أقدم المسلحون التابعون لما يسمى ب ”تنظيم الدولة الإسلامية” في شمال العراق، أمس، على ارتكاب مجزرة جديدة في قرية كوجو، وأعدموا العشرات من سكانها، حيث قال وزير الخارجية السابق للعراق هوشيار زيباري في تصريح لوكالة ”فرانس برس”، ،إن المسلحين ارتكبوا مجزرة ضد الناس”، ناقلا عن مصادر استخباراتية أن ”حوالي 80 منهم قتلوا”. لقي 11 من مقاتلي ”داعش”، أمس، مصرعهم وأصيب 8 آخرون بجروح في غارة يرجح أنها من تنفيذ طائرة أمريكية في سد الموصل شمالي العراق 50 كم شمال الموصل (مركز محافظة نينوى)، حسب ما نقلته وكالة الأناضول عن طبيب بالمستشفى الجمهوري يدعى وليد الجاسم. ويرتسم شبح مواجهات عنيفة في جبل سنجار بعدما تهيكل أفراد حزب العمال الكردي، بالتنسيق مع خبراء أمريكيين وصلوا إلى المنطقة، وهم الآن بصدد دراسة إمكانية التقدم نحو الجبل لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها ”داعش” وهجّرت المئات من سكانها الذين لجأوا إلى الحدود التركية العراقية بحثا عن الأمن. الامتداد السريع والمفاجئ وتمددت أذرع إخطبوط ”داعش” مؤخرا في مفاصل العراق، وفرضت منطقها على أجزاء كثيرة فيه، فمؤخرا اجتاحت في ظرف قياسي عدة مدن شمال العراق كالموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، ومحافظة صلاح الدين التي تربط وسط البلاد بشماله، حيث أكبر مصافي النفط، كما حاول الاقتراب من محافظة كركوك الغنية بمصادر الطاقة، وصولا إلى سنجار ومناطق متاخمة مع أربيل عاصمة إقليم الأكراد. وكان وقود هذا الاجتياح تصاعد أعداد القتلى والفارين من بطشه بشكل مخيف، كما أنه يواجه على صعيد مواز في الداخل السوري، ”جبهة النصرة” و”الجيش السوري الحر” وكذلك الأكراد السوريين الذين قرروا إقامة نوع من ”الحكم الذاتي”، وهذا ما دفع الكثير من الحكومات بمعية الأممالمتحدة للتحرك لصد تقدمه. وفي الوقت الذي تريد الحكومات الأوربية تسليح الأكراد في أربيل لصد تمدد ”داعش”، بالإضافة إلى استمرار الضربات العسكرية الأمريكية على المسلحين التابعين للدولة الإسلامية، أعدمت، أمس، العشرات من الايزيديين في جبل سنجار بعدما حاصرتهم عدة أيام، في إشارة ضمنية كرد على الغارات العسكرية. ”داعش” مُلتقى الأضداد وعلى الصعيد الإقليمي، تحوّلت داعش إلى نقطة تلاقي الأضداد، بحيث توافق تصور إيران وحزب الله مع ما تراه أمريكا والحكومات الأوروبية، وحدث إجماع على وجوب صد نفوذ التنظيم بأي وسيلة، إلا أن إيران، يقول الكاتب في صحيفة ”الحياة”، ”تصطدم بخيار كانت دائماً تتفاداه بكل الوسائل، وهو التدخل العسكري المباشر والمعلن في العراقوسوريا معاً، إذ ترتكز السياسة الإيرانية في توسيع دورها ونفوذها في المنطقة على قوى الشيعة العرب المتحالفين معها، وذلك إدراكا منها لخطورة تدخل مباشر في البلدان العربية على خلفية حساسيات تاريخية وقومية ومذهبية حاضرة لدى الإيرانيين، كما لدى الطرف الآخر”. أما حزب الله، فصرح أمينه العام في 15 أوت الجاري في كلمة ألقاها عبر قناة ”النهار” بمناسبة ذكرى انتصاره في حرب 2006 أنه سيقاتل ”داعش”، متهما دولا إقليمية وغربية برعاية هذا الكيان، فيما اعتبر ظهوره الإعلامي الأخير في حوار مع صحيفة ”الأخبار”، ”مسألة فقهية لتسهيل مبايعته، لأنه لا يجوز مبايعة مجهول”. وبعد هذا التمدد الجغرافي الكبير للتنظيم، اعتمد التنظيم تنويع مصادر دخله لتمويل عملياته ودفع رواتب مقاتليه، وصار يبيع النفط الخام بأسعار منخفضة من الحقول والمصافي النفطية التي استولى عليها في سورياوالعراق، كما فرض رسوما على محطات بيع الوقود بالتجزئة، وعلى المركبات والشاحنات التي تنقل بضائع إلى مناطق سيطرته. المسار التاريخي ل ”داعش” وأصبحت داعش تشكل رقما عصيا في المعادلات الأمنية على الكثير من الدول في المنطقة، خاصة بعد سيطرتها على مناطق حيوية غنية بالنفط، وكذلك ورود معلومات تفيد بوجود خلايا تابعة لها في عدة مناطق كليبيا وإيران، التي نفت ذلك، وهو ما أصبح يثير مخاوف عدة دول ودفعها إلى التهيؤ للتصدي لهذا. فتاريخيا، ولدت داعش عن تزاوج عدة تنظيمات تارة، وتحولات طرأت فيها تارة أخرى، فكانت تسمى ”جماعة التوحيد والجهاد” في 2004 بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ليبايع تاليا زعيم ”القاعدة” السابق أسامة بن لادن ويصبح مسمّاه ”تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”، حينها بسط نفوذه على مناطق كثيرة من العراق، لكن عساكر أمريكا قتلته عام 2006، لتغير الجماعة جلدها وتشكل ”دولة العراق الإسلامية” بزعامة ”أبي عمر البغدادي” الذي قتله العساكر كذلك سنة 2010. وفي أفريل 2013، خرج أبو بكر البغدادي معلنا اندماج تنظيم ”دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة”، تحت عباءة ”الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، إلا أن قائد جبهة النصرة رفض العرض، معلنا تبعيته لتنظيم القاعدة بقيادة الظواهري، ما أدى إلى خلافات عقائدية ومنهجية حول مناطق النفوذ والنشاط والقيادات، بالإضافة إلى تصوراتهما في كيفيات تطبيق الشريعة ونقطة استهداف المدنيين، قبل أن تتحوّل إلى مواجهات.