بقي شبح أسعار النفط مخيما على المشهد الاقتصادي الجزائري في 2018 للسنة الرابعة على التوالي، وظلت متابعة حركة الصعود والنزول في الأسواق النفطية هاجسا يوميا، مع الأمل في رؤية الأسعار تصل إلى مستويات تبتعد عن الخطر وتمنع تآكل احتياطي الصرف المتواصل سنة بعد أخرى. وإلى غاية الآن، ما تزال الجزائر معتمدة بشكل رئيسي على مداخيلها النفطية، رغم سعي الحكومة للخروج من هذه "المتاهة" عبر تعزيز الصادرات خارج المحروقات، التي وإن ارتفع مستواها هذه السنة، إلا أنها لاتزال بعيدة عن المستوى الذي يجعلها بديلا يخرج البلاد من الأزمة، ليبقى خيار التمويل غير التقليدي لحد الآن، البديل المفضل لتسيير الظرف الراهن. كانت 2018 سنة بداية اللجوء الفعلي للتمويل التقليدي الذي سمح إلى غاية أكتوبر بطبع أكثر من 4000 مليار دينار، أي قرابة 40 مليار دولار. رقم بعيد عن ذلك الذي حددته الحكومة من قبل، إلا أنه لم يحدث تأثيرا سلبيا على التضخم، مثلما توقعه بعض الخبراء، أمر استشهد به وزير المالية عبد الرحمان راوية ليؤكد بأن أموال التمويل التقليدي لم توجه إلى التسيير أو الاستهلاك، وإنما للاستثمار العمومي، إلا أن ضخامة المبلغ البعيد جدا عن ذلك الذي حددته الحكومة سابقا لسد العجز في الميزانية والمقدر ب1800 مليار دينار في 2018، يدعو إلى التساؤل والتخوف كذلك من الآثار المستقبلية لمثل هذه الإجراءات، في وقت تشير فيه أرقام الديوان الوطني للإحصائيات إلى أن معدل التضخم بلغ 4,5 بالمائة نهاية أكتوبر الماضي. تراجع احتياطات الصرف واستقرار التضخم ورغم تواصل العجز في الميزانية وتراجع احتياطات الصرف إلى حدود 82 مليار دولار، فإن الحكومة فضلت هذه السنة تطبيق نوع من "التهدئة الاجتماعية"، من خلال الامتناع عن فرض رسوم أو زيادات جديدة على الأسعار ولاسيما سعر البنزين في قانون المالية 2019، عكس السنتين السابقتين اللتين شهدتا إقرار إجراءات من هذا النوع. والأهم من ذلك أن الحكومة، ورغم إعلانها الشروع في دراسة ترمي إلى تغيير صيغة الدعم الاجتماعي، فإنها قررت الإبقاء عليه في صيغته الحالية وبمبالغ هامة. رسوم إضافية لتجاوز خيار منع الاستيراد كما كانت 2018 سنة العودة إلى الاستعانة بقانون مالية تكميلي، أهم ما تضمنه، فرض الرسم الإضافي الوقائي المؤقت المفروض على بعض السلع المستوردة، تعويضا لصيغة تقييد الاستيراد والذي جاء ك"تعليق مؤقت لاستيراد البضائع، إلى غاية إعادة ضبط توازن ميزان المدفوعات". لكن مع الانتقادات الكبيرة التي وجهت للجزائر من شركائها الاقتصاديين بسبب هذا الإجراء الحمائي، فإن الحكومة أثرت اللجوء إلى أسلوب آخر لتقييد الواردات عبر فرض رسوم من شأنها رفع أسعار هذه السلع بأضعاف مضاعفة. هذا الأسلوب الذي يسمح بالانتقال من المنع إلى التأثير على الأسعار، هدفه تقليص حجم الواردات التي وإن عرفت تراجعا في 2018، فإن نسبتها كانت ضئيلة، ما يؤكد أن سياسة المنع لم تحقق أهدافها. فإحصائيات الجمارك الجزائرية تشير إلى أن الواردات تراجعت في العشر أشهر الأولى 2018 بنسبة 0,35 بالمائة فقط، ما يعادل 134 مليون دولار. الضوء الأخضر للمعاملات المالية الإسلامية وفي إطار بحثها عن البدائل التي تساهم في إعادة التوازن المالي، أعطت الحكومة في 2018 الضوء الأخضر للانطلاق الرسمي للتعاملات المالية الإسلامية، بإصدار بنك الجزائر لتنظيم خاص، يمكن كل البنوك وحتى بورصة الجزائر من تقديم خدمات مالية إسلامية. وتحاول الجزائر من خلال هذه الإجراءات الاستجابة أكثر فأكثر لدعوات الهيئات المالية الدولية ولاسيما صندوق النقد الدولي، لتنويع مداخيلها والعمل على توفير مناخ أعمال مناسب يسمح بتحرير المبادرات الخاصة ويتيح جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لاسيما وأن تصنيفها في تقرير "دوينغ بيزنس" مازال متأخرا، إذ احتلت المرتبة 157 في آخر تقرير للهيئة. "الأفامي" يصر على الإصلاحات الهيكلية وأكد صندوق النقد الدولي أنه بالرغم من التحديات التي ماتزال تواجهها الجزائر، بسبب انخفاض أسعار النفط، فإنه مازال أمامها فرصة لتحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والنمو، وذلك بفضل الدين العام المنخفض نسبيا وضعف الدين الخارجي. لكنه عبّر بالمقابل، عن تحفظه من اللجوء إلى التمويل غير التقليدي، معتبرا أن "الخيار المثالي" للتمويل هو "الحصول على قروض خارجية لتمويل مشاريع استثمارية يتم اختيارها بدقة، وهو ما تواصل الجزائر رفضه تماما. ويرى "الأفامي" أن تحقيق التنوع في وقت تراجعت فيه الموارد يعد "معادلة صعبة"، لذا طالب الحكومة ب"تطهير المالية العمومية وإجراء إصلاحات هيكلية تسمح بتحرير قدرات الاقتصاد الوطني" و"تحسين مناخ المؤسسات لاسيما عبر مكافحة البيروقراطية والعمل بشفافية وتطبيق مبادئ الحوكمة والإدارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي"، إضافة إلى "عصرنة القطاع البنكي وتطوير سوق السندات والبورصة وتطوير سوق العمل وتقريب الجامعة من احتياجات سوق العمل وتشجيع عمل المرأة". وفي سياق تطوير القطاع المالي، سجلت بورصة الجزائر نهاية السنة دخول أول مؤسسة سيتم تداول أسهمها في سوق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تم إنشاؤها سنة 2012. وهو ما اعتبر خطوة هامة نحو استقطاب شركات أخرى بعد حملة متواصلة لإقناع أرباب العمل بأهميتها كبديل تمويلي لهم. إصلاحات في سوناطراك واقتناء أول مصفاة في الخارج لم تقتصر الإصلاحات على القطاع المالي فقط، حيث عرف قطاع المحروقات هو الآخر إصلاحات هامة في هذه الفترة. وهو ما عكف على تأكيده في كل مناسبة وزير الطاقة مصطفى قيطوني والرئيس المدير العام لسوناطراك عبد المومن ولد قدور، الذي قاد طيلة 2018 حملة وسط الإعلاميين وأعضاء البرلمان بغرفتيه وفعاليات أخرى للترويج لخطة الإصلاح التي تم وضعها وتمتد إلى غاية 2030. فولد قدور رافع على ضرورة استرجاع سوناطراك لمكانتها العالمية من خلال تثمين الكفاءات والموارد البشرية وإعادة هيكلة عمل الشركة وكذا توسيع مجالات تدخلها في الخارج، مع عملها على استقطاب عدد أكبر من الاستثمارات، لاسيما بعد فشل المناقصة الأخيرة للمحروقات. وضمن هذا المنظور، تم ولأول مرة في تاريخ الجزائر اقتناء مصفاة في الخارج (إيطاليا) وتوقيع أول عقد لاستكشاف المحروقات في عرض البحر، في انتظار استغلال الغاز الصخري. وهي الإجراءات التي سيحدد كيفياتها قانون المحروقات الجديد، الذي تعكف وزارة الطاقة على التحضير له، ويرتقب أن يكون جاهزا في السداسي الثاني من سنة 2019. (أوبك) تمدد الاتفاق وانسحاب قطر بالموازاة، ألقت الجزائر بكل ثقلها من أجل تمديد اتفاق الدول المنتجة للنفط على الخفض وإعادة التوازن للسوق، لاسيما بعد أن نزلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال الشهرين الأخيرين من السنة، لتقارب عتبة الخمسين دولارا للبرميل، وهو السعر المرجعي الذي أعد على أساسه قانون المالية. وتم بالفعل الاتفاق رغم الانسحاب المفاجئ لقطر من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي عاشت سنة صعبة بفعل الضغوط المستمرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحملها على خفض الأسعار. وعكس ما كان متوقعا، فإن 2018 لم تكن سنة الطاقات المتجددة، إذ تأخر مجددا إطلاق المناقصة الوطنية والدولية الأولى التي كانت مقررة قبل نهاية السنة الجارية، بالرغم من القدرات الهامة التي تمتلكها بلادنا في هذا المجال، وحاجتها إلى تنويع مصادرها الطاقوية في ظل الارتفاع المتنامي للاستهلاك المحلي. أولى عمليات تصدير الإسمنت والنسيج في القطاع الصناعي، تم تسجيل ديناميكية هامة خلال السنة التي نودعها، لاسيما في مواد البناء والنسيج والجلود والميكانيك، حيث برمجت أولى عمليات التصدير نحو الخارج لمادة الإسمنت من طرف مجمع "جيكا" العمومي وشركة "لافارج" الفرنسية. كما سجلت أول عملية تصدير لغزل القطن من مصنع النسيج الجزائري التركي بغليزان "تايال". كما عرفت مشاريع تركيب السيارات ازدهارا في إنتاجها خلال هذه السنة، حيث استطاعت توفير كميات من المركبات بكل أنواعها للسوق المحلية، مما قضى على الندرة، لكن إشكال الأسعار طرح بشدة وتطلب تدخلا من وزارة الصناعة والمناجم التي حذرت أصحاب المصانع من مغبة مخالفة دفتر الشروط، خاصة وأن فاتورة استيراد أجزاء المركبات كانت ثقيلة، مسجلة 2,38 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2018. وشهدت السنة أول حملة رسمية منظمة لجمع جلود أضاحي العيد ببعض ولايات الوطن، في إطار رغبة الوزارة في تطوير صناعة النسيج والجلود ببلادنا. وهي الحملة التي عرفت نجاحا ملحوظا، دفع وزارة الصناعة إلى الإعلان عن توسيعها لكل أرجاء الوطن في 2019. مشروع تحويل الفوسفات...الأكبر منذ عشرية ولعل أهم مشروع عرفه قطاع الصناعة في 2018، هو الإعلان عن بداية إنجاز المشروع المندمج لتحويل الفوسفات بتبسة والذي يتم بشراكة مع مجمع صيني. هذا المشروع وصفه الوزير الأول أحمد أويحيى لدى تدشينه بأنه "أهم مشروع صناعي تطلقه الجزائر منذ ما يقرب العشرية، وستسمح آثاره بإحداث تغيير في منطقة الشرق وتعزيز الاقتصاد الوطني". المنتجات الجزائرية تقتحم الأسواق الجهوية في قطاع التجارة، كانت 2018 سنة تنشيط المعارض الخاصة بالخارج، حيث كانت الجزائر حاضرة بمنتجاتها وبقوة في عدة بلدان، لاسيما موريتانيا والغابون وقطر، وذلك ضمن سياسة جديدة أقرتها وزارة التجارة في جويلية الماضي لتثمين المشاركة الجزائرية في المعارض بالخارج. وتم تسجيل توقيع عدد معتبر من الاتفاقيات لتصدير المنتجات الجزائرية التي بدأت تجد طريقها ومكانتها في الأسواق الخارجية رغم الصعوبات والمعوقات التي مازالت تقف حجر عثرة أمام تطوير الصادرات خارج المحروقات.