الاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا: تأكيد على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق    في إطار متابعة تنفيذ برنامج التحضير القتالي لسنة 2023/2024: الفريق أول لسعيد شنڤريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الثالثة    محمد عرقاب : نحو استحداث 4 معاهد تكوينية متخصصة في مجال المناجم    يعقد هذا الجمعة بتركيا.. مجلس الأمة يشارك في مؤتمر "رابطة برلمانيون من أجل القدس"    عطاف يؤكد:الوضع المأساوي في قطاع غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر في مجلس الأمن    تكفل الدولة بالمواطن متواصل..!?    وزير الداخلية: استلام 134 منطقة نشاط مصغرة مع نهاية 2024    أفراد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بجسر قسنطينة بالعاصمة: وضع حد لنشاط عصابة إجرامية تحترف سرقة السيارات    المجمع الجزائري للغة العربية : الإعلان عن تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللغة العربية    وهران: إيفاد لجنة من وزارة التربية الوطنية للنظر في أسباب سقوط سقف لقسم بمدرسة ابتدائية    طاقة ومناجم: "نسعى الى استغلال الأملاح الناتجة عن تحلية مياه البحر"    لا بديل عن الرقمنة في جرد وأرشفة الملفات القضائية    80٪ من الجزائريين يستفيدون من الانترنت    استعراض آفاق قطاعات النقل والرقمنة في الجزائر    ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات    الشفافية والصرامة في إعداد دفتر شروط التجهيزات الطبية    تطوير المنصة الرقمية للمستثمرين في الصناعة الصيدلانية    تم معالجة 40 ألف شكوى تلقاها وسيط الجمهورية وطنيا    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    لا مفر من الرحيل عن ليل: بعد إهانة ليل.. صديق آدم وناس يكشف "المؤامرة "الفرنسية    «داربي» عاصمي واعد من أجل مكان في النّهائي    تضاعفت قيمة عمورة السوقية 4 مرات: سانت جيلواز.. عمورة للبيع لمن يدفع أكثر من 20 مليون يورو    الخطوط الجوية تعلن عن عرض جديد    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    مطالب بحماية الشعب الصحراوي من الاضطهاد المغربي    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    البنك الوطني الجزائري: رقم الأعمال يرتفع بأكثر من 27 بالمائة في 2023    المدرسة العليا للدّفاع الجوي..صرح علمي بكفاءات عالية    قصف ومجازر وسط القطاع واقتحامات للمسجد الأقصى    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    فرصة جديدة لحياة صحية    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الشرعية الثورية" لاحتكار السلطة
استغلت لمصادرة الحكم ومنع التداول السلمي عليها
نشر في الخبر يوم 31 - 10 - 2014

الحكم بمقتضاها مازال ساريا رغم رحيل العديد من الرموز
الشرعية الثورية محل توريث صامت
لم تتوار “الشرعية الثورية” بمجرد رحيل رؤساء أو انسحاب قيادات سياسية من المشهد السياسي أو رحيل أو تقاعد مسؤولين من جيل الثورة، من الإدارات والهيئات الرسمية، فقد حدث كل هذا، على مدار السنوات الماضية، لكن روح منظومة “الشرعية الثورية” مازالت تعشش في الحكم.
مثقفون، سياسيون، مسؤولون من جيل ما بعد الاستقلال، أو حتى أميون، ممن كانوا يتوقون لتسلم مشعل الحكم يوما، راهنوا على “دورة الحياة” الطبيعية كي تنصرف الظاهرة الجزائرية بامتياز “الشرعية الثورية”، من منظومة الحكم، لكن دورة الحياة توقفت بالنسبة للكثير ممن كانوا محسوبين على هذه الشرعية لتبرير التشبث بالحكم، فيما أن “الشرعية الثورية” لم تتوقف، وإنما انتقلت بالتحول من التواجد بالصفة الجسدية في الهيئات الرسمية وحتى خارجها، ضمن الفضاءات السياسية الحزبية، إلى منظومة “هلامية”، منظومة ضاغطة ومؤثرة في مفاصل الدولة، لا ترى، ولكنها تستشعر في تصريحات وقرارات ومقررات ومراسيم، وقوانين ونصوص تطبيقية، بينها ما يرد في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ملفوفة ببنود ومواد ذات دلالة وطنية لكنها محشوة بالاستناد إلى شرعية “حمل السلاح” خلال الثورة.
دورة الحياة، أو هكذا سمى حسين أيت أحمد واقعه، مبررا الانسحاب من جبهة القوى الاشتراكية، العام الماضي، رغم أن “الزعيم” لم يكن بحاجة إلى “الحكم” حتى يوظف شرعية السلاح، وهو من يمتلك شرعيتين: واحدة تاريخية وأخرى ثورية، كما كان يحملها الرئيس الراحل محمد بوضياف أيضا، لكن قراءات أضافت تخلي أيت أحمد عن العمل السياسي إلى أحداث تلاحقت عامي 2012 و2013، برحيل رؤساء الجزائر، فرحل أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد، وتلاهما علي كافي، وقبلهم جميعا رحل المجاهد والمفكر عبد الحميد مهري، والمجاهد عبد الرزاق بوحارة، والمجاهد سليمان عميرات، كما رحل الشيخ محفوظ نحناح، لتقول إن زمن الشرعية الثورية يكون قد توارى، بلا قرار سياسي، أو مثلما سبق وأن أعلن عنه الرئيس بوتفليقة في خطابه أمام مؤتمر المنظمة الوطنية للمجاهدين، عام 2004، لما وقّع شهادة وفاة هذه الشرعية، في خطاب، بقدر ما أغضب الأسرة الثورية، بقدر ما أفرح جيل ما بعد الاستقلال، اعتقد مخطئا أنه ‘'أخيرا عادت الكلمة لنا''، بيد أن مشعل التسيير والحكم انطفأ بين يدي الثوريين ولم يسلم إلى اليوم حتى وهو منطفئ.
حاليا وكأنما هناك مسعى ل«توريث منظومة الشرعية الثورية”، عبر “فرملة” مساعي التغيير التي تدعو إليه المعارضة، بمبرر تفادي الزج بالبلاد في أتون فوضى كما هو حاصل عند الجيران، ثم محاولة استنساخ ثورة نوفمبر في ثوب راهني جديد لحماية السيادة الوطنية والوحدة الترابية، وقبل أعوام قليلة، دافع فاروق قسنطيني عن تسليم المشعل للجيل الجديد، وسئل رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان عن الشرعية الثورية، فقال إن “ثوريا كبيرا لا يعني مسيّرا كبيرا''، وهو العارف بأن جيل الثورة أغلق على نفسه داخل مراكز القرار، منذ أن تمكن الراحل هواري بومدين من رد الاعتبار لحكم ‘'الثورة'' فيما سمي ‘'بمجلس الثورة''، غداة “الانقلاب - التصحيح الثوري”، الذي أزاح “الشرعية التاريخية”، ممثلة في شخص الرئيس بن بلة. وقال بومدين لاحقا قولته الشهيرة: ‘'عليكم أن تختاروا بين الثورة والثروة''.
لكن، ليست الشرعية الثورية ذلك المفهوم السلبي، في نظر من هم في مناصب المسؤولية، لأن الإقرار بهذا المفهوم بمثابة “إساءة” لشعب اختار، يوم 17 أفريل الماضي، واحدا من الثوريين، فتدعمت الشرعية الثورية بشرعية أخرى، هي الشرعية الشعبية، لكن الباطن وغير الظاهر في جدلية الحكم بمنظور “من حمل السلاح في وجه فرنسا أولى بالمعروف”، هو عدم المعرفة إن كان الجزائريون يحكمون باسم الشرعية الثورية، أم يحكمون باسم الشرعية الشعبية لكن بالتخفي وراء الشرعية الثورية؟ الجزائر: محمد شراق
أستاذ التاريخ محمد ولد سي قدور القورصو ل”الخبر”
“باسم الشرعية الثورية صودرت السلطة”
ماذا تعني “الشرعية الثورية” بالنسبة لكم؟
يشكل تاريخ الثورة التحريرية المنبع الذي ترتوي منه السلطة منذ 1962. فمنه استمدت روحها وقوتها وديمومتها. رغم أن الخطاب الرسمي طلق منذ 2004 “الشرعية الثورية”، إلا أن هذه الأخيرة عادت من بوابة أخرى وفي هندام جديد ومتجدّد حسب مقتضيات الساعة السياسية، فتارة ترتدي عباءة المصالحة الوطنية، وتارة أخرى لباس المقاول لإنجاز ما تبقى من المشاريع الوطنية وتارة أخرى تلوّح براية اللاأمن الذي يهدّد استقرار البلاد وأمنها. كل هذا لتستخلف السلطة نفسها بنفسها. فباسم هذه الشرعية المبتكرة، تم الاستيلاء على مختلف أجهزة الحكم، ما ترتب عنه احتكار مكشوف للسلطة ومصادرة مستدامة، منذ 1962 إلى اليوم، لحق أجيال ما بعد الاستقلال في التداول على السلطة، كل هذا وغيره، كرّس الدكتاتورية وحال دون تكوين دولة مدنية يكون الشعب فيها هو السيّد عبر ما يفرزه “الصندوق”.
نلاحظ أن “الشرعية الثورية” لم تمارس فقط ضد عامة الشعب الجزائري، بل كانت سببا في الشرخ الذي حدث بين إخوة الأمس الذين جمعهم الكفاح المسلّح ضد الاستعمار الفرنسي وفرقهم الاستقلال، حيث أصبح التسابق على السلطة هو غاية كل من اعتقد أن “شرعيته” أولى من “شرعية” منافسه. فباسم “الشرعية الثورية”، دبر الانقلاب السياسي سنة 1961 على فرحات عباس بصفته أول رئيس للجمهورية الجزائرية المؤقتة، فدخلت البلاد منذ ذلك الوقت في دوامة الانقلابات العسكرية. باسم الشرعية الثورية وقعت أحداث صائفة 1962 (مجموعة وجدة) والانقلابات المضادة، في جوان 1965 (بومدين) وفي ديسمبر 1967 (محاولة الانقلاب التي قادها العقيد طاهر زبيري)، وفي جوان 1992 اغتيل الرئيس محمد بوضياف لأسباب مجهولة لحدّ الآن، ربّما لأنه كان ضدّ حكم العسكر؛ هذا ما يوحي به كتابه “أين تسير الجزائر”.
هل استحداث تنظيمات مرتبطة بثورة التحرير، أو ما سمي بالأسرة الثورية كرّس ممارسة الشرعية الثورية بمفهومها السلبي؟
هي امتداد للشرعية الثورية التي تأسست في خضم حرب التحرير واستمرت بعد الاستقلال. فتزامن إنشاء هذه التنظيمات ودخول البلاد في أزمة سياسية وأمنية حادة مطلع تسعينيات القرن الماضي، هدّدت مؤسسات الدولة بما فيها النظام الجمهوري، إلا أن هذه التنظيمات أخذت مع عودة السلم للبلاد حجما آخر وأصبحت آلية من آليات الاستنفار الجماهيري عشية كل استحقاقات رئاسية، لذا يمكن اعتبارها السلطة الخامسة في البلاد بعد الجهاز التنفيذي، والعسكري والحزبي والإعلامي. من هذا الموقع، تمّ توريث “الشرعية الثورية” لفئة من المجتمع رغم أن ذلك مخالف للمنطق التاريخي، لأن الثورة ملك للجميع والجميع مكلف بالدفاع عن مكتسباتها.
هل توجد نقاط تلاق بين مفهوم “الشرعية الثورية” و”الشرعية التاريخية”؟
تحيلنا “الشرعية التاريخية” إلى القادة التاريخيين، أعضاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل ممن أنيطت لهم مهمة تفجير الثورة التحريرية رغم محدودية إمكانياتهم البشرية واللوجيستية، وهم على التوالي مصطفى بن بولعيد ومحمد بوضياف والعربي بن مهيدي ورابح بيطاط ومراد ديدوش وكريم بلقاسم. إن مفهوم “الشرعية التاريخية” أنبل وأقدم من مفهوم “الشرعية الثورية” الذي تحول إلى مفهوم سلبي لما له من دلالات تنم عن المكر السياسي وسلطة العسكر، كما قال بوضياف. تاريخيا ودون الغوص في دهاليز الثورة التحريرية، يمكن ربط ظهور “الشرعية الثورية” بالإعلان عن إيقاف الحرب في 19 ماري 1962 وجسده الانقلاب العسكري الذي قادته مجموعة وجدة بقيادة أحمد بن بلة.
كيف كان لجيش التحرير الوطني ومن بعده الجيش الوطني الشعبي دور في تكريس الشرعية الثورية كممارسة في الحكم؟
يكفينا القول إن مصدر السلطة بمفهومها العريض، من سلطة تنفيذية وحزبية وعسكرية، هو جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني. ويمكن اعتبار ذلك طبيعيا إلى حدّ ما، من منظور الموروث الكولونيالي وضرورة التكفل، على عجالة، بوضع اللبنة الأولى لمفهوم الدولة الجزائرية الناشئة، إلا أن استحواذ جيل الثورة التحريرية على جميع مقاليد السلطة وعدم تسليمه “المشعل” لجيل ما بعد 1962، جعل هذا الأخير يفقد كل مصداقية، ليس فقط في تاريخ الثورة و”النظام القائم” ولكن، وهذا هو الأخطر، في الجزائر كوطن وكأمة.
قال الرئيس بوتفليقة في 2004 خلال مؤتمر منظمة المجاهدين إن “عهد الشرعية الثورية انتهى”. هل تعتقدون أن ذلك تحقق؟
بقدر ما كانت الآمال كبيرة بتولي الرئيس بوتفليقة الحكم، بقدر ما كان الإحباط كبيرا قبيل انتهاء عهدته الأولى وما بعدها. فالكثير من الوعود التي رافع عنها بقوة والتي تفاءلت بها وتفاعلت معها شرائح عريضة من المجتمع، لم تتحقق بل حدث العكس، وأصدق مثال على ذلك عدم تحقيقه دولة القانون وعدم محاربته الرشوة والمحسوبية و.. و.. و.
من زاوية ثانية بقي الخطاب الرسمي المندّد بالجريمة الاستعمارية وباغتيال الفكر التاريخي بسبب قرصنة أرشيف الجزائر من طرف فرنسا، حبرا على ورق. ويذكرني هذا بسياسة الحاج مصالي الذي رفع شعار استقلال الجزائر لقرابة ثلاثة عقود (1926-1954) ولكنه فشل فشلا ذريعا وحكم عليه التاريخ بالخيانة العظمى، على الرغم من أنه الأب الروحي للحركة الوطنية، فلما اشتدت الأوضاع وسدت الأفق، انبثقت عن الأزمة التي عصفت بحزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، طاقات شبانية أقدمت، بكل مسؤولية وعزم، على تفجير الثورة التحريرية، سلاحها الوحيد ثقتها في نفسها وحبها إلى درجة التضحية في سبيل الوطن المغتصب.
الجزائر: حاوره حميد يس
بعد رفض وزير المجاهدين فتح ملف الاعتراف
تجميد اللجان يقصي مناضلين في “لوس” ومحكوما عليهم بالإعدام
أعادت تصريحات وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، بخصوص عدم إعادة فتح ملف الاعتراف بالعضوية في جيش التحرير والمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، إلى الواجهة قضية بطاقة العضوية، التي تحولت إلى ورقة تفاوض في يد السلطة لإبقاء العائلة الثورية في بيت الطاعة، بعد توظيفها في 1962 في إطار إستراتجية السطو على الحكم تحت مسمى الشرعية الثورية.
يترجم قرار التراجع عن فتح ملف العضوية، وتحاشي الإدلاء بتصريحات حول قضية المجاهدين المزيفين، غياب موقف سياسي واضح لدى القائمين على المنظمة والوزارة الوصية. وتحول التجميد إلى لا موقف يطعن في مصداقية الهيئات المشرفة على قطاع المجاهدين وذوي الحقوق. ويرى العديد من المتتبعين للملف أن جذور المشكلة تعود لسنة 1962 بعدما حاول طرفا النزاع تضخيم الصفوف بتجنيد أفراد القوات المحلية أو لاجئين في الحدود الغربية والشرقية، في إطار سعي كل طرف لحسم الموقف لصالحه، ليرتفع عدد المنخرطين في المنظمة الوطنية للمجاهدين إلى أكثر من 100 ألف، بعد أن كان عدد المجاهدين في 1962، حسب محمد حربي، لا يتعدى 10 آلاف مجاهد في الداخل، دون احتساب القوات المتواجدة على الحدود. كما أحصت مصالح المكتب الثاني التابع للجيش الفرنسي أكثر من 46 ألف مجاهد موزعين كالتالي: 20 ألفا في الداخل، 17 ألفا في تونس و9 آلاف في المغرب. وأفرزت هذه الوضعية تناقضات بالجملة من قبيل بقاء مفجري الثورة من أمثال حسين أيت أحمد ومحمد بوضياف من دون بطاقات عضوية، بحيث لم يتحصل الراحل بوضياف على البطاقة إلا عند رجوعه للحكم. كما رفض العديد من المناضلين الوطنيين الحصول على البطاقة والمعاشات من باب الوفاء بالعهد وخدمة الوطن بلا مقابل. لكن شرعية مطلب غلق ملف الاعترافات، بعد 53 سنة من استرجاع السيادة، لا ينفي وجود حالات شهداء ومجاهدين حقيقيين غير معترف بهم لحد الساعة لأسباب مختلفة. وكعينة عن هذه الفئة، ذكرت مصادر ل«الخبر” حالة مجاهد من غليزان، المدعو واضح بن عودة، أول رئيس بلدية لغليزان الذي كان عضوا في المنظمة الخاصة وتعرض للتوقيف سنة 1950 وكان المسؤول المباشر على العقيد عميروش وأيت حمودة عندما كان ينشط في منظمة “لوس” بغليزان، وكان محافظا سياسيا خلال الثورة، لكنه رفض بعد الاستقلال طلب البطاقة. وبعد وفاته سعت العائلة للحصول على البطاقة لكن دون جدوى لحد الساعة. ونفس المصير لقيه ملف المحامي بلعباس محمد، الذي شغل منصب أول وال لوهران وكان محكوما عليه بالإعدام غيابيا من طرف العدالة الاستعمارية بصفته مسؤول ولاية غليزان إبان الثورة، ورفيق العقيد عثمان في المنطقة الرابعة من الولاية الخامسة وعضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، قبل استقالته بعد الانقلاب على أحمد بن بلة من طرف بومدين، ولا يزال ملف عضويته في جيش التحرير الوطني حبيس أدراج لجان الاعتراف بعد أن تعرض ظلما لنزع صفة العضوية سابقا بسبب مواقفه المساندة لبن بلة.
وفي هذا السياق، أحصت المصالح المعنية أكثر من ألفي ملف في مختلف الولايات تنتظر قرار اللجان، ليس طمعا في المعاشات ولكن للتعويض المعنوي وإعادة الاعتبار، وهي ملفات غالبا ما تقوم بإيداعها عائلات ذوي الحقوق.
وهران: جعفر بن صالح
بوتفليقة أنهى الشرعية الثورية قولا ومارسها فعلا
جيل “طاب جنانو” في السلطة وجيل يئس في انتظار تسليم المشعل
عندما قال بوتفليقة مقولته الشهيرة في ماي 2012 بسطيف إن “جيلي طاب جنانو وعاش من عرف قدره”، وقبلها في نادي الصنوبر عندما أعلن نهاية “عهد الشرعية الثورية”، لم يكن أحد ينتظر أن يبقى صاحب العهدات الثلاث في الحكم لطلب عهدة رابعة، رغم وضعه الصحي، لكن بين القول والفعل وضع الجزائر وهي تحتفل بالذكرى ال 60 للثورة التحريرية، يقول إن جيل الاستقلال “طاب جنانو” وهو ينتظر تسلم المشعل.
لا أحد من رؤساء الجزائر تحدث عن انتهاء عهد الشرعية الثورية أكثر من الرئيس بوتفليقة، لكن لا أحد منهم مكث أكثر منه في الحكم (4 عهدات رئاسية). لقد تحدث الرئيس في خطاب لإطارات الأمة بتاريخ 7 أفريل 2005: “قبل ست سنوات، عكفت بالفعل على تجسيد تعهدات تبدو بسيطة لكنها حيوية بالنسبة للوضع الذي كانت تعيشه آنذاك الجزائر، وأعني بها إطفاء نيران الفتنة، وعودة جزائر العزة والكرامة، رفع الوصاية المفروضة على الشعب باسم الشرعية الثورية”. وتحدث أيضا قبلها في مؤتمر المجاهدين في 2004 في خطاب تاريخي بقصر الأمم أن “عهد الشرعية الثورية قد انتهى”، قبل أن يدفع بموقفه إلى نقطة اللارجوع في خطابه في ماي 2012 بسطيف عندما اعترف فيما يشبه خطبة الوداع “جيلي طاب جنانو”، في دعوة إلى أن التغيير ضروري جدا في الأجيال الحاكمة بالنظر إلى تسارع وتيرة تطور المجتمع. لكن الذي حدث أن جيل “الشرعية الثورية” لا يزال جاثما على الحكم ويحتكر لنفسه أي تداول للسلطة. هذا الأمر يوحي بأن مفهوم بوتفليقة للشرعية الثورية لم يكن يقصد به جيل الثورة والمجاهدين والأسرة الثورية، كما اعتقد البعض، بل كان المقصود منه “انتهاء عهد التوازنات الجهوية” التي كانت معتمدة في الماضي لاقتسام السلطة ما بين الشرق والغرب والوسط والجنوب، بحيث كسر بوتفليقة تلك الاعتبارات، وبنى باسم الشرعية الثورية أيضا منظومة حكم محسوبة على منطقة أو جهة واحدة ليست بالضرورة مبنية على الكفاءة بقدر اعتمادها على الولاء والخضوع والزبائنية الضيقة.
ومن هذا المنطلق، تحولت الشرعية الثورية، التي كان مدلولها يؤشر على “ الإجماع”، إلى ما يشبه “العصمة” أو “الحصانة” يحتمي بها المسؤولون المتعاقبون على سدة الحكم، من أي حساب أو عقاب أو مساءلة عن أي تجاوزات. وفي محصلة ذلك أن الجزائريين الذين انتفضوا ضد الاستعمار الغاشم من أجل الحرية، وجدوا أنفسهم على مر سنوات الاستقلال يكبلون في حرياتهم باسم الشرعية الثورية، ما أنجب السلطة المطلقة وغياب ثقافة الحساب والعقاب، مع ما تولده هذه الأخيرة من مشاكل وأزمات، لأن “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، والدليل ما عرفته البلاد من فضائح فساد واختلاس للمال العام، في مختلف الحكومات المتعاقبة ابتداء من فضيحة 20 مليارا التي فجرها الوزير الأول سابقا عبد الحميد الإبراهيمي، إلى الخليفة والطريق السيار شرق غرب، إلى سوناطراك 1 و2 إلى رشاوى شكيب خليل مع “سيبام” الإيطالية.
هذا لا يعني أننا نجرم جيل الثورة الذي قدم ما عليه، وله كل الاحترام والتقدير والتبجيل، لكن مثلما يقال: الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وهذا ما عبر عنه المرحوم عبد الحميد مهري قبل وفاته بقليل بالقول إن “الجبهة التي وحدت كل الشعب لتحقيق الاستقلال، عملت بعدها على الإقصاء من خلال عدم طلب إشراك كل الشعب، وأصبحت الجبهة حزبا واحدا يقصي كل من يخالف أطروحاته”. وحتى وإن رفض مهري إلصاق الأزمة ببقاء جيل الثورة، غير أنه شدد على أنه “يجب ألا نبقى دوما نحدد خطنا السياسي حسب الأشخاص، لأن الخط السياسي إذا كان صحيحا فهو يتسع لكل الناس”، وهو ما لم يعد موجودا حتى في الحزب صاحب الشرعية الثورية الأفالان، الذي يعيش أزمة خانقة تهدد استقرار مؤسسات الدولة، وذلك ما يستدعي التغيير لمنظومة حكم استعملت “الشرعية الثورية” كغطاء للبقاء في الحكم وليس لبناء دولة ديمقراطية، مثلما ورد في بيان أول نوفمبر، لأنه رغم تغير الأشخاص منذ حكم بن بلة، بومدين، الشاذلي... وفي كل مرة النظام بقي كما هو. الجزائر: ح. سليمان
المناضل الحقوقي علي يحيى عبد النور ل”الخبر”
“الشرعية الثورية تحوّلت إلى ديكتاتورية ظالمة”
يعتقد الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، علي يحيى عبد النور، أن “الحديث عن الشرعية الثورية في الجزائر يسبقه فتح نقاش عميق عما إذا كانت هناك ثورة أو معركة تحرير”. ويرى عبد النور أن “الثورة في معناها الشامل هي تحرير الأرض والإنسان، ولكن للأسف نلاحظ الآن أن الأرض حرّرت ولم يحرّر الرجال والنساء”.
زارت “الخبر”، أمس، المناضل الحقوقي علي يحيى عبد النور في منزله الواقع ببلدية الأبيار في أعالي العاصمة، فاستقبلنا بكل تواضع يعكس وقار شخصه وحيويته، رغم تجاوزه عتبة ال90 سنة من العمر. كان أنيقا جدّا، محافظا على نضارة وجهه رغم التجاعيد التي تحكي رواياته وقصصه النضالية إبان الثورة وفي مجال حقوق الإنسان لأكثر من نصف قرن.
كان هدف الزيارة فتح حديث مع “قامة كبيرة”، جاهد “جهادا إنسانيا” في وجه النظام الحالي الذي يعتبره “ديكتاتورية معاصرة”، بمناسبة ستينية ثورة التحرير، حول “الشرعية الثورية” التي تحوّلت إلى “علامة مسجّلة” بعد أكثر من 60 سنة من الثورة.
وانطلق علي يحيي عبد النور في تشخصيه ل«الشرعية الثورية” من عهدي الرئيسين الراحلين أحمد بن بلة وهواري بومدين، وقال: “هذان الرجلان لم يفرقا بين مفاهيم الدولة والأمة والشعب، ولم يفرقا بين الاشتراكية الوطنية ووطنية الاشتراكية، وبالتالي وفي ظل هذا الخلط لم يتحصل الشعب منذ 62 على سيادته، وإنّما النظام الذي ما يزال يتحكم في هذه السيادة”.
وأفاد عبد النور بأن “السيادة الشعبية هي أن يقاوم شعب من أجل انتصار حقه في تعيين ممثليه عبر كافة مؤسسات الدولة، لكنّه حق صودر وأضحى يمارسه النظام السياسي بدلا منه بحجة الشرعية الثورية، لذلك يبقى السؤال دائما مطروحا: هل كانت هناك ثورة ؟ أم معركة تحرير؟ والجواب، مثلما قال، أن الأراضي الجزائرية تحررت لكنّنا لم نحرّر الشعب الجزائري، والمسيطر على الشرعية هو الجيش، لأن النظام منذ 1962 ما يزال عسكريا بحكم امتلاكه حق تعيين الرؤساء”.
وذكر الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان أن “الشرعية في اعتقاد النظام السياسي هي من قاموا بالثورة فامتلكوا الشرعية”، وبرروا ذلك بفكرة الحزب الواحد، فأضحت الشرعية الثورية بالنسبة لهؤلاء تعني “لا أحد يتحرّك ولا أحد يتكلم وليس لأحد أي حق، لأنّنا بعد الاستقلال اقتربنا دوليا من الاتحاد السوفياتي الذي كان نظاما دكتاتوريا”.
وأوضح علي يحيى عبد النور أن “الديمقراطية معناها أن النظام هو الشعب وللشعب ومن الشعب، وأمام هذا المبدأ تصبح الشرعية الثورية استعمارا ثانيا للشعب الجزائري، فتم إخراجنا من الثورة بهدف إطاعة الحكام الذين هم في أصلهم عسكر، ويعتقدون بأنهم يحررون البلاد بحكم أنهم كانوا مجاهدين والخضوع لأوامرهم واجب”.
وأشار المتحدث إلى أن “الجزائر لدى خروجها من الحزب الواحد بدستور 1989، كان النظام الحاكم هو نفسه منذ 1962، وأما حاليا وعلى مستوى المبدأ، الديمقراطيون الشباب يطالبون بتغيير النظام، فاصطدم هذا المبدأ بآخر رفعه رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، الذي طالب بتغيير داخل النظام، ويقصد بذلك الجيش، لأنه يمتلك السلطة الفعلية. وللعلم، فإن القرار في الانتخابات مهما يكن نوعه تكون دائما الكلمة فيه للجيش والمخابرات ب85 بالمائة، و15 بالمائة المتبقية للشعب”.
ويرى عبد النور أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أحد أوجه “الشرعية الثورية”، موضحا: “بوتفليقة لا يسيّر البلاد، فهو ليس رجل دولة وإنما رجل نظام، فالمعنى الأول رئيس يسيّر شؤون البلاد وحاضر على كافة المستويات، أما الثاني مثلما هو عليه بوتفليقة يبحث دائما كيفية سيطرته على النظام وإحكام قبضته على الجيش فقط”.
وتابع المناضل الحقوقي الشهير في نفس الموضوع: “رجل النظام يتمتع بثلاث مواصفات رئيسية، أولها كيف يصل إلى النظام، ثانيها كيفية توسيع مصالحه، ثالثها كيفية الحفاظ على استمراره في الحكم، وهي صفات متوفرة في بوتفليقة الذي يعد وجها ل«الشرعية الثورية”، فتحولت الجزائر على يد هذا الرجل إلى ديكتاتورية، إحدى أبرز صورها البشعة هو وصول بوتفليقة إلى حد تعيين رئيس هيئة أركان الجيش في منصب نائب وزير الدفاع كسابقة خطيرة في تاريخ الدول والأمم”.
وقال علي يحيى عبد النور إن “الشرعية الثورية انتقلت في عهد حكم بوتفليقة إلى النظام الشخصي، ورغم الفشل المحقق إلا أنهم يتباهون بنتائج الأمور التي هي أصلا مزورة مثلما يحدث في الانتخابات، وهو كما كان الحال عليه سنة 2008 عندما عدل بوتفليقة الدستور للحصول على عهدة ثالثة، فكانت بمثابة الانقلاب، باستعمال النصوص، وحينها لم يتحرك الشعب لأن اتفاقا جرى بين بوتفليقة والجنرال توفيق”.
الجزائر: خالد بودية
أستاذ علم الاجتماع ناصر جابي ل”الخبر”
“الجزائر في حاجة إلى بناء شرعيات جديدة تكون محل إجماع”
يعتقد ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن الشكل الذي يتم به توظيف الشرعية الثورية، في العقود الأخيرة من الاستقلال، أصبح يضر بالشرعية الثورية نفسها في المقام الأول. وقال جابي، في حوار مع “الخبر”، إن المسيطر حتى الآن هو القراءة الأحادية لهذه اللحظة المؤسسة لهذه الشرعية، مضيفا أن المبالغة والأحادية التي تم التعامل بها مع أسس هذه الشرعية أفقدها الكثير من بريقها وقوة تجنيدها، ما يعني، حسبه، أن الجزائر أصبحت في حاجة ماسة إلى بناء شرعيات جديدة.
ما هي أسباب استمرار ظاهرة الشرعية الثورية كإحدى ركائز الحكم الأساسية في الجزائر؟
كل نظام سياسي في العالم بحاجة إلى شرعية للحصول على قبول الناس ورضاهم. ولابد لهذه الشرعيات أن تستمر وتدوم حتى وإن تغيرت مع الوقت وأدخل عليها الجديد لكسب تأييد ورضا المواطنين. اللحظة التاريخية الممثلة في الحركة الوطنية وثورة التحرير خاصة كانت هي اللحظة المؤسسة لهذه الشرعية الثورية التي استمرت ما بعد الاستقلال، وكونت عقيدة الدولة الوطنية ومصدر شرعيتها الأساسي، والذي تآكل مع الوقت لأنه لم يتجدد ولم يعد يملك قوة الإقناع المطلوبة التي كانت له في الأول، أو تلك التي يملكها لدى أجيال كبيرة في السن ولا يحظى بالقبول بالتالي لدى الأجيال الشابة تحديدا، التي تبحث عن شرعيات أخرى أكثر تجنيدا وأكثر مواكبة للعصر وللتحولات الاجتماعية، رغم، كما قلت، أن من سمة الشرعيات الاستمرارية الكبيرة حتى وإن تجددت.
ما هي تأثيراتها على الحراك السياسي؟
كأي شرعية هي في الغالب محل تجاذب وتبنٍ متفاوت من قبل تيارات ومراكز سياسية مختلفة، حتى ولو أننا نلاحظ عدم قبول بها كما يحصل مع بعض التيارات السلفية المعادية لرموز هذه الشرعية، كما حصل مع تحية العلم الوطني... لأن للشرعيات طقوسا لابد أن تحترم ويعلن الولاء لها كما هو حال النشيد الوطني والعلم... إلخ.
من الناحية السياسية، نلاحظ حتى الآن تواجدا قويا نسبيا للتيارات الوطنية التي تتبنى هذه الشرعية كعقيدة رسمية لها، كما هو حال جبهة التحرير على سبيل المثال، مقابل أحزاب سياسية تتبنى شرعيات أخرى كالديمقراطية وغيرها من الشرعيات التي لازالت غير مقنعة وغير مجندة للشارع الجزائري.
ما يعاب على هذه الفكرية الوطنية أنها شاخت وتريفت وأصبحت أكثر محافظة مع الوقت، وتآكلت، وبالتالي لم تعد مقنعة ولا جاذبة لفئات واسعة كالشباب وتلك القوى التي أنتجتها التحولات الاجتماعية في الجزائر كالفئات الوسطى الحضرية المتعلمة، التي نلاحظ ابتعادها عن الفكرة الوطنية والتشكيك في شرعيتها.
كيف يمكن الخروج من شرعية السياسة بواسطة العلاقة مع الثورة؟
ثورة التحرير محطة مهمة في التاريخ السياسي للجزائر والجزائريين، ولابد أن تبقى مصدر شرعية كبيرا حتى وإن تجددت واتجه الشعب الجزائري إلى إنتاج شرعيات جديدة تحل محل إجماع وقادرة على التجنيد، والأكيد فيما يخص شرعية الثورة أنها بحاجة إلى تجديد وإعادة قراءة تخرجها من دائرة الأحادية والرأي الواحد. فالحركة الوطنية كانت متعددة ومتنوعة كما هو حال ثورة التحرير، ولابد من العودة لها كمحطة لإعادة قراءتها من جديد لإكسابها بريقا أكبر دون إهمال الشرعيات الجديدة التي يمكن أن تظهر، والمبنية على القيم الإنسانية العالمية وقيم الجهد، وتلك المبنية على العلم والعطاء، فالجزائر بحاجة إلى انفتاح أكبر دون أن تنسى تاريخها المتجدد والمتحرر من التقديس والقراءة الأحادية.
وما هي تأثيرات استعمال الشرعية الثورية على الثورة نفسها؟
الشكل الذي يتم به توظيف الشرعية الثورية في العقود الأخيرة من الاستقلال مضر بهذه الشرعية في المقام الأول. إن المسيطر حتى الآن هو القراءة الأحادية لهذه اللحظة المؤسسة لهذه الشرعية. كما أن المبالغة والأحادية التي تم التعامل بها مع أسس هذه الشرعية أفقدها الكثير من بريقها وقوة تجنيدها، ما يعني أن الجزائر والجزائريات بحاجة ماسة إلى بناء شرعيات جديدة تكون محل إجماع، تعكس تاريخهم وعيشهم المشترك، شرعيات، كما قلت، تكون أكثر انفتاحا على العصر وروحه.
الجزائر: حاوره حميد عبد القادر
في الذكرى ال 60 لعيد الثورة
قيادات وشخصيات وطنية تعلق على” الشرعية الثورية”
موسى تواتي: الشرعية الثورية لم تكن قائمة في الجزائر
عبد الرزاق مقري: الذين أزاحوا الشرعية التاريخية يحكمون بتعميم الفساد
اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد: الشرعية الثورية هي أولا وقبل شيء وفاء للشهداء
عبد المجيد مناصرة: النظام أوغل في توظيف الشرعية الثورية إلى حد الابتذال
السعيد بوحجة: لم يتبق من الشرعية الثورية إلا السلطة الأخلاقية
انقسمت آراء قيادات حزبية وشخصيات حول استمرار السلطة في توظيف الشرعية الثورية، للحفاظ على الحكم والهيمنة على مصادر الريع، ففيما يرى تيار أن الشرعية الثورية لازالت الشرعية الوحيدة التي تحوزها السلطة، عكس ما أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة في خطابه في 2004 خلال مؤتمر منظمة المجاهدين عن نهاية الشرعية الثورية، يرى تيار آخر أن الشرعية الثورية لم تقم لها قائمة في بلادنا.
يرى رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، أن “الشرعية الثورية لم تكن قائمة في الجزائر، لأن النخب التي أدارت شؤون الدولة مكونة من أبناء الباشاوات والقياد وعملاء فرنسا، والذين استفادوا من فرص التعليم، بعكس غالبية أبناء الشعب”. وتابع قائلا: “الذين حاربوا الاستعمار، وتولوا مسؤوليات في الدولة، لم يكونوا إلا واجهة”، وفق رؤية تواتي، وهو ابن شهيد. وحسبه “فالقرار كان بيد مسيرين لهم ولاء تام لفرنسا”، ودلل على ذلك بالتخلي عن تحقيق أهداف بيان ثورة أول نوفمبر بعد الاستقلال، وبالأخص إعادة السلطة للشعب. وذهب للقول: “الأرستقراطية التي أدارت شؤون الدولة بعد الاستقلال تعاملت ولازالت تتعامل مع عموم الشعب الجزائري بنفس أساليب الاستعمار”.
غير أن عبد المجيد مناصرة، رئيس جبهة التغيير، يرى أن السلطة لازالت توظف الشرعية التاريخية للاستمرار في الحكم بدل الشرعية الشعبية والدستورية. وقال: “نلحظ أن النظام قام ولا زال على أساس الشرعية الثورية”، غير أنه نصح السلطة “بالبحث عن شرعية حقيقية، لأن رصيدها من الشرعية يكاد ينفد”، مضيفا: “لقد أوغل النظام في توظيف الشرعية الثورية أو التاريخية إلى حد الابتذال”، مبرزا حاجة النظام القائم لتزويد رصيده أمام الأجيال الجديدة، وبناء شرعية قائمة على الصندوق، وتأسف في رده على سؤال بخصوص ما تحقق من بيان أول نوفمبر على عكس ما جاء به البيان لبناء دولة ديمقراطية اجتماعية على أساس المبادئ الإسلامية، حيث قال: “ليس لنا من الديمقراطية إلا الاسم، ومن الإسلام إلا الشعارات”.
ويرى سعيد بوحجة، مسؤول الإعلام في قيادة جبهة التحرير الوطني، أن الشرعية الثورية “لم تعد امتيازا للحصول على الحكم، فالجزائر دولة كغيرها من الدول تشتغل على أساس دستور ينظم الحياة العامة بكونه عقدا بين الجزائريين، كما أن جيل الاستقلال يتولى المسؤولية والقرار في أغلب المناصب الحساسة في الدولة”، واستدل بوزير المجاهدين الذي هو من جيل الاستقلال، واستدرك: “الشرعية الثورية مختصرة حاليا في سلطة أخلاقية للمجاهدين الذين حاربوا الاستعمار”.
ولاحظ اللواء المتقاعد، عبد العزيز مجاهد، أن الشرعية الثورية هي أولا وقبل شيء “إيمان ووفاء لعهد الشهداء، ليس الذين سقطوا خلال حرب التحرير فقط بل خلال نضال الجزائريين المرير ضد الاستعمار على مر العصور”. وقال: “ثورة أول نوفمبر كانت محطة من محطات نضال أخرى، وللأسف اختصرنا نضال الشعب الجزائري في مرحلة أول نوفمبر، في حين مثلا استشهد في الفترة الممتدة بين 1830 و1850 مليونا شهيد، أي أكبر من عدد الذين سقطوا خلال ثورة التحرير الكبرى”.
واعتبر عبد الرزاق مقري، رئيس حركة حمس، في رد مكتوب على سؤال “الخبر”، “لقد انتهى الحكم بالشرعية التاريخية وحل محلها الحكم بالفساد والولاء للجهة والعائلة والمصالح”. وقال، في رده على سؤال “الخبر”: “الذين أزاحوا الشرعية التاريخية هم الذين يحكمون بتعميم الفساد والولاءات الجديدة”.
وفي رأي حميد فرحي، منسق الحركة الاجتماعية والديمقراطية، فإن وجود الرئيس بوتفليقة في الحكم يجسد هذه الشرعية الثورية، رغم إعلانه، في 2004، نهايتها. وتابع أن نهاية هذه الشرعية ستكون بعد رحيله، في غياب من يخلفه من جيله، مبديا خشيته مما يخفيه المستقبل، لأن الجزائر مقبلة على السقوط في يد الطغيان بدل الشرعية الديمقراطية. الجزائر: ج. فنينش
ماء الذاكرة يجف من العلاقات الجزائرية الفرنسية
بوتفليقة يُحقق نبوءة كوشنير قبل الأوان
أسقطت السلطة من أجندتها السياسية ملف الذاكرة، فلم يعد هذا الموضوع يحظى بالأولوية في علاقاتها مع المستعمر القديم، وأصبح تناوله مقتصرا، في المناسبات الوطنية، على سرد قصص ملحمية يرويها مجاهدون مازالوا على قيد الحياة، عبثا تحاول القفز على مطلب شرعي بكشف حقيقة مساحات رمادية في الثورة، تحتكر فرنسا حقيقتها إلى اليوم في أرشيف ترفض كشفه، وفي مأساة تأبى الاعتراف بمسؤوليتها والاعتذار لضحاياها.
استعجلت السلطة، في عهد الرئيس بوتفليقة، تحقيق نبوءة وزير الخارجية الفرنسي في عهد ساركوزي، برنار كوشنير، حينما قال في تصريحات (أفريل 2010) لم يعد مفهوما اليوم سبب إغضابها الجميع في ذلك الوقت، قال إن العلاقات الفرنسية الجزائرية ستكون أفضل برحيل جيل الثورة من الحكم، فإذا بها تكون في أحسن أحوالها مع استمرار جيل “عبد القادر المالي” في الحكم !
قد يكون طبيعيا أن تؤول العلاقات الجزائرية الفرنسية، بعد ستين سنة من الثورة، وأكثر من خمسين سنة من الاستقلال، إلى مسار تصالحي يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، لكن هذا الأساس لا يمكن أن يكون صلبا إن هو طمس معاناة شعب أبيد وأهين وسرق ونهب أكثر من 130 سنة، إنما يكون متينا إن هو بني على إسمنت مسلح بذاكرة يقظة، تحدد المسؤوليات التاريخية بالاعتراف والاعتذار، ولا ترميها إلى براثن النسيان. هكذا كان، وفق المؤرخين، شأن المصالحات في التاريخ الحديث بين ألمانيا وفرنسا، وبين ألمانيا والكيان الصهيوني، وهكذا كانت تريد الجزائر إلى وقت قريب لتوقيع اتفاقية السلام والصداقة بين البلدين في عهد الرئيس شيراك، حينما طلب الرئيس بوتفليقة رسميا من فرنسا الاعتذار في ذكرى يوم الطالب سنة 2006. وقد شجع ذلك البرلماني الأفالاني، موسى عبدي، على اقتراح قانون تجريم الاستعمار، ردا على ما ورد في قانون فرنسي صدر في 23 فيفري 2005 ويشيد بالدور الإيجابي للاستعمار ما وراء البحار.
غير أن مقارعة السلطة في الجزائر للاستفزازات الفرنسية وتمسكها بمطلب الاعتذار في فترتي الرئيسين اليمينيين شيراك وساركوزي، سرعان ما سقط في الماء بمجيء الاشتراكي فرانسوا هولاند سنة 2012 إلى الحكم، ولم تعد السلطة ترى اليوم أي داع لتنغيص علاقاتها الجيدة مع فرنسا، بإيراد ما يزال مستشكلا منها على مدار سنوات الثورة الدامية، مستسلمة لإشارات إيجابية ما فتئ يبعثها هولاند، تارة بالاعتراف بمسؤولية الشرطة الفرنسية في مجزرة 17 أكتوبر 1961 بباريس، وتارة بالتأكيد خلال زيارته للجزائر أن الاستعمار سبب مآسي كبيرة للجزائريين، وكل ذلك منتقى بعناية بالغة تخرج فرنسا من مسؤوليتها كما تخرج الشعرة من العجين، أما فعليا فلم تكن لدى الرئيس الفرنسي حتى الشجاعة لإعادة مدفع بابا مرزوق كبادرة رمزية كانت تنتظر منه خلال زيارته للجزائر في ديسمبر 2012، ناهيك عن الاعتراف والتوبة ثم الأرشيف وخرائط الألغام ومسؤولية الجرائم النووية.
ورغم أن مبادرات هولاند تعتبر شديدة الاستحياء قياسا إلى المطالب المرفوعة، إلا أن السلطة في الجزائر تقابلها بكرم حاتمي، لدرجة تدشين سابقة تاريخية بحضور الاحتفالات المخلدة لذكرى الحربين العالميتين الأولى والثانية التي أقيمت تزامنا مع العيد الفرنسي في 14 جويلية، ثم حضورها ذكرى إنزال بروفانس في 14 أوت، متجاهلة رفضا بدا في ظاهره عنيفا من منظمة المجاهدين لهذا الحضور ثم استسلم راضخا للأمر الواقع، كشأن كل مواقف الأسرة الثورية التي تغلي داخل قدر السلطة ثم تذوب في مواقفها !. وحتى ما يسمى بمجموعة الدفاع عن الذاكرة والسيادة التي أسستها أحزاب معارضة، سرعان ما تلاشى أثرها بعد أن أنساها صراعها مع النظام الدور الذي تأسست من أجله.
وأمام كل ذلك، تبقى مقاومة النسيان والتناسي حية في ذاكرة شباب أصبح يستعمل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر صور فظائع ما لحق بالجزائريين من مجازر، للتدليل على أن بربرية الاستعمار فاقت في وصفها حتى ما تقوم به داعش اليوم، وأنها ربما - يا كوشنير- تأبى النسيان.
الجزائر: محمد سيدمو
إعلاميون يقيّمون تجربة “الخبر”
عبروس: “الخبر” مثال المصداقية الإعلامية
قال مدير نشر جريدة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية، أوتدرت عبروس، إن جريدة “الخبر” مثال للصدق والمصداقية في الممارسة الإعلامية بالجزائر، وأكد على احترافية فريقها الصحفي في تقديم الخدمة الإعلامية والمعلومة الصحفية دون زيادة أو نقصان. وذكر عبروس بأن “الخبر” تبقى تحتفظ بلقب كونها أول صحيفة وطنية خاصة ومستقلة ناطقة باللغة العربية، مباشرة عقب الانفتاح الإعلامي والتحول الذي شهدته الجزائر في 1990.
وأوضح عبروس في سياق تهنئة “الخبر” وكل الطاقم العامل بها على إطفائها الشمعة 24، أن فترة 24 سنة من عمر مؤسسة إعلامية فترة قصيرة، مشيرا إلى أن جريدة “الخبر” لا تزال فتية على الرغم من عطائها الكبير لمجال الإعلام الحر في الجزائر، وحفاظها على طابعها الاستقلالي.
حدة حزام: “الخبر” صمدت أمام الإرهاب وتضييقات السلطة في سبيل الكلمة الحرة
اعتبرت مديرة نشر جريدة “الفجر”، السيدة حدة حزام، جريدة “الخبر” أبرز مكاسب التعددية والانفتاح السياسي على الإطلاق، إثر تدجين بعض الأحزاب وممثلي المجتمع المدني وإسكات صوت بعض المؤسسات الإعلامية. وقالت حزام عن “الخبر” إنها إحدى المنارات التي تقتفي خطاها كل جريدة أو مؤسسة إعلامية تبحث عن حرية الكلمة ومصداقية المعلومة، حيث تمثل رفقة بعض العنوانين الحرة الإعلام المستقل الذي قدم الكثير للبلاد وللديمقراطية باعتراف السلطة ذاتها.
وذكرت حزام بدايات تأسيس “الخبر” على يد فريق شاب من الصحفيين، الذين قالت إنهم استفادوا من ممارستهم الإعلام في جريدة “المساء”، إذ كانت تتميز بخطها الحر، وهو التوجه الذي تبنته “الخبر” إثر ذلك، وحافظت عليه قرابة ربع قرن من الممارسة الإعلامية، فاتحة باب الحرية الصحفية على مصراعيه، في مواجهة مخاطر التهديدات الإرهابية خلال العشرية السوداء، وتضييقات السلطة في المرحلة الراهنة.
احميدة العياشي: حرية التعبير لا زالت مهددة بالمضايقات والنزعة التسلطية
قال مدير نشر جريدة “الجزائر نيوز”، احميدة العياشي، إن حرية التعبير والكلمة الحرة لا تزال مهددة بعد حوالي ربع قرن من تعديل الدستور والتوجه إلى التعددية الإعلامية، وأشار إلى ممارسات السلطة التي تحاول التضييق على العناوين ذات المصداقية، من خلال النزعة التسلطية التي تحاول من خلالها إعادة الصحافة إلى زمن الحزب الواحد وتكميم الأفواه. وأضاف أن احتفال جريدة “الخبر” بالذكرى 24 لتأسيسها فرصة للإعلاميين والأقلام الحرة للتضامن فيما بينهم وعدم تقديم تنازلات حفاظا على حرية الإعلام.
وأشار احميدة العياشي، مع ذلك، إلى أن المناسبة تعبر في حد ذاتها عن كسب الصحفيين المؤسسين لهذا المعلم الرهان، من منطلق، كما قال، أنها اعتبرت آنذاك مغامرة كونها جاءت عقب تعديل الدستور وأحداث أكتوبر 88، لتفتح “الخبر” رفقة عناوين أخرى على غرار “الوطن” و”لوسوار” المجال للإعلام المستقل.
الجزائر: جمعها سعيد بشار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.