" الدائرة التأويلية... تجاوز اغتراب الوعي الإنساني" ، هو عنوان كتاب صدر عن دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع العراقية مؤخرا، يتضمن جملة من المحاور التي تنساق حول العملية التأويلية، و جاء بأقلام مجموعة من الباحثين من المغرب و العراق في هذا المجال. جاء في مقدمة الكتاب شرحا مفصلا حول الإشكال الذي ظلّ يؤرّق الاتجاهات التأويلية المعاصرة، يتمثل في رغبتها في تجاوز العوائق التي تؤدي إلى سوء الفهم، ففهم الذات حسب ما ورد في الكتاب لا يتمّ إلاّ انطلاقا من فهم تجربة الآخر التي تجسّدها أعماله. وتحقيق هذا المشروع جعل الممارسة الهرمينوسية أو التأويلية، تولّي اهتماما ملحوظا لدراسة التاريخ. ففهم الآخر مشروط بالانتقال وبسهولة إلى سياقه التاريخي والتفكير بمفاهيمه وبحسب تمثّلاته سواء اللغوية منها أو الفكرية. ويعني هذا أن تأويل النص يكمن في إعادة بناء سياقه الأصلي وإعادة تجريب معناه الأصلي عن طريق انتقال الذات المؤولة من سياقها الثقافي الخاص إلى سياق النص المُعاد بناؤه. وقد ظلّ هذا النوع من التأطير السياقي للنص يمثّل إحدى المسلّمات الأساسية التي يصدر عنها التقليد الهرمينوسي الألماني برُمَّته، لكن هذه المسلّمة لم تلبث أن وُوجِهت بنقد شديد في أعمال هايدغر وتلميذه غادامير بشكل خاص، فهايدغر " يعتقد أننا إذا أردنا أن نفهم شيئا أو نؤوِّله، فإننا لا يمكننا القيام بذلك إلاّ داخل الدائرة الهرمينوسية المكوّنة من الأفق التاريخي لوجودنا" . إن سؤال التأويل هو الجامع بين مختلف الدراسات الواردة في محاور هذا الكتاب التي قدمها أصحابه وكل منهم تخير حيزا لاستقصاء عمق السؤال بدءا بضرورة التأويل وحاجة الإنسان اليوم إليه بوصفه فعالية دلالية ووجودية ونشاطا معرفيا وفلسفيا لفهم الحياة، واستعادة لمناطق أكثر غورا داخل الذات الإنسانية وداخل التصعيد الله بريمي والأستاذ الدكتور رحمن غركان ومرورا بالدائرة التأويلية وسؤال الفهم الذي أبان فيه (محمد شوقي الزين) كيف سلك الخطاب الفلسفي تحديدا مع فيلسوف التأويلية غادامير المنحى الأنطولوجي في قراءة مشكلات الفهم والتأويل "المنحى الأنطولوجي" بوصفه علاقة الذات بذاتها وفهمها لوضعيتها الوجودية في مرآة الوجود مع الآخر وفي ضوء العلاقات والإرادات التي تميّز الوجود برمّته مركزا على مفاهيم عدة وظّفها غادامير قصد حصر المشكلات الإبستمولوجية والأنطولوجية لظاهرة الفهم مثل الأحكام المسبقة والحوار والفهم بوصفه حدثاً وسعى الباحث"مصطفى شميعة من خلال دراسته "مفاهيم التلقي بين الظاهراتية والتأويل" قراءة في الجذور إلى إلقاء بعض الضوء على الجذور الفلسفية لمفاهيم التلقي والتأويل والتي اعتبرت إلى حد كبير الأجهزة الرئيسية في عملية تلقي النصوص، والتي ترددت في حقل التأويل إلى حد أضحى التلقي والتأويل وجهان لعملة واحدة هو الفهمً مركزا عبي فلسفتي الظاهراتية والتأويل من حيث اشتغال الأولى بمسألة الإدراك، حدوده وآلياته ومنطلقه ومجاله، واشتغال الثانية بالفهم وأنشطة القارئ لبلوغه، بعيدا عن ترهات القراءات المختلفة والمغرضة. بناء على ما سبق، نورد أن الحقيقة التي يطمح إليه التأويل تنتمي إلى عالم إنساني، في هذه الحقيقة يتم التعبير عن الوجود وإظهاره في لحظة تاريخية ما، والدين والأساطير والفن واللغة والتقاليد بصفة عامة هي إظهار للحقيقة التي تعبر عن موقف أو لحظة تاريخية معينة. ولأن الحقيقة التي يظهرها النص أو الواقعة، لا تشتمل على معنى مطلق الموضوعية، فإنها بالتالي (أي الحقيقة) لا يمكن فهمها من خلال مقولات وقوالب مجردة يريد المؤول استعمالها وفرضها على النص، فهي تمتلك معنى يتجلى فقط عندما يدخل المؤول في حوار أصيل مع النداء الذي يتردد صداه في النص، فما سيقوله هذا النص سيعتمد بدوره على نوعية الأسئلة التي نستطيع أن نطرحها عليه، انطلاقا من موقعنا التاريخي المتميز.