بعد أحداث باريس ووقعها على المجتمع الفرنسي والمجتمعات الأوروبية، نبَّه باحثون إلى أن قوى اليمين الغربي المتطرف ستستثمر الحدث لتبرّر وتغذّي دعاواها ضد الإسلام والجاليات المسلمة، إذ اعتبرها البعض ”تشويهاً للحضارة والمجتمع الأوروبي”. وبالفعل، فعدد من العواصم الأوروبية شهد تهديدات واعتداءات على مؤسسات إسلامية، بل أصبح بعض الزائرين الذين يبدو عليهم أنهم عرب أو مسلمون يواجهون بنظرات الارتياب والشك. في هذا المناخ، تبدو الحاجة الى استدعاء الخطاب المستنير والعاقل لشخصيات أوروبية، بعضها يشغل مناصب رفيعة في مؤسسات عدة منها الاتحاد الأوروبي، وكان أبرزها صوت فيديريكا موغيريني، المفوّضة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد، حيث تحدثت في مناسبتين مهمتين في كل من أوروبا والعالم العربي: الأولى في 24 حزيران (يونيو) أمام مؤتمر في بروكسل موضوعه ”الإسلام والغرب”. أما الثانية، فخطابها في جامعة القاهرة في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. وفي المناسبتين، بدأت موغيريني بتذكير الأوروبيين بأن للإسلام تاريخاً في أوروبا وثقافتها، بل يعني الكثير في حاضرها ومستقبلها سواء أحبت المؤسسات الأوروبية ذلك أو لا. وفي سياق أوسع، وعدت الأوروبيين بأن يفخروا بتنوّعهم، وأن الخوف من ذلك التنوع يأتي من الضعف وليس من ثقافة قوية. فعندما شرعت أوروبا بعد الحرب في تأسيس مشروعها، لم يقبل هذا المشروع فقط التنوّع، لكنه عبَّر عن رغبته في أن يكون التنوّع الملمح الجوهري للوحدة. وذهبت أبعد لتتحدث عن الذين يحاولون إقناع المجتمعات الأوروبية بأن المسلمين لا يستطيعون أن يكونوا مواطنين أوروبيين، معتبرة أن هؤلاء الناس ليسوا فقط مخطئين حول المسلمين، بل يخطئون في شأن أوروبا ذاتها، وليسوا على وعي بالهوية الأوروبية. وتعتبر موغيريني أن أوروبا والإسلام يواجهان تحديات في عالم اليوم مما سمي تنظيم ”الدولة الإسلامية”، الذي ينخرط في محاولة غير مسبوقة لينحرف بالإسلام ويبرّر مشروعاً سياسياً واستراتيجياً شريراً. وتختتم بأن ”تنظيم الدولة” أسوأ عدو للإسلام، فضحاياه هم أولاً وأخيراً مسلمون، والإسلام نفسه ضحية. وكان من الأمور المشجّعة، قول الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: ”إننا لسنا في حرب حضارات، لكننا في حرب مع الإرهاب”، كما أشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، بالجاليات الإسلامية في بريطانيا التي تشارك في مقاومة الإرهاب وإدانته، ما يفرض على المؤسسات الإسلامية كالأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تكثيف الجهود لمخاطبة المجتمعات الأوروبية وتأكيد روح الإسلام السمحة، وأن المسلمين هم المستهدفون بالإرهاب.