Qيحتفل اليوم، الفاتح جوان، ملايين الأطفال حول العالم باليوم العالمي للطفولة، وتخصص للمناسبة العشرات والمئات من التظاهرات تنظمها العديد من المنظمات والهيئات والجمعيات الفاعلة في مجال الاهتمام بالطفولة ورعايتها، ملتقيات، وأيام دراسية، وخرجات ميدانية وزيارات وحفلات ومهرجون... وغيرها من مظاهر الاحتفال التي يشهدها هذا اليوم العالمي كل عام في الجزائر وخارجها، أطفال كثيرون في الجزائر ينتظرون ربما هذا اليوم العالمي بفارغ الصبر للترويح عن أنفسهم والاستفادة من يوم مجاني للفرح والغبطة والسرور، وأطفال كثيرون أيضا لا يعلمون بأن هنالك عيدا آخر _ عدا العيدين المعروفين- هو عيدٌ لهم وحدهم، طفولة محرومة وطفولة مسعفة وطفولة معنفة، وطفولة مشردة، وطفولة مريضة، هي أيضا الوجه الآخر للطفولة، وجانبها المشوَّه، حيث تُغتصب البراءة، وتغتال الضحكة، لا يهم لماذا وكيف، المهم أنها طفولة تحتمل أكثر ما هو مسموح لأجسادها الصغيرة بأن تتحمله. وبعيون يملؤها الحزن وأجساد صغيرة ضعيفة تحاول التماسك أمام أوجاع الإبر والحقن التي تخترقها، وبابتسامات متعبة، في غرف تفوح منها رائحة الأدوية والمعقمات الطبية، حياة أخرى لأطفال صارت تلك الغرف عالمهم، والأدوية والفحوص والتحاليل الطبية والتنقل من مصلحة لأخرى روتينهم اليومي مع أنهم يجهلون في واقع الأمر حقيقة أمراضهم، يحاولون نشر لعب ورسومات كثيرة قد تذكرهم بأنهم أطفال أيضا، وأن من حقهم الاستمتاع بالحياة وبطفولتهم ومحاربة آلامهم وأوجاعهم فيهزمونها مرة وتهزمهم مرات، فيما هنالك دائما كوة نور يطلون منها ويطل منها آباؤهم بغية رؤية غد مشرق أكثر صحة ونضارة وجمالا. هي حياة ويوميات عشرات الأطفال بمصلحة طب الأطفال بمستشفى مصطفى باشا كمثال بسيط، من يقف أمام بابها، لا يعتقد للوهلة الأولى أنه بصدد فتح بوابة كبيرة للألم والمعاناة، أبطالها لا زالوا في عمر الورد، بل في عمر البرعم الذي لا زال لم يتفتح على هذا العالم، صحيح أن هنالك المئات أو أكثر من الأطفال المرضى في الجزائر المصابين بأمراض عديدة، منهم من شفي ومنهم من ينتظر، يقاسون مثلهم مثل أي مرضى آخرين، ولكن العينات التي وقفنا عليها بذات المصلحة قد تكون غيضا من فيض، وصورة بسيطة جدا تختزل ما يعانيه الكثير من الأطفال المرضى في الجزائر عشية الاحتفال باليوم العالمي للطفولة. آلام مبرحة خلود، شيماء، فاطمة الزهراء، آمال، فتيحة، محمد وغيرهم، جميعهم أطفال ما بين العام وال15 سنة من العمر، لكل منهم غرفته، وقد يشترك اثنان منهم في غرفة واحدة، يعيشون فيها، على اعتبار أن أغلبهم متواجد هناك منذ أكثر من شهر، رفقة أمهاتهم، يشبه الطابق الأول من ذات المصلحة بيتا كبيرا يعج بالأطفال، ولكنه خال من الضحكات إلا البسيطة منها، والمناوشات والجري والمشاغبات التي يخلقها الأطفال عادة في كل مكان يتواجدون فيه، أتوا من مناطق مختلفة، من ميلة، تيارت، سطيف، البويرة، المسيلة، تيزي وزو، من أقصى الصحراء، ومن العاصمة، جمعهم المكان وفرقتهم الأسباب والأمراض، ولكن نظرة واحدة إليهم تكفي لإذابة جبال من الجليد، وتدفع المرء إلى التساؤل عن ذنب هؤلاء حتى يقاسوا كل هذه الآلام، ولكنه ما يلبث أن يدعو الله أن ينظر إليهم بعين رحمته ورأفته، ويشفيهم، ويعيد البسمة لشفاههم، والأمل لعائلاتهم. »سبينا بيفيدا« يفتك بالمواليد الجدد غانم شيماء، رضيعة عمرها عام وشهر فقط، تعاني من مرض سبينا بيفيدا، هذا المرض الذي صار خلال السنوات القليلة الماضية ينخر أجساد العشرات من أطفالنا، وبصفة خاصة من المواليد الجدد، ممن تملأ صورهم صفحات الجرائد كل يوم، ويحتاجون إلى تدخلات جراحية عاجلة قبل فوات الأوان لإنقاذ حياتهم، وتخليصهم من ذلك الورم، شيماء وكغيرها من المصابين بهذا الداء ولدت به، وتتواجد منذ حوالي 4 أشهر كاملة في المستشفى، ناهيك عن رحلاتها الماراطونية في المستشفيات الأخرى، وتنتظر رد أخصائي جراحة الأعصاب بمصطفى باشا، لتشخيص حالتها بدقة وتحديد موعد العملية الجراحية، بالإضافة طبعا إلى تكاليف الأدوية وصعوبة التكفل بها من طرف والدتها التي تخلت عن عملها لأجل العناية بابنتها في المستشفى. .. ونقص المناعة يحرم طفلة من النمو.. أما آمال صاحبة الخمس سنوات، فإن الناظر إليها يعتقد للوهلة الأولى أنه أمام رضيعة لا تتجاوز العامين من العمر، ولكنها في واقع الأمر طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات، وزنها لا يتجاوز التسعة كيلوغرامات، ولكن المرض الذي أصابها أعاق نموها بشكل سليم، فأثر في عظامها وصحتها بشكل عام، حيث أدت إصابتها بمرض نقص المناعة الحيوية مثلما أخبرتنا به والدتها إلى إصابتها بجملة من الأمراض الأخرى، كانسداد في أحد شرايين القلب، والربو والتهاب في الرئتين، بالإضافة إلى إصابات مختلفة بالأنف والأذن والحنجرة، وليست الوحيدة التي تعاني من نفس الداء بل حتى شقيقها البالغ من العمر 7 سنوات وشقيقتها البالغة من العمر 3 سنوات أيضا، وهي راقدة بالمستشفى منذ حوالي شهر، فيما قالت والدتها إن الأطباء أبلغوها صراحة أنه لا أمل من شفائها، خاصة في ظل التكاليف الباهظة التي تتطلبها أدويتها ونقص المختصين في المجال. فتيحة تصارع المرض في حين أن »تسيلم فتيحة« الطفلة صاحبة ال15 سنة، والتي انتقلت إلى السنة الرابعة متوسط رغم أنها لم تدرس الفصل الثالث بانتظام ولكن نتائجها في الفصلين الأولين كانت كافية لانتقالها، فهي مصابة بميكروب أصاب أجزاء من صدرها ومعدتها، مع ذلك تحاول ألا تستسلم للمرض، وقالت إنها ستعمل جاهدة على مقاومته كي تتمكن من اجتياز شهادة التعليم المتوسط السنة المقبلة وإكمال دراستها والتخرج كصحفية في المستقبل، علها تتمكن من نقل معاناة الناس والمساعدة في حلها، وغير بعيد عن غرفتها ترقد خلود أيضا التي أجرت علمية جراحية دقيقة جدا على مستوى الرأس، وفي كل غرفة من الغرف المجاورة حالة طفل أو طفلة في أول العمر وحكاية مع المرض ورحلة طويلة في العلاج. ..وفاطمة تقاوم سرطان الدم بعيونها الزرقاء الجميلة وشعرها الأشقر الذهبي وابتسامة رائعة، استقبلتنا في غرفتها الصغيرة، الطفلة »كيدوش فاطمة الزهراء« من المسيلة عامين من العمر، لم نصدق أنفسنا عندما قالت والدتها إنها مصابة بسرطان الدم، المرض الذي اكتشفوه بالصدفة بعد إصابتها بالتهاب اللوزتين وحمى شديدة لم تفارقها طيلة أيام طويلة، وبعد التحاليل تبينت إصابتها بالمرض، وهي بالمستشفى منذ أربعة أشهر كاملة تخضع للعلاج المكثف وممنوع عليها الخروج من المستشفى وتعرضها لأية عوامل خارجية، لأن مناعتها ضعيفة للغاية، أما والدتها التي تركت رضيعا آخر في البيت، فتحاول التماسك والأمل في شفاء رضيعتها كي تعود لتلم شمل أسرتها الصغيرة من جديد. لفتة إنسانية طيبة هي حالات كثيرة ومتعددة على مستوى مصلحة طب الأطفال بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، والواقع أن حالات كثيرة لا زالت راقدة في مصالح طبية أخرى بمختلف المستشفيات سواء بالعاصمة أو خارجها، تنتظر العلاج بفارغ الصبر كي تتخلص من آلامها ومعاناتها وتعود لتعيش طفولتها بصورة عادية مثلها مثل بقية الأطفال الآخرين. ولأنه اليوم العامي للطفولة، فمن حق هؤلاء دون شك الاحتفال به والحصول على الأقل على بعض الفرحة وبعض الهدايا الرمزية، التي قد تنسيهم آلام المرض، وبالفعل فإن هنالك العشرات من الجمعيات الخيرية التي تحاول إدخال البسمة لقلوب هؤلاء الصغار من حين إلى آخر، ومن بينها جمعية »حراء« بباش جراح، هذه الجمعية التي تنقلت عشية الاحتفال باليوم العالمي للطفولة إلى قسم الأطفال بمصلحة مكافحة السرطان بيار وماري كوري بمستشفى مصطفى باشا الجامعي وكذا إلى مصلحة طب الأطفال بنفس المستشفى، حيث حمل أعضاؤها عددا من الهدايا الرمزية تنوعت ما بين الألبسة الرياضية الخاصة بالفريق الوطني الجزائري التي فرح بها الأطفال كثيرا، وكذا الكثير من اللعب والألعاب، والبالونات الملونة، والحلويات وحفاظات الأطفال بمختلف الأعمار وهواتف نقالة تم توزيعها كلها على الأطفال المتواجدين بالمصلحتين المذكورتين، وهو ما ساهم في إدخال الفرحة والبهجة في قلوبهم، ولم يتمكنوا من التعبير عن سعادتهم الغامرة بهذه الهدايا التي أثلجت صدورهم وأنستهم أمراضهم حتى وإن كان ذلك للحظات قليلة. وقد رافقت »أخبار اليوم« الجمعية في زيارتها لهؤلاء الأطفال المرضى، وكشف رئيسها في حديثه لنا أن الجمعية وهي ذات طابع خيري، اجتماعي، تربوي وثقافي، تحاول من خلال نشاطاتها المختلفة مد يد المساعدة لمن يحتاج إليها، من خلال ما يقدمه المحسنون وما يتبرعون به للجمعية المتكونة من أطباء وإطارات وأساتذة وأخصائيين نفسانيين، يحاولون تقديم خدمات تصب في الصالح العام وتنظيم العديد من الملتقيات الفكرية والنشاطات التحسيسية، وتأتي هذه الزيارة للأطفال المرضى بمستشفى مصطفى باشا كالتفاتة بسيطة لهؤلاء الأطفال ومحاولة إدخال الفرحة إلى قلوبهم، كما كانت الجمعية قد نظمت قبل أيام رحلة لصالح 31 مسنا إلى حمام ريغة للاستجمام وبجعبتها الكثير من النشاطات الخيرية والإنسانية الأخرى.