قمة الدوحة تشيد بجهود الجزائر في الدفاع عن سيادة دولة قطر ونصرة القضية الفلسطينية    رئيس البرلمان العربي يرحب بمخرجات القمة العربية الإسلامية الطارئة الداعمة لقطر    الجزائر ملتزمة بتطوير حلول مبتكرة في النقل والطاقات المتجدّدة    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    تضامن تام للجزائر مع الدوحة إثر العدوان الصهيوني    اجتماع جزائري- تونسي- ليبي بالدوحة    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    تحذير من حملات تضليل إسرائيلية ممنهجة    شهادة حيّة أمام مجلس حقوق الإنسان عن اضطهاد الشعب الصحراوي    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    وفد صحراوي في ستوكهولم لفضح جرائم الاحتلال المغربي بالصحراء الغربية    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    وفرة وتنوع في المنتجات وتخفيضات تصل إلى 50 بالمائة    العاب القوى مونديال-2025: سجاتي وتريكي آخر آمال التمثيل الجزائري للتألق    محمد الصديق آيت مسعودان يستلم مهامه كوزير للصحة    آمال عبد اللطيف تتسلم مهامها كوزيرة للقطاع : "التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية رافعة للاستقرار الاجتماعي"    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعا لضبط جدول الأعمال : إيداع 18 مشروع قانون لدى مكتبي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة    حول الوقود المستدام والهيدروجين..الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا اليابانية    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    القمة العربية الإسلامية الطارئة:الجزائر تُدعم قطر في صون سيادتها    عجال يتسلم مهامه على رأس وزارة الطاقة والطاقات المتجددة : ضمان الأمن الطاقوي وتطوير المشاريع الكبرى من أبرز التحديات    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    باتنة : التأكيد على تكثيف الأبحاث والحفريات حول تطور التعمير البشري بالأوراس    انعقاد اجتماع ثلاثي جزائري-تونسي-ليبي قبيل افتتاح أشغال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة    افتتاح الدورة البرلمانية: المجلس الشعبي الوطني سيواصل مهامه بنفس العزيمة والإصرار    إعادة فتح العيادة المتخصصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة بباتنة بعد تهيئتها وتجهيزها بتقنيات حديثة    بومرداس: إنطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة (أقل من 20 سنة): المنتخب الوطني ينهزم أمام أوغندا (3-1)    تنظيم الطبعة ال7 للصالون الدولي للواجهات والنوافذ والأبواب من 20 إلى 23 سبتمبر بالعاصمة    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    اختتام فعاليات مخيم الشباب لذوي الاحتياجات الخاصة    رونالدو الأوّل ورام يتفوق على ميسي    مجمع سونارم يستقبل وفداً تشادياً    تفكيك شبكة إجرامية وحجز 5623 كبسولة    تكريم جزائري لسلوم حدّاد    أسبوع وطني للصحة المدرسية    رئيس الجمهورية يعين أعضاء الحكومة الجديدة    توقيف ثلاثيني بعد ظهوره في فيديو    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    المالوف من المدرسة إلى العالمية : الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    أدب السجون.. وثيقة تاريخية وأخلاقية بأبعاد كونية    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    المولودية تعود بالفوز    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث خرافة

ما ضاقت صدور المستشرقين من شيء كما ضافت من القرآن الكريم، حيث أجهدوا عقولهم، وأسهروا عيونهم، وأضنوا أجسامهم في محاولة إثبات أن القرآن الكريم ليس من عند الله، وأنه من عند محمد - صلى الله عليه وسلم- تعلمه من نصارى أو يهود، ولكن تلك المحاولات كلها سُفّهت ومن المستشرقين أنفسهم، حيث ينقض كل واحد منهم ما زعمه الآخر، فيحق الله الحق ويبطل الباطل. ولكن أحد المستشرقين لم يزعم ما زعمه المستشرقون الآخرون من أن القرآن اقتباس من النصرانية واليهودية، وجاء بنظرية جديدة عن مصدر القرآن الكريم!!
اسم هذا المستشرق كليمان هوار، (C.Houar)، وهو فرنسي، ولد في سنة 1854، وتوفي في عام 1927. وبعدما أنهى دراسته وتخرج في مدرسة اللغات الشرقية في باريس عين مترجما في القنصلية الفرنسية بدمشق، ثم نقل إلى السفارة الفرنسية في الآستانة، ثم أعيد إلى وزارة الخارجية في باريس، حيث مثلها في مؤتمر المستشرقين الذي عقد بالجزائر في سنة 1905، وفي مؤتمر المستشرقين الذي عقد في كوبنهاجن في سنة 1908.. ثم آثار التفرغ للعلم، فترك وزارة الخارجية، والتحق بمدرسة اللغات الشرقية، فأسند إليه تدريس اللغات العربية، والفارسية، والتركية، كما ألقى‮ بعض‮ الدروس‮ في‮ تفسير‮ القرآن‮ الكريم،‮ وقد‮ كان‮ عضوا‮ في‮ الجمعية‮ الآسيوية‮ (‬وهي‮ جمعية‮ استشراقية‮ فرنسية‮)‬،‮ كما‮ عين‮ في‮ المجمع‮ العلمي‮ العربي‮ بدمشق‮ .. وقد‮ ترك‮ آثارا‮ كثيرة‮ (‬1‮).‬
نشر كليمان هوار مقالا في المجلة الآسيوية الفرنسية (عدد جويلية - أوت 1904) تحت عنوان: »مصدر جديد للقرآن« وظن الرجل أنه وإن كان الأخير زمانه قد أتى بما لم تأت به الأوائل، كما قال رهين المحبسين، أبو العلاء المعري.
إن هذا المصدر الجديد (!) الذي ادخرته الأيام، واحتفظت به الأعوام لهذا الكليمان هو شعر أمية بن أبي الصلت، الشاعر الجاهلي المشهور، حيث زعم هذا المستشرق أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اقتبس معاني من شعر أمية وحوّلها من شعر إلى نثر، وحجة هذا الهوار في دعواه هي تشابه‮ آيات‮ قرآنية‮ بأبيات‮ من‮ شعر‮ أمية‮ بن‮ أبي‮ الصلت،‮ والأبيات‮ التي‮ بنى عليها‮ هوار‮ دعواه‮ هي‮:‬
ويوم‮ موعدهم‮ أن‮ يحضروا‮ زمرا
مستوسقين‮ مع‮ الداعي‮ كأنهم
وأُبروزا‮ بصعيد‮ مستو‮ جُرُز
يقول‮ خزانها‮: ما‮ كان‮ عندكم
قالوا‮: بلى،‮ فتبعنا‮ فتية‮ بطروا
يوم‮ التغابين،‮ إذ‮ لا‮ ينفع‮ الحذر
رجل‮ الجراد،‮ زفته‮ الريح‮ منتشر
وأنزل‮ العرش‮ والميزان‮ والزبر
ألم‮ يكن‮ جاءكم‮ من‮ ربكم‮ نذر
وغرّنا‮ طول‮ هذا‮ العيش‮ والعمر
وأما الآيات التي يزعم هذا المستشرق أنها مقتبسة من هذه الأبيات فهي »فتوّل عنهم يوم يدعو الداعي إلى شيء نكر، خشعا أبصارهم، يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر«. (سورة القمر 6 - 7) »إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا، وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا« (سورة الكهف 7 - 8) »كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها: ألم يأتكم نذير قالوا بلى، قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير« (سورة الملك 8 - 9)
فلننزل إلى هذا المستوى، ولنساير هوار في تهوره، ولنتساءل: إذا كانت هذه الآيات مقتبسة من تلك الأبيات، فأين هي الأبيات التي اقتبس منها الرسول- عليه الصلاة والسلام- بقية الآيات، وهي تفوق الستة آلاف آية؟
يبدو أن الهوار قد توقع مثل هذا السؤال، فأعد له جوابا ولو لم يقتنع به إلا هو. فما هو هذا الجواب؟ إنه -في زعم الهوار- يتمثل في محاربة المسلمين لشعر أمية بن أبي الصلت، واستطاعوا محوه ليستأثر القرآن بجده (2).
إن أقرب المثقفين العرب إلى المستشرقين، وأكثرهم تأثرا بهم، وقبولا لآرائهم، وإعجابا بأفكارهم، وهو طه حسين لم يقتنع بدعوى هوار، ورد عليها بقوله: »إن المستشرقين يشكون في صحة السيرة نفسها ويتجاوز بعضهم الشك إلى الجحود، فلا يرون في السيرة تاريخا صحيحا، وإنما هي عندهم كما بنبغي أن تكون عند العلماء جميعا، طائفة من الأخبار والأحاديث تحتاج إلى التحقيق والبحث العلمي الدقيق، يمتاز صحيحها من منحولها، هم يقفون هذا الموقف العلمي من السيرة، ويغلون في هذا الموقف، ولكنهم يقفون من أمية بن أبي الصلت وشعره موقف المستيقن المطمئن،‮ مع‮ أن‮ أخبار‮ أمية‮ ليست‮ أدنى‮ إلى الصدق،‮ ولا‮ أبلغ‮ في‮ الصحة‮ من‮ أخبار‮ السيرة‮ (‬3‮)«.‬
لو كان هوار باحثا عن الحقيقة، ناشدا المعرفة، متجردا من الهوى، مبرَّأ من التعصب لطرح الوجه الآخر المحتمل لهذا التشابه بين هذه الأبيات وتلك الآيات القرآنية، وما هذا الوجه الآخر المحتمل إلا محاورة أمية بن أبي الصلت تقليد القرآن الكريم، وذلك استجابة لتحدي القرآن أن يأتي إنس أو جان بمثله، وقد أشار القرآن الكريم إلى زعم بعض العرب أنهم قادرون على الإتيان بمثل هذا القرآن، حيث قال بعضهم وقد يكون أمية أحدهم: »لو نشاء لقلنا مثل هذا« وقال آخر: »سأنزل مثل ما أنزل الله«.
والذي يرجح احتمال تأثر أمية بن أبي الصلت بالقرآن الكريم هو أنه كان يتمنى أن يكون النبي المنتظر، الذي كان الحديث رائجا بين أهل الكتاب عن قرب ظهوره، فأراد أن يظهر للغاوين الذين يتبعون الشعراء أنه يستطيع أن ينسج على منوال القرآن.. ولكن ما أبعد الفرق بين الشراب‮ والسراب‮..‬
لقد‮ رد‮ أحد‮ صيارفة‮ الأدب‮ العربي‮ وكبار‮ نقاده،‮ وهو‮ عباس‮ محمود‮ العقاد‮ على هذه‮ الدعوى‮ بقوله‮: »‬إن‮ نظرة‮ عابرة‮ تحكم‮ بأن‮ هذا‮ الكلام‮ مبتوت‮ الصلة‮ بالشعر‮ الجاهلي‮«.‬
إن أفحم رد يُردّ به على هوار ومن يذهب مذهبه وينهج نهجه هو: لو كان لدعواه مثقال ذرة من الحقيقة، هل يغيب ذلك عن أساطين المشركين الذين يرصدون كل حركة من محمد - عليه الصلاة والسلام- ويرقبون كل لفظ منه؟ وهل يرجئون كشف اقتباس محمد لشعر أمية إلى أن يأتي هوار في القرن‮ العشرين؟
ألا‮ إن‮ هؤلاء‮ المستشرقين‮ من‮ إفكهم‮ لمحجوجون،‮ ولكنهم‮ يصرون‮ على الحنث،‮ ولا‮ يعترفون‮.‬
------------------
1‮) أنظر‮: نجيب‮ العقيقي‮. المستشرقون‮ .‬ج1‮.‬ص‮ 230
2‮) طه‮ حسين‮: في‮ الأدب‮ الجاهلي‮.‬ط‮ 1964‮. ص‮ 142
3‮) المرجع‮ نفسه‮. ص‮ 143


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.