إذا كان صحيحا، أن حالة الجزائر، نظاما وشعبا وتاريخا، لا تتقاطع دوما مع الأوضاع في تونس ومصر، فإن الصحيح كذلك، أن النجاحات المعتبرة التي تحققت في الجزائر، سواء في ميدان المصالحة الوطنية، أو إعادة استتباب الأمن والاستقرار، أو في تلبية عدد من المطالب الشعبية من تعليم وسكن، تفتح الباب واسعا على مطالب من طبيعة أخرى، تتعلق أساسا بالأداء النوعي للمؤسسات ، وبالتطبيق العادل للقانون، وبالتوزيع المنصف للثروة على كل فئات المجتمع. إن الانتصار على الخوف والفوضى وعدم الاستقرار، وحده كفيل بأن يجعل الجزائريين والجزائريات يطمحون إلى الشروع في بناء دولة المؤسسات والقانون، ويتطلعون إلى الحق في التمتع بالمواطنة والكرامة والحرية، وبالمواصفات والمقاييس الدولية، بلا زيادة ولا نقصان. فإذا كانت الأجيال السابقة من الجزائريين قد ارتضت بالخبز والماء، من أجل بناء دولة لا تزول بزوال الرجال، لتكتشف بعد أقل من عشرية عبث تضحياتها ورهاناتها، فإن الأجيال الجديدة، من شباب الإنترنت والفايسبوك، ليست مستعدة أبدا لتقبل التسويف والوعود في انتظار الولوج إلى منظومات العصر وقيمه. نعم، لقد تحقق للشباب الجزائري في العشرية الأخيرة، من التعليم والرفاه، ما لم يتحقق لأي جيل من الأجيال السابقة، فقد ارتفع معدل الالتحاق بالجامعة خلال عشرية واحدة من 12 بالمئة إلى 25 بالمئة، وهو مكسب ووتيرة تسارع يندر تسجيل مثيل لها في العالم.. ولكن هذا النجاح الرائع والإنجاز العظيم يحمل في طياته وثناياه بذور الثورة والتحول نحو آفاق أوسع وسقف أعلى في المنظومة السياسية والإعلامية والاجتماعية، التي يتعين أن تواكب الحركية الشبابية وتتناغم معها، وإلا حدث انفصام وتنافر بين السلطة وإنجازاتها الإيجابية ذاتها. إن ظاهرة الانترنيت التي كانت مقتصرة في العشرية المنصرمة على فئة النخبة وأبناء الذوات، قد باتت بفضل جهود السلطة وتشجيعها بكل السبل في اقتناء أجهزة الإعلام الآلي وتكوين الشباب على استعمالها، تتناقض تمام التناقض مع واقع منظومة الاعلام، رغم نداء المختصين المتابعين للساحة الإعلامية. إن كان الأمن والاستقرار نعمة ما بعدها نعمة، وهو الأمر الذي تدركه أجيال ما قبل إعلان حالة الطوارئ جيّدا، فإن الأجيال الجديدة من الشباب ليس لها ذاكرة، ولا تملك غير الطموح إلى المستقبل، ولا ترى عن التطور والتحوّل بديلا لتحقيق آمالها وأحلامها. وليس على الحكم الذي رعى هؤلاء الشباب واستثمر فيهم أموال الأمة وآمالها سوى الاستجابة لمطالبهم المشروعة في إقامة دولة القانون والمؤسسات التي توفر عليهم النزول إلى الشارع، بكل ما يحمله من مخاطر في الانتكاس وفي العودة إلى نقطة الصفر. لو احتسبنا ما سقط من ضحايا في العالم العربي كله، كضريبة للانتقال من الواحدية إلى التعددية، لما بلغ نصف ما دفعته الجزائر. فهل حان الوقت ليدرك الجميع، سلطة وشعبا ومعارضة، أن الجزائر قد بلغت من النضج والتجربة والحكمة ما يجعلها قادرة على الانتقال إلى المرحلة النوعية الجديدة من تطور الشعوب بأقل الأضرار والتكاليف؟. ذلك ما نرجوه وما يتمناه كل جزائري مؤمن بأن الجزائر هي أكبر من »الجزيرة«، ومن »ويكيليكس«، ومن استنساخ ثورة أي كان.