تناولت ندوة "الكتابة في زمن الجائحة" عرضا لتجارب إبداعية رأت النور في زمن الأزمة، وفتحت أعين القرّاء في اتصال مباشر معهم على التكيّف مع وباء الكوفيد، وبالتالي الإطلالة على فسحة الأمل، هروبا من الخوف والحبس، كما استعرضت شواهد من التاريخ الأندلسي حين تم التعامل مع الوباء القادم من أقاصي آسيا بالعلم وحده. عاد البروفيسور عبد الله حمادي للتاريخ مستعرضا مخطوط لم يحقّق بعد عن ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي عنوانه "تحصيل عرض القاصد في تحصين المرض الوافد"، ويخصّ حالة وباء الطاعون الذي ضرب البلاد تماما كما فعل الكوفيد، حيث كان ابن خاتمة تلميذا لسان الدين بن الخطيب الطبيب والفيلسوف والشاعر، عرف بذي الوزارتين (السيف والقلم) وذي الميتتين (قتل ثم أخرج من قبره وحرق) نتيجة أبحاثه العلمية التي رآها المتشدّدون زندقة، ورآه المسيحيون في أوروبا على أنه عقاب من الله نتيجة الذنوب، لكن العالم ابن الخطيب وتلميذه ابن الخاتمة تصديا للوباء بالطب والعلم وبحثا في أسبابه ومنشئه وعالجا المرضى، وسمّيا المرض بالوافد، وتحدث ابن خاتمة أيضا عن أسباب انتشار المرض بين الناس والفتك بهم، واكتشف أنّ الأسباب تعود لأكل البشر للحشرات والطيور الغريبة في أقاصي آسيا، كما رأى أن من بين الأسباب مشكل الهواء وتسرّب المياه الراكدة المتعفنة وغيرها. وقال ابن خاتمة إنه التقى تجارا من جنوة وسمرقند، أكّدوا له أنّ المرض قادم من شرق آسيا، وقد دام 20 سنة ومن أعراضه الحمى والغثيان والرعشة والعياء والتعرق أي مثل الكوفيد، ورأى هذا العالم أن المرض معدي ففرض العزل وأدان تسيّب الناس وبيعهم لملابس موتى الطاعون التي تحوي الفيروس، وبذلك نالت كتب الطب هذه الاهتمام وكانت فيما بعد أساسا للنهضة العلمية الأوروبية. أما الدكتورة راوية يحياوي من جامعة تيزي وزو فتحدثت عن الكتابة في زمن الكوفيد واعتبرتها عاملا يؤجل الموت تماما كما فعلت شهرزاد عندما تحكي كل ليلة لشهريار كي تدفع عنها القتل، كما اعتبرت أنّ هذه الكتابة هي لزمن قادم تقرؤها الأجيال كنوع من التأريخ وانتصار للمعنى الإنساني الذي ينتقل عبر الزمن حيث الكتابة تحقّق سلطة الوجود، وتوقفت المحاضرة عند فن الرسالة في التاريخ العابرة للزمن لتصل للمتلقي بكل ما تحمله من شواهد وأحاسيس.بدوره، تناول الروائي واسيني الأعرج هذه التجربة والتي تمثّلت عنده في مولود سمّاه "ليليات رمادة"، وقال إنّه عاش ظروف الكوفيد عندما كان بباريس، حيث فرض عليه الحجر كباقي الناس فشغل نفسه بالكتابة التي اعتبرها قشة النجاة، فسجل كل أحاسيسه وشهادته ليوميات رتيبة، وبحاسة روائية أقوى، علما أنّ كتابة رواية بين أربعة جدران لم يكن مستساغا من قبل. قال واسيني "خطّطت لمشروع رواية فكتبت الفصل الأول من تجربتي ونشرته على الفايسبوك ليقرأه الجمهور فتلقفوه، فقد كان ينقصهم النقاش في فكرة ما وهي حاجة عامة، ثم أصبحت أكتب كل خميس وأحد وأنشر وأقول لمتابعيّ انتظروني فكان بمثابة التزام ظننتني لا أقدر عليه، لكن جاء الفصل الثاني وبدأ النقاش يتوسع ويتعمّق بإحساس مشترك مع القراء وعلى مدار 34 أسبوعا حتى انتهت الرواية ". وأوضح واسيني أنّ الرواية هذه هي قصة حب بطلها موسيقي يسافر في زمن الكوفيد للنمسا ويصاب ويدخل الإنعاش ويترك بذلك حبيبته التي كان يراسلها وينقطع عن الكتابة، لتظل هي تأمل في شفائه حتى يعود للحياة منهكا، لتمرض هي بدورها بالكوفيد، وهنا أشار المتحدث لقرائه أن يكتبوا نهاية للقصة طبقا لما يرونه فكان الإبداع، مؤكّدا أنّ بعض النهايات كانت أجمل من نهايته.تناولت الكاتبة فضيلة ملهاق مسألة الكتابة القانونية والأدبية التي مارستها زمن الكوفيد لتغوص في مسائل خاصة بحقوق الإنسان عبر العالم في ظل الجائحة التي قيدت الجميع بالحجر وبأزمات أخلاقية متعلقة أساسا باللقاح وتوزيعه والتكفل ببني البشر على حد سواء، كما كتبت رواية "عندما تشتهيك الحياة" الذي بطلها جون وتتناول فيها فلسفة الأخلاق.