الإتحاد الإفريقي: الجزائر قادرة على تعزيز المبادلات البينية الافريقية من خلال قطاع الفلاحة    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره الموريتاني سبل تعزيز التعاون الثنائي    أول فوج من الحجاج الجزائريين يصل إلى البقاع المقدسة    رئيس الجمهورية: الارتكاز على الكفاءات الشبانية لتجسيد جزائر منتصرة علميا و اقتصاديا بنفس جديد    الرئيس - الطلبة.. رسالة قويّة    فقدنا قائدا وأخا وشريكا جمعتنا به خدمة أواصر الأخوة والتعاون ونصرة القضايا العادلة    مجلس الأمن.. دقيقة صمت ترحما على الرئيس الإيراني ومرافقيه    تبادل وجهات النظر بخصوص تطورات الأوضاع بالمنطقة    عنابة- قالمة- عنابة..مرحلة حاسمة لتحديد صاحب القميص الأصفر    دور جزائري هام في ترقية الأمن الغذائي بإفريقيا    دربال يتباحث في بالي مع العديد من نظرائه    مانشستر سيتي يتوّج باللّقب للموسم الرابع على التوالي    اسكندر جميل عثماني في سباق 100م (ت13) باليابان    حجز 25 ألف قرصا مهلوسا وتوقيف مسبوقا قضائيا    نحو إصدار مؤلف جديد يجمع موروث سكان "الوريدة"    في المنتدى العالمي 10 للماء ببالي الاندونيسية،دربال: الجزائر سخرت إمكانيات هائلة لمواجهة شح المياه    وزارة الاتصال: 2 يونيو آخر أجل لإيداع ملفات التكيف مع قانوني الإعلام والصحافة المكتوبة والالكترونية    الجيش الصحراوي مستمر في كفاحه البطولي حتى دحر الغزاة    18 شهرا للشروع في تسويق منتجات "فينكس بيوتيك"    حُجّاجنا الميامين.. كونوا خير سفراء لوطنكم    إيران تعلن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي    "البوليزاريو" وضعت أسس النصر الحتمي بالتصعيد    برنامج الأغذية العالمي يؤكد الحاجة إلى دخول "آمن ومستدام" للمساعدات إلى غزة    التشخيص المبكر أنجع وقاية من الأمراض النادرة    المحافظة على الهوية والموروث الثقافي الجزائري    ''كيالة مياه الفقارات''..حرفة عريقة تأبى الاندثار    الولادة خلف القضبان تخوف يلاحق الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيوني    المطالبة بتحيين القوانين لتنظيم مهنة الكاتب العمومي    تحت شعار معلومة دقيقة تنمية مستدامة : انطلاق القافلة المكلفة بعملية الإحصاء العام للفلاحة بقسنطينة    صقور الجزائر.. إبهار واحترافية    الاستثمار في التكوين لتطوير أداء ممارسي الصحة    كونوا أحسن سفراء للجزائر الكبيرة بتاريخها ومواقفها    تقطير الزهور بمتيجة.. حرفة تقليدية واكبت احتياجات الأسر والمصنّعين    تأكيد على أهمية العلاج الوقائي من الحساسية الموسمية    إشادة بجهود الجزائر من أجل نصرة القضية الفلسطينية    استخدام الأوزون في القضاء على الفيروسات وإنتاج الزيتون    دعوة إلى حماية التراث الفلسطيني    باتنة بحاجة إلى متحف وطني للآثار    اقتراح التسجيل في قائمة الجرد الإضافيّ    "الحمرواة" في معركة تعزيز آمال البقاء    صراع بين بن زية وإدارة كاراباخ    براهيمي يتنافس على جائزة أفضل لاعب في قطر    براهيمي مرشّح لجائزة الأفضل    توسيع التعاون الجزائري – الكونغولي في الطاقة والمناجم    ترقية التعاون بين "سوناطراك" و"زاروبيج نفط" الروسية    بلورة حلول سياسية للأزمات التي تهدّد استقرار المنطقة    الوقوف على جاهزية الجوية الجزائرية لنقل الحجاج    الطالب.. بين تضحيات الماضي ورهانات المستقبل    عطّاف: إفريقيا تمرّ بمنعطف حاسم    تعرّضت لحملة حقد وكراهية لا تطاق بفرنسا    الجزائر تواصل الضّغط على مجلس الأمن    جهود لتثمين الموقع الأثري لرجل تيغنيف القديم    جامعة الجزائر 1 تنظم احتفالية    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    الدعاء.. الحبل الممدود بين السماء والأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية بريجنسكي للمستقبل العربي
نشر في الفجر يوم 22 - 01 - 2012

كان بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي، في إدارة الرئيس كارتر، أول من دعا لتفكيك النظام الإقليمي العربي وطمس عروبته، وإعادة تشكيله على أسس عرقية وطائفية. ففي كتابه "بين جيلين"، الصادر أواسط سبعينيات القرن الماضي، كتب يقول: "الشرق الاوسط مثلا مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة يجمعها إطار إقليمي. فسكان مصر ومناطق شرق البحر المتوسط غير عرب، أما داخل سوريا فهم عرب. وعلى ذلك فسوف يكون هناك "شرق أوسط" مكون من جماعات عرقية ودينية مختلفة على أساس مبدأ الدولة - الأمة، تتحول إلى كانتونات طائفية وعرقية يجمعها إطار إقليمي (كونفيدرالي). ويضيف قائلا: "وهذا سيسمح للكانتون "الإسرائيلي" أن يعيش في المنطقة بعد أن تصفى فكرة القومية".
ومؤخرا كتب في العدد الأخير من مجلة "فورين بوليسي" مستعرضا تداعيات تراجع أمريكي على حلفائها في العالم. وفي تناوله للتداعيات على الوطن العربي يرى أن المنطقة معرضة لتقويض استقرارها السياسي، وأن جميع دولها معرضة لدرجات متفاوتة من الضغوط الشعبوية الداخلية، والقلاقل الاجتماعية، وصعود الأصولية الدينية. ويذهب إلى أن عدم التوصل في الصراع العربي - الصهيوني لحل الدولتين سيزيد العداء ل "إسرائيل". وهو يتوقع حدوث فورات تتحول لمواجهات عسكرية بين إيران و"إسرائيل" تدفع ثمنها الكيانات الأضعف، خاصة لبنان وفلسطين، فضلا عن أنها ستؤدي لتصاعد الأصولية الإسلامية والتطرف وأزمة طاقة عالمية، وتعرض حلفاء أمريكا في الخليج للخطر.
ولاشك أن دور أمريكا تراجع عالميا، وهذا ما يقر به بريجنسكي، غير أن تدخلها في أدق شؤون الوطن العربي لم يتراجع، ولا انحسر تآمرها على وحدة أقطاره وانتمائها القومي، بل زاد وتضاعف خطرهما، ذلك لأن أداتها الاستراتيجية في الإقليم العربي هي اليوم أشد حاجة وإلحاحا لدعم الإدارة والأجهزة الأمريكية بعد أن أفقدتها المقاومة قوة ردعها، ما تعانيه من قلق بفعل الربيع العربي الذي وضع الشعوب العربية على عتبة الانعتاق من أسار الركود الذي ران عليها طوال العقود الأربعة التالية للردة الساداتية وافتقاد مصر دورها القومي المرجح استعادتها له بعد سقوط مبارك، "كنز" إسرائيل "الاستراتيجي".
والسؤال المحوري: ما العمل في مواجهة المخاطر التي تحدث عنها بريجنسكي، ونذر تفتيت وحدة التراب الوطني والنسيج المجتمعي لأكثر من قطر عربي، وتداعيات خطاب غلاة الاصوليين الاسلاميين والمسيحيين و"صقور" الأقليات في مشرق الوطن العربي ومغربه؟ وفي الإجابة أرى أن كل من يهمه أمن واستقرار وتقدم ورخاء مواطني أقطار جامعة الدول العربية مطالبون بالعمل على المحاور التالية:
- الأول، تعميم وتعميق الشعور بالانتماء للعروبة، أخذا بالحسبان أن العروبة لا تعود لانتساب سلالي وإنما لانتماء حضاري لثقافة عربية اسلامية أسهم في نسج خيوطها مبدعون متعددو الأديان والمذاهب والطوائف، يعود غالبيتهم في أصولهم لمنطقة الوطن العربي، وغير قليل ممن توافدوا عليه في صدر الإسلام حين كان مركز الحضارة الأول عالميا؛ بحيث شكلت الثقافة العربية الإسلامية توليفة تفاعل مبدع بين تراث الشعوب التي عمرت الوطن العربي منذ فجر التاريخ، وما أضفاه الإسلام من قيم إنسانية وتعاليم روحية، وما ترجم من تراث فارس والهند واليونان . ثم إن الدعوة للالتزام بالعروبة إنما هي الاستجابة التي يستدعيها تحدي استهداف النظام الاقليمي العربي وهويته المتمثل بالاستراتيجية الأمريكية لإقامة "الشرق الاوسط الجديد/الكبير"، المراد له أن يدور في الفلك الأمريكي بقيادة "إسرائيل" كي يتواصل واقع التجزئة والتخلف والتبعية الذي تعيشه الشعوب العربية.
- الثاني: العمل الجاد والصادق لتعميق الشعور بالوحدة الوطنية في كل قطر عربي، وذلك بتفعيل وتطوير ما هو مشترك بين مواطنيه، وتأصيل مفهوم المواطنة القائم على تأكيد مساواة جميع شركاء المسيرة والمصير في الحقوق والواجبات، وتعميق ثقافة الحوار واحترام حق الآخر بالاختلاف باعتبار ذلك أول شروط التقدم على طريق الديمقراطية التي تنشدها الشعوب العربية. فضلا عن أهمية ذلك في إثراء الثقافة الوطنية وتعزيز وحدة النسيج الاجتماعي الوطني، وبلورة مرجعية وطنية جامعة، آخذا في الحسبان تميز الواقع في معظم الأقطار العربية بالتداخل السكاني وسعة وعمق التفاعلات الاجتماعية فيما بين أبناء وبنات مختلف الجماعات الوطنية. والثابت في تجارب سائر الامم والشعوب أن الالتزام بالوحدة الوطنية أول شروط توفر مناخات التقدم والازدهار في مختلف نواحي الحياة، فيما استشراء الفتن الطائفية والعرقية لا يسلم من آثارها السلبية احد، خاصة الراقصين على طبول دعوات التعصب العرقي والطائفي.
- الثالث: التوجه الجاد والواعي نحو التكامل القومي العربي، باعتبار الوحدة العربية غدت ضرورة تاريخية لمواجهة افتقاد الأقطار العربية المنعة تجاه الضغوط والمداخلات الخارجية، وافتقار غالبيتها لمقومات مواكبة التقدم العلمي والمعرفي متسارع الخطى عالميا، وتزايد المواطنين وتعاظم احتياجاتهم بما يفوق تطور امكانات غالبية الاقطار العربية، فضلا عن تميز الوطن العربي بامتلاكه مقومات الوحدة إذ هو على درجة عالية من التجانس والاندماج على محاور السلالة التاريخية واللغة والثقافة والقيم وأنماط السلوك، ولدرجة كبيرة على محور الدين والمذهب، وبرغم ذلك لما تزل الشعوب العربية أسيرة واقع التجزئة والقصور عن توظيف إمكانات وطنها الكبير المادية وقدراته البشرية بما يؤدي إلى تطوير قدراته الانتاجية وبحيث يبقى مستوردا أساسيا للسلع والخدمات ومهجرا للعقول. ناهيك عن كون الأزمة الاقتصادية لعبت دورا أساسيا في تفجر ثورتي تونس ومصر، فضلا عن خطورة العجز المالي الذي تعانيه غالبية الأقطار العربية والقطاع الأوسع من النخب الفكرية والسياسية، وما يدفع إليه من لجوء لطلب "الدعم" الخارجي، رغم ما ينطوي عليه من مساس خطر باستقلال الإرادة والثوابت الوطنية.
وعليه، فالاستجابة الفاعلة للتحدي الذي يجسده مخطط التفتيت العرقي والطائفي المعتمد أمريكيا، تستدعي عملا جادا وصادقا على محاور تعميم وتعميق الوعي بأهمية الالتزام بالعروبة الجامعة، والوحدة الوطنية داخل كل قطر عربي، والتكامل القومي . ولا خلاف أن استجابة من هذا المستوى غير ميسورة في الواقع الراهن، غير أن التحدي الخطر الذي يمثله مخطط التفتيت سوف يستفز المخزون الحضاري لأمة عرفت تاريخيا بقدرتها الفذة على النهوض من الكبوات ودحر الغزاة . وفي تطور قدرات وأداء قوى المقاومة، كما في الربيع العربي ما يدعو للتفاؤل بالمستقبل العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.