نجاح المسار الانتخابي في تونس يؤكد صحة النهج الديمقراطي الذي اختاره الأشقاء في تونس للانتقال من مرحلة الثورة والانتفاضة إلى مرحلة إعادة بناء المؤسسات الدستورية، وتجسيد الممارسة الديمقراطية ممارسة صحيحة مبنية على أسس تدعم المسار التصحيحي الذي اختاره الشعب. فالتونسيون عرفوا كيف يستثمرون التغيير الإيجابي الذي من أجله انتفضوا ويحولونه إلى مكسب ديمقراطي من شأنه أن يكون نموذجا يحتذى بالنسبة لغيرهم من الشعوب التي شهدت ما اصطلح على تسميته ب"الربيع العربي"، والذي تحول مع الأسف إلى خريف وشتاء عربي جراء استمرار الاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وكذا الاستمرار في عملية التدمير الذاتي للقدرات الوطنية العسكرية منها والاقتصادية، ناهيك عن الوضع الأمني الهش بهذه البلدان نتيجة ضرب كل ما يمكن أن يعيد إليها الأمن والاستقرار. ولم يتوقف الوضع عند هذا الحد، بل أصبحت هذه البلدان مصدر إزعاج لدول الجوار، حيث وجدت الجماعات المسلحة المتطرفة في هذه الفوضى السياسية والأمنية، مرتعا للتدريب والتخطيط لعمليات إرهابية خارج هذه الأوطان. إن التجربة التونسية هي النموذج الصحيح لكل من سعى من خلال الثورات والانتفاضات إلى بلوغ الديمقراطية والحرية، ليس بمعاول الهدم وإنما بالتفكير في المستقبل المنشود، بتكريس الديمقراطية والحرية وبناء مؤسسات دستورية تضمن استمرار البناء الوطني وإعادة دفع عجلة الاقتصاد الوطني. والواقع أن نجاح المسار الانتخابي في تونس، والخروج نهائيا من عنق الزجاجة، لم يكن ليتحقق لولا الاستقرار الذي تعيشه تونس وتشبث التونسيين بالسيادة والوحدة الوطنيتين، لأن أخطر ما يدمر بلدا مهما كانت قوته من الانقسامات الداخلية وإذكاء نار الفتن والصراعات الطائفية والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد. فليكن ما جرى في تونس، درسا وعبرة لكل الشعوب التي عاشت "ربيعها العربي" ولم يتبين لها بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فنجاح العملية الديمقراطية في تونس هو نبراس سينير لها بدون شك الطريق للخروج من النفق المظلم.