يكشف الرئيس المدير العام لبنك الفلاحة والتنمية الريفية في هذا الحوار عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الفضائح المالية التي هزت البنك مؤخرا، والتي أرجعها إلى النقائص الموجودة في أجهزة الرقابة وعدم التطبيق الصارم لقواعد الحيطة والحذر، ويؤكد بوعلام جبار في هذا الإطار بأنه بصدد اتخاذ إجراءات صارمة وهامة لتجنب أي فضائح مالية أخرى على مستوى البنك، كما يحدثنا عن حجم التزامات البنك في السوق المالية، وعن موقف البنك من اتهامات المستثمرين للبنوك بعرقلة الاستثمار، محدثنا وإن كان امتنع عن الرد على الكثير من الأسئلة الحساسة بالنسبة له، إلا أنه أجاب بإسهاب عن باقي الأسئلة. جميلة بلقاسم الشروق اليومي: أعطى وزير المالية، مراد مدلسي، توجيهات صارمة بتطبيق أنظمة جديدة للدفع على مستوى البنوك الجزائرية، أين وصل تطبيق هذه الأنظمة على مستوى وكالات بنك الفلاحة والتنمية الريفية؟ بوعلام جبار: بنك الفلاحة والتنمية الريفية كان في الموعد لتطبيق نظام الدفع الشامل الذي دخل في ماي الفارط، وقد أصبح معمولا به على مستوى 291 وكالة بنكية تابعة لوكالات بنك "بدر" على المستوى الوطني، النظام تم إنجازه من طرف تقنيي بنك الفلاحة والتنمية الريفية، وهو حاليا مطبق على كل الصكوك على مستوى وكالات البنك، ومن المنتظر أن نقوم بتطبيقه في المرحلة الثانية على عمليات الدفع تدريجيا، وأشير هنا إلى أن الخطوة الثانية المتعلقة بالدفع توجد حاليا في مرحلة الاختبار، ولاحقا سيطبق على السفتجات حيث من المنتظر أن يكون البنك أيضا في الموعد لتطبيق أنظمة الدفع الأخرى الخاصة بالتحويلات حسب ما تنص عليه أجندة الوزارة المنتدبة المكلفة بالإصلاح المالي لتطبيق إصلاحات المنظومة البنكية، وأذكر في هذا المجال أن "بدر" كان سباقا إلى عصرنة أنظمة الدفع، خاصة على المستوى الداخلي أي فيما بين الوكالات حيث أن نظام المعالجة الآلية للصكوك بدأت على مستوى البنك في 1994، وشرع في استعمال نظام "سيرات" الذي تم تطويره من طرف تقنيي ومهندسي الإعلام الآلي للبنك. الشروق اليومي: ألم تواجهكم مشاكل في تطبيق نظام الدفع الشامل؟ بوعلام جبار: أكيد هناك نقائص في تطبيق نظام الدفع الشامل على غرار البنوك الأخرى، لكننا نبذل المزيد من المجهودات من أجل التقليل من هذه النقائص قدر الإمكان. الشروق اليومي: فيما يتعلق بفعالية أجهزة الرقابة والفحص على مستوى بنك الفلاحة والتنمية الريفية، هل من إجراءات جديدة تعتزمون إدخالها لتجنب وقوع فضائح مالية أخرى كتلك التي هزت البنك سابقا؟ بوعلام جبار: لدينا على مستوى البنك حوالي 180 مفتشا يغطون كل الشبكة البنكية التابعة لبنك "بدر"على المستوى الوطني، وتشرف على عمليات الرقابة المفتشية العامة والمفتشيات الجهوية، وهناك أيضا أجهزة رقابة داخلية تسمى أجهزة الفحص، ونحن بصدد تدعيم أجهزة الرقابة وتفعيلها أكثر وتطعيمها إذا اقتضى الأمر بعناصر ذات كفاءة عالية، وفي هذا الصدد سيتم تنظيم دورات تكوينية خاصة لصالح عناصر الرقابة والتفتيش لتحسين مستوى أدائهم. الشروق اليومي: وهل تمكنتم من تشخيص الأسباب الحقيقية التي كانت وراء وقوع فضائح مالية على مستوى عدد من وكالات البنك؟ بوعلام جبار: كان هناك نقص في فعالية أجهزة الرقابة، إضافة إلى عدم التطبيق الصارم لقواعد الحيطة والحذر، وهو ما دفعنا إلى اتخاذ تدابير هامة لتفعيل أجهزة الرقابة، ونحن نعمل حاليا على تحسين ثقة الزبائن وترقية صورة البنك. الشروق اليومي: هل يمكننا أن نعرف حجم المبالغ التي فقدها البنك في الفضائح المالية التي تم اكتشافها مؤخرا على مستوى البنك، وعدد الإطارات الموقوفة والمتابعة قضائيا في هذا الإطار؟ بوعلام جبار: ليس هناك بعد أرقام دقيقة، لكن ما يجب أن أوضحه في هذه النقطة أن البنك لم يشهد فضائح مالية ضخمة كتلك التي شهدتها باقي البنوك، هذا ما يمكنني أن أؤكده. الشروق اليومي: أعلن وزير المالية يوم 15 جانفي الجاري عن استراتيجية جديدة للبنك تسمح له بالاحتفاظ بزبائنه خارج القطاع الفلاحي، فهل كان هذا القرار كافيا لحل مشاكل البنك؟ بوعلام جبار: نعم، لقد خلقت لنا الاستراتيجية السابقة مشاكل واضطرابات على مستوى الوكالات المحلية والجهوية، مما دفع وزير المالية مراد مدلسي إلى التدخل من خلال السماح للبنك بالاحتفاظ بزبائنه السابقين خارج القطاع الفلاحي، ومواصلة التخصص في القطاع الفلاحي على أن لا يتم استقبال زبائن آخرين مستقبلا خارج قطاع الفلاحة. الشروق اليومي: بخصوص الوكالات ال 22 التي كان الرئيس المدير العام السابق للبنك قد قرر تجميعها، هل سيتم تطبيق القرار أم التراجع عنه؟ بوعلام جبار: نحن بصدد إعادة النظر في القرار وفحصه. الشروق اليومي: وفيما يتعلق بتقليص عدد الوكالات البنكية المرخص لها بممارسة التجارة الخارجية، وصلنا أنكم بصدد مراجعة هذا القرار كذلك؟ بوعلام جبار: تجميد الاعتماد الخاص بممارسة التجارة الخارجية لبعض وكالات البنك هو إجراء داخلي للاحتياط وتجنب الوقوع في الأخطاء ريثما يتم توفير الشروط الملائمة لممارسة التجارة الخارجية لهذه الوكالات. الشروق اليومي: وكم عدد الوكالات التي سحب منها الاعتماد؟ بوعلام جبار: السحب تم كإجراء مؤقت، وعدد الوكالات لا يتجاوز اثنتين. الشروق اليومي: تسبب قرار تمركز نشاط البنك في القطاع الفلاحي في خلق عدة اضطرابات على مستوى الوكالات البنكية المحلية والجهوية، وأخيرا قام وزير المالية بإعادة النظر فيه، فهل ترون بأن هذا القرار كافٍ لحل المشكل؟ بوعلام جبار: السلطات العمومية ممثلة في وزارة المالية كانت قد حددت استراتيجية جديدة تعتمد على تركيز نشاط البنك في تمويل مشاريع القطاع الفلاحي الذي يعتبر أحد أهم الأنشطة الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني، وهو يشمل كل الأنشطة المتعلقة بالصيد البحري، الزراعة، صناعة المشروبات، والنشاطات الملحقة بالفلاحة، كصناعة الجلود والخشب والمواد الخشبية، واستغلال المحاجر استجابة لحاجيات السوق المرتبطة بإنجاز برنامج المليون سكن، ولحاجيات مختلف ورشات الأشغال العمومية، وتربية الماشية، وصناعة التبغ، والتغليف، والتكييف، والنقل، والتخزين والتفريغ، وهي الأنشطة التي تمثل أكثر من 300 نشاط موجودة في مدونة الأنشطة المعتمدة من طرف وزارة المالية. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن اختيار بنك الفلاحة والتنمية الريفية لتمويل الأنشطة الفلاحية نابع من كونه مختصا في هذا المجال منذ إنشائه، ومن قناعة السلطات بالمكانة التي يحوزها البنك في هذا المجال، نظرا لتحكمه في تقنيات تمويل الأنشطة المنصوص عليها في المدونة سالفة الذكر، وهذا ما يمكننا أن نؤكده من خلال الأرقام المتعلقة بتمويلات البنك، حيث نجد 85 بالمائة من مجموع التزامات البنك موجهة للأنشطة التي تدخل في إطار المدونة، كما نجد أيضا أن 10 بالمائة من موارد البنك تأتي من الأنشطة الخارجة عن هذه المدونة. إذا فحصنا عدد الزبائن خارج إطار المدونة نجده يمثل 2.5٪ من عدد الزبائن الملتزمين مع البنك ويمثل 0.7٪ من الزبائن بصورة عامة. مع العلم أن عدد زبائن البنك يفوق 2 مليون و200 ألف زبون، مما يؤكد أن البنك يقوم بالتزاماته تجاه القطاع الفلاحي بمستوى جيد. الشروق اليومي: وزير الفلاحة، سعيد بركات، كان قد صرح مؤخرا بأن البنوك التي تم إنشاؤها خصيصا من أجل التكفل بتمويل المشاريع في القطاع الفلاحي إنحرفت عن دورها الأصلي الذي أنشأت من أجله، في إشارة واضحة منه إلى بنك الفلاحة والتنمية الريفية، هل لديكم ما تقولونه في هذا الخصوص؟ بوعلام جبار: لا أريد أن أرد على وزير الفلاحة. الشروق اليومي: كيف وجدتم حسابات البنك عند تعيينكم على رأسه ابتداء من شهر ماي الفارط؟ بوعلام جبار: اسمحي لي بأن لا أرد على هذا السؤال. الشروق اليومي: ما هو حجم القروض الممنوحة من طرف البنك؟ بوعلام جبار: حجم الإلتزامات المالية للبنك أو القروض التي منحها بصفة عامة يبلغ 419 مليار دينار منها 80 بالمائة تم منحها للقطاع الخاص، وهو ما يعادل 335 مليار دينار، و20 بالمائة للقطاع العام، أي ما يعادل 86 مليار دينار، ومن أصل 491 مليار دينار الممنوحة للقطاع الخاص هناك 15 بالمائة منحت للقطاع الفلاحي، أي ما يعادل 55 مليار دينار للقطاع، والباقي موزع على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الكبيرة. أما خارج القطاع الفلاحي، فيقدر حجم القروض الممنوحة من طرف البنك ب 279 مليار دينار وهو ما يعادل 65 بالمائة من مجموع التزامات البنك. الشروق اليومي: وجهت الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب عدة مرات اتهامات للبنوك الجزائرية بعدم قبول ملفات الشباب أو بالتأخر في معالجتها، فما هو عدد الملفات أو المشاريع التي قمتم بتمويلها على مستوى البنك؟ بوعلام جبار: بودي أن أوضح في هذه النقطة أن عدد المشاريع المعتمدة من طرف أجهزة الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب، والتي قام بنك "بدر" بتمويلها، يقدر ب 27 ألفا و527 ملف، سمحت بخلق 62 ألف منصب شغل حسب الحصيلة، وقد وصل حجم مبالغ القروض الممنوحة من طرف البنك في هذا المجال إلى 38 مليار دينار، أما فيما يتعلق بالتمويلات الممنوحة من طرف البنك في إطار تدابير صندوق التأمين على البطالة فقد بلغ عدد المشاريع الممولة 701 ملف، في حين بلغ حجم القروض الممنوحة مليارا و22 مليون دينار، ومن المنتظر أن يشرع البنك في استقبال ملفات أخرى في إطار الوكالة الوطنية للقرض المصغر، ونحن نعتزم تمويل هذا الجهاز، خاصة في مجال مشاريع التنمية الريفية. وأشير في هذه الصدد إلى أن 40 بالمائة من مشاريع الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب في الساحة الوطنية ممولة من طرف بنك الفلاحة والتنمية الريفية، ولا سيما في شرق الوطن، أي مول بنك "بدر" وحده 70 بالمائة من مشاريع تشغيل الشباب. الشروق اليومي: ما يزال المستثمرون يوجهون أصابع الاتهام للبنوك بالتأخر في معالجة ملفات القروض والمشاريع والتأخر في الرد عليهم، هل من تدابير جديدة على مستوى البنك لتسريع عمليات معالجة الملفات؟ بوعلام جبار: في السابق، قام البنك ب "لامركزية" القرار على مستوى البنك لتسريع عملية معالجة الملفات، وقد تم أعطاء تعليمات صارمة لمختلف الأجهزة المكلفة بدراسة ملفات القروض لمحاولة تسريع عملية دراسة الملفات مع الأخذ بعين الاعتبار نجاعة المشروع الذي يبقى العامل الأساسي في اتخاذ القرارات المتعلقة بمنح القروض، إضافة للضمانات العينية التي يجب أن يقدمها صاحب المشروع، وهذا ما أكدت عليه في اللقاءات الجهوية وفي اللقاء الأخير المنعقد يوم 15 جويلية الجاري والذي شرفنا بالحضور فيه وزير المالية مراد مدلسي. الشروق اليومي: عادة ما تضطر البنوك إلى اللجوء للعدالة ضد المتعاملين الذين يتأخرون في الدفع، فهل بالإمكان أن نعرف عدد قضايا البنك مع المتعاملين الإقتصاديين على مستوى العدالة؟ بوعلام جبار: نحن حريصون على استنفاذ كل الحلول قبل اللجوء إلى العدالة التي نلجأ إليها كخطوة أخيرة. الشروق اليومي: على ذكر الاستثمار والمستثمرين، كم تقدرون نسبة مساهمة بنك الفلاحة والتنمية الريفية في تمويل الاستثمارات على الساحة الوطنية مقارنة بباقي البنوك؟ بوعلام جبار: 30 بالمائة من مجموع التزامات البنوك في السوق المالية بالجزائر صادرة عن بنك الفلاحة والتنمية الريفية، ولدينا في مجال الموارد 20 بالمائة كذلك، وبذلك فإن "بدر" يأتي في المرتبة الثالثة على المستوى الوطني في مجال الموارد وكذا في مجال منح القروض بفارق طفيف عن البنكين اللذين يحتلان الصدارة وهما البنك الخارجي والبنك الوطني الجزائري. الشروق اليومي: ومن هم كبار المتعاملين الاقتصاديين مع البنك؟ بوعلام جبار: لدينا أكبر المتعاملين مثل المؤسسة الوطنية للتبغ والكبريت، إضافة إلى فروع مجمع الرياض، مجمع جيبلي، سيفيتال، تونيك أومبلاج، الديوان الوطني للحبوب، الديوان الوطني لتغذية الأنعام وغيرهم. الشروق اليومي: قام البنك في عهد الرئيس السابق للبنك بتوقيف دفع كل أنواع الفواتير والقروض للفلاحين منذ جانفي الفارط مما تسبب في تعطيل مشاريع واستثمارات الفلاحين، فإلى متى سيستمر هذا التوقيف؟ بوعلام جبار: قرار توقيف التعامل ظرفي ريثما يتم تحصيل مستحقات البنك لدى وزارة الفلاحة، وهناك إجراءات اتخذت في هذا المجال بين وزارة المالية ووزارة الفلاحة، وبناء على هذه الإجراءات سيتم رفع التجميد خلال بضعة أيام من الآن. الشروق اليومي: متى تحديدا؟ بوعلام جبار: لا يمكنني أن أحدد بالضبط، ولكن أؤكد أن استئناف الدفع سيتزامن مع الدخول الاجتماعي المقبل، فنحن نقوم حاليا بعملية إحصاء وجرد للحسابات بين وزارة الفلاحة والصندوق الوطني للتعاون الفلاحي وبين بنك الفلاحة والتنمية الريفية ووزارة المالية. الشروق اليومي: مبالغ كبيرة من مستحقات البنك لم يتم تحصيلها بعد، فهل يمكننا أن نعرف حجم المستحقات والقروض التي لم يسترجعها البنك بعد؟ بوعلام جبار: مجهودات كبيرة نبذلها لتحصيل كل القروض من خلال عملية دعم الهياكل، وقد حصلنا في هذا الإطار 29 مليار دينار من الخزينة العمومية في إطار إعادة شراء ديون المؤسسات العاجزة ماليا، التي كان البنك قد منحها قروضا فيما سبق ولم تتمكن من تسديدها بسبب تخبطها في المشاكل المالية. الشروق اليومي: إشتكى بعض زبائنكم من التمييز في التعامل بين المتعاملين، حيث يجبر البعض على دفع الفوائد دوريا بينما يستفيد البعض الآخر من تمديدات؟ بوعلام جبار: البنك يتعامل مع الزبائن بنفس الشروط، غير أن ذلك يبقى مرتبطا بطبيعة المشاريع، الفرق في التعامل موجود فقط في مدة منح القرض ومدة الإعفاء حسب طبيعة النشاط. الشروق اليومي: من الواضح أن منصب رئيس بنك هو منصب سياسي أكثر منه تقني، وقد راج في بعض الأوساط أن تعيينك على رأس بنك الفلاحة والتنمية الريفية تم بوساطة جهات معينة، فهل لكم من تعليق؟ بوعلام جبار: لقد شرفت باختياري على رأس البنك، وأتمنى أن أكون في مستوى الثقة للقيام بمهمتي، هذا هو تعليقي. الشروق اليومي: وبخصوص الرسائل المجهولة التي يتم تداولها بين الحين والآخر على مستوى البنك؟ بوعلام جبار: إن كانت فعلا ، فإنها تبقى رسائل مجهولة، وليس لدي ما أقوله في هذا الشأن. الشروق اليومي: وماذا عن الآفاق والمشاريع التي تعتزمون تطبيقها في تسيير البنك؟ بوعلام جبار: التركيز على تكوين الإطارات، إلى جانب تحديث طرق معالجة ملفات القروض بشكل يسمح بربح الوقت والمحافظة على شروط النجاعة الاقتصادية للمشاريع، إضافة إلى العمل على تحديث المنظومة المعلوماتية للبنك والانخراط في جميع مشاريع عصرنة المنظومة البنكي
