إنطلاق فعاليات الملتقى الوطني الأول حول المحاكم التجارية المتخصصة    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار وتوقيف 10 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    زيتوني يشدد على ضرورة إستكمال التحول الرقمي للقطاع في الآجال المحددة    فايد يشارك في أشغال الإجتماعات الربيعية بواشنطن    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    العدوان الصهيوني: إصابة ثلاثة فلسطينيين جراء قصف الاحتلال لمنازل وسط قطاع غزة    جمباز/كأس العالم 2024: الجزائرية كيليا نمور تتأهل إلى نهائي مسابقة العمودين غير المتوازيين    القضية الفلسطينية محور نقاش الإجتماع الوزاري المفتوح بمجلس الأمن اليوم    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يؤكد: تشجيع الإشراف التشاركي في العملية الانتخابية المقبلة    المكتب الإعلامي بغزة: الأسرى في سجون الإحتلال الصهيوني تتضاعف أعدادهم ومعاناتهم    انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة : تأجيل التصويت على مشروع قرار الجزائر إلى غد الجمعة    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    كأس الجزائر: رباعي محترف يلهب الدور نصف النهائي    تابع تدريبات السنافر وتفقّد المنشآت الرياضية: بيتكوفيتش يزور قسنطينة    الجهوي الأول لرابطة باتنة: شباب بوجلبانة يعمق الفارق    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية (وهران-2024): الأندية الجزائرية تعول على مشوار مشرف أمام أقوى فرق القارة    مشروع محيط السقي بالإعتماد على المياه المستعملة بتبسة "خطوة عملية لتجسيد الإستراتيجية الوطنية في القطاع"    عطّاف يؤكّد ضرورة اعتماد مقاربة جماعية    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    لم لا تؤلّف الكتب أيها الشيخ؟    توزيع الجوائز على الفائزين    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    دعوة لضرورة استئناف عملية السلام دون تأخير    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    منصة رقمية للتوقيع الإلكتروني على الشهادات    40 سؤالا ل8 وزراء    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    البعثة الإعلامية البرلمانية تختتم زيارتها إلى بشار    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نسب متقدمة في الربط بالكهرباء    نحضر لعقد الجمعية الانتخابية والموسم ينتهي بداية جوان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    وفق تقرير لجامعة هارفرد: الجزائري سليم بوقرموح ضمن أهم العلماء المساهمين في الطب    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة من الزمن الآخر في مدينة السلاطين
نشر في البلاد أون لاين يوم 23 - 04 - 2016

حينما قررت الخطوط الجوية التركية أن تكون تأشيرة سفرنا باتجاه تركيا، أول ما بدر إلى ذهني السلطان سليمان "سلطان العالم"، منه عرفنا أن الدولة العثمانية لها حضارة عريقة تمتد إلى عمق التاريخ، كان يخالجنا شعور غريب بأننا سنعيش رحلة مع حاكمي العالم والعصر الذهبي ... والسلطانة "هيام" فماذا يوجد في تركيا غير حضارة السلاطين والقصور والمساجد الممتدة إلى ما لا نهاية، لكن وبمجرد أن حلقت بنا الطائرة حدود المكان حتى غشانا نوعا من السحر، كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا موعد وصولنا ولأنه لم يكن لدي لا برنامج الزيارة ولا الدعوة، فلم أكن أعرف حتى الفندق الذي ألجأ إليه، لاسيما أن الذين دعوني لم يمنحوا لي أي برنامج سوى أن الأمر يتعلق بمهرجان التوليب وكان لا بد أن نهتدي وسط هذا الظلام الدامس ولأن "الخطوط الجوية التركية" كانت بساط الريح الممتد بين الجزائر وتركيا حيث زرقة مضيق البوسفور فلا يمكنك أن تتوه ولو كنت ضائعا فكرم الأتراك لا حدود له، فكان فريق خاص يحمل اسمين في ورقة هما اسمي وزميلتي وزميلة أخرى تونسية وانطلقنا في استكشاف سحر إسطنبول.
لا يختلف اثنان على أن رحلة الخطوط الجوية التركية لوفدها الصحافي من مختلف الدول العربية رحلة غير عادية ولم تكن زيارة بسيطة وسياحة تعودنا عليها ولكنها كانت رحلة من زمن إلى آخر ومحطة أعدمت معنى الوقت واختزلت التاريخ في نقطة امتزاج بين الماضي والحاضر و"بلدية اسطنبول" التي كانت رحلة التواصل إلى هناك حيث جمال الطبيعة.. وقداسة المكان وروعة الوجود، وكان اختيارها للصحافيين العرب محطات من محطات الجمال وكانت تدري أي سحر هناك لتهدي للصحافيين الذين انبهروا بآيات الله في الجمال.. بلدية اسطنبول هذه المرة تجاوزت حدود السياحة العادية لتنقلنا من التواصل العادي إلى التواصل الزمني، حيث السحر والجمال والروعة والكرم والمشاريع الضخمة التي يتحدى بها رجب أردوغان أعظم دول العالم.
منحت بلدية اسطنبول الصحافة عالم آخر ورحلة فيها ألف قصة وقصة.. ورحلة استنشقنا عبيرها في كل موطأ مررنا به فلكل مكان في اسطنبول قصة وواقعة وجذور حكاية قديمة تمزج بين الأسطورة والحقيقة.. فإلى الرحلة.. زيارة عرضنا فيها أجسادنا للشمس الذي رص على المنطقة مما زادها إشراقا وجمال، كما ألقينا بأقدامنا في حوض البوسفور.. المنطقة إحدى روائع السياحة في العالم.
بمجرد أن نزلت بنا الطائرة في تركيا وجدنا ردا لسؤالنا الذي طالما حيرنا والمتمثل كيف تستقطب تركيا 30 مليون سائح سنويا من العالم؟ وأدركنا أيضا لماذا تلقب بعاصمة العشق يتعانق فيه السكون مع القديم فتتمخض عنه مدينة رائعة مدهشة هي إسطنبول. انطلقنا في رحلة في سكون غامض يلف فضاء لانهائيا لمنطقة مسحورة لم تفك طلاسمها بعد... جسور فارهة متعالية برسم وإنجاز فريد.. وحوض زادها روعة لا يضاهى تتباين في عبقها فن هؤلاء السلاطين الذين مروا من هنا تركوا قصورا ومساجد عظيمة ولوحات تشكيلية منتقاة.. أبى أن يتركه تاريخ له جزء أسيوي وآخر تركي تثير في النفس رغبة الغوص في حوضها وجسورها وقصورها الرخامية... فتركيا تتمتع بتراث ثقافي عريق ازدهرت به على مدى القرون الماضية كما تمثل الجسر الثقافي الحضاري الذي يربط بين الشرق والغرب والبوتقة التي انصهرت بها الثقافات والأفكار والفلسفات العديدة لتخلق بلداً يتجدد جماله الخلاب على مر السنين.
وصلنا إلى هذه المنطقة الساحرة رفقة زملائي الصحافيين العرب في حدود الساعة السادسة صباحا انطلقنا نحو فندق يقع بوسط مدينة اسطنبول فرغم التعب الذي نال منا الهدوء الذي يرمي بثقله في كل مكان ولا يقطعه إلا زمهريرا يحمل معه نسمة البوسفور ورائحة زهرة التوليب المنتشرة في كل شوارع المدينة وعرف كيف يشعرنا بالرغبة في التفطن أكثر لتذوق أسرار تحاكيها الدولة لعثمانية لا يفك ألغازها إلا عليم بأن سلطانها كان سلطان الأقاليم السبعة، وكان النجوم فوق تحاكي السماء فإن اسطمبول نجمة الأرض نافست في السطوع نجوم السماء لتحجز لها مكانا في سماء النهار والليل معا، وفي تركيا فهمنا معنى أن تتكلم النجوم ويكون لها لغة تحمي التائهين وتقرب البعيدين..
استيقظنا صباح الخميس، مبكرين بنسمة جمال الطبيعة المتألقة تحت سماء ربيعي تزينه من حين إلى آخر قطع من السحاب الأبيض المتسابق في أرجائها زرافات زرافات وكأنه قطعان من الظأن قد خرقت سنن الجاذبية ومن تحتها زخرف أحبك نسيجه الخالق المصور تتجاور فيه قصور الرخام ومساجد في تشكيلات هندسية بديعة وحدائق من التوليب تئن عروفها بغلال من أجود ما في الأرض من الأنامل.
قصر "طولمة باغجها".. عظماء تركيا مروا من هنا
محطتنا الأولى كانت في اليوم الموالي قصر "الطولمه باغجها" وفي الحقيقة لم أهتم كثيرا بشروح الدليل السياحي بعدما انبهرت بجمال القصر تسارعت للالتقاط الصور في أرجائه، وأهم ما التقطته من سليمان دليلنا السياحي، هو أن جمال القصر يرمز إلى ضعف الدولة العثمانية آنذاك لأن السلطان عبد المجيد الأول كان يريد أن يكون له قصرا فاخرا يضاهي القصور الأروبية واهتم بالشكليات فسقطت الدولة بعدما أنهى ميزانيتها في تشييد قصر جميل تمتد واجهته على مدى ستمائة متر على الساحل الأروبي لمضيق اسطنبول. شيد القصر مزيجا للأسلوب المعماري الأروبي، بالإضافة إلى أثاثه الفاخر فأهم ما يميزه هو الغرفة التي توفي فيها مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا لا تزال على حالها منذ انتقاله إلى جوار ربه في 10 نوفمبر عام 1938م. وقد فارق أتاتورك الحياة في الحجرة رقم 71. ولا تزال الغرفة تشهد على عظمته وقوة شخصيته.
والقصر اليوم تشهد جدرانه على ضيافة أكبر الشخصيات في العالم رفقة مصطفى كمال أتاتورك منهم البهلوى شاه إيران، وفيصل ملك العراق، وعبد الله ملك الأردن، وأمان الله ملك أفغانستان، وادورد ملك إنجلترا الذي جاء في زيارة خاصة، الكساندر ملك يوغوسلافيا رئيس الجمهورية الألمانية، وفيصل ملك العراق، وسوقارنو رئيس وزراء فنزويلا، وجنرال دا جاولا رئيس وزراء فرنسا.
هذا القصر يستهوي اليوم الملايين من السياح الذين يأتون لشم رائحة عظماء تركيا ليس لهذا السبب فقط بل لكونه أيضا آية الله في الجمال وتحفة فنية معمارية، لا نجدها إلا في إسطنبول القصر يطل على البوسفور وتغطي جدرانه أجمل القطع الخزفية التي أبدعها الفنان المسلم.
حديقة ميرغان عروسا بسحر قاتل للملل... تتقلب في ألوانها كطائر الجنة
بعدها في رحلة استكشافية أخرى نحو حديقة "ميرغان" لا تبعد كثيرا عن مكان إقامتنا كان أنيسنا الوحيد هذا الكرم الذي جادت به الطبيعة من غير شح، أضاف أهل إسطنبول كرم الضيافة وحسن الاستقبال من غير تكلف ولا مراء وفتحوا لنا خزائن وكنوزا من الإبداع الثقافي وما تصنعه أيديهم من بديع سجادات التوليب من كل لون من الأصفر إلى البنفسجي إلى الأحمر والأبيض والوردي، وفي الجملة لم يكن منظم الرحلة بحاجة إلى تذكير الزوار وقافلة الصحافيين بما استحقت لأجله إسطنبول من ألقاب الجمال عن جدارة وبدون منازع وكنا المبهورين بالسحر وعالم السحرة.. فشرعنا في التقاط الصور نسينا خلالها شروح الدليل السياحي.
حديقة أميرغان باسطنبول وجدناها كما أوحى إلينا عروسا فهرة الجمال بسحر قاتل للملل فاتنة تتقلب في ألوانها كطائر الجنة تغازل وتداعب الحضور على حد سواء على قدر ما حبا الله من سعة إدراك الجمال حين يحضر وتذوقه كما يليق، حضور حقيقي للجمال في أروع صورة كان رفيقنا في الرحلة ودليلنا الأول قادنا طيلة أيام الرحلة عبر الزمان والمكان في جميع أرجاء إسطنبول التي صارت أطلالا تشهد على عبور في الزمن ليس إلا لم تلتفت فيه الطيبة ولم تحتضنه أهلها توقفنا منبهرين أمام ألوان زهرة التوليب وهناك تعرفنا على رئيس بلدية إسطنبول ذاك الرجل الطيب الذي يردد اسمه كل الفئات، لاسيما المعوزة التي لا ينام قبل إيصاله المساعدات إليهم، أول ما أثار انتباهنا في الرجل هو بساطته وتواضعه عرفنا من خلالها لماذا تم انتخابه لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى للمرة الثالثة على التوالي ويتوقف كل المواطنين الأتراك لالتقاط صور معه وفي بعض الأحيان هو من يلجأ إليهم لأخذ صور معهم، وساهم هذا الرجل في التطور الكبير الذي تلاحقت فصوله في إسطنبول خلال السنوات العشر الأخيرة الذي ما كان ليحصل أيضاُ، لولا وجود مواطن يحب ويعشق بلده ومدينته، ويعمل على الحفاظ عليها ورعايتها بأجفان عيونه. وما كان ليحصل لولا مرونة قوانينه والأنظمة البلدية وتجميده لكل أنماط البيروقراطية.
ولم نغادر الحديقة التي توافد عليها المئات من عشاق هذه الزهرة قبل الاجتماع برئيس البلدية وتناول مأدبة عشاء رفقة الصحافيين العرب، استمعنا خلالها إلى شروحات رئيس البلدية الذي كان يتحدث عن إسطنبول بكل اعتزاز وفخر ليكشف أنه قام هذه السنة بإنشاء سجادة ضخمة من أزهار التوليب، وذلك في ساحة مسجد السلطان أحمد قلب المدينة التاريخية في إسطنبول، رئيس البلدية جند كل فريقه ليجعل من إسطنبول عروسا عبر نشر التوليب في جميع أرجائها من خلال زرع أكثر من 563,000 ألف زهرة توليب على مساحة 2000 متر مربعا، وحسبه فطيلة الشهر الجاري يستمر الأتراك في غرس زهرتهم المفضلة التي باتت الرمز رقم واحد للدولة العثمانية ووفقا للشروحات رئيس البلدية فإن حديقة مكتب البلدية وحدها تحتضن مساحتها ستة ملايين زهرة توليب ويزور الحديقة اليوم ما يتجاوز خمس وعشرون ألف زائر يوميا.
الجلسة مع رئيس البلدية الدكتور قدير طوباش، انتهت بعد التعرف على أضخم مشاريعه وفتح لنا قلبه كيف يحرص على إنهاء مشاريعه وإيصال المساعدات إلى الفقراء وفي حدود الساعة ال11 ليلا عدنا إلى الفندق منهكين، إلا أن الجلسة مفيدة ووددنا لو يفكر العرب مثل مسؤولي تركيا، فرئيس البلدية هو من رسم جسرا يعبر من الخليج إلى الخليج والمشروع اليوم حقيقة وليس خيالا حقا هم الرجال الذين لا ينامون مثلما قال رئيس البلدية ولعل أهم جملة ستبقى لي راسخة هي تأكيده أنه حينما يخطط لمشروع فذلك دستور.
مطار تركيا مشروع القرن الذي يليق بعظمة الدولة العثمانية
وفي اليوم الموالي، كان الدليل السياحي سليمان ينتظرنا على الساعة التاسعة صباحا لاصطحابنا إلى أحد هذه المشاريع.... كيلومترات معدودة إلى شمال إسطمبول للتعرف على أكبر مطار على مستوى العالم يليق بعظمة تركيا ورئيسها طيب رجب أردوغان ويقع مشروع القرن على ضفاف البحر الأسود ب6 مدارج بسعة 200 مليون مسافر يربط 350 وجهة حول العالم المطار الثالث سيكون أكبر بثلاثة أضعاف من مطار أطلنطا الأكبر حاليا في العالم وسوف يكون بمثابة مركز للطيران في العالم بنحو 150شركة طيران، كما يسع نحو 200 مليون مسافر هذا المشروع العملاق سيكون بالتصاميم الهندسية التي تعكس حضارة إسطنبول وعمقها التاريخي،
ووفقا للسيد يوسف اكجاي اوغلو، فإن حديد التسليح المستخدم بالمشروع هو 24 ضعف الحديد المستخدم في برج ايفل وأن المنطقة المكشوفة هي أكبر ب23 مرة من مبني مدرج الكلسيوم الروماني اسطنبول، وقال اكجاي إن برج المراقبة الجوية لمطار إسطنبول الثالث والمصمم من قبل شركتي ايكوم وبنينفارينا العالميتين مستوحي من شكل زهرة الخزامي وإنه سوف يكون إحدى الرموز المهمة بالنسبة لمدينة إسطنبول يوفر مشروع مطار إسطنبول الجديد فرص عمل لأكثر من 100 ألف وظيفة مباشرة وأكثر من مليون ونصف فرصة عمل غير مباشرة.
التباهي بالمشاريع الضخمة لم يشغل أهل اسطنبول عن أصول الضيافة، فأقبلوا علينا بأطباق مختلفة تركية بشاي وقهوة التركية الأصيلة إلى البقلاوة التي لا مفر لأي زائر منها بالرغم أن المنطقة معزولة والمطار البناء الوحيد بالمنطقة كلها، إلا أن المطعم يبدو فاخرا وأكلاته. وفي اليوم الموالي، برمج لنا الدليل السياحي زيارة إلى كل من المسجد الأزرق، مسجد آية صوفيا وقصر توب كابي لم نكن نعرفه سوى عبر الحضارات المتعاقبة شرع المسؤول في تقديم شروحات وأدهشتنا النظافة وحسن الاستقبال.
تعكس حضارة وعراقة ثقافة وأصول موطن الرجل العثماني كالعادة وبمجرد الانطلاق في رحلتنا الاستكشافية انزوى كل واحد منا على حد سواء للالتقاط صور تذكارية إلى أن نادانا سليمان أو محمد هما اثنان معا وفهمنا أن مسجد آية صوفيا في منطقة السلطان أحمد إحدى روائع السياحة الدينية التركية البناء الصخم الذي تميزه قبة كبيرة تحفة بيزنطية كان في الزمن القديم كنيسة بناها لأول مرة قسطنطين الكبير في القرن الرابع الميلادي سنة 325. قبل تحويلها جامعاً في ما بعد ليحولها أتاتورك متحفاً في 1935، وكانت أكبر كاتدرائية في العالم ما يقارب ألف عام إلى أن تم بناء كاتدرائية إشبيليا عام 1520م.
طوب قابي تحفة الزمان شاهد على حضارات
وجهتنا الثانية كانت قصر طوب قابي الذي أضحى مزارا للملايين من السياح لما يحتويه من حضارات متعاقبة على تركيا جسدت في مجوهرات وألبسة ومخططات، فالمتحف يحوي جناح المقدسات الذي تقشعر له الأبدان، لاسيما من خلال آيات الله المدوية في القصر، بالإضافة إلى أنه يحوي عبايا الرسول صلى الله عليه وسلم وسيف علي بن أبي طالب، سيف عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وكذا مفتاح الكعبة الشريفة والحجر الأسود الأول الذي أذن عليه بلال ... وغيرها من المعجزات التي يقف عندها ملايين السياح مندهشين وفي القصر أيضا جناح الذهب والأحجار الكريمة وكل الهدايا الفاخرة من سلاطين ورؤساء العالم لحكام تركيا والتي لا تزال تشهد على أمانة حكامهم ونجد حتى مهد ابن السلطان المصنوع من الذهب الخالص وغيرها من المجوهرات المصنوعة بالذهب والأحجار الكريمة.
في الحقيقة، لم نستمع كثيرا إلى الشروحات لأن الموقع يعبر عن نفسه وتم كتابة على كل تحفة الزمان والمكان والتسمية، إلا أن أهم شيء فهمته هو أن قصر طوب قابي بني في 1459م بأمر من السلطان العثماني محمد خان الثاني فاتح القسطنطينية، وأطلق عليه في بداية الأمر "يني سراي" أي "القصر الجديد" لكي يميز عن مقر الإقامة السابق، وأخذ القصر اسمه الجديد "طوب قابي" بمعنى "باب المدفع" وعقب سقوط الدولة العثمانية في عام 1923م حولت الحكومة التركية القصر إلى متحف، كما أنه يحتوي على مجموعات كبيرة من الخزف والألبسة والأسلحة والدروع والمنمنمات العثمانية والمخطوطات الإسلامية والمجوهرات العثمانية. ويحتوي القصر7 على معرض للأزياء الملكية التي كان يرتديها السلاطين وعائلاتهم والمجوهرات المشهورة ومجموعة نادرة من النسخ المصغرة لمخطوطات العصور الوسطى.
المسجد الأزرق..... أين يركع ويسجد العالم
كانت مناسبة في المساء لزيارة المسجد الأزرق الشهير، وتزامن وصولنا مع آذان العصر مما فرق الوفد للجوء إلى الوضوء والصلاة في أعظم مسجد في العالم المسجد يوفر بيت وضوء خاص بالنساء وآخر بالرجال ولا يمكن لأي امرأة تخطي عتبته من دون ارتداء خمار يشتهر المسجد بعمارته المميزة، حيث يعد من أهم وأضخم المساجد في العالم الإسلامي، المسجد تحفة فنية عودتنا عليها تركيا يحيط به سور مرتفع جدا وبخمسة أبواب وما يميز المسجد فناء كبير،. وتتوسطه قبة كبيرة يحفها أربعة أنصاف قبب، ووفقا للشروحات التي قدمت لنا فبُني المسجد بين عامي 1018 - 1020ه / 1609 - 1616 مهندسه محمد آغا أشهر المعماريين الأتراك بعد سنان باشا وداود أغا..
ويقول الدليل السياحي يعلو المسجد ست مآذن لاقت صعوبات في تشييدها، إذ كان المسجد الحرام يحتوي على ست مآذن ولاقى السلطان أحمد نقدا كبيرا على فكرة المآذن الست، لكنه تغلب على هذه المشكلة بتمويل بناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام ليكون مسجده المسجد الوحيد في تركيا الذي يحوي ست مآذن. و يقال إن السلطان أحمد كان قبل توجهه للحج قد أمر رئيس وزرائه ببناء مئذنة ذهبية للمسجد "وكلمة ذهب تعني "ألتين" باللغة التركية"، و مع استحالة تنفيذ هذا المطلب اقتصاديا، تظاهر رئيس الوزراء بأنه قد سمعها "ألتي" وتعني "ستة" باللغة التركية.
بانوراما ... أو حينما تعيش بفضل ال3 دي.... أجواء المعركة
آخر محطتنا في الرحلة زيارة متحف بانوراما، في البداية لم أكن مهتمة كون الطابق الأول كان فيه مجرد رسوم، كتابات كنت متعبة ولم أقرأها إلا أن الدليل السياحي دعانا إلى الطابق الأخير للمتحف وهناك المفجأة موسيقى حرب ومعركة حروب تشعر أنك أمام المعركة الحقيقية، على أرضها وتحت سمائها وضمن أجوائها ومواكبا لأحداثها من خلال روعة الصور التي تجسد قتال جيش محمد الفاتح ضد جيش بيزنطة، ليس هذا فحسب بل ستتفاعل معها أيضا بفضل روعة مؤثرات 3 الصوتية وتقنية الضوء الفريدة المستخدمة.
قامت تركيا بفعل كل هذا وأكثر لتحقق غايتها في أن تكون هذه المعركة فتحاً لا ينسى وتاريخاً لا يمحى من ذهن البشر ومفخرة تضيف إلى إنجازاتهم وإرثهم الحضاري الغني.
يأخذ المتحف شكل مبنى نصف كروي مؤلف من ثلاثة طوابق في أسفلها محل لبيع الهدايا التذكارية.
أما في أعلاها توجد القاعة الكبرى التي تحتضن العرض البانورامي العملاق، القاعة ذات شكل دائري تسقفها لوحة مقببة حافلة بالشخصيات البشرية التي عرضت بشكل ثلاثي الأبعاد.
... تستغرق زيارة هذه البانوراما حوالي الساعتين إلى الثلاث ساعات على حسب الرغبة ولكننا متأكدين أنك سوف تشعر بهذه الساعتين كدقيقتين!
لم يبخل المتحف بعرض أي تفصيل يزيد من فرصة إيحاءك بالتجربة بشكل أعمق، حيث ستجد نفسك محاطا بالبيئة الحقيقية التي كانت لا شيء غامض في هذا المتحف فبجانب كل مادة فيه تتواجد الشاشات، والرسوم التوضيحية و المعلومات الكاملة السمعية والبصرية المشروحة التي تزيل عنك الحيرة تجاه أي سؤال قد يَرِد في بالك كما يمكنك الاستعانة بالبرشور المجاني والذي يعطي شرحا وافيا عن البانوراما وفتح القسطنطينية. سائدة آنذاك كالمنصات والجبال وحتى الآبار والحفر، بالإضافة إلى جلب بعض المقتنيات الأصلية التي خلّفتها المعركة كالمدافع التي يزيد وزن الواحد منها عن الطن أما طولها فيناهز ثمانية أمتار، إلى جانب نسخ مقلدة عن القنابل الثلاث التي استعملها محمد الفاتح في دكّ حصون القسطنطينية
رحلة على أمواج عاشقة لمضيق البوسفور
لأنه لا يمكنك زيارة إسطنبول من دون شم رائحة حوض البوسفور، برمج لنا المرشد السياحي يوما كاملا على حوض البوسفور توجهنا بعد الإفطار في منارة عالية لا أتذكر اسمها المهم أن المنارة تحوي مطعما فخما وتطل على إسطمبول من شرقها إلى غربها، توجهنا بعدها إلى الميناء للركوب في القارب من الدرجة الأولى الذي لم يبخل علينا بأنواع المأكولات والمشروبات لدرجة أن زملائي الصحافيين من مختلف الدول الشقيقة أصبحوا يمزحون مع الدليل السياحي في كل مكان يأخذنا إليه قائلين "يا جماعة بلا كباب" المهم أن حرارة اليوم فعلت فينا فعل المكيف وأنسانا حرارة اليوم في أول عناق لنا مع الطبيعة الساخنة وارتمينا في حضنها الدافئ، انطلقنا بعد الإفطار بالمنطقة يحفزنا الفضول وتغرينا الرغبة في اكتشاف سحر عروس فأنسانا ما صادفنا من المناظر الخلابة جعلت للجمال لسانا ناطقا بحالها أنسانا ما يوافق عادة الحل والترحال من تعب وإعياء بل شغلنا عن بعضنا البعض وكان الطبيعة قد ألقت بحبال سحرها تغري كل واحد منا على انفراد وتغازله في نجوى عاشقين لا ثالث لهما بلغة صامتة كلماتها تشكيلات من الصخور التي تحكي أزمنة الأرض بعد أن دحاها مبدعها وتشكيلات متقلبة من موجات تروي على مكث فعل الزمان في أوتاد الأرض ونجودها وبين هذه وتلك تتطاول نحو السماء رؤوس لا تحصى من القصور الفاخرة التي لا يمكن التعبير عنها سوى بالقول "أصلها ثابت وفرعها في السماء".
استمتعنا خلال الجولة بمناظر رائعة تحيط بمضيق البوسفور، والقصور والفلل الموجودة على ضفتي البوسفور، ومررنا تحت جسري البوسفور والسلطان محمد الفاتح اللذَيْن يربطان قارتي آسيا وأروبا كالقلادة. بالإضافة إلى ذلك استمتعنا برقصات زملائنا السعوديين نورس البحر هو أيضا لعب دوره، حيث سرق منا التفاتة حينما زينت موج البحر الذي حملنا على أمواجه العاشقة.
في اليوم الأخير من الزيارة، رسو سفينتا كان في هذا البحر من السحر صدفة أم أن منظمي الرحلة أرادوا أن يبلغوا رسالة للآخر عبرنا بأن الجزائر فوق الظنن وأن هذا البلد أكبر من أن تختزله رحلة ليحكم على بهائه وثرواته وإنجازاته.
وقبل الرحيل لم يجد الوفد الزائر ما يعبر به عن مشاعر السعادة والابتهاج لما لقوه من بلدية إسطنبول سوى التباري بدورهم على التقاط الصور في المعالم التاريخية التي يكون جمالها قد ارتسم بمخيلتهم قبل أن تخلده الصور حتى المرشدة السياحية للرحلة التي هي بنت البلد تكون قد وقعت تحت سحر البلد ونحن عائدون ومواصلة رحلتنا الطويلة في صمت مطبق وبينما انزوى كل واحد منا مع ما التقطه وروائح وصور.
وفي النهاية، ماذا أوصلت "تركيا" لوفدها الصحافي من كافة الدول العربية من رسائل غير أن الوطن أكبر من أن تحده صورة أو شكل معين فأينما تذهب تجده "نجما" سواء في البحر أو الرمل.. والمهم أن بلدية إسطنبول أفلحت في أن تصنع حدث وحديث الصحافة العربية حينما فكت العزلة على مشاريعها بعدما أنزلت لهم وفدا صحافيا من كافة العناوين لينقل مشاغلهم إلى الرأي العام وليعطي صورة على تركيا المغيبة التي يراد تشويهها وتشويه إقليمها..
وهذه إسطنبول التي قال عنها نابليون بونابرت ذات مرة: لو خيرت في وضع عاصمة للعالم كله لاخترت اسطنبول عاصمة له. تعشق الحياة والمستقبل. شوارعها نظيفة، ومحالها وساحاتها تفوح منها رائحة العطر والعبق التاريخي الحاضر بقوة في كل المواقع والأمكنة والامتدادات.
المعادلة باختصار: محبة وطن وإرادة عمل وقانون عصري حديث. وقبل ذلك وجود نظام سياسي يطبق الدين الحنيف، عادل غير مستبد، يعمل لصالح خدمة الناس والمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.