تحولت في ظرف زمني لا يتجاوز بضعة أشهر، دمية غريبة الشكل، تعرف باسم "لابوبو"، إلى واحدة من أكثر الرموز تداولا بين الأفراد، وبين الجزائريين، لاسيما فئة الشباب والمراهقين. هذه الدمية التي بدأت تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قادمة من السوق الآسيوي، خرجت سريعا من إطار اللعب البريء لتغزو فضاء الموضة، وتطبع على العطور والكريمات والأكسسوارات، بل وتتخذ شعارا شخصيا لدى فئة ليست بالقليلة من المراهقين، والتي رغم غرابتها وبشاعتها وحتى غموض الروايات حول حقيقتها، إلا أنها لا تزال تلقى قبولا كبيرا لدى المواطنين، لاسيما فئة منهم، وكأنها استحوذت على عقولهم بطريقة يصعب تفسيرها. تبدو القصة للوهلة الأولى، كمجرد موجة عابرة من موجات الاستهلاك الشبابي، لكن ما يحيط بهذه اللعبة من إشارات وتحذيرات، بدأ يطرح تساؤلات جادة، مثل طبيعة هذه الدمية ومن يقف وراء تسويقها، وحتى مدى خطورتها فعلا على النشء من حيث القيم والمفاهيم، وما هو الموقف الديني لرواج تلك الدمية الدخيلة على ثقافتنا. ظهور مفاجئ وانتشار غير متوقع دمية "لابوبو" ليست منتجا جزائريا، بل تعود إلى شركة صينية تدعى "بوب مارت"، وقد صممها الفنان كاسينغ لونغ، بدأت تكتسب شهرة في بعض الأسواق الآسيوية، بفضل تصميمها الغريب الذي يجمع بين اللطافة والتشويش البصري، بل وأبعد من ذلك قريبا لدمية من عالم الجن، مخيفة، وجه غريب بأسنان بارزة وابتسامة غير مألوفة، وأطراف غير متناسقة، شخصية شبيهة بشخصيات من أفلام الرعب والخيال العلمي. ما لبثت هذه الدمية أن انتقلت إلى السوق الجزائرية خلال عام 2025، وانتشرت بسرعة فائقة بين الأطفال والمراهقين، ولم يتطلب الأمر سوى فترة قصيرة حتى استحوذت على اهتمامات الكبار، خصوصا عبر مواقع التواصل، التي تروج لها عبر مقاطع فيديو مغرية، تتضمن "فتح الصناديق المفاجئة" أو استعراض نسخ محدودة منها بأسعار باهظة وأحيانا خيالية بالنسبة لمجردة "لعبة". وما شد الانتباه، هو أن هذه الدمية لم تعد تقتصر على كونها لعبة، بل ظهرت بصورها على ملابس وعطور وأكسسوارات، بل وبدأ البعض يحملها كرمزية معينة تمس الهوية والانتماء إلى "مجتمع لابوبو"، حسب تعبير بعض المستخدمين الذين حدثتهم "المساء"، خاصة من حاملي تلك الدمى التي يبرزونها على حقائب أيديهم، وأحيانا تكون أكبر حتى من الحقيبة نفسها. وبعيدا عن التسويق المحلي، صدرت خلال أوت 2025، تحذيرات رسمية من عدة هيئات دولية، تنبه إلى وجود نسخ مقلدة من هذه الدمية، تباع في أسواق مفتوحة، وتمثل خطرا مباشرا على الأطفال، لكن تساؤلا أكثر جدية طرحه خبراء عن الفرق بينها وبين الأنواع الأصلية، لتبقى من المفترض كلها دمى، وهل تلك الأصلية منها تحمل ما تعتقده المجتمعات ظاهرية، أم لها رمزية أكثر عمقا في جوهرها ومعناها.. اللجنة الأمريكية لسلامة المنتجات الاستهلاكية، أشارت إلى أن بعض هذه النسخ لا تحترم معايير السلامة، وقد تتسبب في حالات اختناق، خاصة لدى الأطفال دون سن الثالثة، بسبب احتوائها على أجزاء صغيرة قابلة للانفصال، أما في المملكة المتحدة، فطالبت هيئة تجارية أخرى، المستهلكين بتوخي الحذر وعدم اقتناء دمى لابوبو ، إلا من مصادر موثوقة، بعد أن تم سحب كميات منها من الأسواق، بسبب افتقارها لعلامات الجودة الأوروبية. بالنظر إلى السوق الجزائري، فإن الغالبية العظمى من هذه الدمى المعروضة للبيع على مواقع التواصل، أو بعض المحلات العشوائية، هي نسخ مقلدة، مجهولة المصدر، ولا تخضع لأي رقابة صحية أو جمركية واضحة، ورغم ذلك، تباع بأسعار عالية يكشف عنها أحيانا "أشباه المؤثرين" في فيديوهاتهم، حيث يتعمدون فتح الدمى أمام متابعيهم، للكشف عن نوع أو لون الدمية بحماس شديد، وأحيانا يتفاعل المئات من المتابعين مع تلك الفيديوهات، من خلال تعاليق، بعضها ساخرة، وبعضها أكثر حماسا من أصحاب الدمى نفسهم. التمرد الجمالي .. لا تقتصر خطورة هذه الظاهرة على الجانب المادي أو السلامة الجسدية، بل تمتد إلى البعد النفسي والثقافي، وحتى الديني، إذ يرى البعض أن الدمية تحمل خصائص بصرية "مزعجة" بالنسبة للأطفال الحساسين، فهي لا تنتمي إلى نموذج الجمال الطفولي المعروف، بل تعتمد على التناقض البصري والتشويه المقصود للشكل، ما قد يخلق لدى البعض حالة من الارتباك أو النفور الذي قد يتطور، في حالات نادرة، إلى فوبيا أو اضطراب سلوكي، هذا ما أكدته سامية جابوري، مختصة في بسيكولوجيا الطفل، إذ قالت إن الانجذاب إلى هذه الدمية يعكس نوعا من "التمرد الجمالي" لدى الشباب، الذين يجدون في "لابوبو" رفضا للنمط السائد، وسعيا للتميز والاختلاف والخروج عن نمطية الجمال، ولو على حساب المعايير الاجتماعية أو الذوق العام. عدم الانسياق وراء المظاهر ضرورة في هذا السياق، حدث الشيخ عبد القادر فعييوص (إمام مسجد في العاصمة) "المساء"، وأكد أن اقتناء اللعبة في حد ذاتها ليس محرما، لكن أخذها باعتبار أنها مجرد صيحة، وبمبالغ مرتفعة، فيدخل في باب الإسراف والتبذير، خصوصا وأنه لا فائدة ولا نفع فيها، كما أبدى تحفظه من هذه الظاهرة، بالنسبة للفئة التي تقتنيها من باب التباهي والتميز وحمل شعار مجتمعات كافرة، يمكن أن تحمل في طياتها معان وشعارات لديانات غير الإسلام، مرتبطة بعالم الجن أو الشياطين أو غير ذلك، وهذا يجعل اقتناءها محرما، داعيا أولياء الأمور إلى ضرورة اليقظة والتحقق من نوعية ما يقتنيه أطفالهم، وعدم الانسياق وراء المظاهر دون وعي أو توجيه. ظاهرة "لابوبو"، ليست الأولى من نوعها في السوق الجزائري، يقول الإمام، حيث أكد أن الجزائر شهدت قبل هذا، وخلال سنوات ليست بالبعيدة، دخول عدد من الألعاب والمنتجات الاستهلاكية التي أثارت جدلا واسعا، بسبب ما تحمله من رموز وألوان غريبة، تتعارض مع الثقافة الإسلامية والعربية، تأكدت خلالها الجهات المسؤولة أنها محاولات من دول معادية للمساس بالقيم المجتمعية وتحطيم أخلاق وزعزعة توازن المجتمع الجزائري، وهذا أمر غير مستبعد أبدا، حيث انتشرت بعض المنتجات تحمل شعارات وألوان لراية المثليين بشكل صريح أو ضمني، ما استدعى حينها تدخلا رسميا من قبل السلطات الرسمية، عبر وزارة التجارة أو مديريات حماية المستهلك، لسحب تلك المنتجات من الأسواق، والتحقيق في مصدرها، وتم التعامل مع المسألة باعتبارها تعديا على القيم والثوابت الدينية والوطنية، يقول فعييوص، خصوصا وأن تلك الرموز كانت موجهة للأطفال في ألعاب، مثل الدمى أو دفاتر الرسم أو الملابس، ما اعتبر نوعا من محاولة التسلل الأيديولوجي تحت غطاء ترفيهي.