الأحزاب تثمن المصادققة على قانون تجريم الاستعمار الفرنسي : خطوة سيادية وتاريخية للجزائر    عبد العالي حساني شريف : تجريم الاستعمار "منعطف تاريخي وخطوة نحو التصالح مع الذاكرة"    البروفيسور إلياس زرهوني: الجزائر تخطو خطوات عملاقة في تطوير البحث العلمي    وهران تتوج بالجائزة الذهبية كأفضل وجهة سياحية إفريقية صاعدة لسنة 2025    وزارة التعليم العالي تموّل 89 مشروعًا رياديًا لطلبة الجامعات عبر الوطن    تُعزز تموقع الجزائر على المستوى القاري..مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني في سنة 2025    مقتل إسرائيلييْن في عملية طعن ودهس نفذها فلسطيني..غزة تستقبل العام الجديد بأوضاع كارثية وأزمة إنسانية كبيرة    سوريا : 8 قتلى جراء انفجار داخل مسجد بمدينة حمص    اليمن : المجلس الانتقالي يعلن تعرّض مواقعه لغارات سعودية    مشروع قانون جديد للعقار الفلاحي قريبا على طاولة الحكومة لتوحيد الإجراءات ورفع العراقيل عن الفلاحين    قفطان القاضي القسنطيني... من رداء السلطة إلى أيقونة الأناقة والتراث الجزائري    قسنطينة.. يوم دراسي حول الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية    رأس السنة الأمازيغية : برنامج غني للإحتفالات الوطنية في بني عباس    الطبعة ال 14للمهرجان الثقافي لموسيقى الحوزي : التركيز على التكوين لضمان استمرارية "الإرث الفني"    باتنة: أيام تحسيسية واسعة لمكافحة تعاطي وترويج المخدرات في الوسط المدرسي    رئيس الجمهورية يوشح العلامة المجاهد محمد صالح الصديق بوسام "عهيد" تقديراً لمسيرته العلمية والدعوية    أسئلة النصر والهزيمة    الشروع في إنجاز آلاف السكنات بعدة ولايات غرب الوطن    عجائز في أرذل العمر يحترفن السّرقة عبر المحلاّت    إطلاق خدمة دفع حقوق الطابع عبر البطاقة البنكية والذهبية    المصادقة على مشروع قانون التنظيم الإقليمي    ليبيا تحت الصدمة..    نص قانون المرور يعكس الالتزام بتوفير متطلبات ومستلزمات الأمن    نسعى بالدرجة الأولى إلى تعزيز مواكبة ديناميكية التطور التكنولوجي    المجلس الشعبي الوطني يفتتح أشغال جلسة علنية    تواصل تساقط الأمطار والثلوج على عدة ولايات    "ضرورة ترسيخ الفعل الثقافي الحي داخل المؤسسة المسرحية"    افتتاح الطبعة ال17 للمهرجان الوطني للأهليل    الخط السككي المنجمي الغربي خطوة عملاقة في التنمية الاقتصادية    آلاف المنتجات المستوردة أصبحت تنتج محليا منذ 2020    عندما يستخدم البرد سلاحا للتعذيب    نزوح 2615 شخص من ولايتي جنوب وشمال كردفان    خرق فاضح لأحكام محكمة العدل الأوروبية    رهان على الفلاحة والصناعة للدفع بالتنمية    مركز بحث في الرياضيات التطبيقية لدعم اتخاذ القرار الحكومي    العدالة القوية حامية المجتمع من كل التهديدات    قانون الجنسية كفيل بإحباط المخططات العدائية ضد الجزائر    الذكاء الاصطناعي صالح لخدمة الإسلام والمرجعية الجامعة    زكري يتحدث عن إمكانية تدريبه منتخبَ السعودية    بيتكوفيتش يحدد أهدافه مع "الخضر" في "كان 2025"    عرض خليجي مغرٍ للجزائري عبد الرحيم دغموم    بوعمامة في جامع الجزائر    معنى اسم الله "الفتاح"    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    الخضر يستهدفون دخول كأس إفريقيا بقوة    مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أجل الفوز    محرز الأعلى أجراً    تمديد آجال الترشح لجائزة الرئيس    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    تغلب ضيفه مستقبل الرويسات بثنائية نظيفة..اتحاد العاصمة يرتقي إلى الوصافة    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    الجزائر مستعدة لتصدير منتجاتها الصيدلانية لكازاخستان    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولاة بين الممكن والمستحيل!

أنهى السيد وزير الداخلية والجماعات المحلية نور الدين بدوي يوم الأحد سلسلة اللقاءات الجهوية مع ولاة الجمهورية بلقاء ولاة الوسط.
وبمتابعتنا لأحداث ووقائع وتوجيهات بل "التعليمات" التي أبداها الوزير إزاء الولاة بنبرة حادة صارمة وهم متكمّشون في مقاعدهم وبذلاتهم الرسمية، إما أنهم منشغلون بتلك التعليمات والخطابات الجديدة المتجددة حول دورهم الجديد في بعث الحركة الاقتصادية المحلية من خلال خلق "الثروة" وكيفيات ذلك، وإما بمصيرهم وهم على أبواب حركة جديدة لا يعرفون مصيرهم بعدها، بالعزل أو النقل أو التثبيت، وعلى أي أساس وبناء على أي معايير للتقييم والجزاء.
وخلال الجولات الأربع من اللقاءات الجهوية لهذه الإطارات التي كانت ومازالت وستبقى العمود الفقري للإدارة المحلية والامتداد الطبيعي للسلطة المركزية من خلال تجسيد السياسات الحكومية في مختلف القطاعات ميدانيا، لاحظنا أن وزير الداخلية عاد بنا إلى أساليب التسعينيات عندما كانت خزائن الدولة على حافة الإفلاس وطلب من الولاة أن يتحوّلوا إلى متعاملين اقتصاديين وكلنا يتذكر كيف طلب منهم تنظيم تظاهرة اقتصادية بالأوراسي على مرتين في أقل من سنة واحدة لإبراز قدرات الولايات في بعث الاستثمار وتشجيعه من خلال عرض العقارات الصناعية والسياحية والتجارية لمن له الرغبة في الاستثمار، حيث أنشئ ما كان يسمى آنذاك "الكالبي" ووزعت مساحات كبيرة على المستثمرين المفترضين حيث واكبتها عملية "بزنسة" واسعة في تلك العقارات بما فيها العقار الحضري المخصص للبناء بمختلف أضيافه، ووزعت تعليمات ومناشير وزارية مشتركة ومراسيم تنفيذية كثيرة لضبط هذه العملية.
إلا أنه مع الوقت اتضح ذلك النزف الكبير في مختلف الأوعية العقارية الحضرية والصناعية والفلاحية وعملت مظاهر المضاربة والبزنسة بشكل اضطرت السلطات العمومية لإيفاد لجان تحقيق لعديد الولايات للوقوف على ما سمي "بالتجاوزات" رغم أن الولاة تصرفوا آنذاك وفق تعليمات واضحة من الحكومات المتعاقبة التي كانت تتخبط بين شح الموارد المالية عندما هوت أسعار البترول إلى 8 و10 دولات من جهة والضغط الاجتماعي والسياسي الذي كانت الدولة تعيشه وكانت الحكومات تتساقط سنويا جراء تلك الأزمة المتعددة الجوانب، الاقتصادية والسياسية والأمنية وما نتج عن ذلك من واقع اجتماعي كانت الأغلبية الساحقة من المواطنين هي الضحية الأولى في ذلك.
فما أشبه البارحة باليوم حيث تفطنت حكومتنا "الرشيدة" فجأة على الواقع الاقتصادي المخيف والوضع الاجتماعي الهش ناهيك عن تأزم الوضع السياسي حيث تعمقت الهوة بين السلطة والمجتمع في غياب توافق وطني ولو نسبي بين السلطة والمعارضة على ضعفها وتشرذمها.
فالحكومة استنجدت مرة أخرى بالولاة طالبة منهم ما يشبه المستحيل وهي بذلك كفريق استنجد لفريق فمصيرهما معروف.
لست أدري على أي أساس يكشر السيد وزير الداخلية عن أنيابه أمام زملائه القدامى وهو يعرف تمام المعرفة الواقع المحلي ويعرف جيدا قدرات ولاة الجمهورية المحدودة جدا في التصدي للانهيار الاقتصادي الذي تعرفه البلاد وهم ليسوا مسؤولين عليه بأي حال من الأحوال.
أن يلح السيد الوزير على ضرورة ترشيد النفقات في مجال التجهيزات العمومية من خلال حسن تسيير الصفقات وإنجاز المشاريع ذات الأولوية في آجالها دون اللجوء إلى إعادة التقييم وأن يلح على ضرورة تثمين الموارد المحلية من عقارات وأسواق وحظائر وغيرها والسهر على تحيين أسعار الإيجار وفق عمل منهجي ومضبوط وموحد، أو يلح على الارتقاء بالخدمة العمومية والتصدي "لغول" البيروقراطية الذي كان دائما الهاجس الكبير الذي يعاني منه الجميع من مواطنين بسطاء وحتى المتعاملين الاقتصاديين بما فيهم الأجانب مما جعل الرشوة تفرض منطقها وتكرس إرادتها في شتى مناحي الحياة الوطنية. كل ذلك وغيرها من القضايا المحلية التي يمكن أن تكون تحت مسؤولية الولاة بشكل أو بآخر، تعد من منطق الأشياء التركيز عليها من طرف وزير الداخلية في لقاءاته مع الولاة. إلا أن رفع السقف في مطالبة الولاة بما يتجاوز صلاحياتهم على الأقل في ظل الوضع الراهن حيث سلبت جل المهام والصلاحيات ذات الطابع الاقتصادي منهم وحوّلت للوزارات المعنية عن طريق دواوينها ووكالاتها المركزية حيث لم يبق لهؤلاء الذين يطلب منهم اليوم استعادة زمام المبادرة الاقتصادية والاجتماعية إلا شخصية كل واحدة على حدة ومدى قدرته على التأقلم والتلون والتكيّف مع الخطابات السياسوية المناسباتية من جهة وهيمنة مركزية القرار والتسيير في جل القطاعات، فالوالي عوض أن يبقى فاعلا ومبرمجا ومجسدا حوّل إلى مجرد مقترح للأفكار والعمليات ويتوقف مدى تجسدها على علاقاته الشخصية مع هذا الوزير أو ذاك أو مع سلطات أعلى القرار في الدولة.
إن ما استأثر به وزير الداخلية في خطابه مع الولاة من حيث التعليمات الصارمة وحدة الخطاب يوحي بأن السيد الوزير وكأنه يخاطب مديري الهيئة التنفيذية أيام كان واليا أو مديري قطاعه الوزاري سابقا، فالوالي ليس واليا لدى وزير الداخلية أو الوزير الأول بل هو وال للجمهورية ومن المفروض أن يتلقى التعليمات والتوجيهات ويرفع التقارير والاقتراحات لكل القطاعات الوزارية فيما يخص اهتمامات وانشغالات مواطني ولايته، وعلى الجهات المركزية التجاوب بما تسمح به القوانين والإمكانات الوطنية في الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
إن ولاة الجمهورية الذين تحملوا عبء التنمية الوطنية الشاملة منذ الاقتصاد الموجه والأحادية السياسية وواجهوا ميدانيا وبصدور عارية جحيم الإرهاب وزرعوا الأمل لدى المواطنين في أحلك ظروف المحنة الوطنية، وكلاهما من الولاة السابقين لفتة تاريخية من خلال تمكين هذا السلك من قانون أساسي ينظم الوظيفة ويحمي من ليس له نفوذ قوي ويفرز ويستبعد من ليست له القدرة على تولي هذه المهمة ميدانيا، فالسلطات العمومية في أعلى هرم السلطة مطالبة اليوم بالارتقاء بهذه الوظيفة والإقلاع عن الخطابات البدائية التي سئمها المواطن ويشمئز منها متلقّوها والموجهة إليه، فالمطلوب قبل تقزيم الولاة بتهديدات مجانية هو السهر قبل كل شيء على مراجعة النصوص القانونية والتنظيمية التي سحبت الصلاحيات من الولاة أو أضحت غامضة وذات ضبابية قاتمة من جهة التوجه الجدي لا الديماغوجي ولو تدريجيا نحو الديمقراطية التشاركية المحلية من خلال إقحام المواطن في كل الحياة المحلية سواء عن طريق منتخبيه أو فعاليات المجتمع المدني بجمعياته ومنظماته والعمل على غربلتها وربط جسور التواصل بينها وبين الإدارة المحلية، لأن المسجل في الواقع هو تجاهل وتهميش المنتخبين واستئثار الإدارة بكل العمليات التنموية والاجتماعية المحلية بدعوى عجز المنتخبين وكأنه أريد البقاء على هذا العجز إلى ما لا نهاية طالما ظلت النظرة الفوقية الاستعلائية نحو ممثلي الشعب هي السيدة.
إننا ندعو إلى وقفة تأملية متأنية تشخيصية للواقع المحلي من ولاة ورؤساء دوائر ورؤساء بلديات ومديري الهيئة التنفيدية وضبط الاختلالات والتناقضات وتضارب الصلاحيات وإعداد استراتيجية وطنية لعمل الوالي وفق "عقد برنامج" واضح وعندئذ يمكن التقييم والمحاسبة لهذا أو ذلك بناء على النتائج وليس على أساس من يقف وراء هذا أو ذاك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.