أثرت عدسات المصورين والكاميرات عبر التاريخ في الرأي العام والأنظمة بنقل أدق تفاصيل ما يجري في العالم من حروب ومآس، ولأن الصورة بألف كلمة فإنها تجسد بين تفاصيلها حجم المأساة والكارثة الإنسانية، وتحمل رسائل قد تساهم في تغيير مواقف الدول، آخرها صورة الطفل السوري إيلان، التي فتحت أبواب أوروبا لاستقبال آلاف اللاجئين. لم تمر الصور البشعة التي جسدت مأساة الطفولة البريئة، والتي تناقلتها أكبر وكالات الأخبار العالمية وأكبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة من دون أن تحرك مشاعر الملايير من البشر، كما كان عليه الشأن مع الطفل السوري “إيلان”، 3 سنوات الذي لفظته أمواج البحر بأحد شواطئ تركيا في 1 سبتمبر الجاري، بعد أن قضى بمعية العشرات من اللاجئين في عرض البحر الأبيض المتوسط مؤخرا، بعد هروبه مع أسرته في زورق من نار الحرب السورية إلى تركيا. فصورة هذا الطفل مازالت تثير تفاعلا كبيرا سواء في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. لتخلف موجة من الحزن والغضب، لدرجة أنها غيرت مواقف دول أوروبية خاصة الغربية لتستقبل اللاجئين. ما يحدث في سوريا من مآس، جسدته أيضا صورة لطفلة سورية رفعت يديها أمام كاميرا موظف إغاثة ظنا أنها سلاح. وتضاف لها واقعة جديدة تبين مدى المعاناة والألم والرعب الذي يعيشه أطفال اللجوء السوري نتيجة الحرب الدموية الدائرة هناك، وما شهدته من مآسٍ، حيث تداول عدد من مستخدمي موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر”، صورة لطفلة سورية أخرى تجهش بالبكاء وهي ترفع ذراعيها استسلامًا، حينما اقترب منها أحد موظفي الإغاثة التابعين للصليب الأحمر ممسكاً كاميرا في مخيم للاجئين السوريين بالأردن، ظنًا منها أنه يريد إيذاءها. الدرة والدوابشة وإن كان الحال السوري مأساويا، فإن الأوضاع في فلسطين لا تقل ألماً والتي جسدها الطفل فلسطيني سعد الدوابشة، الذي استشهد حرقاً بتاريخ 31 جويلية 2015 جراء هجوم لمستوطنين على منزل عائلته، وإضرام النار فيه بالضفة الغربية، وهي الجريمة التي أودت كذلك بحياة والده ووالدته وإصابة شقيقه (4 أعوام) بحروق من الدرجة الثالثة. بينما لا تزال صورة الطفل الفلسطيني “محمد الدرة” شاهدة على جرائم إسرائيل، والذي استشهد في الثلاثين من شهر سبتمبر عام 2000 برصاص الاحتلال الإسرائيلي في غزة أثناء احتمائه بوالده من بطش العدو الصهيوني. وكان قد صور هذا المشهد مصور فرنسي اسمه شارل أندرلان كان يعمل وقتها كمراسل بقناة فرنسا 2. “السيدة العذراء لبن طلحة “ أما في الجزائر، فالجميع يتذكر الصورة الشهيرة المعروفة تحت تسمية “السيدة العذراء لبن طلحة” التي التقطت في 23 سبتمبر 1997 في أعقاب المجزرة التي عرفتها المنطقة، قام بالتقاطها المصور حسين زورار من وكالة الأنباء الفرنسية بمستشفى زميرلي بالعاصمة وتبين حجم الفاجعة التي ألمت بإحدى النساء التي فقدت أعضاء أسرتها في المجزرة التي وقعت ليلة 22 إلى 23 سبتمبر 1997، وقد قارب عدد الضحايا 200 شخص. ونالت الصورة صيتا وشهرة كبيرة وصدى واسعا، حيث تحصلت على جائزة الصورة الصحفية العالمية عام.1997.
تابعونا على صفحة "الخبر" في "غوغل+"
الطفلة الفيتنامية وبالفيتنام، تسببت الطفلة “كيم” في وقف حرب فيتنام والتي نالت شهرة عالمية بسبب الصورة التي تم التقاطها لها أثناء ركضها عارية في 8 جوان 1972 في قرية ترانج بانج الفيتنامية بعد احتراق جسدها من الخلف بفعل نابلم القوات الفيتنامية الجنوبية. ودعت أمريكا في ذكرى حرب فيتنام عام 1996 “كيم” لإلقاء خطاب أكدت فيه أننا لا نستطيع أن نغير الماضي ولكن نستطيع أن نعمل جميعاً من أجل مستقبل يعمّه السلام، لافتة إلى أن جسدها يحمل العديد من الآثار وآلام الشديدة في معظم الأيام ولكن قلبها مازال صافياً. وأسست كيم فيما بعد جمعية “كيم لمساعدة الأطفال من ضحايا الحروب” كما تم اختيارها سفيرة اليونسكو للنوايا الحسنة. عدسة المصور الإفريقي ونقلت عدسات المصور الجنوب إفريقي كفن كارتر صور المجاعة في الصومال، إذ كانت تستعرض طفلا يعاني سوء التغذية وهو يزحف نحو معسكر الأممالمتحدة الذي كان ملجأ لضحايا المجاعة ويقدم الغذاء في الصومال، ويقف على بعد أمتار منه طفل كان ينتظرا موته حتى يتغذى على جثته. وقد انتحر المصور بعدها بثلاثة أشهر نتيجة الكآبة التي أصابته بسبب تواجده في الصومال لتغطية أحداث المجاعة في حينها. الإعلامي عباس بلاحة “الصور امتحان عسير لقيادات العالم” يقول الإعلامي والصحفي بجريدة “المجاهد” الناطقة بالفرنسية، بلاحة عباس، بخصوص تلك المشاهد المروعة وما يمكن أن تغيره من معطيات في المستقبل القريب: “إنها صرخة البراءة، فالصور التي تداولتها وكالات الأنباء العالمية تبقى من وجهة نظري الخاصة بمثابة امتحان عسير لقيادات العالم من مختلف مواقعها وتوجهاتها، بعد أن تكون قد وضعت الجميع أمام الأمر الواقع. وبات الكل من موقعه مطالبا بإعادة النظر في جملة من الأمور المتعلقة بالطفولة أملا في حمايتها من الغطرسة والاستغلال والهلاك الأكيد”. فصورة السوري “إيلان” على سبيل المثال يقول المتحدث، “يعلم الكل بأنها ليست بحالة شاذة مما بات يستدعي حقيقة تفعيل القوانين والمواد المنبثقة عن ميثاق الأممالمتحدة وعملا ميدانيا جبارا من المنظمات الدولية لدحر كل من تخول له نفسه الدوس فوق البراءة لتحقيق أغراض دنيئة حتى ولو تطلب الأمر تطبيق الأساليب الردعية”. وعما يمكن أن تغيره تلك الصور في المستقبل خدمة للأبرياء يقول السيد بلاحة: “أظن أن كبح مثل هذه الممارسات يتطلب إرادة سياسية عالمية قوية داعمة لما تبذله المنظمات العالمية من مجهودات ميدانية، كما بات من الضروري “الاستثمار الجيد” في تلك الصور رغم بشاعتها وذلك بالاستعانة بها في تحسيس الرأي العام الدولي أملا في غد أفضل لأجل حماية البراءة”. الدكتور سمير رحماني “ الصورة أحسن رسالة إعلامية للتأثير” قال الدكتور في الإعلام والاتصال بجامعة باتنة، سمير رحماني، إن الصورة هي أكثر لغة لإيصال المعاني للجمهور، عكس اللغة اللفظية، على غرار صورة الطفل “إيلان”، التي خاطبت كل الجوانب النفسية والعاطفية للإنسان، والصورة تسقط حسبه كل المفاهيم السابقة، ويبقى السؤال هنا هل هي صورة مفبركة أم لا؟ خاصة وأن الرأي العام الغربي، هو رأي ينتج عن العاطفة، وهو ما استثمر فيه، وبرز ذلك من خلال قيامهم بمظاهرات للضغط على أنظمتهم لقبول اللاجئين السوريين. مضيفا أنه في السابق الإعلام زرع صورة نمطية لسوريا وشعبها على أنهم إرهابيون وبمجرد نشر وتداول صورة الطفل “إيلان” تغير المفهوم، والرأي العام الأوروبي وهو ما يدعو، حسب ذات المتحدث، للشك في مدى مصداقية تلك الصورة، التي تصور طفلا بريئا ممدا على الأرض وبالقرب منه جندي تركي؟ وأين هم الجثث الأخرى ووالدته وأخاه الأكبر؟ وهذه الصورة ساهمت في تغيير الصورة النمطية لسوريا وللفرد السوري، ويمكن القول أنه نفس الشيء الذي كان يحدث في الجزائر أثناء العشرية السوداء، عندما كان يروج الإعلام الغربي بأن الجزائري إرهابي أينما حل أو انتقل. واتفق الدكتور رحماني على أن المبدأ الإعلامي، لا يمكن مقاومة الصورة وهي أحسن رسالة إعلامية للتأثير في الرأي العام، ووفقا لمصالح وسائل الإعلام العالمية خاصة إذا خاطبت الجانب العاطفي والنفسي، وقد استطاعت أن تحقق ذلك من خلال استثارة مشاعر الغرب، وهو ما لزم عبر رسالة إعلامية “صورة إيلان” التي أحدثت ثورة وقلبت كل المفاهيم لتبيض صورة اللاجئ السوري لتجعل الأوروبيين يتعاطفون معه، وهو ما نراه حاليا. الدكتور هدير محمد “الصورة مؤثرة سواء حية أو مفبركة” أفاد الدكتور هدير محمد، أستاذ بجامعة الجزائر 3 كلية العلوم السياسية والإعلام، أن الصورة اليوم أمست تلعب دورا هاما في تحريك وتوجيه الرأي العام، لما لها من تأثير كبير في نفوس المشاهدين، بغض النظر عن ما تختصره من كلام بحيث أنها تعوض 1000 كلمة. وأوضح الدكتور هدير، أمس، لدى حلوله ضيفا على جريدة “الخبر”، أن هذا التأثير لا يقتصر على عصر التكنولوجية فقط بل منذ العصور القديمة، واستدل كلامه بالرسامين الذين كانوا وقتها يلعبون دورا فعالا في هذا المجال، وذكر على سبيل المثال قصة أحد شعراء الهجاء في العصر الجاهلي عندما تراجع عن هجائه لأحد رسامي عصره، خوفا من تهديدات الرسام بتشويه صورته ووضعها على مدخل المدينة. كما ضرب مثالا حيا عن تصوير شجرة الزقوم المذكورة في القرآن الكريم، وتأثيرها على نفوس المسلمين وتصويرهم لعذاب جهنم. وقال الدكتور هدير إن “للصورة لغة موحدة يفهمها جميع الشعوب باختلاف أنواعهم ومشاربهم، من دون اللجوء إلى ترجمة الكلمات ولما تختصره من كلام بين السطور”، وأضاف “أن الصورة تحمل دلالات ظاهرية وأخرى خفية ولكل مشاهد قراءته الخاصة.” وقال الدكتور إن “العالم أصبح اليوم يعيش عصر الصورة نظرا للتطور التكنولوجي”، واستدل كلامه بتأثيرها على الحراك الذي شهده العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، عكس التقارير الإخبارية والمقالات الصحفية التي تراجع دورها نسبيا مقارنة بالصور والفيديوهات. وفي السياق، أشار الدكتور هدير إلى بعض النقاط السلبية للصورة وسلط الضوء على بعض الأطراف التي تغتنم بعض الصور المفبركة لمغالطة الرأي العام، في ظل الحرب الإعلامية، خاصة في ظل تطور التكنولوجية الرقمية، لكن يرى محدثنا أن تأثير الصورة يبقى قائما سواء كانت مفبركة أو صورة حية.
