفاخرة في حي النصر والمنزه وضفاف البحيرة أو مدينة الحمامات وحلق الوادي، حيث يهوى السياح الجزائريون الذهاب، بل عليه التوغل في ثنايا الأحياء الشعبية ك”الملاّسين” والجبل الأحمر وباب جديد وباب الجزيرة و”دبوز فيل” وحي الهلال، وكذا في قلب ولايات الشمال الغربي سيدي بوزيد وجندوبة والكاف والڤصرين وڤفصة.. ستجدهم هناك حيث شبكات التجارة الموازية، يعيشون في وضعية مادية صعبة خاصة بعدما وضعت الثورة أوزارها على ظهر الاقتصاد التونسي، وهي حالة أكدها القنصل العام الجزائري بتونس، مناد حباك في لقاء مع “الخبر”.
يقول مهتمون بشأن جزائريي تونس إن هؤلاء تنفسوا الصعداء بعد رحيل النظام السابق الذي زالت معه الممارسات العنصرية والبيروقراطية التي كان ينتهجها الإداريون معهم، رغم أن بعض هذه المظاهر مازالت قائمة في “الدولة العميقة” كونها ترسخت في أذهان الإداريين بفعل الزمن، ما يتطلب زمنا آخر لتزول.
«الخبر” غاصت في الأحياء الشعبية التي يقطن بها أغلب “الدزيريين” كما يلقبهم “التوانسة” هناك، وعايشت معهم أجواء ما قبل الاستحقاقات السياسية الماضية، البرلمانية والرئاسية.
الجغرافيا تصنع التاريخ
وبحكم درس الجغرافيا، فإن التاريخ غدا ملزم بربط الشعبين بعلاقات المصاهرة والنسب والمعاملات التجارية المشروعة وغير المشروعة، خاصة الجزائريين القاطنين بولايات الشمال الغربي، كسيدي بوزيد وجندوبة والڤصرين والكاف، وهو ما جعل التاريخ يستوعب جيدا درس الجغرافيا، وينسج خيوط المودة بين الشعبين، لتتلاشى الحدود وتقتصر على الإجراءات الإدارية والأمنية فقط.
أستاذ العربية زياد شكمبو، قال ل«الخبر” إن المعاناة هي السمة الغالبة على الجزائريين هنا، خاصة فاقدي الجنسية التونسية فهم منشطرون.. جزائريون من حيث الجنسية وتونسيون من حيث الحياة اليومية، وهو ما جعل حقوقهم مهضومة هنا وهناك، حيث لا يصلهم شيء مما تقرره الحكومة الجزائرية، بل لا يعنيهم ذلك بتاتا بالنزر لأنهم مقيمون خارج الديار الجزائرية، وبالمقابل، فهم يحيون نكد العيش هنا، وينظر إليهم بمنظار من ليس لهم الامتيازات المماثلة، خاصة من ليس لهم جنسية مزدوجة، وهو ما تفسره طرق تجديد وثيقة بطاقة الإقامة الغامضة، حيث استثنى والي ڤفصة الجزائريين من تسديد ضريبة 150 دينار، في حين الغموض لايزال يلف باقي الولايات. ويخلف افتقار 75 بالمائة من 250 ألف جزائري مقيم في تونس إلى الجنسية التونسية، فقدانهم عدة حقوق في المجتمع التونسي، كما أن عيشهم بعيدا عن وطنهم الأم يحرمهم كذلك من الحق في السكن بمختلف صيغه، ومن القروض، ومن الامتيازات بالجزائر، خاصة أنهم لا يستطيعون مغادرة مهجرهم كونهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ منه. وقال نبيل، أحد الناشطين بودادية الجزائريين في تونس، إن أفراد الجالية الجزائرية موزعون على ولايات الغرب التونسي كسيدي بوزيد والكاف وجندوبة والڤصرين وڤفصة، وأغلب هؤلاء ينحدر من ولايات الوادي وتبسة وسوق أهراس والطارف، ما يصطلح عليه جزائريا “القاعدة الشرقية”. ومن الجالية أيضا، يواصل محدثنا.. الأمازيغ الذين اتخذوا من ولاية بنزرت موطنا لهم، قادمين من منطقة القبائل في الجزائر، وظلوا متشبثين بثقافتهم الأمازيغية وأوفياء للغتهم رغم النمط المعيشي المختلف هنا.
مركّب الفوسفاط.. كنزهم المفقود
يقول مهتمون بشؤون الهجرة إن الجيل الأول من الجزائريين المهاجرين إلى تونس حطّ رحاله بولاية ڤفصة، حيث نقلتهم السلطات الاستعمارية عنوة لتشييد مركّب إنتاج الفوسفاط، أكبر المصانع التونسية وأكثرها امتصاصا للبطالة حاليا، ورغم ذلك فإن أبناء الجالية وبعد تقاعد آبائهم بقوا محرومين من التوظيف في هذا المركّب، لاعتبارات اقتصادية وحتى تمييزية أحيانا، رغم الشهادات العليا التي بحوزتهم، خاصة أن المصنع يعتبر في تونس بمثابة شركة سوناطراك في الجزائر، أو مثلما يقول عامة الناس “البقرة الحلوب”، حيث كلما تفتح أبواب التوظيف يتبعه اندلاع احتجاجات منددة بهوية من تم توظيفهم.
منسيون إلا في المواعيد الانتخابية
يقول رئيس ودادية الجزائريين في تونس، محمد واكلي، إن هذه المؤسسة ورغم إمكاناتها المحدودة ومقرها المهمل، إلا أن إشعاعها التاريخي لايزال برّاقا، كونها نصبت سابقا، إبان الثورة التحريرية، كوزارة للاتصال. وكشف المصدر ذاته أن مجموعة من الشباب الجزائري من الجيل الثاني والثالث عاكفون على إنشاء إذاعة عبر الأنترنت تتابع أخبار الجالية وتكون لسان حالهم.
أضاف نبيل، ناشط في الودادية، أن العديد من الجزائريين حاملي الشهادات العليا وذوو كفاءات عالية لم يوظفوا على أحسن وجه، خاصة أنهم لم يتصلوا بالمصالح القنصلية لإثبات جنسيتهم، رغم أنهم يتميزون بروح وطنية عالية تتجلى في مختلف المواعيد، الرياضية والثقافية، فأينما حلّوا تراهم يزخرفون المدرجات بالراية الوطنية، وحيثما وجدوا تسمع التوانسة ينادونهم بدار “الدزيري”، في إشارة إلى أنه جزائري.
ويضيف محدثنا أن جزائريي تونس يعملون في جميع الميادين مثلهم مثل “التوانسة” باستثناء القطاع الحكومي، لأن أغلبهم غير متحصل على الجنسية التونسية كجنسية ثانية، لذا فهم محرومون من الوظائف الحكومية ليجدوا أنفسهم مرغمين على العمل في القطاع الخاص الذي يعرف العمل فيه ب«المرهق”، وعليه يصنفون أنفسهم في خانة “المهمّشين”.
وأجمع من تحدثنا إليهم أن السلطات الجزائرية لا تتذكرهم إلا في المواعيد الانتخابية، وأن النسيان يطالهم على مدار السنين، موضحين بأنهم غير معنيين بمختلف صيغ السكن في الجزائر، كما أن أبناءهم هم الآخرين ممنوعون من التوظيف داخل الجزائر.
حصون التهريب.. قصص وحقائق
“الكونترا” أحسن مهنة يعشقها أغلب الجزائريين هناك، خاصة في العاصمة تونس والمدن المتاخمة للحدود الجزائرية، وممتهن هذه “الهواية - المهنة” يلقب ب”الكناتري”، فأحدهم قال لنا في جلسة جمعتنا بمقهى الشواشية العتيق المتواجد بين أحضان القصبة “بلاد العربي”، إن جذور التهريب تغوص في التاريخ، من بدايات الثورة التحريرية وأيام القاعدة الشرقية، فكانت منطقة تبادل معلومة وأسلحة، إلى درجة أن الإدارة الاستعمارية لم تستطع بسط رقابتها على المنطقة، فلجأت إلى نصب الخطوط المكهربة والحقول الملغّمة “شال وموريس”.
ومع اشتعال الأزمة الأمنية في الجزائر، وانهيار الاقتصاد الجزائري الذي خلّف شحا كبيرا في المواد الغذائية ومحدودية المداخيل وانعزال المواطنين، “تغوّلت” هذه الظاهرة وترسخت في أذهان سكان المناطق الحدودية، حيث أصبحت الطريقة الوحيدة لإدخال الغذاء من تونس، لتتحول إلى “إمبراطورية” لها قلاعها وأمراؤها، بسطوا سلطتهم عبر الشريط الحدودي بنظام يعتمد على الهاتف المحمول، وأساسه الثقة والكلمة، حيث تنقل كل السلع، ومبالغ كبيرة من الأموال بمجرد مكالمة هاتفية، ويتم تسليط عقوبات قاسية بالعزل والإبعاد والفضح لكل من يريد تدنيس هذه المنظومة أو يضبط بالكذب أو بخلف الوعد.
وما لا يعرفه الكثيرون أن أغلب ممتهني التهريب وتحويل الأموال من أبناء تلك المناطق حائزون على شهادات جامعية عليا، إلا أنهم يصرون على مهنة المجازفة والمغامرة، لا لشيء، سوى لأن عشقهم الممنوع لها جعل من باقي المهن غير محبّذة.
.. حتى أمريكا انحنت أمام التهريب
وهو يسرد علينا تفاصيل عالم التهريب.. ويدخن “شيشة” ماثلة أمامه كعروس تنفث دخانها على وقع صيحات أم كلثوم الصادحة في أرجاء مقهى “الشواشية” العتيق، بمدينة العربي غير بعيد عن جامع الزيتونة.. أومأ محدثنا برأسه قائلا “هذه الممرات المتداخلة مليئة بورشات صناعة الأحذية الإيطالية والسراويل، حيث يتم شدها وربطها ومن ثم يتولى العمال نقلها إلى المهرّب الذي يتحمل مسؤولية إيصالها إلى الطرف الآخر في شكل صفقة متفق عليها مسبقا، دون أن يتقاضى مستحقاته إلى حين نجاح المهمة ودون البوح بالطريق الذي ستسلكه السلعة.
ومع تنامي نشاط الجماعات الإرهابية وتداخله مع التهريب حيث يتم تسجيل حالات تنسيق نادرا، اهتدت السلطة إلى حفر خندق عبر الشريط الحدودي لغلق كل المنافذ على المتطرفين، غير أن نشاط التهريب ليس له من حل، فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، لم تتمكن من وأد ظاهرة التهريب رغم أرمادتها التكنولوجية والأمنية المتطورة، حيث أقامت على طول حدودها مع المكسيك عازلا صوتيا ليزريا، لكن القرار تم إبطاله ليس بسبب الكلفة الباهظة، بل كونه يشكل كارثة إيكولوجية، تؤدي إلى موت جميع الحيوانات العابرة بين البلدين.
ويتابع محدثنا إن الخندق الذي أقامته السلطات على الحدود لا ولن يشكل عائقا أمامهم، بل إن ما يعتبرونه تهديدا لانقراض إمبراطوريتهم هو إقامة منطقة تبادل تجاري حر وإلغاء التعريفات الجمركية أو تجسيد فكرة المغرب العربي الكبير، مضيفا أن ما يراه المسؤولون إيجابيا، يعتبره المهربون سلبيا، عملا بالحديث المتداول “مصائب قوم عند قوم فوائد”.
الممنوع مسموح أحيانا
ورغم أن هذه التجارة مصنفة ضمن خانة الممنوعات، إلا أنها تلبس عباءة المسموح عندما تقوم بعض الجهات الأمنية للبلدين بتوظيفها ضد الجماعات المتطرفة المسلحة، في شكل ما يمكن وصمه ب«الصفقة غير المعلنة”، حيث يشترط المهربون عدم المساس بنوع معين من المواد المهربة كالغذاء، البنزين، اللباس، أجهزة كهرومنزلية، وهذا من خلال وسطاء يضبطون المواعيد ويهندسون المعاملات المالية على أساس الثقة. بالمقابل، يتكفل المهربون بالتبليغ عن أي تحركات مشبوهة للجماعات المسلحة أو تهريب للأسلحة والمخدرات والأدوية، ويلعبون دور الكاشفين المرشدين لمصالح الأمن لمعرفتهم بمختلف المسالك والطرق المختصرة للمناطق الحدودية.
توجس من التجربة الجزائرية مع الإرهاب
لا يخلو الحديث في المجالس المختلطة مع الجزائريين في تونس من التطرق إلى العشرية السوداء، حيث يتوجس “التوانسة” من أن تشهد تونس نفس الأحداث الدامية، فهي بالنسبة لهم كالانقراض يهدد كيانهم خاصة أن مصدر دخل ميزانيتهم يعتمد بنسبة عالية على السياحة التي تستدعي وضعا أمنيا أكثر من مستقر، وأي تدهور على المستوى الأمني، فإن ذاك يعني أن قوت آلاف العائلات التونسية، وحتى الجزائري في “اللعب”.
النائب عن الجالية الجزائرية بتونس شكيب جوهري ل”الخبر”
“نعمل في تونس مجرّدين من الصلاحيات”
ما هي حدود صلاحياتكم كبرلماني في الدفاع عن الجالية؟
لا يوجد إطار قانوني أو إجرائي يمكننا كنواب عن المنطقة الثالثة التي تضم المشرق والمغرب العربيين ودول إفريقيا وآسيا، من آليات التنسيق مع الممثليات الدبلوماسية الجزائرية بتونس. وفي ظل غياب هذا الإطار نجد أنفسنا ملزمين باستعمال علاقاتنا الشخصية مع إطارات المصالح القنصلية لمساعدة أو إيجاد حلول لمشاكل الجالية هنا، علما أن مسؤولي البعثة الدبلوماسية الجزائرية غير ملزمين قانونيا بتقديم تلك الخدمات، فهم كذلك يعملون من باب المساعدة فقط، ما يعني أننا برلمانيون بدون أدنى صلاحيات.
فيما تتمثل العراقيل أثناء تأدية مهامكم؟
تعيش الجالية هنا في ظروف قاسية، وتتركز في ولايات الشمال الغربي، حيث نزح الكثير من الجزائريين أيام الاستعمار وظلوا يقيمون هنا، فالوثائق والاحتياج المشكلان الأساسيان هنا، وبما أن الإدارة التونسية تتعامل معنا كمواطنين وتجردنا من صفة البرلماني لا يمكننا التدخل مباشرة لحل المشاكل التي تواجه الجالية، كالتعسف الإداري والحرمان من بعض الحقوق كالتعليم خاصة من لديهم أخطاء في وثائقهم، حيث تنجم عن تلك الأخطاء انعكاسات سلبية على أطفالهم، بل يجدون صعوبة كبيرة في تصحيحها ويظلون تائهين بين العدالة الجزائرية ونظيرتها التونسية.
والحل في رأيكم؟
تم طرح الموضوع على وزير الخارجية الجزائري، مؤخرا، في اجتماع تنسيقي مع ممثلي الجالية الجزائرية في الخارج، وتم التطرق إلى كيفيات تأدية مهام وصلاحيات البرلمانيين في الخارج. وأفرز الاجتماع إمكانية تنصيب لجنة تعكف على دراسة نوعية العراقيل التي تعترض النواب في المهجر وكذا وضعيتهم إزاء إدارة الدولة التي يقيمون بها، ومنها الخروج بورقة عمل، غير أن الأمور لاتزال على حالها إلى غاية الآن.
تونس: حاوره مبعوث “الخبر” محمد الفاتح عثماني
القنصل العام الجزائري بتونس حبّاك مناد ل”الخبر”
المعاناة تأخذ في الانقشاع تدريجيا وأبوابنا مفتوحة أمامهم
أكد القنصل العام، حبّاك مناد، في حوار مع “الخبر” بمقر القنصلية في تونس العاصمة، أنه رغم وجود تغيرات في طرق معاملة الجزائريين في تونس، إلا أن هؤلاء مازالوا يئنون تحت وطأة التعسف الإداري في “الدولة العميقة”، حيث يستمر بعض الإداريين في فرض إجراءات تعجيزية.
كيف هي أوضاع الجالية الجزائرية في تونس؟
رسميا، نحن مرتاحون على انفتاح الإدارة التونسية على الجالية الجزائرية، رغم أنه لاتزال بعض الممارسات في ما يسمى “الدولة العميقة” عنصرية راسخة وموروثة عن بعض إطارات النظام السابق الذين يستهدفون الجزائريين بشكل غير مباشر. وأبرز مشكل تعرفه الجالية هنا، يتمثل في الفقر، خاصة في مناطق بنزرت والكاف وڤفصة، حيث كان يعمل الكثيرون بمركب الفوسفات، جيئت بهم فرنسا لتشييده ليجدوا أنفسهم مستوطنين هنا في ظروف قاهرة.. الكثير منهم لا يتمتعون بالجنسية التونسية ما جعلهم مُهمّشين. كما هناك من الجزائريين من قدموا في زمن الاستعمار ولا يستطيعون العودة الآن، بعدما ألفوا الحياة هنا ودخلوا في النسيج الاجتماعي التونسي، بعلاقات المصاهرة والزواج وغيرها، لكن تبقى الأولوية دائما للتونسي في العمل.
ما حقيقة الأخبار المتداولة بشأن تسديد قيمة مالية لتجديد بطاقات الإقامة؟
لا أعتقد أن تقدم السلطات التونسية على مثل هذا القرار، خاصة أن نفس القانون صدر في الجزائر منذ عامين، لكن يُسثنى فيه التونسيون من تسديد قيمة مالية لتجديد وثائق إقامتهم في الجزائر، في حين يفرض على باقي الجنسيات تسديد مبالغ مالية لتجديد بطاقات إقامتهم.
فيما يتمثل دوركم إزاءها؟
علاقتنا بالجالية متينة ونتلقى انشغالاتهم دوريا ونعمل على مساعدتهم ماديا، لأن أغلبيتهم يعيشون وضعية اجتماعية مزرية، ومن واجبنا كجزائريين مدّ يد المساعدة لهم لكن في حدود معينة، خاصة أن وزارة الخارجية غير مُكَلّفة بتقديم رواتب لهم، بل لها ميزانية خاصة ومحدودة لمساعدة الجزائريين المتواجدين على التراب التونسي.
ما حقيقة تجدد الحديث عن أحقية أبناء الجزائريين في التوظيف بمركّب الفوسفاط في ڤفصة؟
تتجدد الاحتجاجات في مركب الفوسفاط باعتباره من أكبر المؤسسات الوطنية التونسية الممتصة للبطالة، وكل الأعين تتجه صوبه في مناسبات التوظيف، والجزائريون الذين يطالبون بحقهم في التوظيف مكان آبائهم المتقاعدين جزء من هذا الصخب، خاصة أن هذا المركّب هو بمثابة مؤسسة سوناطراك في الجزائر، كل الأشخاص يريدون العمل ضمن هياكله، ونحن كممثلية دبلوماسية لا يمكننا التدخل في هكذا شؤون ومطالبة الإدارة بتوظيف الجزائريين.
تونس: حاوره مبعوث “الخبر” محمد الفاتح عثماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.