صورة مفزعة، صورة مرعبة، صورة تختصر كل تاريخ الهمجية الذي عرفه العنصر البشري، ولا أقول الإنسانية، لأن كلمة إنسانية تحتوي على معنى حضاري، لكن هذه الصورة لا تمت للحضارة ولا للإنسانية بأية صلة. الصورة لإرهابي من جبهة النصرة يحمل في يده رأسا لأحد الضباط السوريين، قتلته النصرة على الحدود التركية، ينصبه على مشواة، وفي يده الأخرى سلاحه، والبسمة والبشاشة تعلو وجهه، وكأنه صياد ماهر يعرض طريدته، في هذا الزمن الذي تمكنت فيه جمعيات الرفق بالحيوان من منع المجازر المرتكبة ضد الحيوانات. ”آه رأس المحنة لله كلمني!”، تذكرت هذه القصيدة الشعبية التي تروي قصة جمجمة عثر عليها عابر في الصحراء، فتفتقت قريحته الشعرية مكلما صاحبها، عما جاء به إلى هذه البقاع، وعن قاتله. يا رأس المحنة لله كلمني! ما هذا الجنون الذي فعل بك هذا؟! كلمني عما يتربص بنا من مصائب، وماذا ينتظرنا على يد هذه الهمجية، في زمن تاهت فيه بوصلة الثورة، وأصبح الثائر مرادفا للعميل والخائن والمرتزقة؟! يا رأس المحنة لله كلمني! عن رؤوس محنة أخرى سقطت فيك هنا في جزائرنا، رؤوس تحولت جماجمها في مأساة الجزائر إلى مواقد لطهي الطعام، أي مشروع اجتماعي وحضاري سيشيده هؤلاء في سوريا، الذين لم تقتصر شهواتهم على اغتصاب الأبكار، وبقر بطون الحوامل، وحرق الزرع وهدم البناء؟ يا رأس المحنة لله كلمني! أي مستقبل لأبنائنا في هذه الأرض، حيث صارت الجريمة مرادفا للثورة، والخيانة وطنية، والتآمر على الشعوب إنسانية؟! صورة السوري وهو يشوي رأس سوري آخر التي تداولتها صفحات الفايس بوك، فاقت في بشاعتها كل الجرائم التي اقترفتها إسرائيل في فلسطين، مثلما فاقت جرائم الإرهاب في الجزائر بشاعتها، جرائم فرنسا طوال فترة الاستعمار. ربما هو هذا الهدف من هذه الثورات ومن هذا الربيع الذي لم يحمل لنا لا زهر ولا فراشات ولا سنونوات، الهدف أن تتحول الضحية إلى جلاد، وإلى مجرم وأن تنسينا هذه الجرائم مطالبتنا لمستعمر الأمس بالاعتراف بجريمته، أو أن نحاول حتى المطالبة بالاعتذار فما بالك بالتعويض... يا رأس المحنة لله كلمني! لماذا تعطلت بوصلتنا، وفقدنا وجهتنا في ظلمات ليل الثورات العربية الحالك سوادها! فصارت جامعة الدول العربية وبلدانها، تتآمر على بلدان عربية، وتطالب بتدخل أنبي لاسقاط أنظمة، وهي التي لم تقو على تجنيد جيوشها لتحرير دولة عضو فيها من المحتل، وأن تعيد شعبها المشرد إلى أرضه، بل صارت القضية الفلسطينية خارج اهتمامات جامعة حمد وموزة، وهذا هدف آخر، من وراء الفتنة العربية التي سميت اعتباطا ربيعا؟! يا رأس المحنة لله! كم ستسقط من رؤوس؟ وكم ستهدم من بلدان؟ وكم من سنة أخرى نعيشها على وقع النار والمواجع؟