أحيت الأسرة الثورية بتلمسان الذكرى الستين لأحداث معركة فلاوسن الكبرى، إحدى المحطات التي لقّن فيها جيش التحرير درسا للقوّة الاستعمارية. وتمّ وضع إكليل ورد بالنصب التذكاري بأعالي جبال فلاوسن مع قراءة فاتحة الكتاب ترحما على أرواح الشهداء الأبرار، إلى جانب زيارة المعرض المقام من طرف المتحف الجهوي للمجاهد والجمعيات المحلية. لدى كلمته الافتتاحية لليوم الدراسي حول معركة فلاوسن الكبرى بمتوسطة الشهيد «حمناش محمد»، ذكر والي تلمسان أنّ منطقة فلاوسن مثال لما قدّمه الشعب الجزائري عامة لاسترجاع حريته، ليختم الحفل تكريم بعض الوجوه من الأسرة الثورية وذوي الحقوق وأعوان من سلك الحرس البلدي. للإشارة، يمتدّ جبل «فلاوسن» بين دائرتي فلاوسن وندرومة بولاية تلمسان، ويضم عدة قمم محدّبة عالية ومتوسطة تتخللها منحدرات وعرة المسالك، هذه المناعة الطبيعية جعلت منه حصنا منيعا يحتمي به الثوار. جرت بهذا الجبل عدة معارك أبرزها معركة 20 أفريل 1957 المشهورة، والتي دامت يومين كاملين، حيث توقع مجاهدو المنطقة هجوم العدو عليهم بعد سلسلة المباغتات التي شنّوها ضد الجيش الفرنسي، وألحقت به خسائر هامة، فتجمّع 220 مجاهدا موزعين على ثلاثة كتائب يقودها «وشن مولاي علي»، يساعده في قيادة الكتائب «تيطوان» و»وشن أحمد» و»محمد عبد الله». تمركز المجاهدون بمنطقة «المنشار» لرصد تحركات الجيش الفرنسي عن كثب، هذا الأخير كان عازما على القضاء على الثوار بهذا الجبل. معرفة تضاريس المنطقة مكّنت القيادة من استدراج العدو إلى منطقة عارية بعيدة عن الغابة، هي أراض فلاحية. تمركز جيش التحرير على شكل نصف حلقة دائرية، في حين واصل العدو زحفه داخل المنطقة العارية بفرقتين مقاتلتين معززتين بالدبابات والمدرعات و30 طائرة مقنبلة و12 مروحية. وانتظر الثوار توغل جيش الاحتلال داخل المنطقة، ثم أمطروه بوابل من الرصاص. حاول العدو مرارا اختراق الخط الدفاعي للمجاهدين، إلا أن محاولاته باءت بالفشل. ووسط الذهول والفزع الذي أصابه جراء الخسائر التي لحقت به في الجولة الأولى من المواجهة استنجد بسلاحه الجوي لقصف المكان، تلته عملية إنزال جوي قصد محاصرة المجاهدين. وبدأت وتيرة القتال تتغير بمرور الوقت، ومع ذلك استمر القتال إلى غاية حلول الظلام. قررت قيادة جيش التحرير الانسحاب قبل طلوع النهار باتجاه «وادي السبع»، لكن سرعان ما اكتشفت القيادة أنها محاصَرة. وتجنبا للمخاطر انتشروا عبر أطراف الوادي، وانتظروا الوقت المناسب لتنفيذ خطة الانسحاب إلى قرية «لعربيا»، حيث استقروا لبعض الوقت لتقييم نتائج العملية والاستعداد للجولة المقبلة. وحسب شهادة أحد المجاهدين «سي أحمد سحران» فإن سبب اكتشاف العدو مواقعهم الخلفية وقصفها هو إخفاء الخنادق بأغصان لم ينتبه إليها أحد بعد أن تغير لونها، ورغم حجم المعركة وصعوبتها وعدد القوات المشاركة فيها 33 ألف عسكري ونوعية العتاد، إلا أن الخسائر التي مُني بها العدو كانت أكبر، وقُدرت بين 500 و700 قتيل.