المتمعن في ما يحدث اليوم من حراك في بعض الدول العربية، يتساءل بدون شك عن الغاية أو الأهداف التي سطرها هؤلاء الحاملون لرايات الثورة، للانتقال ببلدانهم من وضع إلى آخر. وإن كنا نعلم أسباب اندلاع هذه الثورات التي سميت ب"الربيع العربي” والمتمثلة على ما يبدو في الحصول على المزيد من الحريات وتكريس الديمقراطية المفقودة، فإننا لازلنا نجهل مصير هذه الأوطان بعد الذي حدث والذي يحدث وكذلك الذي سيحدث، باسم الحرية والديمقراطية. فباستثناء تونس التي خرجت من عنق الزجاجة، بفضل النضج السياسي وتغليب المصلحة العليا للوطن على المصالح الشخصية الضيّقة، فإن باقي الدول التي تعيش خريفها العربي، تسير نحو المجهول في نفق مظلم لكونها غلّبت المصلحة الشخصية والنزعة الطائفية والقبلية على أمن واستقرار ووحدة بلدانها. فما الفائدة من ثورة تدمّر البلد وتجزئه إلى دويلات تسير بنزعة قبلية، يغيب فيه الأمن والاستقرار رغم أن ممارسة الديمقراطية والحريات مرهونة بتوفر الأمن والاستقرار؟ الواقع أن مانشاهده اليوم من دمار وخراب واقتتال بين أبناء الوطن الواحد، باسم ”الربيع العربي”، هو تطبيق لمخطط غربي - صهيوني لتقسيم الوطن العربي، لأن ما فشل غيرنا في تطبيقه يطبّقه العرب للأسف، عن طريق المناولة وبسذاجة رهنوا بها أمن ووحدة بلدانهم. فقد انعدمت الصورة المستقبلية للدولة التي ينشدها بعض ممن ثاروا من أجل التغيير، أو أنها أصبحت صورة معتمة سوداء لا مؤشر فيها للغد المشرق الذي تمارس فيه الديمقراطية وتضمن فيه الحريات العامة والشخصية، بعد أن تحولت أوضاع البلدان المعينة بهذه الثورات إلى أوضاع كارثية يصعب تداركها للخروج من النفق، أو على الأقل يمكن القول أن مسيرة البحث عن الحل السلمي وإصلاح ما تم تدميره ستكون شاقة.