الأخضر بن السايح أستاذ بجامعة عمار الثليجي بالأغواط، الجزائر.مختص في السرديات، و تعد رواية «صحراء الظمأ» أول رواية للرجل، كتبها و هو مشبع بالتيه و الضياع و مولع بالبحث عن المراسم و المعالم لهوية تكاد تنمحي وسط شكوك على القدرة في المواصلة في وسط اجتماعي كله متناقضات و سلبيات من قهر و استغلال و ظلم، رواية ترصد أهم التحولات في جزائر ما بعد التسعينات و بداية الألفية الثالثة. رواية من الحجم المتوسط تقع في مائة و خمسة و سبعين صفحة، انتهى المؤلف من كتابتها في 29 /07/2002، و هي صادرة سنة 2013عن دار التنوير، الجزائر «صحراء الظمأ» رواية رحلة و كأنها موسم الرحلة إلى الشمال، تنهل من تجربة إبراهيم الكوني عن عوالم التوارق، و تستفيد من عوالم رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، و تمثّل تراكما سرديا مهما، و هي تخطّ أولى الكلمات عن شكّ «مصطفى» في خيانة زوجته «سارة» ، و لهذا يقرر السفر من أقصى الجنوب حيث يتواجد إلى مدينته بالشمال(معسكر) ؛« يعود مصطفى إلى غرفته بالفندق يحمل حقيبته و متاعه على عجل و يمشي مهرولا.. المحطة.. المحطة.. أين الطريق. مسكين مصطفى لو رأيته لخيّل إليك أنه قادم من أدغال إفريقيا، العينان محمرّتان.. شعر أشعت بدون نظام..أزرار قميصه في حركة فوضوية..». تنطلق الرحلة مع رفقاء طريق لكل حكاية تتقاطع مع الحكايات الأخرى لباقي ركاب السيارة. حفلت الرواية بنَفَس سردي قوي كان يمكن أن يجعل النص يحلق عاليا؛ لولا تكرار المشاهد النمطية لصورة حيدر العابث، و تكاد تكون صورة نمطية تراكمت في عدة نصوص سردية تثير فضول القارئ وتداعب تلك التراكمات السردية مثل رواية «اللص و الكلاب» و رواية» موسم الهجرة إلى الشمال»، إلا أن حيدر كان يمكن له الارتقاء بدور يحترم المرأة و يعطيها قيما إيجابية، فالفحولة لم تكن يوما فيما يقوم به حيدر و لا بالتباهي به ، و إنما في من يرتقي أخلاقيا و إنسانيا في معاملته للمرأة . و لهذا لم يخرج موقف حيدر عن وصف مادي للمرأة نرجسي يبحث عن المتعة بعيدا عن فهم صحيح لوضع المرأة؛ يقدم قراءة واعية و ناضجة تسهم في الارتقاء بمستوى الخطاب عن واقع الرجل و المرأة في الجزائر عموما، و في الجنوب على وجه الخصوص في مدينتي جانت و عين صالح؛ باستثمار القيم الجمالية للرؤية الفنية للكتابة و إستراتيجيتها، و لاسيما أن الرواية لما تداخلت مع السياسي والإيديولوجي ارتقت إلى مستوى من النضج مكّنها من رصد درجة من الوعي في التفكير و في الممارسة قدمت عبرها تحليلا لقضايا شائكة و فصلت فيها. إن الرواية، حتى و إن حاولت أن تجمع بين الإيجابي و السلبي من قيم المرأة، لم تتجاوز ذلك التصور العام للمرأة في نظر الرجل، فقد ظُلمت المرأة في هذه الرواية؛ فصورة سوزان باهتة و سلبية و لم تقدم ما كان من المفروض أن تضيفه للرواية من قيمة جمالية. أما لغة الرواية فإنها في بعض المقاطع كانت تلتقط من لغة الشارع و من المحكي اليومي من دون أن تشتغل عليه لتجعله أدبيا. ثم إن الرواية جاءت مثقلة بسرد بعض التفاصيل و الجزئيات التي لو جاءت مكثفة لساهمت في بناء رؤية فنية منسجمة أكثر لغياب التكثيف و الإيحاء و الرمز و الترميز،إن إيديولوجيا النص لم تغادر هذا الصورة النمطية للمرأة المتعة، و كأنها خير مكمل لسعادة الرجل، و لعل في هذا الموقف ظلم للمرأة الإنسان والمرأة الموقف و المرأة الوعي و النضج، ثم إن مصطفى نفسه الذي يشكّ في زوجته و يتهمها بالخيانة الزوجية مع الزير سالم كما يدعي، هو نفسه يسعى إلى الخطيئة و يعتقد أنه صاحب حق و مسموح له بما هو ممنوع عن زوجته. يبدو أن الرواية، على الرغم من الجهد المبذول في استقصاء المعلومات و المعارف حول مسار الأحداث ، إلا أنها في رأي لم تقمْ بالحفر الاركيولوجي في المجتمع التارقي خصوصا أو المجتمع في الجنوب، و كان يمكن للرواية أن تكون وثيقة اثنربولوجية اجتماعية ثقافية مهمة لو فعلت ذلك. تنتهي الرواية بوصول مصطفى إلى مدينته «معسكر» ناويا على الشر، و بعد أن «يفتح الباب بهدوء ويندفع كالوحش الهمجي.. يقف في بهو المنزل مندهشا حين وجد سارة منهمكة في قراءة القرآن الكريم.. نظر إلى يمينه وجد السمّاعة مفصولة عن خيط الهاتف.. مصطفى هاله ما رأى.. فسقط على ركبتيه مذعورا و هو يقول: كم قلت لنفسي إن بعض الظنّ إثم.. إن بعض الظنّ إثم..» إن نهاية مسالمة بعكس توجه الرواية التي رصدت الكثير من القيم الجمالية السلبية للمرأة، و من ثم فالرجل هو مصدر الشرور و ليس المرأة.