بقلم: طارق البرغوثي* قالت لي ابنتي ذات التسع سنوات والعاشر يأتي بعد صيف: لماذا لا نرى الهواء ؟! قلت لها: يكفي أن تشعري به. نظرت إلي وكأنه لم يعجبها الرد ! *** قالت: لماذا لا نرى الشيطان ؟! قلت لها: يكفي أن تري أفعاله في بني البشر ! قالت: كيف ذلك ؟! فذكرت لها: أن الشيطان يعلّم بعض البشر حتى يصبحوا شياطين، ولكن تتسربل بلباس البشر ؟ فذكرت لها قصة أبي جهل وقومه وهم يتآمرون على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكلما قالوا رأياً، قال ما هذا بالرأي، حتى قال أبو جهل فيه رأيه، فأكبره الشيطان، وقال نِعم الرأي، فقد يبزّ يا ابنتي الإنسان شيطانَه؛ فيأتي بما لا يتوقع الشيطان نفسه .. وسردت لها قصة عبد الناصر مع الشهيد سيّد وقد عزم عبد الناصر إعدامه لأنه لا يريد أن يسمع صوت الحق. وعادة الشياطين عندما يُذكر الله، تسمع لها جلبة .. قلت لها يا ابنتي: إن الزعيم الخالد عبد الناصر جاءته برقية من الملك فيصل يطلب منه عدم إعدام سيّد، وعندما جاءته تبرّم، وأخذ يذهب ويجيء مغتاظا، ففكر وقدّر، فقتل كيف قدّر، حتى لمعت الفكرة برأسه، فقال: أعدموه بالليل، لا أريد أن يطلع عليه صباحا، وأرسلوا للملك فيصل برقية اعتذار تقول: إنه تم إعدامه قبل وصول البرقية.. فقال له الشيطان: نعم الرأي !! أرأيت يا ابنتي هل يمكن أن يفكر الشيطان بهذه الحيلة ؟! فأنت ترين يا ابنتي صورا من شياطين الإنس، تستطيعين أن تستوحي منهم صورة للشيطان .. قالت وهي تحاول أن تفهم أكثر .. ** طيب ! لماذا إذن لا نرى الله ؟! قلت لها: لقد كبُر عقلك الصغير، وبدأ يبحث عن إجابات كبيرة .. يا ابنتي إنك إذا أردت أن تري الله فإنه موجود في كل مكان .. قالت: كيف ذلك؟! وقد اتسعت حدقتا عينيها .. الله يا ابنتي موجود بآثاره التي تدل عليه، فإذا أردت أن تعرفي عن صفاته فهي كثيرة؛ فمن صفاته الرحمة مثلا أرأيت كيف تحنو عليك ماما؛ لا تأكل حتى تأكلي، ولا تنام حتى تنامي؛ فالله أرحم بنا من رحمة أمّك لك، هل لك أن تتخيلي ذلك ! ومن صفاته الغفور يا ابنتي عندما يستعدي عليك أحد من إخوتك أو صديقاتك، هل تسامحينه إذا طلب السمح ؟ قالت: نعم، قلت لها: وإن كان أثر الاعتداء عليك كبيرا ؟ قالت: أحيانا قلت لها: إن الله إذا أذنبنا بحقه، واستغفرناه غفر لنا وإن كانت خطايانا كثيرة، ثم يا ابنتي بعد الغفران؛ فإنه يحبنا .. نحن نغفر، ولكن من الأسى، لا يحمل قلبنا الحب. أرأيت جمال الله ؟! إنه جميل، جميل يا ابنتي .. انظري إلى هذا الكون، كم هو جميل !! انظري في الليل وقت السمر، ونحن متحلقون كعائلة ننظر إلى جو السماء، في ليلة قمرية رائقة، والنجوم تتلألأ كأنها في مهرجان للأفراح.. ثم انظري إلى الشمس في ليلة أخّاذة، وهي تتوهج، إنها تشبه وجهك الجميل .. انظري يا ابنتي إلى وجهك، إنه خلق الله ! تبارك الله أحسن الخالقين.