نشجع على "تعزيز التعاون الثقافي والعلمي بين الجزائر والصين"    الجزائر تسعى لبناء شراكات متعددة ومتنوعة مع دول صديقة    عطاف يشارك في افتتاح النقاش العام    الإجماع الدولي هو "أبلغ رد على أوهام الاحتلال الإسرائيلي"    خوفاً من اعتقالها بسبب دعمها لفلسطين..    فلسطين : شهداء وجرحى بقطاع غزة    الجزائر سخرت ترسانة قانونية هامة لحماية عالم الطفولة    الشلف : تطيح بشخصين حاولا سرقة مسكن    وفاة 28 شخصا وإصابة 1679 آخرين    الاعتماد على المعرفة والتكنولوجيا والكفاءات الشابة    محاولات الإجهاز على القضية الفلسطينية لم تزدها إلا شرعية    موقف الجزائر ترجمة حية لثوابت سياستها النبيلة    نصر لفلسطين وانتصار للجزائر    دعم مبادرات تعزيز مكانة الجزائر في الفضاء الرقمي    إعادة إدماج الذين لم يبلغوا سن 16    إشادة بالإسهام الإيجابي للجزائر في تعزيز التعاون الدولي    "الجزائر تستلم شهادة النضج 3 من "الصحة العالمية" أكتوبر القادم    والد لامين جمال: ابني الأفضل    الحكومة نجحت في كسب رهان الدخول الاجتماعي.    الجزائر ترحّب بالتئام مؤتمر حل الدولتين    الجزائر تواجه فلسطين ودياً    الجزائر تحتضن اللقاءات الأفرو-أوروبية السابعة    تكريم الأندية العاصمية المتوّجة    الهولنديون ينصفون حاج موسى    الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة: السيد عطاف يجري بنيويورك مقابلة مع رئيسة جمهورية ناميبيا    فضاء لإنتاج المعرفة وتسويق الابتكار    تخصصات جديدة للتكيف مع التحولات الاقتصادية    التألق رهان "الخضر" في نيودلهي    حملة تحسيسية حول داء الكلب    شلُّ نشاط أربعة مروّجي مخدرات    انهيار جدار مقبرة يعزل سكان حي أرض شباط    دعوة للغوص في أعماق النفس    من إسطنبول إلى طرابلس مروراً بعنابة.. المالوف يصدح في قسنطينة    بن دودة تصطدم بحالة انسداد بقطاع السينما    الجزائر مبعث فخرنا وقادرة على احتضان بطولات عالمية    السيدة بن دودة تدعو الحكواتيين إلى المساهمة في نقل التراث المحكي الجزائري إلى الأجيال الصاعدة    العداء "جمال سجاتي": أنا سعيد بميداليتي الفضية وهدفي الذهب في الألعاب الأولمبية 2028    استهداف دبابة إسرائيلية في مدينة غزة..ارتقاء 38 شهيداً وإصابة 190 فلسطيني خلال 24 ساعة    تصفيات مونديال 2026 (الجولة 9 - مجموعة 7) : وهران تستعد لمباراة الصومال - الجزائر    كيف تدمر الحروب الغربية حضارة الشرق الأوسط؟    حصيلة أسبوعية للحماية المدنية: 28 وفاة و1679 جريحا في حوادث المرور    الصيدلية المركزية للمستشفيات: نحو ارتفاع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية بأزيد من 25 بالمائة في 2026    صناعة صيدلانية: ضرورة مضاعفة الجهود لإدماج الابتكار والرقمنة في الانظمة الصحية الوطنية    هذا جديد إذاعة القرآن    وزيرة الثقافة والفنون تشرف على اجتماعين لدراسة واقع السينما الجزائرية    سحر الموسيقى التركية يلقي بظلاله في ثالث سهرة للمهرجان الدولي للمالوف    ارتفاع مستمر للدفع عبر الأجهزة الإلكترونية    الجامعة الجزائرية هي القلب النابض للتنمية    مهمتنا خدمة المواطن..    ضرورة وضع المواطن في صميم اهتمامات القطاع    المشاريع المنجمية الكبرى ستخلق الثروة ومناصب الشغل    الكونغو الديمقراطية : تفشي "إيبولا" عبء إضافي يُفاقم أزمة البلاد    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(1) تأملات في التحولات بين ما فات وما هو آت

شهد العالم في العقود الأخيرة من القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين سلسلة من التحولات المتسارعة، شملت الهياكل والبنيات، وأثّرت بأشكال مختلفة في الأفراد والجماعات، وجعلت الحاضر يتحول إلى ماضٍ في لحظات، كما أصبح من العسير استحضار ما فات من الأحداث والأفكار والاختراعات، قبل بضع سنوات، أما استشراف المستقبل وما هو آت، فهو مغامرة وسباق بين الراهن والتوّقعات.
يظهر تسارع وانتشار تلك التحولات على المستويات المحلية، داخل كل بلد، وعلى المستوى الجهوي و الدولي ، فقد أصبح العالم كلّه شبكة متداخلة ومترامية الأطراف من العلاقات السببيّة، من الصعب أن نعزل فيها العلّة عن المعلول، وأن نميّز بين السبب والنتيجة، فقد يؤدي اضطراب في بلد في أقصى الأرض إلى مضاعفات قارية، وقد يكون لفتوحات معرفية وتكنولوجية تأثيرات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية على كل سكان المعمورة.
● لقد أدى تسارع التحولات إلى ''كثافة'' متزايدة للحاضر، لم تكن معهودة قبل بضعة عقود، غير أن تلك الكثافة لا تَنْسخ ولا تمْسح الذاكرة الجماعية، والتجربة التاريخية للأمم والشعوب، إنّها إن صحّ التعبير تزاحمها في مساحتها التاريخية، والذهنية والسلوكية، بلا انتظار ولا استئذان، فهي لا تعترف بمقياس التقادم لتنْظمّ إلى الأعراف والتقاليد، وتتبوّأ مكانها في المتصل الحضاري والثقافي للمجتمعات الذي يُعرّفه عالم الاجتماع بورديو- P. Bourdieu- )1930 -2002( برأس المال الثقافي وما يسميه Habitus أو فعالية المعطى الثقافي في الحاضر.
إذا أمعنا النظر في كثير من الأفكار والمواقف، على المستويات الوطنية، والدولية، لدى العديد من الساسة والباحثين في العلوم السياسية والاجتماعية والمنابر المؤثرة في الرأي العام، وخاصة وسائط الإعلام والاتصال، نجد أن الماضي القريب والبعيد حاضر فيها وفعّال، إنه ماضٍ لا يقتصر على السنوات والعشريات فحسب، بل يمتدّ أحيانا إلى عدة قرون، هل ننٌسى مثلا أن حضارات البحر الأبيض المتوسط قد شهدت حكمة وأساطيل الإغريق وملاحمهم العسكرية والشعرية، وساد فيه الرومان والبيزنطيون ثم بادوا، وأشرقت على جنوبه وجزء من شماله أنوار الإسلام، وعرف أيضا حروبا عالمية تُخفي اسمها مثل الحروب الصليبيّة ضدّ من سمّوٌهم فرسان الله
(Cavaliers de dieu)، وأن الكولونيالية قد دمرت منذ حوالي قرنين الكثير من ثقافاته، ونفائس تراثه، وعاثت في جنوبه شرّا وفسادا ؟
من الحيرة إلى اليقين:
لطالما أرّقتني تساؤُلات أعيدها كل مرة، ولا أجد لها جوابا شافيا: أين نحن من أمسنا البعيد والقريب ؟ هل في حاضرنا ما نرضى عنه وما هو ؟ وهل فيه ما نغضب منه ونرفضه وما هو؟ كيف سيكون غدنا في الجزائر وفي المنطقة العربية والإسلامية ؟ وكيف سيكون حال إفريقيا بعد ستة قرون من الغزو والاستعباد والتمزيق؟ هل ستحرر شعوبها من الخضوع لسيد الأمس واليوم ( Le Patron ) ؟ ماهي مؤشرات الوعد؟ و ماهي إنذارات الوعيد؟ هل بالإمكان أن تتسامح القلوب، ويبدأ حوار حقيقي بين الثقافات والحضارات بلا استعلاء ولا أحقاد ؟ هل بالنظر إلى الظلم والأنانية، هل حقا هناك من يؤمن بوحدة الإنسانية في المنشأ والمعاد؟ / هل تتجدد تلك الوحدة الكبرى التي فكّر فيها الإسكندر المقدوني ثلاثة قرون قبل الميلاد وكوفيشيوس حكيم الصين ودعا لها القرآن الكريم متوجها إلى كل البشر ''إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم''.
نُقرّ بأن تلك التساؤلات تتجاوز جهد فرد واحد، في وقت تتراكم فيه المعارف والتقانات في بنوك المعطيات، والمراكز الوطنية والدولية للدراسات الاستراتيجية، وتعمل فيه مراكز البحث المزوّدة بالمخابر الضخمة وتقانات المعلوماتية والرصد على مدار الساعة بالأقمار التي ترصد كل ما هب ودبّ على سطح الأرض وجوفها و أجواز الفضاء، تعمل تلك المراكز على حساب كل الاحتمالات المُمْكنة وغير الممكنة، ووضع سيناريوهات قد لا تخطر على بال شخص يحصل بمشقة على شذرات أو متناثرات من خزان المعرفة الهائل، يقيم في حي، كان من أرياف العاصمة، وأصبح اليوم في قلبها.
من بين تلك التساؤلات فإن أكثر ما يُؤرقني كمواطن عايش بعض الأحداث الجسام، وهو شاب في أوائل العشرين من العمر في مستهل الستينيات، هو واقع الجزائر ومستقبلها في الأمد المنظور، فقد كنا على يقين حتى أوساط الثمانينات أن شعبنا ولد من صلب ثورة كبرى أعطت للوطنية الجزائرية بعدها الإنساني، وصمدت أغلبيته الساحقة بصبر وشجاعة أمام حرب التدمير الشامل والسّلخ الثقافي الجهنمي، لأكثر من قرن، لن يكون أبدا عرضة للانكفاء والانفراط، ويُصبح في رأي البعض مجرّد مخبر للصراعات الدموية، ومن المفارقة أن يكون الإسلام وهو الجامع الأول لكل الجزائريين والمرجع الأقوى لوحدتهم والوقود المحرك لصمودهم و لنضالاتهم، أن تكون عقيدة التوحيد و الوحدة من عوامل الفتنة وتهديد كيان الدولة والمجتمع.
في البداية هل كانت الاستفاقة بطيئة؟ أم أنها لم تحدث أصلا؟ هل كان تصحيح ما تبيّن أنه خطأ في التشخيص ووصفة العلاج قد اقتصر فقط على الأعراض؟ في المسألة أقوال ولأصحابها أدّلة وأنصار، ولا ريب أنّ المعالجة البعيدة النظر التي بادر بها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كانت هي طريق الخلاص لفكّ الاشتباك المهلك لتعود الجزائر إلى مسار الدولة الصاعدة وليس الفاشلة، وللحضور الفاعل على المسرح الدولي، وقد تم تحليل بعض عوامل تلك المحنة ومضاعفاتها على الدولة والمجتمع في دراسة عن الأزمة المفروضة نشرت سنة .1998
كان الكثير من شباب الستينات ومطلع السبعينات على وعي بمصاعب البناء الوطني في بلد عانى من إبادة حوالي الثلث من سكانه، ومن سياسات الأبارتايد المُتخفي وراء اسم قانون الأنديجينا، وكان على وعي أكثر بأهمية الديمقراطية ودولة القانون والحريات، لتكون الجزائر وفيّة لأفضل الرجال والنساء في ثورتها وهم شهداؤها الأبطال، في بلد استأصلت فيه الكولونيالية كل معالم الدولة مهما كان اسمها المشابه لبلدان أخرى في المنطقة (وهو الاعتداء الذي سيكشف عما جاء بعده(، وسجنت مجتمعه المدني في المخابئ وتباهت لقرنين بالحرية والمساواة والأخوة بمسرحية أسمها فيما يتعلق بالجزائر التزوير الأكبر من طرف بلد يُسمى الراعي لحقوق الإنسان و المواطن!
ولكن، وهنا لا بد من لكن، كيف تُمارس الديمقراطية في بلد تعرّض لتخريب في العمق، آستأصل الاستعمار كل مؤسساته؛ وأباد نخبه، وأذلّ شعبه المعروف برفض الظلم ومقاومة الإذلال، بلد خرج من حرب ضروس و 87 من الجزائريين الذكور من الأميين و 97 % من نسائه من الأميات، وأربعة أخماسه في المسغبة؛ أو على عتبة الفقر؟ أين نرتّب الديمقراطية في القائمة الطويلة للأولويات ؟ هل يمكن القول الآن أنّ الديمقراطية أولوية في حدّ ذاتها؛ يتوقّف إنجاز الأولويات الأخرى على تطبيقها، واختراع نموذجها الملائم لتجربتنا وواقعنا الثقافي والسياسي؟ الجواب إنّ الحاضر ليست فيه قطيعة بالجملة مع الماضي ولا استمرارية ميكانيكية لكل تجاربه وممارساته، في غمرة تلك التساؤلات كنا على قناعة مثل كثير غيرنا، أنّ تحرير الشعب والوطن يسبق الأولويات الأخرى وهو المفتاح إلى الحقوق الأخرى الفردية والجماعية والمواطنية التي تشارك وتحاسب.
العالم الفاعل وعالم الخدمة التابعة
في المنطقة العربية و الإسلامية، شهدت العقود الثلاثة الأخيرة مزيدا من الانقسام والتشرذم، وانتقلت بلدانها من الرومانسيّة الحالمة بالوعْد، والواعدة بالحلم، إلى واقعية الانبطاح، ومنها إلى الخدمة التابعة لمراكز القرار الدولي، وشهدت قضية فلسطين السّليبة نهاية قرن مأساوية، وتوشك أن تكون أندلس العرب والمسلمين المفقودة مرّة أخرى بسبب العجز والتواطؤ.
في شطري العالم العربي والإفريقي وهما الجزء الأكثر إصابة بالأمراض المزمنة في العالم المعاصر، مثل التخلف والتبعية الطوعية والاستبداد، فإنّ الكثير من نخبه المثقفة والسياسية تنساق أكثر فأكثر نحو الانغماس في الطائفية والنزاعات العرقية والتفاخر بالخدمة التابعة لمراكز الهيمنة الأجنبية، ولم يبق في أغلب بلدانه سوى ذكريات عابرة عن مكاسب حركة التحرر الوطني و نضالاتها من أجل الحرية والتقدم، والعدالة الاجتماعية وتكاد تمسحها هواجس الأمن والصراعات على المواقع وضعف التحكم فيما يخبئه المستقبل من احتمالات قد تطرأ داخل أوطانها أو من خارجها.
تناسى العديد من الساسة والنخب المحيطة بهم ومعهم نجوم صنعهم إعلام اليورو والدولار، ومعهم بعض شيوخ الفتنة المتخصّصين في فتاوى التضليل باسم الدين، وحسب الطلب، فضلا عن منظمات بينية فقدت وظيفتها منذ أمد بعيد، تناسوا جميعا أن بدايات العدوان على المنطقة كانت باسم المسيح ثم باسم التمدين ونشر التحضر، وهي الآن تحت رداء الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكأن الديمقراطية يمكن أن تستورد مثل الثياب الجاهزة وأدوات الزينة والالكترونيات، وتقدم هدية مجانية من بلد لآخر، وينبغي أن ننتظر قبل نهاية العقد الحالي هل سيزهر الربيع؟ أم سيكون حلقة في مسلسل الأوهام ويحمل بصمات صنع في ... ( Made in)
هناك من الوقائع والأدلة على أنّ الساحات الإفريقية والعربية تغرق أكثر فأكثر في الانفعالية وردود الفعل اللفظية والتمزق الداخلي بل والاحتراق بنيران الطائفية والعرقية والعودة إلى مجادلات سقيفة بني ساعدة ''منّا رجال ومنكم رجال'' بلا مشروع ولا قضية تستحق التجنيد والتضحية، سوى التباهي باستيراد منتجات حداثة الغير وهو يسعى لما بعد الحداثة ويخدعه ما يسميه إدوارد سعيد وهم الحداثة Illusion of modernity ويأتي خبراؤه وحتى حماته منذ وفاة الرجل المريض)الخلافة العثمانية( وخبراؤهم لبناء جسر أو تشييد فندق وتعقبهم جيوش لفضّ النزاعات القبلية والتفتيش على مضاعفات الانقلابات التي يقوم بها عسكريون في رتبة صف ضابط لم يحصل على مرتبه الشهري من الخزينة المفلسة بسبب فساد التدبير بسبب الجهل والغباء، وسوء التسيير بسبب الأنظمة الشمولية وسلطة المال المنهوب وغياب سلطة القضاء الركن الأول للحكم الراشد.
■ يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.