بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    ستينية المحكمة العليا: إجماع على أهمية الرقمنة وتبادل الخبرات للارتقاء بالعمل القضائي    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    أهمية مركزية لمسار عصرنة قطاع البنوك وتفعيل دور البورصة في الاقتصاد الوطني    حملة لتحصيلها وتمويل مشاريع تحسين التزود: أزيد من 260 مليار دينار ديون سونلغاز قسنطينة وعلي منجلي    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    مراد: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    تخصيص 10 مليار دج لتعزيز السلامة والأمن بالمطارات    حوادث المرور: وفاة 16 شخصا وإصابة 527 آخرين بجروح خلال 48 ساعة الأخيرة    البليدة.. توقيف شخصين وحجز كمية معتبرة من الكيف المعالج والمؤثرات العقلية    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    جسدت التلاحم بين الجزائريين وحب الوطن: إحياء الذكرى 66 لمعركة سوق أهراس الكبرى    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    العدوان الصهيوني على غزة: ثلاثة شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزلين في مخيمي البريج والنصيرات    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    نسرين مقداد تثني على المواقف الثابتة للجزائر    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    استعان بخمسة محامين للطعن في قرار الكاف: رئيس الفاف حلّ بلوزان وأودع شكوى لدى "التاس"    بطولة الرابطة الثانية: كوكبة المهدّدين بالسقوط على صفيح ساخن    بحضور 35 ألف مناصر: التعادل يحسم قمة النمرة والموب    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    لقاء تونس ليس موجهاً ضد أيّ طرف    الجزائر كندا.. 60 عاماً من العلاقات المميّزة    القوة العسكرية الخيار الرئيس للدّفاع عن الأرض    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    تفاعل كبير مع ضيوف مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة : بن مهيدي يصنع الحدث و غزة حاضرة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    مدرب مولودية الجزائر يعتنق الإسلام    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    السيد بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    الرابطة الأولى: وفاق سطيف يتعثر في بسكرة وفوز ثمين للبيض وعريض للساورة    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    تحسين الخدمات البريدية وتقوية شبكة الأنترنيت في المناطق المعزولة    اللقاء الثلاثي المغاربي كان ناجحا    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    نتائج مشجعة في الخدمات المالية والتغطية البنكية    ميلان يفتح رسميا أبواب الرحيل أمام بن ناصر    بن سماعين يطالب بالتفكير في مباريات البطولة قبل نهائي الكأس    4 أندية أوروبية مهتمة بالتعاقد مع عمورة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرانتز فانون: النص الحي
نشر في الجزائر نيوز يوم 12 - 12 - 2011

طيلة السنين السالفة ظل فانون حاضرا عالميا في اشتغالات الدراسات والتفكيرات حول التحرر والعنف وحول الكولونيالية وتأثيراتها وحول حركات التحرر الوطني·· نصه تحول إلى إنجيل لنضال السود في الولايات المتحدة الأمريكية·
في مسارات التفكير الإنساني هناك التفكير العابر للعصور والجغرافيات، عابر للعابر ومخترق للظاهر، ومنه تفكيرات فانون التي هي بوصف الفيلسوف ماتيو رينو ''نظرية متنقلة''· تفكيرات فانون بوهجها وبامتدادها بخصوبة متجددة، تجدد عمقها وأفقها·
في سنتنا هذه يمر نصف قرن على رحيل فانون وتقترن الذكرى بما يعرفه العالم من حراك انطلق من سيدي بوزيد ليصل بروكلين، حراك شعوب ثارت ضد الإقصاء، حراك الهامش ببيانات ''الشعب يريد'' وفي خضم الحراك يعود النص الفانوني متوهجا وولاّدا للمعنى المتجدد·
طيلة السنين السالفة ظل فانون حاضرا عالميا في اشتغالات الدراسات والتفكيرات حول التحرر والعنف وحول الكولونيالية وتأثيراتها وحول حركات التحرر الوطني·· نصه تحول إلى إنجيل لنضال السود في الولايات المتحدة الأمريكية·
وظل منذ ظهوره، وكأي شخصية مهمة، شخصية إشكالية مثيرة للسجال والجدل· ولقد تضاربت الآراء حول فانون، تضاربا متصلا بتقاطع حول الاعتراف بقيمة فانون· هناك من درسوا فانون بمعزل عن سياقات تشكله الفكري، وهناك من ذهبوا إلى تحويله إلى منتج أيديولوجية الثورة الجزائرية، فرد عليهم آخرون كمحمد الميلي الذي عرفه وكتب كتابا بعنوان ''فرانز فانون والثورة الجزائرية''، وتوقف عند المسألة المفكر الكبير المرحوم مالك بن نبي فقال: ''ويتعين عليّ أن أشير هنا إلى قضية فرانتز فانون مع كل التأثر والتقدير اللذين سيشعر بهما كل جزائري عند ذكر هذا الاسم· فعمل فانون الذي سيبقى في نظرنا ذا قيمة لا تقدر لا يقدم ولا يمكنه أن يقدم نشيد النضال والعمل للشعب الجزائري لأنه لا يغوص إلى الجذور العميقة في ذاتية هذا الشعب، وهو لا يعاني كلية موضوعيته الاجتماعية والتاريخية· فالنشيد الذي يشحذ طاقة الشعب، كما يشحذ المكشف الشحنة الكهربائية ولا يمكنه أن يتشكل على سجل الأجنبي ويكمل الفكرة بقوله: ''والمؤكد أن فانون يمثل الموسيقي العظيم القادر على استخراج أصفى النبرات الثورية من الروح الإفريقية، فقد كان فنه رائع الحمية''·
قراءة فانون لن تستوي دون موضعته في سياق تشكله، ومرجعية تكونه· وكما كتب الكاتب أزراج عمر: ''إن أهميته وقوته تنبعثان، في اعتقادي، من كونه قد قلب الطاولة على النسق الفكري الكولونيالي بأدوات الفكر الفلسفي الغربي وبجهاز التحليل النفسي الغربي أيضا''·
فكك فانون المنطق الإمبريالي والاستعماري وفضح التوظيف الممنهج للعلم وللطب النفسي في التدمير المعنوي والنفسي لشعوب المستعمرات· كما قرأ فانون خصوصيات ورموز الشعوب المكافحة من أجل حريتها وكمثل تحليله للحايك الذي كانت ترتديه المرأة الجزائرية· فانون كثف ذخيرة معرفته بملاحظاته التي حشدها لما انتقل إلى الجزائر، وكانت الحصيلة اختياره الذي مثل تحوّلا في مساره، تحوّلا متصلا بما سبق ومراكما لتجربة أفضت إلى طرح يمكن أن يقرأ عبر عدة مستويات· ففانون ربما تصالح مع ذاته وأصوله لما دخل عبر الثورة الجزائرية إلى القارة الإفريقية وبلور طرحه الذي تميز به في ظرف كانت المنابر تتداول الحديث عن نزعة النيقريتيد· وفانون كان من الذين نقدوا الحداثة الأوربية في تجلياتها الكولونيالية وفي تمركزاتها الأنوية المقصية للآخر، وفانون فضح اليسار المتورط بوعيه الشقي في التناقضات التي جعلته يتموقع ضد مبادئ اليسار· وفي النص الفانوني تفكيك للعنف وتحليل لمكوناته وتفكيك للاستبعاد وما ينتجه نفسيا من سلوكات ونزعات·· فانون قال: ''الأسود عبد لدونيته والأبيض عبد لتفوقه والإثنان يتصرفان وفقا لتوجه عصابي''· كان النص متخلصا من انفعالية النشوة اللحظوية، كان النص منخرطا في الجدل ومخترقا للحجب ومفككا للمؤشرات، كان نقديا بامتياز، وكان النقد مزدوجا كما عنون الخطيبي كتابا له·
لهذه الاعتبارات يحتل إرث فانون محورية في الدراسات المرتبطة بالنقد الثقافي· يقول فانون: ''ما ينبغي للمرء أن يقاتل في سبيل حرية شعب فحسب، وإنما ينبغي له أيضا، ما ظلت هذه المعركة قائمة، أن يعلم هذا الشعب مرة أخرى، حقيقة الإنسان، يجب أن يسير في دروب التاريخ من جديد، تاريخ الإنسان الذي حكم عليه البشر بالعذاب، وأن يدعو إلى التقاء شعبه بسائر البشر، وأن يجعل هذا اللقاء ممكنا''· وختم كتابه ''معذبو الأرض'' يجب علينا يا رفاق، أن نلبس جلدا جديدا، أن ننشئ فكرا جديدا، أن نحاول خلق إنسان جديد''· ففانون كان يستشرف الآتي واستبق الزمن بتنبيهات لم تأخذ بها السلطات التي تأسست على إرث حركات التحرر الوطني· ومثل فانون كان العظيم الآخر مالك بن نبي الذي كتب محذرا من الفكرة الوثن، من المراهقة النفسية، من التكديس، وقبل الثورة كتب في ''شروط النهضة'' عن شعاع الفجر المقبل، وبعد الإشارة نبه إلى ما يتربص به قائلا مخاطبا المتلقي: ''هاهم قد أخذوا ينصبون بباب المدينة التي بدأت تفيق من سباتها، سرادق سوق الملاهي مع مسلياتها، لتلهية القادمين صوب خطاك ومنعهم من اللحاق بك· لقد أقاموا المنصات والمنابر ليعلوها المشعوذون والبهلوانات، حتى يغطي ضجيجهم وعجيجهم نبرات شدوك· لقد أوقدوا المصابيح الخادعة حتى يحجبوا بها النهار المقبل ويلفوا ملامحك بالقتام في السهل حيث تسير· لقد زينوا الوثن ليهينوا الفكرة، لكن الكوكب المثالي يواصل سيره الذي لا ينثني، وهو سيضيء لا محالة، قريبا الفكرة المنتصرة، ويبرز أفول الأوثان كما تم ذلك قديما في الكعبة''·
قراءة فانون تبدع بالتحرر من التوجه العصابي، من القولبة الأيديولوجية المغلقة، تتجدد بتجدد نصه بدلالاته التي تظل ولادة وقراءته لن تكون مثمرة إلا بالتجاوز الخلاق وتلك هي خصوصيات الفكر المبدع، الفكر الإنساني الأفق·
فانون مع بن نبي ولشرف قدموا، كل من زاويته ومن حقل اشتغاله، ما هو جدير بالقراءة المتجاوزة، القراءة المنتجة لما يسعف على فهم ومفهمة الواقع بتحولاته· وفي كل فترة تتجدد حيوية فكر فانون وتلك ميزة كل فكر إنساني الأفق·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.