اكتفت الأحزاب السياسية خلال حملتها الانتخابية الخاصة بتشريعيات 4 مايو 2017 بالتطرق للصعوبات الاقتصادية التي تعرفها البلاد جراء تدهور أسعار النفط دون تقديم آليات عملية لمواجهتها حسب آراء خبراء اقتصاديين في تصريحات لوأج. ويرى في هذا الإطار الخبير الاقتصادي كمال رزيق أن المحتويات الاقتصادية للبرامج الانتخابية "تحمل أهداف عامة دون تحديد الاجراءات والأدوات التي تسمح بتجسيدها" مشيرا إلى ان أغلب البرامج المعلن عنها إلى الآن لا يعدو -حسبه- ان يكون "إعادة صياغة" للسياسة الحكومية الحالية وهو ما يصعب على المواطن المفاضلة فيما بين هذه البرامج. من جهته تأسف عبد المالك سراي لكون أغلب الاحزاب السياسية لم تعلن عن برامجها الانتخابية المكتوبة رغم بدء الحملة الانتخابية معتبرا أن "معظم هذه البرامج يعتريه الكثير من الغموض لاسيما في جانبه الاقتصادي". اما ما تم الاعلان عنه من برامج انتخابية فهو -على قلته- "مستلهم من البرنامج الرئاسي" بينما تم تخصيص حيز معتبر لمحور تحسين الخدمات الموجهة للمواطنين. غير أن السيد سراي أكد أن الخطاب الانتخابي المقدم في الحملة في شقه الاقتصادي يشكل -على تنوعه- في المجمل "تكاملا" في الأفكار من شأنه "تعميق الوعي بصعوبة الوضعية الاقتصادية التي تعيشها البلاد". وأضاف أن الحملة الانتخابية ستلعب دورا تحسيسيا بالغ الاهمية في ظل المصاعب الاقتصادية وهو ما يسمح بتحقيق "التجاوب" المطلوب من طرف المواطنين. ووصف الخبير الطاقوي شمس الدين شيتور ما أعلنت عنه الأحزاب إلى الآن في الشق الاقتصادي لاسيما ما يتعلق بالانتقال الطاقوي والتنمية المستدامة ب"لغة الخشب" مؤكدا أن مختلف التشكيلات السياسية التي قدمت قوائما انتخابية "لم تقدم حلولا محددة زمنيا ومكانيا بشكل علمي ومدروس". اما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول فيرى أن عدد الاحزاب التي قدمت برامج اقتصادية "يعتد بها" لا يتجاوز ثلاثة أحزاب لافتا إلى أن هذه البرامج أخذت بعين الاعتبار الظرف الاقتصادي الراهن و متطلبات الفعالية الاقتصادية مع ترسيخ عميق لمبدأ العدالة الاجتماعية فضلا عن التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي. واعتبر أن قيمة هذه البرامج تكمن أساسا في تحسيس المواطنين من خلال المصارحة واستخدام لغة الحقيقة بعيد عن التهويل وعن الرضى الذاتي الذي لا يتطابق مع الواقع المحلي والعالمي. وصرح قائلا: "الوضع صعب يجب التوصل إلى جبهة اجتماعية واسعة لا أحد يمكنه احتكار الوطنية يجب أن نتحد كلنا كجزائريين وجزائريات لتجاوز هذه المرحلة الصعبة. ومع أنني مقتنع جدا بالإمكانيات الهامة التي تزخر بها الجزائر إلا أنه من الواجب قول الحقيقة كما هي وتعبئة المواطنين". غير أنه أشار إلى ان "بعض الاحزاب تلجأ إلى إطلاق وعود لا يمكن الايفاء" بها كرفع الأجور بشكل مضخم معتبرا أن مثل هذا الخطاب يصب في خانة "الشعوبية". إجماع على ضرورة فك التبعة للمحروقات واهتمام متزايد بالاقتصاد الاخضر وتركز معظم البرامج الانتخابية المعلن عنها رسميا منذ بدأ الحملة على ضرورة "إعادة توجيه السياسة الاقتصادية" والتحرر من التبيعة للمحروقات من خلال ترقية الفلاحة والسياحة والصناعة مع إلزامية تحقيق الانتقال الطاقوي عن طريق الاستثمار في الطاقات المتجددة. وتعتبر جبهة التحرير الوطني في برنامجها أن الموعد الانتخابي المقبل "يأتي في سياق وضعية خاصة تتسم على المستوى الداخلي بشح الموارد المتأتي من تراجع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية وآثاره السلبية على قدرات الاقتصاد الوطني في تلبية حاجات المواطنين" مضيفة أن الوضع يقتضي "مصارحة الشعب بالحقيقة بدون تهويل أو تخويف أو تقاعس واتكال". وتدعو جبهة التحرير الوطني إلى "اعتماد المقاربة الاقتصادية في تسيير الاقتصاد الوطني تنظيما ومراقبة و تمويلا" والتي تعد "في جوهرها انحياز لتشجيع المبادرة الخاصة في الاستثمار وحماية للملكية الخاصة للأفراد" لكن مع التأكيد على أن مفهوم الحزب للاقتصاد والسوق "مرتبط بالدفاع عن دور الدولة في قيادة مسيرة التنمية من خلال سيطرتها وملكيتها وحدها للقطاعات الاستراتيجية الحيوية واهتمامها الدائم بحماية الفئات الهشة والمعوزة وذوي الحقوق والاحتياجات الخاصة أي انحيازه للدولة الاجتماعية الدائم للعدالة الاجتماعية بين الفئات والجهات كخيار ثابت". أما بالنسبة للتجمع الوطني الديمقراطي فقد ورد في برنامجه الانتخابي أنه "يحمل خطوة دعم واستمرارية وتكييف لمسار التنمية متعدد الأشكال الذي شرعت فيه الجزائر منذ خروجها من الأزمة الوطنية" مضيفا بهذا الخصوص بأنه جاء "ليتكيف مع الظرف المالي ومتطلبات حوكمة أكثر فاعلية وضرورة تنويع الاقتصاد والرفع من تنافسيته وكذا الحاجيات الاجتماعية للسكان". وأكدت أن الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد تفرض على البلاد إجراء انتقال اقتصادي من خلال عدة تدابير من بينها منح الأولوية في المشاريع للمؤسسات الجزائرية وإجبارية الاستثمار في الجزائر بالنسبة للشركات الأجنبية التي تصدر إلى الجزائر.كما يدعو التجمع الوطني الديموقراطي إلى إرجاء آجال فتح السوق الوطني في إطار الاتفاقيات مع الاتحاد الأوربي والعالم العربي ومنظمة التجارة العالمية إلى غاية استكمال الانتقال الاقتصادي. دعوة لتطهير المالية العمومية و ضمان الأمن الغذائي أما التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية فيرى في برامجه أن مواجهة تراجع المداخيل الوطنية بسبب انهيار أسعار النفط لابد أن تمر بتطهير المالية العمومية وإصلاح الجباية. وفي هذا السياق يقول الحزب بأنه لن يسمح بأن يتم إعداد قوانين المالية على أساس "طلبات الوزارات والولايات المنفقة ولكن على أساس حاجيات ثقافية واجتماعية واقتصادية وأمنية ذات صلة بمشروع مجتمع محدد بوضوح ومقبول بعد إجراء نقاش حر وشفاف". كما قدم الحزب بعض مقترحات تتعلق بالحد من ميزانية التسيير ومنح الاستقلالية في تسيير البنوك وترقية الصناعة محليا والعمل على إجراء انتقال طاقوي. أما حزب العمال فينادي إلى إلغاء الإجراءات التقشفية التي "تدمر القدرة الشرائية" وتأسيس منحة على البطالة واحتكار الدولة للتجارة الخارجية والعمل من اجل "إرجاع فعالية" القاعدة 49/51 وحق الشفعة للدولة. من جهته يدعو تحالف حركة مجتمع السلم إلى تطبيق برنامج اقتصادي ينتظر منه أن تحقق الجزائر "أمنها الغذائي في غضون عشر سنوات وأن تصبح على مدى عشرين سنة دولة صناعية رائدة في إفريقيا والعالم العربي وضمن الدول الصناعية العشرين في العالم". ويقترح تحالف الحركة في برنامجه "نمطا اقتصاديا بديلا يسمى باقتصاد المشاركة" والذي يعتمد على مبدأ الحرية الاقتصادية ولكن وفق قاعدة" الاشتراك في الغنم والغرم" وقاعدة "رابح-رابح" مع توسيع شبكات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وأمام تراجع القدرات التمويلية التي ترتكز على الريع الطاقوي الحصري يقترح برنامج الحركة ثماني تدابير لتوفير الموارد التمويلية وهي تنظيم وتطوير التحصيل الجبائي ومحاربة الفساد وحصر تدخلات الدولة في ميزانية التجهيز على القطاعات الاستراتيجية أو بشكل مؤقت في بعض القطاعات غير المربحة وتحويل الدعم الاجتماعي الأساسي إلى القطاع الثالث التضامي من خلال تقنين وتطوير مختلف شبكات الزكاة والصدقات والأوقاف وتقليص التحويلات الاجتماعية إلى أدنى المستويات الممكنة وتخصيصها للفئات الأكثر احتياجا من خلال منظومة معلوماتية صارمة وترشيد النفقات في ميزانيات التسيير ومحاربة التبذير والامتيازات غير المبررة وتقليص كتلة الأجور العمومية بتشجيع التوظيف في القطاع الخاص وتوفير بيئة أعمال مناسبة واستخراج القدرات التمويلية للصيرفة الاسلامية وترشيد الاستهلاك الطاقوي والتحكم في الطاقة البديلة.أما برنامج جبهة المستقبل فيدعو في جانبه الاقتصادي إلى الارتكاز على الفلاحة والسياحة مع اهتمام خاص بالبيئة والتنمية المستدامة ومكافحة التغيرات المناخية. كما يقترح البرنامج إنشاء منحة بطالة ابتداء من 18 سنة لكل شاب جزائري منعدم الدخل لمدة ثلاث سنوات مع اشتراط البحث عن عمل أو التكوين. من جهته يدعو برنامج الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء إلى تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتبسيط إجراءات إنشائها وتأهيلها ورفع القيود عن الاستثمار الخاص وبلورة سياسة اقتصادية تخدم التجارة الخارجية والتصدير واعتماد القاعدة 49/51 في القطاعات الاستراتيجية فقط.