تعكس الألوان المتلألئة برواق "عائشة حداد"، تجربة صاحبها الفنان عبد الله بلحيمر؛ حيث يسجّل ببراعة متناهية تناسقا انسيابيا بين الأطياف والظلال والتموجات، عكست كلّها حياة من الجمال ورغد العيش ومن يوميات يعمّها الصفاء والتسامح وحب الآخر. تكاد اللوحات التي تقارب الأربعين تكون على شكل هندسي واحد، أغلبها بالمربع، تصطف فوق بعضها البعض تماما كما لو كانت معروضة بمتحف، حيث قطع هذا الفنان المتخرّج من ملحقة مدرسة الفنون الجميلة بسيدي بلعباس، شوطا مهمّا في ميدان الفن التشكيلي، بل واستطاع بلوغ مرحلة التألق في فترة وجيزة. والدليل على ذلك حصده جوائز في العديد من الصالونات والمعارض الوطنية والدولية. تتميّز العديد من لوحاته بروح الصخب والحراك الذي لا ينتهي، واستعمل في ذلك تقنية مختلطة تُعرف بشبه التجريدي، مجسّدا من خلالها الواقع المعيش. ومن اللوحات الجميلة نجد مثلا لوحة "السوق الشعبي"، هذا الفضاء الذي تعجّ فيه الحركة والجدل والانفعالات. والمتأمل سيدرك من فوره أنّ هذا المكان مهم في يومياته؛ باعتباره متنفسا يساعد على التخلّص من كلّ مكبوت، وبالتالي الترويح عن الذات، وهذا ينعكس بجلاء على الألوان والأشكال. ويكاد المتفرّج يتنسّم رائحة الخضر والفواكه المنعشة. يبرز في تلك الأعمال الأسلوب شبه التجريدي المعاصر، وكذا التصويري والانطباعي مع حضور مميز لبصمة ريشة بلحيمر. وتتنوّع مناحي الحياة في جوانب لا تقلّ إثارة وسحرا، تظهر في خصوصيات المرأة التي تتجوّل مع رفيقاتها وذوات الجنس اللطيف في بعض الأماكن الطبيعية الخلابة أو في أزقة المدينة القديمة وهي ترتدي الحايك، بينما تتخلى المرأة عن أنوثتها بشكل كامل وهي تخدم الأرض، خاصة في أيام الحصاد وجمع الغلال. يثمّن الفنان بالمعرض المعالم الأثرية خاصة بالمدن، منها مدينته سيدي بلعباس، فيسجّل في بعض لوحاته شوارعها العريقة ومبانيها الإدارية والبيوت والمساجد والحمامات وغيرها، ويحاول في ذلك خلق نوع من الديناميكية، خاصة في أبعاد الألوان؛ وكأنّه يبعث هذه الأماكن من جديد. تحضر أيضا الطبيعة العذراء المترامية في أحضان الجبال المتسلسلة هناك في الهواء العليل، والتي تبدو في أفقها البعيد، مثل أمواج البحر العارمة، وما أجمل الليل في هذا المعرض! ففيه يحلو السمر، وتتزيّن السماء بقناديلها، ويكسو الهدوء والرومانسية كلّ المخلوقات، وتعتدل الألوان وتستسلم للظلال، لتبدأ حكاية "ألف ليلة وليلة" تحت ضوء القمر، وبلغة الشعر والحسن التي تجلب الجميع إلى مجلس شهرزاد. تتراءى بعض اللوحات كالخربشات، لكن المحدّق فيها سرعان ما يرى في تفاصيلها المعنى والصورة الكاملة، ليفهم الموضوع بالقراءة المتأنية. أما لوحات أخرى فتعبّر عن نفسها بسيادة اللون فيها، كمثل لوحة يمتد فيها الأصفر الفاقع، تخفي أطياف الحصادين الغارقين في حقول السنابل. وتذكّر لوحات أخرى بأيام الخير والبركة من خلال الدكاكين الشعبية التي تُعرض بها خيرات الأرض، خاصة من الحبوب بقمحها وفولها وعدسها. وفي ركن آخر من المعرض، عُرضت مجموعة لوحات ذات شكل مربع، تبدو متكاملة في ألوانها الصاخبة والهادئة أحيانا، لتبيّن منتهى النقيض بين الهدوء والهيجان الذي يتمثّل في آية الشتاء والصيف. للتذكير، شارك الفنان عبد اللّه بلحيمر في العديد من الصالونات والمعارض، منها الدولية التي أقيمت له في روسيا والصحراء الغربية وفرنسا وغيرها. ولفت انتباه الأجانب ومنهم السفراء. كما حصل على جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب. ينشط الفنان ويعمل كالنحلة من أجل أن يقدّم رحيقا للجمهور، يساعده على تذوّق الجمال وتجاوز مناظر القبح والتشاؤم.