إن للزاويا قيمة حضارية وتاريخية مهمة في المجتمعات العربية والإسلامية لما ساهمت به في الحفاظ على الهوية الوطنية ومقاومة الاستعمار بكل مفاهيمه من العسكري الاستيطاني إلى الثقافي والفكري. ففي الجزائر ومع هذا التسلط الاستعماري انطلقت في البوادي والأرياف مقاومة تلقائية قادها الزعماء من الصوفية والزوايا الذين ملؤوا فراغ غياب السلطة آنذاك, فكانت (أي الزاوية) المصدر الرئيسي الذي مون المقاومة بالرجال والعتاد, ابتداء من ثورات الأمير عبد القادر وبوعمامة والمقراني, وما سبقها من ثورات شعبية وما لحق بها كالانتفاضة الشعبية التي قام بها الشيخ الهاشمي الشريف المعروفة بهدة عميش بمنطقة سوف بالجنوب الجزائري، وما مشاركة السادة الأشراف من الزاوية التجانية أمثال المقدم سي العروسي محمدي وسيدي العيد بن الحاج بن سالم وغيرهما في دعم الحركة الوطنية ودفع أبناء الطريقة لاحتضان الثورة لدليل على إحساسهم بالمسؤولية المحملة على عاتقهم خدمة للوطن ونصرة له, كما لاننسى مزرعة الحاج لمين الشريف شيخ القادرية بالرباح بمنطقة الخنقة بالحدود التونسية التي منحها للثوار بقيادة الطالب العربي, وبطولات المجاهد حمه باهي حساني والتي من أهمها التصدي للسياسة الفرنسية لفصل الصحراء وذلك في انتفاضة 27 فيفري 1962 التي كان ضمن قادتها بورقلة, وأيضا إسهامات المقدم الطاهر غنادرة العزالي من الزاوية الرحمانية بسوف في تكوين وتمويل والدعوة لإخراج المستعمر, وكل هاته الوقفات وإن تعذر عدها (…) مهدت الطريق لانطلاق ثورة التحرير المباركة ومن ثم النصر المجيد. وهاهي الزوايا اليوم تواصل نفس الوظائف في تربية الناشئة وتحصينها من الأعاصير الهوجاء والأفكار الدخيلة التي تزعزع كيانها الروحي والاجتماعي, وهنا نذكر على سبيل المثال الملتقيات الفكرية المتنوعة التي تقوم بها الزوايا على مستوى الجمهورية كملتقى الوحدة الوطنية الذي نظمته المشيخة العامة للطريقة القادرية منذ أيام بورقلة والذي حظي بإنزال علمي كبير, وأيضا ملتقيات الزاوية التجانية والرحمانية والبلقائدية وغيرها, ناهيك عن جملة من الندوات الفكرية المنظمة من طرف الجهات الرسمية على غرار ملتقى إليزي حول دور المؤسسات الدينية والمجتمع المدني في المحافظة على استقرار الوطن بمشاركة العديد من المشايخ والعلماء. وعليه فرسالة الزوايا رسالة جامعة, تمتزج فيها الروح الوطنية بالروح الدينية الإسلامية, فخطابها يولف ويقرب ويسعى في غاياته إلى إغناء الحياة الروحية وترقية الحياة المادية للأمة, فهي تسعى دائما إلى إطفاء نار الفتن والخصومات, وبالتالي هذا ما نرقى إليه أن تظل مصابيح هداية للسعادة في الدارين, وأن تبقى مثالا صالحا للدعوة إلى حياة روحية صافية, أساسها تقوى الله وحب الخير والتعاون عليه في ظلال الإخاء والوئام في وطن مصان تبنيه سواعد أبنائه وتحرسه عيونهم الساهرة.