في المتخيل المشترك، اليهودي هو إنسان مقرض بالربا، متاجر مزيف، بائع جوال وبائع خردة، متّبع ومسلّم بأمره، خائن ومتآمر، واطئ المنظر.. لكن لم يكن أبدا محاربا، وبالدرجة الأولى خروف ذاهب إلى المذبحة. فتذكروا أفلام الحرب العالمية الثانية (الحل النهائي) وقاعات الغاز. الصورة والديكور كانوا دائما كالتالي: طائفة كلها رجال ونساء، أطفال وشيوخ تذهب إلى الموت، محاطة بعسكريين نازيين اثنين لا غير، سلاحهما فوق الكتف. هذه الصورة للانقياد ستبقى أخاذة دون تمرد، دون احتجاج ولو محاولة هروب واحدة. إذن، لماذا اليوم الجيش الإسرائيلي المتكون أساس من اليهود الاحتياطيين، أصبح لا يقهر؟ من أين تأتي هذه الخرافة أو الأسطورة؟ هذا الاحتيال للجندي الإسرائيلي الباسل والشجاع (مثل العسكري جيلاد شاليط) صاحب القضية التي دوّلت وضخمت عبر الوسائل الإعلامية للتأثير في قيمة الفرد اليهودي أو الإسرائيلي المكافح من أجل الأرض الموعودة، هذا العريف الإسرائيلي الذي بُدّل بمئات الأسرى الفلسطينيين يبقى من بين المسرحيات والحبكة من قِبل الكتلة الصهيونية التي تركب دائما هذا النوع من السيناريو للتاريخ المزيف. سنخاطر إذن في هذا النص، على النقيض دون أن نبحث عن المجاملات ولا نعمل بالنمط [قرية الألماني]، بل سنعمل بطريقة ‘'تل الزعتر، القرية الشهيدة'' التي احترقت ودمرت بما يزيد عن 2000 قتيل من لدن المتطرفين المسيحيين والذين ساعدتهم الروح اليهودية المقربة، ولم يسجل التاريخ آنذاك الخط الموازي مع النازية. نأخذ مرة أخرى التاريخ المزامن ونحلم بأن ”أريحة” (في الهلال الأراضي الخصبة) لا ترى أبدا امرأة عجوز تبكي وتنادي العرب، ولا ننسى الطفل ”درة”، ولا ننسى المهاجمات الأشورية عبر التاريخ، ”بعلبك ومصر العظمى” قبل تسلسل الأحداث تاريخيا، الذي أتى بالعبري ثم الإسرائيلي، ثم اليهودي وأخيرا الصهيوني. من هو هذا الإنسان في الحقيقة؟ هم الذين يعتبرون أنفسهم أقوياء حاليا، يفوق عددهم 5 ملايين في الولاياتالمتحدة، البلد الذي وصلوا إليه بالتوالي هاربين من الحركات الشعبية في أوروبا ضد اليهود ”pogroms”، فكانوا آنذاك ليس لهم الحق في ابتياع منزل ولا في التجارة ولا حتى في التصويت والانتخاب، وفي هذا الزمن ”بيتر ستيفن” (حاكم مقاوم للسامية في سنة 1654) منع أيضا بناء المعابد اليهودية، والذي اعتبر الدين اليهودي كدين سيء، وفيما بعد أصبح نفس اليهود هم الأقوياء في هذا العالم ويسيّرون حاليا السياسة الدولية. في البداية أسطورة المحارب اليهودي كانت مسخّرة إلا بأعوان أمن بسطاء (لما بريطانيا تخلت عن فلسطين). وكان يطلق على هذا النوع من شبه العسكري الذي أفادته بريطانيا بحرص البترول ”حيفا” و«غاليلي” (بتسمية SNS(special night squads) وأصبحوا فيما بعد القوة الخاصة المتكونة من 100 يهودي مرؤوسة من قِبل ”شارل وينقايت” (ضابط بريطاني صهيوني مقتنع، أب روحي ل«أريال شارون”) هذا الأخير هو الذي ضبط فكرة القتال الهجومي وتخلى عن القتال الدفاعي في ذهن اليهودي القلق والمهموم عبر العصور. هكذا بدأت العقيدة العسكرية (بأفواج صغيرة) لقوات الجيش الإسرائيلي، ترافق الخرافة المذكورة أعلاه، عكس اليهود ”قالوت” غير فعال وقانع بما قسم اللّه له، هذه الظاهرة الجديدة الاصطناعية ذات الهدف الاستراتيجي فقط لأن ولادة ”المحارب اليهودي” هي في الحقيقة من نظام ديني، وكادت أن تكون نكتة لولا البريطانيين، فهي غير موجودة في الذاكرة المشتركة. الحرب العالمية الثانية سمحت لمنظمات أخرى (دائما تحت حماية البريطانيين) بالظهور لتخلق زائدا من أغراض بسيكولوجية على كمون عدائي، قوي في العدد.. والإستراتيجية. كانت هناك من بين هذه المنظمات ”أرقون” و«حقانة” التي تظهر الوجه الحقيقي لليهودي، والتي تعمل على الاغتيالات والمؤامرات حتى الآن في الخفاء ضد كل عربي معارض لإسرائيل، (لاحظوا كيف أتى الربيع العربي ببرودة)، أيضا ضد كل كائن يعتبر إعادة إسرائيل الكبرى كدولة ليست من إرادة اللّه أو من النبوءة أو أمر رباني. هذا الفكر الديني يعمل بدقة على تأكيد الهوية اليهودية بين اليهودي الراحل عبر العالم، ومن هذا التاريخ تخلينا عن حق فلسطين وتركنا حتى اليهودي ”الصبرا” (يهودي مقيم في فلسطين). وبسكوتنا تخلينا عن الحق ل«شالوم سوند” (مؤرخ تاريخي، كتب في جريدة ”لوموند” ”شعب إسرائيلي يسترجع أرضه ضد معارضة محلية إجرامية وسيئة” (يقصد الفلسطينيين)، كأن القدس وصلاح الدين الأيوبي لم يكانا إلا وهما. 13 مليون عبر العالم، من بينهم 6 في فلسطينالمحتلة والنصف الآخر في الولاياتالمتحدة، باستثناء مئات الآلاف عبر باقي العالم (فرنسا، بريطانيا، البرازيل وروسيا..) هذا العدد أصبح كتلة متينة (يستوجب الاعتراف بها) قوّمت دائما العداوة والاحتقار ضدها بالأموال ووسائل الإعلام (ماذا يفعل العرب ووسائل الإعلام بأموالهم؟). هذا العدد اليهودي أيضا يذهب بإرادته حتى يقلب صورته من يهودي مار مع الأسوار، رأسه كالمغزل، أنفه معقوف، كبير الأذنين (صورة هزيلة نازية لليلة البلور المشهورة). لكن العنصرية والاحتقار ليس عند الآخرين فقط بل عند اليهود نفسهم ضد العرب المقيمين في فلسطين والمهاجرين غير اليهوديين، الروسيين أو عمال آخرين الذين يرفضون وجود إسرائيل كدولة لكل المواطنين. المواطنون غير اليهوديين ليس لهم اعتبار في إسرائيل، كونهم هم النخبة الفعالة والوحدة الحقيقية للحفاظ السياسي العسكري الإسرائيلي عكس اليهودي الحقيقي الذي لم يكن أبدا محاربا أو خبيرا في الحرب. الوجه الآخر المخبّأ هو الأخطر بالنسبة للإنسان العربي، الذي يقع دائما في فخ القوة العسكرية حسب نظره، بينما هذا الكمون أو القوة (حتى ولو كانت حقيقية) ليست إلا مظهرا يأتي بالخوف والجمود. إنني متأكد أن الحرب في موضع آخر (في البداية في أنفسنا)، ونأتي بالحق للقلق الشرعي للذين يبكون أموات الغوطة بالغاز في سوريا.