استضافت المؤسسة الثقافية "عسلة" بالعاصمة، مؤخرا، الكاتب والإعلامي نور الدين لوحال، للحديث عن القصبة مسقط رأسه، ويوقع بالإهداء كتابه "أسطورة العميد"، متوقفا عند ذاكرة القصبة ومدينة الجزائر القديمة بأحيائها وأحداثها التاريخية (خاصة ما تعلق بالمقاومة) ومعالمها، متمنيا أن يعاد بناء هذه الذاكرة الجماعية الجزائرية التي تسبق، حسبه، ترميم الجدران. عُرضت بالمناسبة، أعمال السيدة حاج أحمد، التي تزينت بها جدران قاعة "عسلة"، وهي عبارة عن صور في شكل لوحات من الحجم الكبير، أغلبها بالأبيض والأسود، تبرز معالم القصبة، من قصور ودويرات وساحات و«عيون" ودكاكين ومساجد وعادات وتقاليد، وغيرها أيضا من يوميات الجزائريين، بعدها قام الفنان التشكيلي كمال بلطرش، بإهداء المحاضر لوحة تشكيلية وشهادة شرفية، عرفانا بجهوده. أكد الأستاذ لوحال، أن القصبة كانت دوما ملهمته عبر العديد من الكتب التي صدرت له، من ضمنها "نافورات الجزائر" و«ألعاب من طفولتنا" و"الجزائر البيضاء" وغيرها، مشيرا إلى أن تكوينه كان في مجال الأرشيف، علما أن هوايته كانت منذ الصغر، جمع قصاصات الأحداث، وفي سنة 2001 بالتحديد، شارك في مسابقة نظمها المركز الثقافي الفرنسي في الجزائر، خاصة بالكتابة في موضوع الحب، ففاز بها، وهنا أشاد بدور الإعلام المكتوب بالعربية، الذي كان سباقا في تناول ما كتب. وخاض المحاضر أيضا في تجربته الإعلامية في العديد من العناوين الوطنية، ليجد نفسه مهتما بتاريخ وثقافة الجزائر القديمة، وهنا استحضر تأثره بكتابات الراحل مصطفى الأشرف. قال الأستاذ لوحال، إنه حاول في مختلف كتاباته، الوقوف عند ذكرى من صنعوا يوميات القصبة، منهم الحرفيون والتجار، كالخباز وبائع المرطبات والنحاس وغيرهم، لينتشلهم من النسيان، كذلك بالنسبة للألعاب الصبيانية التي ارتبطت بطفولته في القصبة، رغم وسائلها البسيطة غير المكلفة، كأحجار "الكريدة" و«البوس" و«الزربوط" والكرة المحشية، وكان الجميع يلعب مع بعض الصبيان والبنات، يمثلون في أصولهم مناطق مختلفة من الجزائر. تحدث لوحال أيضا، عن معالم الجزائر القديمة، من أرصفة وساحات وسينما الحيط وزرقة السماء التي يخرج فيها ناس العاصمة، منهم أهل القصبة، إلى الضواحي، كتيبازة مثلا، وهنا تأسف المحاضر على بعض الأماكن التي غابت، رغم أهميتها فيما مضى، من ذلك "دار الغولة" و«دار الرايبة" و«دار المعكرة"، ثم وادي كنيس، كلها بقيت تعتمد على الحكايات الشعبية وليس لها أرشيف، ليحكي عن زيارته ل«دار المعكرة" التي وجد بها بقايا شموع، وما ارتبط بها من طقوس، وهي غير بعيدة من مكان إلقاء القبض على ياسف سعدي وزهرة ظريف، مما يعكس تضحيات القصبة وشهدائها التي يتم الاحتفال بذكراهم اليوم، وقال "أنا لست مؤرخا، إنما أسلط الضوء على أحداث ومعالم، لإعادة بناء التاريخ". استحضر المحاضر كتاباته عن "الأنديجان" في القصبة وفي حي بلكور العتيق، وما عاناه أجدادنا من قهر، ليس فقط بالعاصمة، بل في كل الجزائر، وهو ما وصفه بفترة "الأبرتايد"، ليتناول بروز الرياضة، خاصة كرة القدم كوسيلة للمقاومة، وفي عدة مدن وأحياء، منها الدرب في وهران والسويقة في قسنطينة وغيرها، مستحضرا دور عبد الرحمن عوف في تأسيس فريق المولودية، هذا الجزائري الذي كان يلعب مع رفقائه ويمر عليهم الفرنسيون ويستهزؤون بكرتهم المحشوة، زيادة على شهادات أخرى تضمنها كتاب "أسطورة العميد"، الذي يحمل بامتياز صبغة وطنية معطرة بالتضحيات والإنجازات، مع ذكر الأسماء، منها أسماء اللاعبين الشهداء، رحمهم الله، بعضهم حضرت عائلاتهم اللقاء، كما ذكر أن المرأة في زمن الاستعمار، هي من كانت تخيط البدلات الرياضية، وكان حينها يسود الوئام والروح الرياضية التي يجب، حسبه، أن تعود اليوم لملاعبنا. في الأخير، قال المحاضر، إنه ابن مكان جميل في القصبة، وهو "بير جباح" في القصبة، واصفا بأنها كانت هي دولة الجزائر المعروفة ببطولاتها وشهدائها الأبرار، وقال "نحن اليوم لا نخسر الحجارة، بل الأخطر، أننا قد نفقد الذاكرة، خاصة مع تحويل بعض المعالم إلى أماكن تجارية، ولا يمكن للجزائر أن تتعرى من ذاكرتها"، وقد ذكر بالمناسبة، "دار باشطرزي" التي هي اليوم تحت الترميم، وكذا "عطارة مفدي زكريا"، وغيرها من الأماكن من الجزائر، التي خصها في كتاباته، منها البليدةوقسنطينة وتبسة ووهران.