قتل عشرات الآلاف من الجزائريين منذ واحد و خمسين سنة في البرد و الشتاء بباريس من طرف الشرطة تنفيذا للتعليمات الوحشية التي أعطاها محافظ الشرطة في تلك الآونة موريس بابون حيث نفذت بدقة. و تمثل الذنب الوحيد للجزائريين ضحايا القمع في ليلة 17 أكتوبر 1961 في الخروج في مظاهرة سلمية ضد حظر التجول العنصري الذي فرض عليهم من طرف محافظة الشرطة و لتلبية النداء إلى الاحتجاج الذي دعت اليه فيدرالية جبهة التحرير الوطني لفرنسا على عدة حالات عنف ارتكبتها الشرطة استهدفت فقط الجالية الجزائرية. و في مساء نفس اليوم كانت جثث آلاف الجزائريين تملأ شوارع باريس حيث تم رمي عدد كبير منهم في المياه الباردة لنهر السين. كما تم ايقاف أكثر من عشرة آلاف شخص و حجزهم لعدة أيام استمرت خلالها أعمال العنف فيما طرد العديد منهم نحو الجزائر. و لا يمكن لأحد أن يقدم الحصيلة الثقيلة التي سجلت في ذلك اليوم حيث اشار العدد الرسمي الفرنسي آنذاك إلى "3 قتلى سقطوا دفاعا عن النفس" في حين أن ما جرى هو مجزرة كبيرة في حق أفراد الشعب في التاريخ المعاصر لأوربا الغربية (عشرات الآلاف من الضحايا). و ستحجب لعشريات عديدة ذاكرة هذه الفترة المهمة من حرب الجزائر. و رغم تفاقم هذه المجزرة فلم يعطى أي بعد لهذا القمع من طرف الدولة الفرنسية حيث تم اخفاء هذا القمع الدموي لعدة سنوات من الذاكرة الجماعية. و لم يحضر أي ممثل عن السلطات العليا للدولة ليذكر علنية مسؤولية الدولة خلال هذه الفترة المأساوية لحرب الجزائر. و قد كانت في تلك الحقبة ارادة حقيقية من طرف السلطات الفرنسية لفرض الصمت على هذا الحادث الماساوي. أولا من طرف السلطات المتورطة في هذا القمع أي وزارة الداخلية الفرنسية و الدولة في مجموعها التي أرادت طي الصفحة و ترك الفرنسيين يجهلون هذه الفترة من حرب الجزائر حيث اعتبرت آنذاك "مجرد أحداث". كما فرضت الرقابة على الصحف و منع الصحافيين من توجه إلى أماكن الحجز التي كانت تأوي آلاف الجزائريين. و لم تعرف نتيجة التعليمات القضائية التي أغلقت فورا دون التوصل إلى أي شيئ حيث أفضت كلها إلى عدم حدوثها. بعدها ظهرت ارادة قضائية للنسيان مدعمة بمراسيم عفو و صعوبة في الحصول على الأرشيف اضافة إلى اجراءات مقصودة ساهمت في هذا الاخفاء الذي لا يزال قائما إلى يومنا هذا. و لم يتم الاعتراف بهذه الجريمة رسميا من طرف الدولة الفرنسية في الوقت الذي دعا فيها المؤيدون للجزائر فرنسية إلى ترقية العمل " الايجابي الفرنسي" خلال الفترة الاستعمارية في البرامج الدراسية. هناك جماعات محلية اعترفت بما وقع علي غرار بلدية باريس في 2001 التي صدر عنها موقف قوي تمثل في وضع لوحة تذكارية علي جسر سان ميشال لتحذو حذوها بلديات اخري في الضاحية الفرنسية. و قد ميزت احياء الذكري الخمسين لمجازر 17 اكتوبر 1961 سلسلة من المبادرات واحدة في شارع 17 اكتوبر امام محافظة هوت سان في نانتير ولكن لم يصدر اي اعتراف من فرنسا. و يمناسبة هذه الخمسينية طالب العديد من المؤرخين والمناضلين والجمعيات ان تعترف السلطات الفرنسية بالمجزرة التي وقعت في تلك الليلة. و غداة انتخابه في الدور الثاني كمرشح لحزبه حيا فرنسوا هولاند الجزائريين الذين اغتيلوا في تلك الليلة من يوم 17 اكتوبر 1961 وفي 17 اكتوبر من يوم الاثنين 2011 وضع المرشح الاشتراكي للانتخابات الرئاسية اكليلا من الزهورعلى جسر كليشي حيث القي بالجزائريين الي نهر السان. و صرح فرنسوا هولاند انذاك انه كان ينوي منذ زمن بعيد الحضور لهذا الموعد وقال "كنت اود ان احضر هذه المناسبة وفاء بالعهد الذي قطعته وها انذا اعبر عن تضامني للاولاد والاحفاد وكل العائلات التي اصابتها هذه الفاجعة". و القى مرشح الحزب الاشتراكي ورودا في نهر السان ملاحظا "ان هذا الحدث لطالما اخفي في كتب التاريخ وحان الوقت ان نذكر بهذه الوقائع". و قال المرشح فرنسوا هولاند "يجب ان نبوح بالحقيقة دون اعتذار او اتهام اي كان" مضيفا "الاعتراف بما حدث. اليوم اقوم بذلك بصفتي اشتراكيا. اما في المسبقبل فعلي الجمهورية القيام بذلك..". منذ وصول فرنسوا هولاند إلى قصر الايليزي صدرت دعوات بالاعتراف بالجرائم الاستعمارية المقترفة في الجزائر في ضفتي المتوسط سواء في فرنسا او في الجزائر الا ان الرئيس الفرنسي لم يعبر بعد عن رايه في هذه المسالة. قبيل زيارة كان سيقوم بها الي الجزائر في ديسمبر 2010 عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية من قبل الحزب الاشتراكي صرح فرنسوا هولاند "ليس هناك ما يزعج بلادي عندما تنظر إلى تاريخها بنظرة نزيهة واصيلة. بعض الجروح قد التامت واخري ظلت حية. وحان الوقت ان نقتحم هذه الذاكرة من أجل الاجيال الصاعدة". وهل لدي الاشتراكيين الشجاعة الكافية لتنفيذ الطلب القاضي بالاعتراف بالماضي الاستعماري لفرنسا وهم اليوم في سدة الحكم. ان الامل قائم بمناسبة الزيارة المرتقبة لرئيس الدولة الفرنسي الي الجزائر في ديسمبر المقبل.