وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية
العقيد عمار بن عودة يروي شهادته التاريخية


صورة الشروق
الحديث مع العقيد عمار بن عودة في ظل الجدل الدائر حول قادة القاعدة الشرقية، والتفسيرات والتجاذبات التي تباينت حول قصة هذا الهيكل الذي لا يجد المؤرخون له أثرا ضمن مواثيق وهياكل الثورة الجزائرية، يبقى مفتوحا على كل أنواع التفسير والتأويل وبخاصة وأن بن عودة قد غاب أو غُيِّبَ عن لقاء الطارف وهو الشاهد الذي (شاف كل حاجة). فأي تفسير لإبعاد الرجل عن الإدلاء بدلوه في الموضوع وهو الذي يعترف له كثير من رفاق السلاح بقوة الذاكرة وسلامة التعبير والحضور الذهني بالرغم من وقع المرض وتقدم السن؟.
*
* حكاية القاعدة الشرقية وأطماع محساس وبن بلة لرئاسة الثورة... ورواية الرئيس الشاذلي
*
ؤتمر الصومام كان مقررا بحجر المفروش بالقل، وليس في حمام بني صالح بالطارف.
*
*
عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة، وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية.
*
*
الحلقة الثانية والأخيرة
*
*
في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من اعترافات العقيد عمار بن عودة المثيرة حقا، تركت للرجل الوقت الكافي للتوضيح مبتدئا بحكاية مؤتمر القادة وصولا إلى إبعاده إلى لبنان مرورا بمحطات تاريخية معقدة جدا ومنها تدخله أمام المدير العام للأمن التونسي إدريس قيقة لإنقاذ علي محساس من القتل بعد اعتقاله من طرف جماعة أوعمران، وحقيقة لجوء بن عودة إلى العنف واستعمال السلاح عندما أرسله زيغود يوسف للإشراف على الحدود تماما مثلما فعل ابراهيم مزهودي في تبسة لفرض قرارات الصومام كما جاء في شهادة العقيد الشاذلي بن جديد في الطارف، وخلفية يوم الحداد في القاعدة الشرقية احتجاجا عل مقتل عبان رمضان، ومسائل أخرى تكشف عن مدى تورط المخابرات المصرية بقيادة فتحي الذيب في التأثير على قضايا داخلية حساسة.
*
*
دعنا نعود قليلا الى عقد مؤتمر القادة بمنطقة المشروحة في جبال بني صالح مقر قيادة عمارة بوقلاز الآمنة، ثم تحويل المؤتمر إلى قرية إفري بالصومام بسبب قطع الاتصال بالمنطقة الثانية كما جاء في ملتقى الطارف. فما تعليقكم على ذلك؟
*
*
قلت لك إن مؤتمر القادة لم يكن مطروحا عقده بتاتا في جبال بني صالح كما قالها الشاذلي في الطارف، بل ان منطقة حجر المفروش بالقل هي التي كانت مرشحة لعقد هذا الاجتماع التاريخي على اساس أنها آمنة وتقع تحت السيطرة التامة لجيش التحرير الوطني وقريبة جدا ايضا من الحدود الشرقية.
*
وتم بالمناسبة تعييني لاستقبال جماعة الخارج في منطقة أولاد بالشيخ في بني صالح لحضور المؤتمر بواسطة تعليمة من القيادة. وذهبت الى بني صالح (حاليا في الطارف) وقابلت عمارة بوقلاز الذي كان مسؤولا فقط في ناحية القالة الحدودية، بحيث لم تكن هناك ما يسمى بالقاعدة الشرقية (جويلية 1956). وانتظرت رفقة بوقلاز قدوم كل من بوضياف وآيت أحمد وبن بلة من تونس فلم يأتوا في الموعد المحدد. وكان وجود عمارة بوقلاز إلى جانبي لتأمين الأمن بعد أن طلبت منه القيادة وقف العمليات العسكرية بهدف صرف نظر العدو عن التحضير للمؤتمر.
*
وبعد 3 أيام في بني صالح عدت إلى مقر القيادة ومعي ابراهيم مزهودي. ولم أسأل عن سبب الغياب فلربما بحسب ما أشيع وقتها أن السلطات التونسية لم تلتزم بتقديم ضمانات لحمايتهم الى غاية الوصول الى المكان المتفق عليه، كما أن أعضاء قيادة الولاية الأولى لم يلتحقوا في الموعد المحدد وبالتالي قرر قادة الولاية الثانية وهم: زيغود وبن عودة وبن طوبال العدول عن حجر المفروش والاتفاق على مكان آخر كان في الأخير قرية إفري بالصومام لاعتبارات أمنية لا أكثر ولا أقل. وكم تمنيت لو وجه لي المنظمون للقاء الطارف الدعوة لكشف كل هذه الحقائق التاريخية، وقد سبق لي حضور ملتقيات سابقة بالطارف وجلست مع الأخ عمارة بوقلاز الذي صرح أمام الأخ بشير خلدون بأنه مدين لي بحياته. لماذا، لأن عمار بن عودة هو الذي جنّده في شهر ديسمبر 1954 عندما أتى به الحاج سعيود المكلف بشراء الأسلحة الى مركز جبل إيدوغ، وطلبت أنا منه الالتحاق بمحمد الهادي عرعار وعمار بومزاودة في القالة وامتثل وذهب إلى القالة. والحقيقة انه لا خلاف عندي مع بوقلاز العسكري، والحكاية كلها أنه وبعد مؤتمر الصومام سافرت الى تونس موفدا من طرف القيادة لتنظيم الوضع الذي كانت تسوده الفوضى العارمة.
*
ولما التحقت في الأسبوع الأول للاتصال بالتنظيمات الموجودة جاءني عمارة بوقلاز مصحوبا بعلي محساس والذي طلب مني الاعتراف به كرئيس للثورة لأنه ببساطة كان نائبا لأحمد بن بلة الذي يسميه رئيس الثورة؟ وكان جوابي لمحساس مركزا وواضحا وبسيطا وهو: (إن كنت ترغب حقيقة في رئاسة الثورة الجزائرية فما عليك سوى مغادرة فنادق القاهرة الفاخرة وحمل البندقية والصعود مع الثوار إلى الجبل... وبن بلة ليس رئيسا... وقيادة الثورة ليس لها رئيس). ولم يكن رد بوقلاز عليّ جوابا مريحا فحاول سحب مسدسه فأسرعت بطرحه أيضا. كان ذلك بنهج مدريد بتونس.
*
*
معنى ذلك أن عمارة بوقلاز كان موافقا على كلام محساس؟
*
*
بالتأكيد، وكان بوقلاز يطمح الى أن يكون هو أيضا نائبا للرئيس. ثم تمت تسوية هذه القضية بيني وبين بوقلاز على أساس أننا ننتمي الى العمل المسلح.
*
*
وما حكاية القاعدة الشرقية التي لم يرد ذكرها في مواثيق وهياكل الثورة بحسب قولكم؟
*
*
بعد مؤتمر الصومام، وردت فقرة تؤكد (أولوية الداخل عن الخارج والسياسي عن العسكري) وهذه التي دفعت أحمد بن بلة الى التحرك باعتباره من جماعة الخارج وذلك في محاولة للتشبه بالرئيس جمال عبد الناصر. واتفق بن بلة مع محساس لتكوين منطقة حرة لإخراج فرنسا بحسب زعمهما وتسند مهمة قيادة هذه المنطقة الى الأخ عمارة بوقلاز. وأسرع بن بلة بجلب السلاح من مصر وليبيا لعمارة مقابل الاعتراف به كرئيس للثورة الجزائرية... واعترف له بوقلاز بذلك؟. وكنت قد طلبت من محساس عند اللقاء الخروج فورا من تونس والذهاب الى ليبيا.
*
ولما سمع أوعمران بالحادثة جاء هو أيضا الى تونس موفدا من طرف القيادة لنفس المهام التنظيمية والتفتيشية تقريبا. وما قاله الشاذلي بخصوص ذهابي الى تونس من طرف زيغود فهو كلام غير صحيح. والحق أني كنت موفدا رسميا من طرف قيادة الثورة بوثيقة محررة وموقعة من عبان رمضان باعتباره مكلفا بالتسليح والتمويل لا غير. وفي الوثيقة هناك مادة واضحة تحظر عني تعاطي السياسة. فلا أنا ولا مزهودي ذهبنا الى تبسة ولم نشهر السلاح في وجه الشعب... وتلك مغالطة تاريخية ينبغي تصحيحها وتوضيحها. فقد دخلت الى تونس بعد 1956 (والوثيقة لاتزال معي). وأثناء وجود محساس وأوعمران في تونس لم يقع أي خلاف بين الرجلين استدعى تدخل الرئيس الحبيب بورقيبة. ولكن مسألة الترويج لفكرة رئاسة الثورة أقلقت أوعمران فضرب موعدا للقاء محساس، وأرسل له مجاهدين اثنين وألقيا القبض على محساس ووضعاه في السجن بتهمة الترويج لفكرة بن بلة القاضية بفرض الخارج عن الداخل عكس ما جاء في وثيقة الصومام. إذن فالقاعدة الشرقية هي مجرد فكرة ثلاثية بين بن بلة ومحساس وبوقلاز، ولا وجود لها في سجلات الثورة. وكانت أوامر لجنة التنسيق والتنفيذ التي حملها معه أوعمران إلى تونس هي أن عبان رمضان يقضي بتصفية كل العناصر البنبلية المناوئة لوثيقة الصومام.
*
بقي محساس في السجن حوالي أسبوع وكانت الجماعة تنوي قتله، وعندما تأكدت من الأمر اتصلت على الفور بالمدير العام للأمن التونسي ادريس قيقة المتزوج بجزائرية من سكيكدة وقلت له: إن محساس في خطر. ولبّى إدريس طلبي وأنقذ محساس من القتل المحقق. وجاء إلى عنابة وقلت له أمام جمع من المجاهدين: إن القاعدة الشرقية خلقها بن بلة لضرب مؤتمر الصومام. بالإضافة الى ذلك فعلاقتي ظلت حسنة مع بوقلاز وهو يعرف انني تدخلت أمام بن طوبال وبوصوف وبومدين من أجل حضوره برتبة عقيد إلى مؤتمر القاهرة الخاص بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية في 1957 ولا أحد في القاهرة كان يؤمن بالقاعدة الشرقية. وكنت في الواقع محتاجا إلى صوته لإلغاء الصبغة اللائكية على مؤتمر الصومام. وقد نجحت في ذلك بصوت عمار بوقلاز وذلك بحضور أكثر من 20 عضوا الذين كان أغلبهم متمسكا بالصيغة التي حررها الشيوعي عمار أوزقان. وربما لابأس أن أذكر للتاريخ فقط، أن الخدمة الثالثة التي قدمتها لعمارة بوقلاز وهي التدخل لتحويل مكان عقوبته من بغداد إلى دمشق، وهي العقوبات التي اتخذها (C.N.R.A) في القاهرة والقاضية بإبعادي إلى لبنان لمدة 3 أشهر وإبعاد بوقلاز إلى بغداد وإنزال رتبته وكذا محمد سعيدي بحجة التعسف في استعمال السلطة، وهي تهم باطلة لا أساس لها من الصحة. وعندما جلبت السلاح من طرابلس ووزعته على الولايات عام 1956 كان نصيب القاعدة الشرقية أكثر من 100 قطعة. ولهذا لا عجب أن يكرر الرجل مقولة (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة).
*
*
نبقى في (القاعدة الشرقية) التي نظمت يوم حداد احتجاجا على مقتل عبان رمضان بعد كشف الحقيقة وهي أن رفاقه استدرجوه إلى المغرب وقتلوه. فما حقيقة هذا الاحتجاج؟
*
*
هذا كلام غير دقيق. فالمرحوم عبان رمضان أولا كان من أشد المعارضين لقيام ما يسمى بالقاعدة الشرقية. ولهذا لم يذكر أحد حدوث هذا الاحتجاج. فالذين أعدموا عبان رمضان يقولون إن الرجل كان يجري اتصالات مع جهات خارجية وأحيانا حتى مع العدو دون إخبار لجنة التنسيق والتنفيذ. وكان يلقى التشجيع من التوانسة لمواصلة مثل هذه الاتصالات مقابل أن يكون هو رئيس الثورة الجزائرية. ولما اكتشف أمره شكلت لجنة التنسيق والتنفيذ محكمة عسكرية وحكمت عليه بالإعدام، ولم يعارض أحد من الجماعة إلا بن طوبال. والعقيد علي كافي كفانا شرح هذه الحادثة، بل ذهب إلى حد وصفه بالخائن والله أعلم؟
*
*
يقال إن الحرس التونسي حاصر ضباط الولاية الأولى والقاعدة الشرقية واعتقلهم، ويقال إن كريم بالقاسم تسرع في إنشاء لجنة العمليات العسكرية الشرقية والغربية (الكوم) وذلك لبداية تفكيك القاعدة الشرقية وتصفية مسؤوليها. فهل حقيقة أن كوم الشرق كانت بؤرة لخلافات عميقة بينكم؟
*
*
أولا نية إنشاء الكوم جاءت تحت ذريعة أن الثورة قد فشلت وحتى يحملون لجنة التنسيق والتنفيذ مسؤولية هذا الفشل. وتم دفعنا إلى الحدود فأسرعنا وفي وقت قياسي بتنظيم الجيش وإعادة توحيده بعد أن دبّ فيه الخلاف وبخاصة مابين الولايتين الأولى والثانية والقاعدة الشرقية. ونفذنا عمليات جريئة جدا ضد خط موريس في ليلة واحدة انطلاقا من البحر إلى قرب مدينة تبسة.
*
بعد يومين تم استدعاؤنا الى القاهرة وعوقبنا وانتهى الكوم وتأسست قيادة الأركان. الذين يقولون إن الخلاف دبّ بين محمد سعيدي (الولاية3) محمد العموري (1) عمار بن عودة (2) وعمار بوقلاز (القاعدة الشرقية) حول كوم الشرق غير صحيح على الإطلاق. وأعرف أن الشاذلي بن جديد، وعن حسن النية، هو الذي أثار هذه النقطة في لقاء الطارف.
*
ولماذا لم يتحدث عن كوم الغرب الذي كان يضم العقيد بومدين والعقيد الصادق. وأنا أعلن أمام قراء الشروق المحترمين أن ما يسمى بالكوم والحكومة المؤقتة وقيادة الأركان هي كلها هياكل غير شرعية ولم تصمد طويلا. وشخصيا لم أوافق على إنشاء الكوم لأننا ببساطة لا ننتمي الى اتجاه واحد. فالعموري من جمعية العلماء، وبن عودة وبوقلاز من الحركة الوطنية، ومحمد سعيدي من الجيش. وأعترف أن سعيدي قد ارتكب خطأ جسيما عندما قال إن الجيش قد جاع في وادي ملاق وبالتالي عليهم بالدخول. وأنا قلت لهم لا تدخلوا من الحدود لأنكم لن تجدوا ما تأكلون. أما بخصوص اعتقال الحرس التونسي لقادة الحدود فهذا صحيح ويطول فيه الحديث وذلك لأنهم كانوا يخططون للانقلاب على الحكومة المؤقتة وعلى رأس المتآمرين العموري الذي أعفي من الولاية الأولى بعد عقوبة القاهرة.
*
*
وصلنا إلى الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس، فلماذا عارضتها من جهة، وحذرت الآخرين من الدخول في مخطط رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب للإطاحة بها من جهة أخرى؟
*
*
الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية تكونت يوم 17 أكتوبر 1958 برئاسة فرحات عباس بالقاهرة. وعمار بن عودة لم يعترف بها وكتبت ذلك لبوصوف وكريم وبن طوبال وذلك لسبب بسيط وواضح، هو وجود فرحات عباس الذي بحث عن الجزائر فلم يجدها حتى في القبور رئيسا لها. كما أن العملية تمت بطريقة ارتجالية دون استشارة أي أحد، وثالثا لم تتم مشاورة مسؤولي الولايات التاريخية بالأمر. ولم أفهم صراحة كيف تشكلت هذه الحكومة ولماذا أختير فرحات عباس لرئاسة أول حكومة جزائرية ثورية في التاريخ؟ ومادمت ملتزما دائما بالانضباط فلم اتخذ موقفا عمليا ضد هذه الحكومة وفوضت أمري إلى الله سبحانه وتعالى.
*
وفي المقابل ويوم 20 أكتوبر أي بعد 3 أيام فقط من تشكيل الحكومة جاءني عرعار محمد الهادي الذي كان في القاهرة ليقول لي إن فتحي الذيب يطلبني في مقر المخابرات المصرية لأمر هام وحساس وسري للغاية، فأشعرت بوصوف وكريم وبن طوبال بالأمر، فسمحوا لي بذلك. وكنت أعرفه من قبل بصفتي مسؤولا عن الأسلحة. فطلب مني الذيب العمل معا على تغيير الحكومة المؤقتة أو على الأقل رئيسها فرحات عباس وتعويضه بأحمد بن بلة وذلك امتثالا حسبه لرغبة الشعب الجزائري، وهمس لي قائلا: إني أعرف أنك تعارض هذه الحكومة. فلم أتركه يواصل بقية فصول المؤامرة وقلت له: هذه مسألة جزائرية داخلية ولا شأن لكم بها. وأبلغت ما جرى بيني وبينه للقيادة. اتصل عرعار بعد ذلك بعمارة بوقلاز في فندق فيكتوريا بالقاهرة وأقنعه بلقاء فتحي الذيب، ولما سمعت به (ماشي في اللعبة) أخذت عمارة معي إلى المطار ورحلته إلى بغداد لتنفيذ مدة العقوبة، ولو بقي في القاهرة لكان قد التحق بالحدود ووقع له ما وقع للعموري. أو السقوط في فخ الذيب.
*
ولهذا كان كل مرة يردد مقولة: (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة). أما عرعار فكان يقبض (كاش) من المصريين مقابل هذه المهمة القذرة. وللتذكير، فالعموري رفض عقوبة السفر إلى السعودية وظل مدة بالقاهرة يتصل بفتحي الذيب سرا وجهرا لتنفيذ الإطاحة بالحكومة مثلما يؤكد جمال قنان ومصطفى الأكحل. وسافر العموري الى طرابلس عوض السعودية وبها تعشى عند المجاهد الليبي سالم شلبك المحب للثورة الجزائرية. ومن هناك اتصل مع كولونيل بالولاية الأولى باللهجة الأمازيغية يطلب منه الاستعداد لتنفيذ الانقلاب. ومن حسن الحظ أن الليبي سالم شلبك يفهم الأمازيغية أو الشلحة، فنزل المدينة وحيدا وأخبر جماعة بوالصوف المكلفين بتأمين أمن الثورة في طرابلس. ومن جهتهم أشعروا بوصوف وكريم وبن طوبال بحادثة العموري، واتخذوا قرارا ثلاثيا يقضي بالاتصال بالتوانسة على أساس محاصرة الجيش لوقف الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة بتوجيه من رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب. وبعد ذلك شكلت الحكومة محكمة عسكرية برئاسة العقيد هواري بومدين وكلف علي بومنجل بمهام النيابة العامة، وأصدرت أحكاما متفاوتة بين السجن والإعدام على أفراد الجماعة المخططة للانقلاب.
*
*
غادرت الجزائر بعد الاستقلال مباشرة، فما دوافع هذه السرعة، وكيف عدت إلى حين إحالتك على التقاعد؟
*
*
اعلم يا أخي أن عمار بن عودة هو الوحيد الذي صوّت علناً ضد ميثاق طرابلس الذي يكرس النهج الاشتراكي للحكم في الجزائر. وكان العقيد علي كافي يرأس الاجتماع، فطلبت منه الكلمة بعد الانتهاء من التصويت وفسرت للحضور سبب تصويتي المضاد. ولهذا قررت مباشرة بعد الاستقلال مغادرة الجزائر مادام مبدأ الحكم فيها يتعارض مع النصوص الأساسية الأولى للثورة. وطلبت من بومدين الذي كان وزيرا للدفاع تعييني ملحقا عسكريا بالقاهرة. وعندما سمع الرئيس بن بلة أسرع باقتراح المنصب على صالح صوت العرب، إلا أن بومدين كان أقوى ونفذ وعده. ومن القاهرة الى باريس الى تونس في نفس المنصب، ثم سفيرا في ليبيا. وعندما جاء الرئيس الشاذلي طلب مني الدخول الى الجزائر وقام بتعييني رئيسا للجنة التأديب بحزب جبهة التحرير الوطني وعضوا باللجنة المركزية ثم نائبا بالبرلمان عن ولاية عنابة، وأخيرا عميد مصفّ الاستحقاق الوطني إلى يومنا هذا دون أن يكون لهذا المنصب أي فاعلية تذكر منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
*
*
وبعد كل هذا التاريخ الطويل، ماذا يشعر العقيد والمجاهد عمار بن عودة؟
*
*
صراحة أحس بالظلم والحرقة بعد أن صدرت ضدي أحكام قضائية لا تعنيني بشكل مباشر. وفضلت عدم الاتصال بأحد. وأوكلت أمري الى الله سبحانه وتعالى.
*
*
محطات ذاتية:
*
*
تزوجت عام 1963 من الأولى وأنجبت لي 3 بنات: صيدلية وطبيبة وأستاذة جامعية.
*
بعد 6 سنوات تزوجت بالثانية وأنجبت لي 3 أولاد ذكور وبنتا واحدة.
*
أعيش حاليا وحدي مع الحاجة في بيت متواضع جدا بأعالي سرايدي، أقضي اليوم في متابعة أخبار الفضائيات والاستماع إلى القرآن الكريم.
*
بوتفليقة صديقي ولن يجد الجزائريون أحسن منه. ولهذا سأصوّت له في الرئاسيات القادمة أحسن من مشقة البحث عن آخر.
*
أشياء كثيرة لن أقولها الآن. وعندما أقرر الكشف عنها ستكون الشروق اليومي صاحبة السبق في ذلك.
*
أعاني من ضعف حاد في البصر ومقبل على إجراء عملية جراحية قريبا.
*
لابد من التفريق بين مناضلي فنادق تونس والقاهرة والمجاهدين في الجبل.
*
أطلب العفو من جميع المجاهدين والشهداء، فالثورة كانت عظيمة وبها مشاكل كثيرة.
*
أنا الذي كتبت بيان أول نوفمبر بعنابة على آلة كاتبة قدمها المجاهد عبد الكريم سويسي.
*
طلب مني ديدوش العودة إلى عنابة يوم 21 أكتوبر 1954 للإشراف على اندلاع الثورة. وكونت فوجا يضم عرعار بن موزاد سيمسون العزابي عمي موح عمي العربي وعبد الكريم سويسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.