الطاهر ماموني : المحكمة العليا حريصة على مواكبة جهود الدولة في مجال الرقمنة    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    تقرير لكتابة الدولة الامريكية يقدم صورة قاتمة حول حقوق الانسان في المغرب و في الأراضي الصحراوية المحتلة    الفريق أول شنقريحة يترأس أشغال الاجتماع السنوي لإطارات المنشآت العسكرية    عطاف يستقبل رئيس مفوضية مجموعة "إيكواس"    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    الرابطة الأولى: مولودية وهران أمام منعرج حاسم لضمان البقاء    الدوري البلجيكي : محمد الأمين عمورة في مرمى الانتقادات    بن ناصر يخسر مكانه الأساسي في ميلان وبيولي يكشف الأسباب    عين ولمان في سطيف: تفكيك شبكة ترويج المخدرات الصلبة "الكوكايين"    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    وزير الداخلية: الحركة الجزئية الأخيرة في سلك الولاة تهدف إلى توفير الظروف الملائمة لإضفاء ديناميكية جديدة    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    بوغالي يؤكد من القاهرة على أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى عبر مختلف مناطق الوطن    أهمية مركزية لمسار عصرنة قطاع البنوك وتفعيل دور البورصة في الاقتصاد الوطني    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    حوادث المرور: وفاة 16 شخصا وإصابة 527 آخرين بجروح خلال 48 ساعة الأخيرة    برج بوعريريج : فتح أكثر من 500 كلم المسالك الغابية عبر مختلف البلديات    جسدت التلاحم بين الجزائريين وحب الوطن: إحياء الذكرى 66 لمعركة سوق أهراس الكبرى    فايد: نسبة النمو الإقتصادي بالجزائر بلغت 4,1 بالمائة في 2023    أفلو في الأغواط: حجز 19.5 قنطار من اللحوم البيضاء غير صالحة للاستهلاك    الدورة الدولية للتنس بتلمسان : تتويج الجزائرية "ماريا باداش" و الاسباني "قونزالس قالينو فالنتين" بلقب البطولة    ألعاب القوى/ الدوري الماسي-2024 : الجزائري سليمان مولة يتوج بسباق 800 م في شوزو    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    النشاطات الطلابية.. خبرة.. مهارة.. اتصال وتعاون    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    الجزائر كندا.. 60 عاماً من العلاقات المميّزة    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    بهدف تخفيف حدة الطلب على السكن: مشروع قانون جديد لتنظيم وترقية سوق الإيجار    42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    توقيف 3 أشخاص بصدد إضرام النيران    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم اللقاء الوطني الأول لصناع المحتوى الكشفي    تفاعل كبير مع ضيوف مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة : بن مهيدي يصنع الحدث و غزة حاضرة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    بلمهدي يلتقي ممثلي المجلس الوطني المستقل للأئمة وموظفي قطاع الشؤون الدينية والأوقاف    مدرب مولودية الجزائر يعتنق الإسلام    استعان بخمسة محامين للطعن في قرار الكاف: رئيس الفاف حلّ بلوزان وأودع شكوى لدى "التاس"    بطولة الرابطة الثانية: كوكبة المهدّدين بالسقوط على صفيح ساخن    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن مرافقة الدولة لفئة كبار السن    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    استغلال المرجان الأحمر بداية من السداسي الثاني    اللقاء الثلاثي المغاربي كان ناجحا    على السوريين تجاوز خلافاتهم والشروع في مسار سياسي بنّاء    ضرورة وضع مخطط لإخلاء التحف أمام الكوارث الطبيعية    قصص إنسانية ملهمة    "توقفوا عن قتل الأطفال في غزة"    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق الزكاة : أداة اقتصادية في دائرة الضوء
نشر في الشروق اليومي يوم 26 - 09 - 2007

د بشير مصيطفى – مستشار اقتصادي – الدوحة
[email protected]
في تصريح أخير لرئيس جمعية وطنية معروفة أشار الى أن ابقاء صندوق الزكاة تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية غيرمناسب ، وقد تزامن هذا التصريح مع أخبار تفيد بأن مصالح السفارة الأمريكية بالجزائر تحقق في أموال الزكاة التي يدفعها الجزائريون للصندوق . وبين التصريح والتحقيق تكمن حقيقة واحدة هي : لقد أصبح صندوق الزكاة في الجزائر في دائرة الضوء وعلى القائمين عليه الوقوف عند التجربة واستخلاص ما أمكن من الدروس حتى تكون الفريضة الاسلامية الثالثة فعلا في مستوى دعم الجهاز المالي للدولة ومعالجة أقدم ظاهرة في تاريخ البشرية ظاهرة الفقر . في هذا المقال نحاول استعراض أبعاد كل من التصريح المذكور والتحقيق الذي باشرته السفارة الأمريكية في تجربة رائدة في حاجة الى مراجعة .
صندوق الزكاة في حاجة لقانون منظم
تعود فكرة انشاء صندوق للزكاة بالجزائر للعام 1990 بمبادرة من وزير الشؤون الدينية الأسبق الدكتور سعيد شيبان – حفظه الله - وباقتراح من ثلة من الاطارات الجزائرية ذات التكوين الاقتصادي ، وقد قام معاليه مشكورا بتنظيم سلسلة من الندوات الجهوية في هذا الموضوع أبرزها ندوة وهران التي حضرها كل من المرحوم الشيخ ( أحمد حماني ) والشيخ ( علي المغربي ) والشيخ ( نعيم رحالي ) وأسماء أخرى من العلماء لا تحضرني اللحظة . وقد خرجت الندوة بجملة من التوصيات التي تصب في موضوع واحد : اطلاق صندوق وطني للزكاة يكون في مستوى فرائض الاسلام وهديه . وشرعت وزارة الشؤون الدينية حينها في تثمين تلك التوصيات وبدأت الحملة الاعلامية والتحسيسية من خلال التلفزيون الجزائري والمحاضرات العامة حتى خلال الفترة المتأزمة في التسعينات ، وقد بلغ التصميم النظري للمشروع درجة اقتراح قانون يتضمن الاطارين التشريعي والمؤسساتي للزكاة . ولو تم استكمال التصميم المذكور لما سمعنا اليوم بتصريحات تدعو الى فصل صندوق الزكاة عن وزارة الشؤون الدينية ولا عن تحقيق تجريه جهة أجنبية عن مؤسسة وطنية .
فمن غير المناسب أن تسير وزارة حكومية صندوقا بطابع اقتصادي ومالي مؤهلا لاستقطاب تدفقات مالية كبرى ، والحكومة برمتها تتنازل عن تسيير مؤسسات اقتصادية أقل شأنا ، ولنا في تسيير أصول الأوقاف ببلادنا أبرز مثال عن الحاجة الى ادارة مستقلة وعلى درجة متقدمة من الخبرة الفنية والمهنية لتثمين قدرات مالية هامة يزخر بها الفقه الاسلامي .
على خطى البنوك الاسلامية
ألمحنا في عدة مناسبات الى الأزمة العالمية التي مازالت تلقي بظلالها على مجتمع البنوك جراء معدلات الفائدة التي يعتبرها القرآن الكريم فقرا حقيقيا في المجال المالي ، وقد انطلقت المصارف الاسلامية في معالجة هذه الأزمة من خلال مؤسسات قائمة على الخبرة والاستقلالية وحتى تلك البنوك التابعة للدول الاسلامية تعمل بشخصيتها المستقلة وهو ضمان نجاحها . نفس القاعدة تنطبق على جميع المؤسسات الاسلامية ذات الطابع المالي أو الاقتصادي شأن مصارف الزكاة ، فلا يمكن تحقيق الأداء المتميز والجدوى المرجو من مقاصد الشريعة الاسلامية في تنظيم الفريضة الثالثة دون اطار قانوني يعطي لصندوق الزكاة صفة الاستقلالية على النحو الذي ينبغي، ومن ثمة فتح الباب أمام عمليات التطوير : الادارة – الاحصاء - المحاسبة – التوزيع – الرقابة . عمليات تتطلب درجة من الاحترافية والدقة لا تتيحها مؤسسات الحكومة نظرا لطبيعة الجهاز الحكومي كمنظم للاقتصاد وليس كمسير . ويبدو أن دروسا كثيرة عن التسيير الحكومي للاقتصاد لم تستوعب بعد منذ اختفاء المذهب الاشتراكي وانتصار نظرية المؤسسة ، ومن هذه الدروس ضرورة أن تستقل الادارة عن التملك أو ما يعرف اليوم بنظرية ( الحوكمة ) : لا يمكن للمالك أن يدير بنفسه ما يملك بمعيار النجاعة والأداء المتميز ، فلتتقدم الوزارة المعنية بمشروع قانون للزكاة يحدد الوظائف وحدود تدخل الدولة ولتوكل مهمة الادارة لمصرف متمكن من الأدوات الفقهية والفنية اللازمة .
الاقتصاد الخيري أو الطريق الثالث
الذين يجهلون الروح الاقتصادية للفريضة الثالثة في الاسلام الزكاة نحيلهم الى العهد الزاهر للمجتمع الاسلامي أيام كان الفقر غريبا بين المسلمين وكانت الزكاة تجبى ولا تجد من يستحقها . في تلك الفترة لم يكن أحد يفكر في أن الزكاة تجبى لغير مصارفها الشرعية المحددة فقهيا . أما أن يأتي زمان فتحقق جهة أجنبية في أموال زكاة تجمعها الدولة لصالح الفقراء فهذا يشير الى خلل في مكان ما لا علاج له سوى قانون سيد يضمن الشفافية ويحقق الرقابة على وظيفة يجب أن تكون من وظائف السيادة للدولة بضمانات دستورية . أما الذين يدركون المقاصد الاقتصادية للاسلام فيعلمون أن طريقا ثالثا بدأ يرتسم في الأفق أمام اقتصاديات الفقه الاسلامي ، طريق نسميه بالطريق الثالث : وسط بين سيادة الحكومة وأداء المؤسسة ، بعض ملامح هذا الطريق أخذتها المجتمعات الرأسمالية تحت عنوان ( الحوكمة ) وبعضها تحت عنوان ( معدل الفائدة الصفري ) . أما الباقي والذي يعني الاقتصاد الخيري بصورة مباشرة فلا يمكن لأحد أن يجسده من خارج نظم المجتمع المسلم لأن علاقته مباشرة بالفقه الاسلامي وشروط الاتقان ومعيارية مقاصد الشريعة .
لقد كان أملنا ونحن نطلق الدعوة لتنظيم فعلي للزكاة بالجزائر أوائل التسعينات هو محاصرة النتائج المتوقعة للتحول من الاقتصاد الاشتراكي الى الاقتصاد الحر وعلى رأسها ظاهرة الفقر واختفاء الطبقة المتوسطة ، وكنا نأمل أن يساعد صندوق الزكاة على امتصاص أي تناقض اجتماعي قد يتولد عن مرحلة التحول هذه ، أمل لازال كامنا فينا ونحن نرى الفريضة الثالثة قد انتقلت لدائرة الضوء لتحظى بالمراجعة والتقييم : مراجعة تصب في تصريح رئيس الجمعية الوطنية المذكورة ، وتقييم يغني عن تدخل مصالح السفارات الأجنبية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.