المجلس الشعبي الوطني يناقش تعديل قانون الجنسية: التجريد إجراء استثنائي لحماية مصالح الدولة العليا    أدرار.. توقع إنتاج نحو 380 ألف قنطار من الذرة الحبية    بومرداس.. إنتاج قياسي للسمك الأزرق خلال 2025    محتصون يحذرون من ردود أفعال عنيفة عقب نتائج الفصل الأول    خنشلة.. الشروع قريبا في إنجاز 4 مؤسسات تربوية    الوقاية من حوادث المرور : الجزائرية للطرق السيارة تشارك في حملة تحسيسية    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات هذا الأحد    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    تمتين الجبهة الداخلية للتصدّي للمؤامرات التي تحاك ضد الجزائر    الجزائر لا تساوم على ذاكرتها الوطنية    تناغم بين الصناعات العسكرية والمدنية لتحقيق النمو الاقتصادي    شراء وبيع أسهم وسندات "بورصة الجزائر" إلكترونيا    الصناعة العسكرية قاطرة الاقتصاد الوطني    تطوير المصطلح الإعلامي ليواكب التحوّلات الرقمية    مجلس الأمن يدين بشدة الهجمات على قاعدة بجنوب    حيماد عبدلي يعد الجزائريين بالتألق في "الكان"    "الخضر" جاهزون لرحلة النجمة الثالثة في "الكان"    أكاديمية العلوم تكشف عن قصة توعوية مصوَّرة    فضاء للتنافس في علوم الطيران    إبراهم مازة ورقة "الخضر" الرابحة في كأس إفريقيا    تحويل الزجاج إلى لغة فنية نابضة بالروح    الموت يغيّب الفنّانة سمية الألفي    إحباط تهريب 97510 علبة سجائر    مصادرة 3552 وحدة من المشروبات الكحولية    "حماية المعطيات الشخصية" محور نقاش قانوني وأكاديمي    وصول أول قطار لخام الحديد من غارا جبيلات إلى وهران نهاية جانفي.. محطة تاريخية في مسار التنمية الصناعية    هذه توضيحات بنك الجزائر..    2.4 مليون متعامل مُقيَّد بالسجل التجاري    الجزائر وناميبيا تؤكدان تطابق مواقفهما إزاء القضايا العادلة في إفريقيا    بلمهدي يشرف على اللقاء الدوري    الرُضّع يموتون يومياً من البرد في غزّة    استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ... أوهام أم حقائق؟    شرفي تزور مصلحة مكافحة الجرائم السيبرانية    الجزائر تدعو إلى إصلاح منظومة الأمم المتحدة    إرساء إدارة إقليمية فعّالة ضمن أولويات إصلاحات الدولة    بوغالي: تجريم الاستعمار الفرنسي قضية شعب بأكمله ورسالة سيادية لحماية الذاكرة الوطنية    أوّل هزيمة للعميد هذا الموسم    اختتام الدورة التأهيلية التاسعة للمرشحين للمسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم    إشادة بدعم رئيس الجمهورية للبحث    الخضر في المغرب.. والعين على اللقب    ضرورة الحفاظ على إرث وتراث الدولة السورية الغني    الشعب الفلسطيني ما زال يقف على عتبة الأمم المتحدة منتظرا نيل حريته    عبدلي يعوّض عوّار    الملك تشارلز يستقبل جزائريا أنقذ ركّاب قطار خلال هجوم ببريطانيا    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    نحو تعزيز إنتاج الأفلام وترقية الابتكار الشبابي.. وزيرة الثقافة والفنون تعقد لقاءات تشاركية مع صنّاع السينما    الوزير الأول يشرف على مراسم توزيع جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة العربية في طبعتها الأولى    الكيان الصهيوني يستفيد من نظام عالمي لا يعترف إلا بالقوة    كرة القدم / الرابطة الثانية /الجولة ال13 : مواجهات حاسمة على مستوى الصدارة وتنافس كبير في ذيل الترتيب    شبيبة القبائل توقع عقد شراكة مع مستثمر جديد    إنه العلي ..عالم الغيب والشهادة    محبة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإسلام    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    الاستغفار.. كنز من السماء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزوة بدر الكبرى
نشر في الحياة العربية يوم 17 - 04 - 2022

في تجدد الذكريات تجد النفوس سلوتها، وتستذكر الأجيال تاريخها، وتأنس القلوب وهي تعيد النظر مرة بعد أخرى في سير أمجادها وسجلات أبطالها. ففي مثل هذا الشهر المبارك الكريم، كانت ملحمة من ملاحم الإسلام، ويوم من أيامه الجليلة العظام. إنها غزوة بدر الكبرى التي خلد الله ذكرها في كتابه المبين، تذكيرا لعباده بعظيم فضله عليهم على مر الأعوام والسنين.
إنها الغزوة التي خرجت – خروجاً بيناً واضحاً – عن المقاييس المادية التي لا يعرف الناس في النصر والهزيمة سواها، انتصر فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قِلة من أصحابه، على جيش يفوقهم عدة وعدداً وعتاداً.
إنها الغزوة (17 رمضان 2 هجري) التي لا يزال صداها يتردَّد إلى اليوم في أهم كتب التاريخ العالمية، وأهم الأكاديميات العسكرية العالمية، في الوقت الذي لا نكاد نتذكَّرها فيه إلا في شهر رمضان.
لقد لقي المسلمون صنوف الأذى من المشركين في مكة، مما ألجأهم إلى الهجرة إلى المدينة، فرارا بدينهم يطلبون الأمن والأمان، ومع ذلك فإن المشركين لم يهنأ لهم بال ولم يطمئن لهم حال، حتى أجمعوا كيدهم على ملاحقة المسلمين، والعزم على قتالهم في مهاجرهم في المدينة، إمعانا منهم في القصد إلى القضاء على بيضة الإسلام واستئصال شأفته، فكان ولا بد من رد العدوان، وحماية الدولة الإسلامية الوليدة مما يهدد قيامها واستقرارها، عندئذ أذن الله للمسلمين بالقتال في السنة الثانية من الهجرة، بمقتضى قوله عز وجل: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ…. ﴾ [الحج: 39، 40] وساعتها لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – يتوفر على جيش يكافئ جيش المشركين في العدد والعتاد، حتى يواجههم بمثله، فاتخذ من الخطط الحربية أنسبها بإمكاناته المادية وقدراته، تلكم هي خطة العمل على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على قوافلها التجارية المارة قريبا من المدينة في طريقها إلى الشام، الهدف منها: أن يسترد المسلمون المهاجرون بعض ما سلبتهم قريش من أموالهم في مكة، وأن ترتدع عن تفكيرها الدائم في الهجوم على المدينة، أو بعث عصابات ليلية للنيل من أمن ساكنتها واستقرارهم.
وبينما المسلمون يترقبون أخبار قوافل قريش التجارية، إذا بالاستخبارات النبوية تنقل خبر قافلة تجارية ضخمة يقودها أبو سفيان بن حرب وهي عائدة من الشام، فدعا النبي – صلى الله عليه وسلم- المسلمين للخروج لأخذها، فلم يكن من طاعة الله ورسوله بد، فخرج ثلاثُمائة وسبعةَ عشر رجلا من المسلمين إليها، ولم يكن معهم سوى فرسين، وكل ثلاثة أو أربعة يتعاقبون على بعير، و ما كانوا يظنون أنهم سيلقون حربا مع جيش كبير في بدر.
وصلت الأخبار لأبي سفيان فغير مسار القافلة، وأرسل يخبر قريشًا بالأمر، فاستعد المشركون لحرب المسلمين بجيش يقوده أبو جهل وسادة قريش، وتعدادهم ألف مقاتل.
عرف المسلمون حقيقة الأمر، وأنهم أمام مواجهة غير متوقعة مع جيش كبير – وقد فاتتهم القافلة – فاستشار النبي – صلى الله عليه وسلم- أصحابه في القتال، فتكلموا وأحسنوا الكلام، وسره ما أبدوا من شجاعة واستعداد لنصرة الله ورسوله، عندها بدأت الترتيبات للقتال، وبشر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه بنصر الله، وحدد لهم مصارع المشركين، تأكيدا لما يستبشر به من نصر الله لعباده المومنين.
لما طلع المشركون، وتراءى الجمعان – يوم الجمعة السابعَ عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة النبوية الشريفة – دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه رافعا يديه إلى السماء قائلا: "اللهم هذه قريشٌ جاءت بخيلائها وفخرها تُحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ لا تُعبدُ في الأرض" وأخذ يُلحُّ على الله في الدعاء حتى سقطَ رداؤه من على ظهره الشريف، فالتزمَه أبو بكرٍ – رضي الله عنه – من ورائه قائلا: كفاك مناشدتك ربك يا رسول الله، أبشر فو الذي نفسي بيده ليُنجزنّ الله لك ما وعدك. رواه البخاري ومسلم.
وأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].
وانتهت المعركة بنصر عظيم للمؤمنين، أنزل الله فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة، في سورة الأنفال، فخسئ المشركون، وذهبت أحلامهم، وبطل كيدهم، وعز الإسلام وانتشر نوره وعم خيره ورحمته وعدله وسلامه بين العالمين.
عباد الله، إن المتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده يوم بدر، يجد أنهم حققوا النصر على نفوسهم أولا؛ فاستحقوا بذلك نصر الله لهم، كما قال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40].
ففي رمضان ينتصر المسلم على نفسه الأمارة بالسوء، ينتصر الإيمان على الشيطان، ينتصر الإخلاص على الرياء، ينتصر الصيام على الشهوات واتباع الملذات. تنتصر الأخلاق الحسنة على الشح والبخل والأثرة، ينتصر اجتماع الأمة بالصيام على الخلاف والفرقة. ينتصر الصبر والإرادة، على الضعف والهوان والذلة. ورمضان شهر القرآن، ورمضان شهر الدعاء، فاجتمع للأمة فيه من مقومات النصر ما لم يجتمع في غيره من الشهور، ولا عجب أن كان شهر الانتصارات بحق، وغدا شهر الترقب للنصر والفرج للمسلمين في كل زمان ومكان. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
إن في هذه الغزوة من الدروس والعبر، ما ينبغي للأمة أن تقف عنده وتقرأه وتستلهمه؛ لتنهض من كبوتها، وتسترد مجدها وعزها وعافيتها. مِنْ دروس غزوة بدر، أن الإسلام كلمة الله الباقية، ورسالته الخالدة، باقية ما بقي الزمان، مهما أصاب المسلمين من ضعف وذلة وهوان. ﴿ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].
مِنْ دروس غزوة بدر، أن نصر الله للمؤمنين، لا يكون بكثرة العدد والعدد، إنما يكون بقوة الإيمان بالله أولا، ثم بالإعداد بما تستطيعه الأمة ثانيا. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ … ﴾ [آل عمران: 123] أي قلة قليلة طائعة لله عابدة.
مِنْ دروس غزوة بدر، أن الصبر مفتاح الفرج، وأن مع العسر يسرًا، فلقد صبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقر الله عينه، ونصر حزبه وجنده. مِنْ دروس غزوة بدر، أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين، وطريق الفلاح للمتقين: ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا ﴾ [آل عمران: 125].
مِنْ دروس غزوة بدر، أن الوحدة والائتلاف سبيل القوة والغلبة والنصر. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].
من دروس غزوة بدر، أهمية الدعاء في النصر على الأعداء، يقول تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].
عباد الله، ألا ما أحوج الأمة اليوم أن تعي دروس هذه الغزوة المباركة، وأن تتوسل إلى الله بها لاستجلاب نصره، واستمطار فرجه وعونه، فما كان الله ليخلف وعده بالنصر لعباده، إن هم نصروه واتبعوا صراطه والتزموا سبيله. ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 – 173].
عباد الله: ها هي أيام الشهر الكريم قد تتابعت، ولياليه المباركة قد تلاحقت، وها نحن بعد أيام نستقبل العشر الأواخر، ختام شهر رمضان ووداعَه. ألا فلنجتهد ولنر الله من أنفسنا خيرا، فمن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرط فعليه بالحسنى فإنما العمل بالختام.
اللهم تجاوز عما كان منا من التقصير فيما مضى من صيام شهر رمضان وقيامه. اللهم أعنا فيما بقي لبلوغ وإدراك ليلة القدر، ووفقنا لحسن ختام هذا الشهر، اللهم لا ينصرف هذا الشهر الكريم عنا إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور، وعتق لرقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وذرياتنا والمسلمين من النار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.