توقيف بث قناة "الشروق نيوز TV" لمدة 10 أيام بسبب مضمون عنصري    الخليفة العام للطريقة التجانية الشيخ علي بلعرابي يؤدي صلاة الجمعة بواغادوغو    الطبعة ال29 لمعرض مسقط الدولي للكتاب : مشاركة لافتة للناشرين الجزائريين    توقرت: وفاة أربعة أشخاص وإصابة آخر في حادث مرور بالحجيرة    الطبعة الأولى للصالون الدولي للكهرباء والطاقات المتجددة من 17 الى 19 نوفمبر 2025 بالعاصمة    "كوديسا" تندد باستمرار الاحتلال المغربي في طرد المراقبين الأجانب من الصحراء الغربية    أضاحي العيد المستوردة: انطلاق عملية البيع الأسبوع المقبل عبر كافة الولايات    "الأونروا": الحصار الصهيوني على غزة "سيقتل بصمت" مزيدا من الأطفال والنساء    سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم صهيوني في المياه الدولية قرب مالطا    الجزائر وغانا تؤكدان التزامهما بالحلول الإفريقية وتعززان شراكتهما الاستراتيجية    الاتحاد البرلماني العربي: دعم القضية الفلسطينية ثابت لا يتزعزع    اليوم العالمي لحرية الصحافة : أدوار جديدة للإعلام الوطني تمليها التحديات الراهنة والمستقبلية    الرابطة الثانية للهواة - الجولة ال 21: حوار واعد بين مستقبل الرويسات و اتحاد الحراش حول تأشيرة الصعود    كرة القدم بطولة افريقيا للمحليين 2025 /غامبيا- الجزائر: الخضر يحطون الرحال ببانغول    البطولة العربية لألعاب القوى (اليوم ال2): 17 ميداليات جديدة للجزائر    ربيقة يلتقي بمدينة "هوشي منه" بنجل الزعيم الفيتنامي فو نجوين جياب    أضاحي العيد المستوردة: انطلاق عملية البيع الأسبوع المقبل عبر كافة الولايات    غلق طريقين بالعاصمة لمدة ليلتين    وزير النقل يترأس اجتماعًا لتحديث مطار الجزائر الدولي: نحو عصرنة شاملة ورفع جودة الخدمات    البهجة تجمعنا: افتتاح الطبعة الثانية لمهرجان الجزائر العاصمة للرياضات    صدور المرسوم الرئاسي المحدد للقانون الأساسي لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية    افتتاح الطبعة الرابعة لصالون البصريات و النظارات للغرب بمشاركة 50 عارضا    اليوم العالمي للشغل: تنظيم تظاهرات مختلفة بولايات الوسط    إعفاء البضائع المستعملة المستوردة المملوكة للدولة من الرسوم والحقوق الجمركية    البروفيسور مراد كواشي: قرارات تاريخية عززت المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة في الجزائر    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للملاريا: تجديد الالتزام بالحفاظ على الجزائر خالية من المرض    الكشافة الإسلامية الجزائرية : انطلاق الطبعة الثانية لدورة تدريب القادة الشباب    البنك الإسلامي للتنمية يستعرض فرص الاستثمار    عميد جامع الجزائر يُحاضر في أكسفورد    يامال يتأهب لتحطيم رقم ميسي    اتحاد العاصمة ينهي تعاقده مع المدرب ماركوس باكيتا بالتراضي    وزير المجاهدين يمثل الجزائر في فيتنام ويؤكد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين    الجزائر تحتضن المؤتمر ال38 للاتحاد البرلماني العربي يومي 3 و 4 مايو    وصول باخرة محملة ب31 ألف رأس غنم    تم وضع الديوان الوطني للإحصائيات تحت وصاية المحافظ السامي للرقمنة    خدمة الانترنت بالجزائر لم تشهد أي حادث انقطاع    تواصل عملية الحجز الإلكتروني بفنادق مكة المكرمة    بلمهدي يدعو إلى تكثيف الجهود    الاختراق الصهيوني يهدّد مستقبل البلاد    وزير الاتصال يعزّي عائلة وزملاء الفقيد    رئيس الجمهورية يتلقى دعوة لحضور القمّة العربية ببغداد    الحصار على غزة سلاح حرب للكيان الصهيوني    المتطرّف روتايو يغذي الإسلاموفوبيا    250 رياضي من 12 بلدا على خط الانطلاق    قافلة للوقاية من حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية    انطلاق بيع تذاكر لقاء "الخضر" والسويد    إبراز أهمية تعزيز التعاون بين الباحثين والمختصين    عمورة محل أطماع أندية إنجليزية    المحروسة.. قدرة كبيرة في التكيّف مع التغيّرات    شاهد حيّ على أثر التاريخ والأزمان    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    نُغطّي 79 بالمائة من احتياجات السوق    معرض "تراثنا في صورة" يروي حكاية الجزائر بعدسة ندير جامة    توجيهات لتعزيز الجاهزية في خدمة الحجّاج    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساهمة أولية في الحوارات الحالية
في أبجديات الديمقراطية.. نظريات وتطبيقات
نشر في الخبر يوم 14 - 11 - 2014


الحلقة الثانية والأخيرة
الديمقراطية بين الحرية والعدالة
من الجانب السياسي، أي علاقة الحرية بالممارسة الديمقراطية، فإن روسو (J.J. Rousseau) هو الذي وضع الصياغة الواضحة للإشكالية في مؤلفه العقد الاجتماعي (Le Contrat Social) في صورة السؤال التالي: كيف يمكن الانتقال من الحرية المتوحشة للإنسان الوحيد إلى الحرية المدنية للإنسان في المدينة؟ وقد اعتبر روسو نفسه هذا السؤال العقدة المتاهية للسياسة (Labyrinthe de la politique) وتبدو أهمية هذا السؤال في إخراج مسألة الحرية من المستوى الفردي السايكولوجي الذي حبسه فيه هوبز (Hobbes) وماكيافلي (Machiavelli) وهيوم (Hume) إلى مستوى الفرد في الجماعة، والجماعة ووحداتها الفردية، وهذا هو المدخل الذي استفاد منه ماركس في نقده اللاذع للحرية والديمقراطية كما طرحتها الكانطية والهيغلية والفردية النفعية، يقول ماركس في ملاحظاته عن بؤس الفلسفة (يقصد الألمانية بوجه خاص) (02): ”إن الحرية السياسية ليست سوى حرية شكلية تستخدم كذريعة (Alibi) من طرف الذين يملكون القوة الاقتصادية، فهم الوحيدون الذين يستطيعون الاستفادة منها ولكن لتدعيم هيمنتهم، أما بالنسبة للآخرين، أي أولئك الذين ليس لديهم سوى قوة العمل، فإن الحرية السياسية صلاحية لا جدوى منها، ما الفائدة من أن يكون الإنسان حرا في تفكيره إذا تعرض للإبعاد والقمع الاجتماعي؟ وهل يفيده أن يناقش ظروف عمله إذا كانت تلك الظروف نفسها تجبره على الخضوع لقانون أرباب العمل؟ قد يكون حرا في وضع بطاقة الانتخاب في الصندوق، ولكن أجهزة الدعاية والصحافة والمترشحون أنفسهم هم تحت الإشراف المباشر للمسيطرين على رأس المال.. إن المطلوب هو التحرير وليس الحرية”.
وإذا انتقلنا إلى الديمقراطية كنظام للحكم، أي اعتبار الشعب هو الذي يحكم من خلال ممثليه أو بواسطة المجموعة الوطنية فيما يسمى الديمقراطية المباشرة (Démocratie directe)، فإننا سنجد أن هذه الصورة الأخيرة للديمقراطية لكل المواطنين في اتخاذ القرار، على أساس أن كل واحد منهم يملك بحكم المواطنة جزءا من سيادة الشعب، فيكون كل فرد حاكما ومحكوما في نفس الوقت، وبما أن هذه الصيغة غير ممكنة عمليا، فإن الإشكالية إذن هي في اختيار الممثلين وطرق مراقبتهم بواسطة مؤسسات أو استفتاءات تقوم على قواعد متفق عليها (03) وقبل توضيح هذا الجانب نلاحظ أن التجربة الليبية المسماة المؤتمرات الشعبية والحكم الجماهيري هي في الحقيقة فكرة أشار إليها ج.ج. روسو في عقده الاجتماعي 1 و2 بقوله: ”إن السيادة (الشعبية) لا تفوض فإذا فوضت انحرفت” (La souveraineté ne peut se déléguer sans s'aliéner)،
ولا تعني هذه الملاحظة حكما على التجربة الليبية من داخلها ومن الشعارات التي رفعتها طيلة ما يزيد على 30 سنة تنقلت خلالها من حال إلى حال بمشاريع ضبابية وعدد من عقود الزواج بلا خطوبة مع جيرانها ومغامراتها في إفريقيا جنوب الصحراء، ونميل على أي حال إلى اعتبارها رومانسية استبدادية عنوانها الأول لا دولة لأنها بلا مرجعية دستورية وبلا مؤسسات، ولعلّ عنوانها الثاني هو خالف تُعرف، ومصيرها كان أسوأ مما كانت عليه ليبيا في عهد شيخ الزاوية السنوسية والوطنيين من الليبيين الذين وقفوا إلى جانب ثورة التحرير بإخلاص قبل البترول، وبالقرب من قاعدة ”ويلس” الأطلسية.
ينبغي العودة من الديمقراطية المباشرة إلى الديمقراطية نصف المباشرة إذا صح التعبير، وهي الصيغة التي تعالج بها الديمقراطيات الأوروبية النصف الباقي بواسطة الاستفتاء الشعبي (Référendum)، غير أن الالتجاء إلى هذا الحل لا يحدث إلا في حالات الاستعصاء بسبب نفور السلطة والأحزاب من حل يحتمل أن يؤدي إلى نزع الثقة منهم، كما حدث للجنرال ديغول سنة 1968، ومثلما يحدث اليوم للأحزاب الاشتراكية والديمقراطية المسيحية في عدد من البلدان الغربية، وقد أظهر الاستفتاء الأخير على انفصال اسكتلندا أهمية لعبة قياسات الرأي العام لتوجيه انتخابات ديمقراطية جدا، وهي تكتسي أحيانا بالإثارة، إن مؤسسات استطلاع الرأي العام تقوم على حساب التوقعات والإيحاء بنتائج، وهي في كل الحالات ليست من العلوم الصحيحة.
وتمثل الديمقراطية ”الموجهة” (Gouvernée) الشكل الأولي للنظام الديمقراطي، وفيه تخضع إرادة الشعب لمصفاة، بحيث تكون الأنظمة والقوانين تعبيرا عن إرادة الشعب، ولكن ليس إرادة الشعب كله، على الرغم من أنها يمكن أن تصبح تنظيما أو قانونا، وبما أن الديمقراطية ”الموجهة” هي أساسا برلمانية فإن كل القرارات تصدر بالأغلبية، سواء اعترضت الأقلية أو امتنعت عن التصويت، وقد يحدث الإجماع أي اتفاق ممثلي الشعب على قرار هام مثل إعلان الحرب أو تغيير المؤسسات الدستورية أو الانخراط في معاهدة جهوية أو دولية، وعندئذ ينسب القرار للأمة كلها.
ولكن الديمقراطية يمكن أن تكون حاكمة (etnanrevuoG) أيضا، وهي شكل من السلطة التمثيلية تعتمد على توجيه الحرية لتكون قابلة أو راضية (Consentante) في مقابل تعهدات من السلطة بتحقيق جملة من الأهداف مثل الوحدة الوطنية ومواجهة عدوان خارجي (بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية). وهي العقد الذي يربط النظام الرئاسي بالمنتخبين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يخص حال الديمقراطية في المنطقة المصنفة في الدراسات الجيوسياسية الأروبية والأمريكية تحت عنوان ”الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” (MENA)، فإن بعض الدراسات التوصيفية والاستشرافية التي تقوم بها مجامع التفكير الاستراتيجي المعروفة في الولايات المتحدة باسم ”تاسك فورس” (Task Force)، فإن من بينها تلك التي تحمل توقيع مايكل هدسون (M. Hudson) في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي وتقتطف من خلاصتها ما يلي: تتمثل الصفة الأساسية لهذه الحقبة من الاضطراب في فشل الدولة في اكتساب الشرعية في نظر المجتمع، والواقع أن نمو الدولة في بعدها البيروقراطي هو المسؤول عن النفور منها، إن البيروقراطية المتبرجزة (Embourgeoised) تولّد الإحباط وتزيد الاستياء، كما أن العناصر المسيسة من الشباب التي تتزايد عدديا ويستمر إبعادها من دوائر الدولة تتحدى بالتدريج حق النظام في أن يحكم وحده. يضاف إلى ذلك وجود قسم من الرأي العام يعتبر الأنظمة الحاكمة عميلة لقوى خارجية، ما يضعف أكثر شرعية تلك الأنظمة، ولكن إذا كانت المعارضة غير متماسكة وليس لها أطروحات بديلة، فإنها لا تصل بالتالي إلى توافق على عقد اجتماعي يؤدي إلى وضع مغاير.
كما تنبأ س. هنتغتون (S.Huntington) (05) في دراسة نشرت في بداية العقد السابق فيما سماه الموجة الثالثة (The third wave) تتميز في رأي هذا الباحث المستشار في البنتاغون بالتعددية الحزبية، إما بأحزاب كبيرة أو فسيفسائية، وتحرير السوق وإبعاد الدولة عن شؤون الاقتصاد أي تمجيد الملكية الخاصة وزيادة تأثير الموجهات Orientations الخارجية لجلب الاستثمارات الخارجية، وإعادة الشرعية للملكية الخاصة، وطلب المزيد من الاندماج في الاقتصاد الدولي.
ينطلق التوصيف والتحليل السابق من ثقافة الحرب الباردة بين النظامين السوفيتي السابق والليبرالي الذي انتصر إيديولوجيا على خصومه من شيوخ الكرملن دون منازع، حيث تقترن في معظم أدبياته الديمقراطية بالليبرالية وعدم الاعتراف بالحيادية، أي ”من ليس معنا فهو ضدنا” في تعبير الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان.
وعلى الرغم من مقولة و. تشرشل الشهيرة ”الديمقراطية أسوأ الأنظمة ما عدا غيرها الأسوأ منها”، فإنها في أنظمتها المعروفة تقف أين تبدأ مصالح الدولة كما عبر عن ذلك وزير الداخلية الفرنسي الأسبق ش. باسكوا (La démocratie s'arrête ou commence l'intérêt de l'état )
الديمقراطية ومصير الدولة الوطنية
وأيا كانت صورة الديمقراطية وعلاقتها بالحريات الفردية والجماعية فإنها ليست غاية في حد ذاتها، إنها كما أشرنا سابقا صورة تركيبية للحرية والعدالة تخضع لمقياس نسبي يرتبط بالزمان والمكان والتطور الاجتماعي والثقافة السياسية السائدة. إن الإشكالية المركزية في الممارسة الديمقراطية تكمن في الجواب على التساؤل التالي: هل الديمقراطية مجرد تقنيات أم هي قيمة مطلقة؟ فإذا قلنا إنها مجرد تقنيات وجدنا أن كل نظام هو إلى حد ما ديمقراطي كلما نجح في تغليف ضغوط السلطة بما يوفره من قوة التبليغ الإعلامي والجمعيات النشطة الموالية وإجراءات تقنية تمتص الشعور بالضغط ونقص الحرية، مع استعمال جيد لتمارين الانتخاب والاستفتاء. أما إذا قلنا إنها قيمة مطلقة فإن كبار مفكري الغرب يتساءلون منذ أكثر من عقدين: هل السلطات المتعاقبة والأحزاب والجمعيات واللوبيات الأخرى قررت سلفا مصير الفرد والجماعة وأوهمته بأنه حر في اختياره وسيد في حياته الشخصية؟ والحقيقة أن سلوكه ومعتقداته وحتى مأكله وملبسه وميلاده ووفاته واتصالاته مع أصدقائه وزملائه مسجلة ومراقبة (الوثائق التي كشفها سنودن Snowden عن مراقبة الملايين من الناس، وكذلك كبار المسؤولين من حلفاء الولايات المتحدة) حتى عندما يمرّون أمام واجهات المحلات (ببريطانيا) فهي كلها مبرمجة من طرف أجهزة عتيدة لا تترك له لحظة ليساهم في بيداغوجية الديمقراطية، كما يشير إليها ريموند ورفاقه (04) R.Rémond في مؤلفه عن إعادة البناء الديمقراطي، ولم يقف التشاؤم عند هذا الحد، فقد تنبأ قهينو (J.M Ghehenno) ب ”نهاية الديمقراطية” (05).
وأطروحة الكاتب على درجة كبيرة من الدقة في العرض والتدليل، ومؤداها أن الديمقراطية كنظام للحكم ظهرت بميلاد الدولة الأمة، وهما معا في طريق الزوال، وسوف يحل محلهما الكيان فوق القومي (Supra-national) في مجتمعات ما بعد التصنيع الغربية، وحتّى في المجتمعات المستقلة حديثا فإن خيبتها كانت مزدوجة، فهناك من جهة بداية تفكك في الكيانات الوطنية الجديدة التي تحولت إلى غطاء للقبيلة تمهيدا للنزول إلى الوحدات القبلية البدائية، وهناك من جهة أخرى هيمنة لا تقاوم للشركات المتعددة الجنسيات عابرة الحدود، مع عجز تلك البلدان المتزايد عن تثمين موادها الأولية، ففي صناعة السيارات لا تزيد قيمة المواد الأولية عن 40% من القيمة الصناعية وعن 1% في صناعة الإلكترونيات، أما القيمة نفسها فقد انفصلت عن القرار الحكومي، بل عن الأرض نفسها بعد ثورة الاتصال ومحطات البث الفضائي للمعلومات، وهو بث يتحكم فيه رأس المال المتعدد الجنسيات. وأدى كل ذلك إلى ضعف السيادة الوطنية لصالح إمبراطورية كونية تفرض معايير لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية إلا بقدر ما تخدم المصالح عبر الوطنية أو فوق الوطنية.
والبديل الذي يقترحه قهينو هو الثورة الروحية التي تنبع من الذات، ثورة روحية لا يوضح الباحث طبيعتها وأهدافها.
والواقع أنه ليست هذه هي الدراسة الأولى باسم ”نهاية”، فقد نشر دول (Doll) دراسة أثارت ضجة في بداية السبعينيات عن نهاية الإيديولوجية The end of Ideology كما وضع المفكر الأمريكي (الياباني الأصل) (Fuko-yama) بحثا لصالح البنتاغون عن نهاية التاريخ (The End of history)، أشرنا إلى عدد من أفكاره في ورقة سابقة، وهو أحد المنظرين الذين وضعوا الخطوط العريضة للهيكلة الجديدة للعالم، تمهيدا لمجابهة جديدة مع عدو وهمي يأتي أيضا من الشرق بعد سقوط ”إمبراطورية الشر” السوفيتية، لذلك فإن إغراء العنوان وبراعة العرض لا ينبغي أن تنسينا ما ترمي إليه من أهداف، هذا العدو ظهر بعد سنتين من انهيار الخطر السوفيتي، أي بعد الهجوم على البرجين في نيويورك، ألا وهو الإرهاب الدولي الذي يهدد الشعب الأمريكي، وسمح للسلطات في واشنطن في العقدين الأخيرين بتجاوزات كثيرة للوثيقة الدستورية المتعلقة بالحقوق التي أثرنا إليها في بداية هذه الورقة، فقد تمّ فرض إجراءات غير دستورية على المواطنين الأمريكيين والتجسس عليهم في كل مكان، وهو ما أطلق عليه الباحث الأمريكي ب.ف بورن B.V. Buren الدولة البوليسية التي تقمع الحريات الأساسية في دراسة موثقة صدرت هذه السنة 2014 نشرها تحت عنوان: حرب على الإرهاب تتحول إلى حرب ضد الدستور War on terror became a war on the constitution، ليس هذا إلا مثالا من عشرات الأمثلة التي وضع فيها الدستور بين قوسين، وانتهكت الحقوق الأساسية وحريات المواطنين تحت ستار أخطار حقيقية أو وهمية في كثير من البلدان الأكثر ديمقراطية وليبرالية في القرن العشرين وبداية هذا القرن.
خلاصة
إن الديمقراطية قيمة نسبية تبدأ في المجتمع وتنعكس على السلطة التمثيلية (Représentatif) والمؤسسات الفاعلة في بنية الدولة، نقول نسبية لأن التمثيل الموصوف بالديمقراطي في قالبه الغربي تغلب عليه تقنيات تتولاها أجهزة تفرض على المواطن ما يتوهم أنه اختيار وحرية، ما جعل بعض المفكرين يرى أن أمواج العولمة الفوقية تضعف الديمقراطية وتنذر بتفكك الدولة الوطنية.
ومن المفارقة أن يصاحب العولمة تزايد الانشطارات داخل عديد من البلدان في داخل المنطقة وخارجها والعودة إلى الإثنيات القبلية والانقسامات المذهبية التي تنتج عنها صراعات دموية، والانغلاق في القيطوية بدل المواطنية الجامعة مهما كان المذهب واللسان والخصوصية المحلية، وهذا رأس مال الجزائر الذي ينبغي تنميته والحرص عليه في محيط يعاني من التفكك والاضطراب، وبعضه يسعى لإضعاف البعض الآخر وطلب التدخل الأجنبي ضد الجار وما يسمى الشقيق، ولم يعد كل ذلك مجرد نوايا داخل المنطقة وخارجها.
إنّ الديمقراطية لا تبنى إلاّ في دولة قوية آمنة وعادلة تستفيد نخبها القيادية من تجاربها التاريخية وتصنع المستقبل بثقة وأمل، ولا تكون الدولة قوية إلا إذا كانت قوتها لصالح شعبها وليست لقهره وإخضاعه، وأهم مقياس لقوة الدولة هو انتماء المواطنين إليها والتوحد (s'identifier) معها في السراء والضراء.
إنّ المسلكية والقناعات الوطنية الديمقراطية توجد داخل التنظيمات الحزبية ومؤسسات الدولة المنتخبة وفعاليات المجتمع التي تمارس حقوق وواجبات المواطنة على ضوء تجربتها التاريخية والراهنة التي تحدد ماذا تعني المصلحة العليا للوطن، وإذا كان الأمن أهنأ عيش فإن العدالة أقوى جيش، ولذلك فمن المهم أن تمارس العدالة وظيفتها دون تدخل أي سلطة أخرى، حيث تستطيع منظمات المجتمع ووسائط الإعلام إدانة ذلك التدخل إذا حدث أمام الرأي العام الذي يحسب له كل حساب في المواعيد الانتخابية، مهما كانت نسبة الأغلبية وحجم المعارضة، وهذا هو السبيل للتقليل من نقائص الممارسة الديمقراطية وسيف منظمات حقوق الإنسان والمواطن، والدرجة التي تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية التي تحدد موقع بقية البلدان على سلم الديمقراطية، وما تثيره من انزعاج لدى مختلف بلدان العالم الثالث الموضوعة تحت المراقبة، وليس تلك المسكوت عنها حفاظا على مصالح مرعية.
هناك مسألة لفتت انتباهنا ونحن نتدرب في المدرسة الابتدائية للدبلوماسية كسفير لمدة حوالي 5 سنوات، وتتعلق بدمقرطة الدبلوماسية، على الرغم من أن توجهاتها الكبرى من اختصاص القيادة العليا في كل البلدان ذات النظام الرئاسي، فمن المفيد الاعتماد على مؤسسات الدولة المنتخبة بما فيها من أحزاب تؤيد وأخرى تعترض والاتفاق الضمني على تبادل الأدوار على الساحة الدولية، وهو ما يزيد موقف الدولة قوة في المحافل الأممية والجهوية، ومن المطلوب أن يستفيد أصحاب القرار من الخبراء ومراكز البحث والدراسات الاستراتيجية التي تحتاج في بلادنا إلى تفعيل، فمن العادي أن يقول ممثل دولة مؤثرة هذا رأي الكونغرس أو الموقف الغالب في الرأي العام ”نحن بلد ديمقراطي وعليك أن تفسر ذلك كما تشاء”!
أيا كانت التحولات في المجتمع وفي العالم من حولنا، فإنّ المبادئ التي نصّ عليها بيان الأول من نوفمبر تبقى المرجعية الأساسية للدولة الوطنية ولأغلبية من النخب، سواء أكانت في الحكم أو في المعارضة، والمصدر الأساسي لمشاريع التحديث والتقدم التي تعرض على المجتمع ومن أهمها دستور الجمهورية الذي يقرّر أن الشعب هو مصدر كل السلطات، ولا بدّ أن نؤكد أن المبادئ تبقى إعلانات نوايا إذا لم تر تطبيقا فعليا في المجتمع، إن القوانين كلها لا تساوي أكثر من تطبيقها أولا في المؤسسات وعلى الأفراد والجماعات، وعلى هذا الأساس تقوم الثقة بين الدولة والمجتمع.
16 أكتوبر 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.