ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على غزة    مقتل مسؤول سامي في هيئة الأركان العامة    عادات تختفي في سبيل دخول القفص الذهبي    المرأة تزاحم الرجل في أسواق مواد البناء    كسرة الزعتر" غذاء صحي يأبى الاندثار    التوقيع بإسطنبول على مذكرة تفاهم بين المحكمة الدستورية الجزائرية ونظيرتها التركية    الدبلوماسية الجزائرية أعادت بناء الثقة مع الشركاء الدوليين    النخبة الوطنية تراهن على التاج القاري    15 بلدا عربيا حاضرا في موعد ألعاب القوى بوهران    مداخيل الخزينة ترتفع ب 17 بالمائة في 2024    الاستفادة من التكنولوجيا الصينية في تصنيع الخلايا الشمسية    مزيان يدعو إلى الارتقاء بالمحتوى واعتماد لغة إعلامية هادئة    اجتماع لجنة تحضير معرض التجارة البينية الإفريقية    رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني تستقبل ممثلين عن المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين    إبراهيم مازة يستعد للانضمام إلى بايرن ليفركوزن    رئيسة مرصد المجتمع المدني تستقبل ممثلي الجمعيات    وزير الاتصال يفتتح اليوم لقاء جهويا للإعلاميين بورقلة    متابعة التحضيرات لإحياء اليوم الوطني للذاكرة    الكسكسي غذاء صحي متكامل صديق الرياضيين والرجيم    60 طفلًا من 5 ولايات في احتفالية بقسنطينة    وكالات سياحية وصفحات فايسبوكية تطلق عروضا ترويجية    انطلاق فعاليات الطبعة الخامسة لحملة التنظيف الكبرى لأحياء وبلديات الجزائر العاصمة    الجزائر وبراغ تعزّزان التعاون السينمائي    ختام سيمفوني على أوتار النمسا وإيطاليا    لابدّ من قراءة الآخر لمجابهة الثقافة الغربية وهيمنتها    قانون جديد للتكوين المهني    استقبال حاشد للرئيس    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    تنصيب اللجنة المكلفة بمراجعة قانون الإجراءات المدنية والإدارية    رئيس الجمهورية يدشن ويعاين مشاريع استراتيجية ببشار : "ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية.. "    الخطاب الرياضي المقدم الى الجمهور : وزير الاتصال يدعو إلى الابتعاد عن "التهويل والتضخيم"    عطاف يوقع باسم الحكومة الجزائرية على سجل التعازي إثر وفاة البابا فرنسيس    توقيع عقدين مع شركة سعودية لتصدير منتجات فلاحية وغذائية جزائرية    الأغواط : الدعوة إلى إنشاء فرق بحث متخصصة في تحقيق ونشر المخطوطات الصوفية    سيدي بلعباس : توعية مرضى السكري بأهمية إتباع نمط حياة صحي    عبد الحميد بورايو, مسيرة في خدمة التراث الأمازيغي    انتفاضة ريغة: صفحة منسية من سجل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي    الرابطة الثانية هواة: نجم بن عكنون لترسيم الصعود, اتحاد الحراش للحفاظ على الصدارة    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    بلمهدي يحثّ على التجنّد    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    استحضار لبطولات وتضحيات الشهداء الأبرار    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتفاضة والنظام العربي الراهن
نشر في أخبار اليوم يوم 20 - 01 - 2016


بقلم: منير شفيق*
العلاقة التي قامت بين النضال الفلسطيني والنظام العربي عموما بالدول العربية واحدة واحدة اتسّمت بارتباط عضوي كان الوجه المتحكِّم في مسارها هو النظام العربي كما محصلة المعادلة في ما بين الدول العربية. أما على مستوى علاقة كل دولة عربية بالنضال الفلسطيني فقد كان متفاوتا من دولة إلى أخرى سلبا وإيجابا. ولطالما تأثر صراع المحاور العربية أو في الصراع بين هذه الدولة وتلك. وكانت السمة السائدة في مسار العلاقات هنا هي الموقف الفلسطيني الأضعف في أغلب الحالات إن لم يكن فيها كلها.
هاتان السمتان سادتا العلاقة منذ بداية النضال الفلسطيني الذي نشأ مع بداية تنفيذ المشروع الصهيوني أو قل منذ عشرينيات القرن الماضي ربما إلى لحظة انهيار محور الاعتدال العربي وذلك بانهيار نظامَيْ حسني مبارك (مصر) وزين العابدين بن علي (تونس) في مطلع العام 2011. ولكنهما (السمتان) بدأتا بالتراجع مع ما ساء من أوضاع عربية بعد 2011 وصولا إلى الوضع الراهن في غير مصلحة الوضع العربي. ودلّ على ذلك حرب 2014 في قطاع غزة وانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة الراهنة.
فدور الأنظمة العربية وفي مقدّمها مصر في الأوضاع العربية الراهنة لم يعد بالقدرة نفسها من ناحية التأثير في النضال الفلسطيني. وذلك يرجع لما حدث من تغييرات نوعية في موازين القوى العالمية والإقليمية والعربية عما كان عليه الحال منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى 2011. ويكفي أن يُلحظ ما حدث للدولة القطرية من انقسامات داخلية وصراعات وتصدّعات فأشغلها في ذاتها. وهو ما اعتبره الكثيرون تراجعا لمكانة فلسطين وقضيتها باعتبارها قضية مركزية.
صحيح أن الأوضاع السائدة الآن في البلاد العربية عموما غيّبت على المستوى الرسمي العربي ذلك الاهتمام السياسي بقضية فلسطين ليحلّ مكانه الغرق في الصراعات المحلية القطرية والعربية _العربية والعربية _الإسلامية. ولكن من ناحية ثانية أضعفت كثيرا من قوّة النظام العربي في التحكم بالنضال الفلسطيني والتأثير في مجرياته ومساره عكس ما كان عليه الحال في العهود الماضية.
لقد حرصت الدول العربية في الماضي أن تبقى متحكمة ولو بصورة غير مباشرة في السقف الذي يتحرك فيه النضال الفلسطيني بما في ذلك حين كانت تضغط لوقفه كما حدث في إيقاف ثورة 1938 قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية (نداء الدول العربية مجتمعة لوقف الثورة (بناء لوعود الصديقة بريطانيا) حدث تاريخي مشهور). ثم التحكم بمستوى ما يمكن أن يدخل من سلاح إلى فلسطين. ووصل الأمر في العام 1948 إلى دخول الجيوش العربية ثم عقد الهدنة. ثم إنهاء النضال الفلسطيني من 1949 إلى 1964. فكان القرار الرسمي العربي طوال هذه الفترة عدم السماح بأي تنظيم أو نضال فلسطيني ضدّ العدو الصهيوني. وهو ما كان.
وعندما تقرّر أن تُؤسَّس منظمة التحرير الفلسطينية ويُشكّل جيش التحرير الفلسطيني في العام 1964 كان قرارا عربياً بزعامة مصر للردّ ولو المعنوي والسياسي على القرار الصهيوني بتحويل مجاري نهر الأردن وذلك بعد أن تبيّن عدم إمكان منع ذلك وإحباطه.
وأما المنظمات السريّة التي تشكلت في تلك الفترة أو قبيلها فكانت ممنوعة ولا سيما ممارستها للكفاح المسلح. وقد بقيت محاصرة ومهمّشة بالرغم من احتضان سوريا والجزائر لحركة فتح. ولم تتحوّل إلى فصائل مقاومة معترفا بها عربيا إلاّ بعد الهزيمة العسكرية في 1967 واحتلال سيناء وقطاع غزة والقدس والضفة الغربية والجولان. ففي هذه الظروف أصبحت م.ت.ف بمنزلة جبهة فصائل المقاومة بقيادة حركة فتح. وكان هذا كله قرارا عربيا _ مصريا.
فالنظام العربي بعد 1967 أو بعد إعادة تشكُّل م.ت.ف 1968 هو الذي فتح الآفاق لاندلاع الثورة الفلسطينية وتعاظم دورها بما في ذلك تسهيل وجودها العسكري في كل من الأردن 1967-1968 ولبنان 1969-1982. ولكن بعد الخروج من لبنان أوصل القرار العربي م.ت.ف إلى مفاوضات مدريد 1991. وهو الذي اتخذ قرارَيْ (الممثل الشرعي والوحيد) والانتقال إلى برنامج النقاط العشر 1974. ثم قرار إقامة دولة فلسطينية في حدود ما قبل حرب حزيران 1967 (هدفا) للنضال الفلسطيني.
وصحيح أن علاقة النظام العربي كما ترجمته القمم العربية وكذلك علاقات الدول العربية منفردة بالنضال الفلسطيني أكثر تعقيدا من أن يُبسّط بما قدّم أعلاه من أمثلة على هذه العلاقة ولا سيما من ناحية الدور الفلسطيني ومدى قدرته على الفعل ضمن تلك العلاقات ولكن بصورة عامة فإن ما تقدّم يلقي الضوء على مدى تأثُّر النضال الفلسطيني مدا وجزرا وانطلاقا وانكفاء وتحديدا للسقف أو الخروج عليه في القرار العربي والسياسات العربية على المستويين الجماعي والفردي. وقد كان ثمة حاضن عربي (دولة) في حالات الخروج.
والمراد هنا انطلاقا من سمات هذه العلاقة في تاريخ النضال الفلسطيني الوصول إلى إعادة قراءة هذه العلاقة على ضوء المتغيّرات الكبيرة التي حدثت على مستوى التدخل الخارجي والعربي في الوضع الفلسطيني من جهة كما على مستوى وضع الكيان الصهيوني داخل المعادلة الجديدة وما يكون قد ناله من عوامل الضعف والتأزيم.
وبكلمة إن الوضع العربي الراهن من زاوية علاقته بالقضية الفلسطينية لم يعد قادرا على التدخل في التأثير في النضال الفلسطيني كما كان في السابق وإن كان هذا التدخل لا يمكن أن يتوقف بسبب طبيعة العلاقة بين فلسطين ووجود الكيان الصهيوني والأمة (الشعوب العربية) والأنظمة العربية. ولكن هذه العلاقة خضعت في تجليّاتها السابقة وتخضع الآن وفي المستقبل لحالة موازين القوى التي تقرّر مدى القدرة على التدخل أو الضعف والعجز عن التدخل عربيا.
فما دام الوضع العربي قد انشغل بذاته وداخله وصراعاته إلى ما نشهده من مستوى ما بين 2011-2016 وما دام وضع الدولة العربية أصبح أضعف بكثير عما كان حالها في السابق حتى في مراحل نشأتها الأولى فإن انعكاس ذلك على النضال الفلسطيني يتسّم بعدم القدرة والتحكم قياسا بما كان عليه في السابق. أي نحن إزاء تغيير ملحوظ تتوجّب ملاحظته.
أما الجانب الآخر الذي يجب أن يُلاحَظ كمُتَغيّر جوهري لا يقِّل أهمية إنما هو ضعف الكيان الصهيوني عما كان عليه من قبل. وذلك من ناحية ضعف حلفائه وحماته الأساسيين (أمريكا وأوروبا) وانعكاس ذلك عليه. بل وارتباك علاقته بهؤلاء الحلفاء من جهة ثم فقدانه لما كان يتمتع به من دعم الرأي العام العالمي من جهة ثانية. ثم ضعف قيادته الحالية من ناحية قدراتها وسماتها قياسا بالقيادات الصهيونية السابقة (أصبحت أكثر عزلة وأكثر تخبّطا وارتكابا للأخطاء) من جهة ثالثة. ثم (وهذا في مرتبة أولى من الأهمية) تعب الجيش وهزيمته في أربع حروب: في 2006 في لبنان و2008/2009 و2012 و2014 في قطاع غزة.
إن هذه التغيّرات في الكيان الصهيوني تجعل إمكانات المواجهة بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني تحمل فرصا هائلة لتحقيق انتصار مدوّ. أي فرض الانسحاب من القدس والضفة الغربية وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك حصار قطاع غزة.
فإذا كان مجرّد شنّ نضال فلسطيني أو مجرّد صمود في وجه هجمة صهيونية على ذلك النضال في المراحل السابقة ل 2011 كان يحتاج إلى الدعم العربي والموقف العربي بما كان يتناسب مع الحاجة العربية وموازين القوى فإن الوضع الراهن يسمح للانتفاضة بخوْض معارك كبيرة مع العدو تحقق نصرا دون حاجة إلى ذلك الدعم والموقف وهو ما تأكد في حرب 2014 في قطاع غزة حيث تحقق صمود وتحقق انتصار عسكري كبير من دون دعم عربي وحتى في ظل حصار غربي وتواطؤ. ولا يغيّر من هذه الحقيقة عدم ترجمته إلى انتصار سياسي (بسبب الموقف المصري المؤثر مباشرة في قطاع غزة).
طبعا لا يجوز أن يفسّر هذا إدارة الظهر الفلسطيني للدعم العربي والإسلامي وإنما فقط عدم وضع توّفر ذلك الدعم كشرط مسبق لاندلاع الانتفاضة وديمومتها والذهاب بها إلى مداها الأوسع والحاسم. بل بالعكس يجب أن يصار بعد التخلي عن ذلك الشرط والمضيّ في الانتفاضة العمل الحثيث على إحياء الدعم العربي والإسلامي الشعبي أولا كما الرسمي ثانيا ثم كسب الرأي العام العالمي قدر الإمكان ليساعد في الإسراع بتحقيق النصر إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.